الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
في الحل والحرم: الحية والغراب الأبقع والفأرة والكلب العقور والحديا ". متفق عليه.
(الفصل الثاني)
2725 – (5) عن جابر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لحم الصيد لكم في الإحرام حلال
ــ
وعدم الانتفاع، ومن ثم اختلف أهل الفتوى، فمن قال بالأول ألحق بالخمس كل ما جاز قتله للحلال في الحرم وفي الحل، ومن قال بالثاني ألحق ما لا يؤكل إلا ما نهي عن قتله، وهذا قد يجامع الأول، ومن قال بالثالث يخص الإلحاق بما يحصل منه الإفساد، ووقع في حديث أبي سعيد عند ابن ماجة ((قيل له لم قيل للفارة فويسقة؟ فقيل: لأن النبي صلى الله عليه وسلم استيقظ وقد أخذت الفتلية لتحرق بها البيت)) فهذا يؤمي إلى أن سبب تسمية الخمس بذلك لكون فعلها يشبه فعل الفساق وهو يرجح القول الأخير، والله أعلم (في الحل والحرم) أي حلالاً كان أو محرمًا (الحية) بأنواعها وفي معناها العقرب، (والغراب الأبقع) أي الذي فيه سواد وبياض (والكلب العقور) قال الحافظ: في الكلب بهيمية وسبعية كأنه مركب، وفيه منافع للحراسة والصيد، وفيه من اقتفاء الأثر وشم الرائحة والحراسة وخفة النوم والتودد وقبول التعليم ما ليس لغيره وقيل: إن أول من اتخذه للحراسة نوح عليه السلام (والحديا) بصيغة التصغير. قال التوربشتي: إنما خص هذه الخمس من الدواب المؤذية والضارية وذوات السموم لما أطلعه الله تعالى عليه من مفاسدها أو لأنها أقرب ضررًا إلى الإنسان وأسرع في الفساد، وذلك بغير تمكن الإنسان من دفعها والاحتراز عنها، فإن منها ما يطير فلا يدرك ومنها ما يختبئ في نفق من الأرض كالمنتهز للفرصة، فإذا أمكن من الصرر يبادر إليه، وإذا أحس بطلب استكن، ومنها ما لا يمتنع بالكف والزجر بل يصول صولة العدو المباسل، وقد يصيب المعرض عنه بالمكروه كما يصيب المتعرض له، ثم إنه يتمكن من الهجوم على الإنسان لمخالطته بهم ولا كذلك السباع العادية فإنها متنفرة عن العمرانات في أماكنها يتخذ الإنسان منها حذره – انتهى. واستدل بالحديث على جواز قتل من لجأ إلى الحرم ممن وجب عليه القتل، لأن إباحة قتل هذه الأشياء معلل بالفسق، والقاتل فاسق فيقتل، بل هو أولى لأن فسق المذكورات طبيعي والمكلف إذا ارتكب الفسق هاتك لحرمة نفسه فهو أولى بإقامة مقتضى الفسق عليه. وأشار ابن دقيق العيد إلى أنه بحث قال للنزاع، وسيأتي بسط القول في ((باب حرم مكة)) إن شاء الله (متفق عليه) أخرجه البخاري في الحج وفي بدء الخلق ومسلم في الحج وأخرجه أيضًا أحمد مرارًا والنسائي والترمذي وابن ماجة والدرامي وعبد الرزاق (ج 4: ص 422) والبيهقي (ج 5: ص 209) .
2725 – قوله (لحم الصيد في الإحرام حلال) يعني لحم صيد ذبحه حلال من غير دلالة المحرم وإعانته وإشارته وأمره حلال لكم، وقوله ((لحم الصيد لكم في الإحرام حلال)) كذا في جميع نسخ المشكاة والمصابيح، وهكذا
ما لم تصيدوه أو يصاد لكم ".
ــ
رواه الشافعي في الأم (ج 2: ص 176) ولفظ أبي داود والنسائي وابن حبان كما في الموارد (ص 243) والبيهقي (ج 5: ص 190)((صيد البر (أي مصيده) لكم حلال)) وزاد أحمد (ج 3: ص 362) وعبد الرزاق (ج 4: ص 434) والترمذي والدراقطني (ص 285)((وأنتم حرم)) (بضمتين جمع حرام بمعنى المحرم كردح جمع رداح ويقال رجل حرام وامرأة حرام) وفي رواية الحاكم ج 1: ص352) وابن الجارود (ص 154)((لحم صيد البر لكم حلال وأنتم حرم)) وكذا وقع في رواية للبيهقي (ج 5: ص 190)(ما لم تصيدوه) أي بأنفسكم مباشرة (أو يصاد لكم) أي لأجلكم، وقوله ((يصاد)) كذا بالألف عند أبي داود والنسائي والدارقطني وابن حبان والبيهقي والطحاوي، ووقع عند أحمد (ج 3: ص 362) والترمذي وابن الجارود والشافعي ((أو يصد لكم)) أي مجزومًا بدون الألف، وهكذا وقع في رواية للحاكم كما قال الحافظ في التلخيص (ص 225) وهكذا وقع عند أحمد (ج 3: ص 387) ويؤيد ذلك ما وقع عنده أيضًا (ج 3: ص 389) بلفظ ((لحم الصيد حلال للمحرم ما لم يصده أو يصده له)) ورواه عبد الرزاق بلفظ ((إلا ما اصطدتم أو اصطيد لكم)) ورواية الجزم أي بدون الألف ظاهرة لا إشكال فيها فأنها جارية على قوانين العربية، لأن قوله ((أو يصد)) معطوف على المجزوم، وأما رواية الألف فقيل هي جارية على لغة منها قول الشاعر:
ألم يأتيك والأخبار تنمى ومنها قوله تعالى: ((ومن يتقي ويصبر)) سورة يوسف: الآية 90 بإثبات الياء ولا يخفى ما فيه، وقال السندي الوجه نصب ((يصاد)) على أن ((أو)) بمعنى ((إلا أن)) فلا إشكال – انتهى. وقال القاري: قال بعض علمائنا: بالنصب بإضمار أن وأو بمعنى إلا يعني لحم صيد ذبحه حلال من غير دلالة المحرم وإعانته حلال لكم إلا أن يصاد لأجلكم وبهذا يستدل مالك والشافعي على حرمة لحم ما صاده الحلال لأجل المحرم، قلت: ما ذهب مالك والشافعي هو مذهب جمهور العلماء كما قدمنا في أول الباب، واحتج لهم بحديث جابر: فما صاده الحلال لأجل المحرم حرم على المحرم وما لم يصده لأجله حل له، وقد صح هذا التفصيل عن عثمان بن عفان، وأراد هؤلاء بهذا التفصيل الجمع بين الأحاديث المطلقة في التحريم أو الجواز لأن كلها صحيح لا يمكن رده، وبالجمع المذكور تجتمع الأدلة وإعمالها أحسن من إهمال بعضها مع صحتها وهو جمع مستقيم ليس فيه تكلف أو تعسف. قال الشنقيطي: أظهر الأقوال وأظهرها دليلاً هو القول المفصل بين ما صيد لأجل المحرم فلا يحل له وبين ما صاده الحلال لا لأجل المحرم، فإنه يحل له، والدليل على هذا أمران: الأول أن الجمع بين الأدلة واجب متى ما أمكن، لأن إعمال الدليلين أولى من إلغاء أحدهما ولا طريق للجمع إلا هذا الطريق ومن عدل عنها لا بد أن يلغي نصوصًا صريحة. الثاني حديث جابر الذي نحن في شرحه، قلت: وهو صريح في الفرق
............................................................................................
ــ
والجمع المذكور، وظاهر في الدلالة لمذهب الجمهور. قال الشوكاني: هذا الحديث صريح في التفرقة بين أن يصيده المحرم أو يصيده غيره له، وبين أن لا يصيده المحرم ولا يصاد له بل يصيده الحلال لنفسه ويطعمه المحرم ومقيد لبقية الأحاديث المطلقة كحديث الصعب وطلحة وأبي قتادة ومخصص لعموم الآية المتقدمة يعني أنه يحمل ما جاء مطلقًا في بعض طرق حديث أبي قتادة ونحوه على أنه لم يقصدهم باصطياده، ويحمل حديث الصعب وما وافقه على أنه قصدهم باصطياده لأنه كان عالمًا بأنه يمر به فصاده لأجله، وتحمل الآية الكريمة على الاصطياد وعلى لحم ما صيد للمحرم للأحاديث المبينة من الآية، ويؤيد ذلك حديث أبي قتادة عند أحمد وابن ماجة وعبد الرزاق والدارقطني والبيهقي وابن خزيمة وفيه ((وذكرت أني لم أكن أحرمت وإني إنما اصطدته لك فأمر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه، فأكلوا ولم يأكل منه حين أخبرته أني اصطدته له)) وقد تقدم الكلام عليه. هذا وأجاب الحنفية عن حديث جابر بثلاثة أوجه: أحدها تأويله بحيث لا يخالف مذهبهم بل يوافقه، والثاني الكلام في سنده وإعلاله، والثالث ترجيح حديث أبي قتادة وتقديمه على حديث جابر أما التأويل فبوجوه وكلها مخدوشة باطلة لا يخفى بطلانها على المنصف فمنها ما قال صاحب الهداية والطحاوي أن معناه أن يصاد لكم بأمركم، وهذا لأن الغالب في عمل الإنسان لغيره أن يكون بطلب منه، ومنها ما قاله صاحب الهداية أيضًا أن اللام في أو يصاد لكم للملك، والمعنى أن يصاد ويجعل له فيكون تمليك عين الصيد من المحرم وهو ممتنع أن يتملكه فيأكل من لحمه، وقال القاري: وأبو حنيفة رحمه الله يحمله على أن يهدى إليكم الصيد دون اللحم انتهى. ويبطل هذا التأويل رواية الحديث بلفظ ((لحم الصيد لكم حلال)) إلخ. ومنها ما قيل: ((إن لكم)) بمعنى ((إعانتكم)) أو ((إشارتكم)) قال النبوري بعد ذكره: هذا تأويل محض لا يطمئن بمثله القلب. قلت: وهو نحو ما تقدم من تأويل صاحب الهداية والطحاوي. ومنها ما قيل: إن اللام ليس في معنى ((لأجلكم)) بل هي للتوكيل كما في قوله بعت له ثوبًا، واشتريت له لحمًا، وإذا احتمل كلا الوجهين لم يبق حجة في الحمل على الوجه الأول، وفيه أن الوجه الأول هو المتعين أعني أن اللام في ((لكم)) بمعنى لأجلكم لا للتوكيل يدل عليه رواية أبي قتادة عند أحمد وابن ماجة وغيرهما بلفظ ((ولم يأكل منه حين أخبرته أني اصطدته له)) ويدل عليه أيضًا قول عثمان رضي الله عنه حين أبي من أكل لحم الصيد ((إني لست كهيئتكم، إنما صيد لأجلي)) ومنها ما قال بعضهم إن غرض الحديث كما قاله الجمهور، ولكن ليس الغرض المنع والحرمة وإنما الغرض الكراهة فقط، والنهي من قبيل سد الذرائع، كما أنه عليه الصلاة والسلام أخذ صيد أبي قتادة بيانًا للجواز ولم يأخذ صيد صعب بن جثامة لسد الزرائع، وفيه أن حمله على الكراهة فقط بعيد جدًا لأنه خلاف الظاهر ويبطله أيضًا رواية أبي قتادة عند أحمد وابن ماجة والحكم عليها بالوهم من غير دليل ليس مما يلتفت إليه، وأما الجواب عن حديث جابر بالكلام في سنده فهو أن في إسناد هذا الحديث عمرو بن أبي عمرو مولى المطلب بن
..............................................................................................
ــ
عبد الله بن حنطب عن مولاه المطلب عن جابر بن عبد الله، وعمرو مختلف فيه، فقال الدوري عن ابن معين: في حديثه ضعف، ليس بالقوى، وقال ابن أبي خثيمة عن ابن معين: ضعيف: وقال النسائي: ليس بالقوي وقد اضطرب هو في هذا الحديث فقال أكثر أصحابه عنه عن المطلب بن عبد الله عن جابر بن عبد الله، وقال الدراوردي عنه عن رجل من بني سلمة عن جابر، وهو عند الشافعي والدارقطني والبيهقي والحاكم، وقال يوسف بن خالد السمتي عنه عن المطلب بن عبد الله عن أبي موسى الأشعري، وهو عند الطبراني في الكبير وابن عدي في الكامل، ووافقه إبراهيم بن سويد عن عمرو عند الطحاوي، والمطلب بن عبد الله قال فيه ابن سعد: ليس يحتج بحديثه لأنه يرسل كثيرًا وليس له لقي وعامة أصحابه يدلسون. وقال الحافظ في التقريب: المطلب بن عبد الله بن المطلب بن حنطب، صدوق كثير التدليس والإرسال، وقال الترمذي: لا يعرف له سماع عن جابر، وقال في موضوع آخر: قال محمد يعني البخاري: لا أعرف له سماعًا من أحد من الصحابة إلا قوله: حدثني من شهد خطبة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال ابن أبي الحاتم في المراسيل عن أبيه لم يسمع من جابر، وعلى هذا فالحديث مرسل، قال ابن التركماني: هذا الحديث معلول، عمرو بن أبي عمرو مع اضطرابه في هذا الحديث متكلم فيه، قال ابن معين وأبو داود: ليس بالقوي. زاد يحيى: وكان مالك يستضعفه، وقال السعدي: مضطرب الحديث، والمطلب قال فيه ابن سعد: ليس يحتج بحديثه لأنه يرسل عن النبي صلى الله عليه وسلم كثيرًا وعامة أصحابه يدلسون، ثم الحديث مرسل أي منقطع، قال الترمذي: المطلب لا يعرف له سماع من جابر، فظهر بهذا أن الحديث فيه أربع علل: إحداها الكلام في المطلب، ثانيتها أنه ولو كان ثقة فلا سماع له من جابر فالحديث مرسل، ثالثتها الكلام في عمرو، ورابعتها أنه ولو كان ثقة فقد اختلف عليه فيه كما مر وقد أخرجه الطحاوي من وجه آخر عن المطلب عن أبي موسى، وقال ابن حزم في المحلى: هو خبر ساقط – انتهى. وأجيب أن هذا كله ليس فيه ما يقتضي ضعف هذا الحديث ورده، لأن عمرو المذكور ثقة وهو من رجال البخاري ومسلم، وممن روى عنه مالك بن أنس وكل ذلك يدل على أنه ثقة، وقال الحافظ في التقريب: ثقة ربما وهم. وقال فيه النووي في شرح المهذب: أما تضعيف عمرو بن أبي عمرو فغير ثابت لأن البخاري ومسلمًا رويا له في صحيحيهما واحتجا به وهما القدوة في هذا الباب، وقد احتج به مالك وروى عنه وهو القدوة وقد عرف من عادته أن لا يروي في كتابه إلا عن ثقة، وقال أحمد بن حنبل فيه: ليس به بأس، وقال أبو زرعة: هو ثقة، وقال أبو حاتم: لا بأس به، وقال ابن عدي: لا بأس به لأن مالكًا روى عنه ولا يروي مالك إلا عن صدوق ثقة، قلت: وقد عرف أن الجرح لا يقبل ولا يثبت إلا مفسرًا، ولم يفسره ابن معين والنسائي بما يثبت تضعيف عمرو المذكور، وقال الشيخ ولي الدين: قد تبع النسائي على هذا ابن حزم وسبقهما إلى تضعيفه يحيى بن معين وغيره، لكن وثقه أحمد وأبو زرعة وأبو حاتم وابن عدي وغيرهم، وأخرج له الشيخان في
.............................................................................................
ــ
صحيحيهما وكفى بهما فوجب قبول خبره وقد سكت عنه أبو داود على خبره فهو عنده حسن أو صحيح كذا ذكر السندي. قلت: وصححه الحاكم وقال: إنه على شرط الشيخين، وقرره الذهبي، وقال الشافعي: هذا أحسن حديث روي في هذا الباب وأقيس، وأما إعلال الحديث بأن عمروا اضطرب في هذا الحديث وأنه اختلف عليه فيه فالجواب أن الاضطراب والاختلاف إنما يضر إذا تساوت الطرق ولم يترجح واحد منها بوجه من وجوه الترجيح كما تقرر في موضعه، وأما إذا ترجح واحد منها فيقدم هو على غيره فإنه لا يعل الراجح بالمرجوح، وها هنا رواية من روى عن عمرو عن المطلب عن جابر أرجح من رواية من روى عن عمرو عن رجل عن جابر لكثرة من روى بعدم ذكر الواسطة، ولذا قال الحاكم بعد روايته من طريق يعقوب بن عبد الرحمن ويحيى بن عبد الله بن سالم عن عمرو عن المطلب عن جابر: وهكذا رواه مالك بن أنس وسليمان بن بلال ويحيى بن عبد الله بن سالم عن عمرو بن أبي عمرو متصلاً مسندًا،، ثم أخرج أحاديثهم ثم أخرجه من طريق الشافعي، أخبرنا عبد العزيز بن محمد الدراوردي عن عمرو بن أبي عمرو عن رجل من بني سلمة عن جابر، قال الحاكم: وهذا لا يعلل حديث مالك وسليمان بن بلال ويعقوب بن عبد الرحمن الاسكندراني فإنهم وصلوه وهم ثقات – انتهى، كذا في نصب الراية، وأما الاختلاف عليه في الصحابي فلا يضر أيضًا فإن يوسف بن خالد السمتي متروك، وأما رواية إبراهيم بن سويد عند الطحاوي فقال الحافظ في التلخيص بعد ذكرها: قد خالفه إبراهيم بن أبي يحيى وسليمان بن بلال والدراوردي ويحيى بن عبد الله بن سالم ويعقوب بن عبد الرحمن ومالك فيما قيل وآخرون وهم أحفظ منه وأوثق – انتهى. وأما إعلال هذا الحديث بعدم سماع المطلب من جابر وكون الحديث مرسلاً فقد أجاب عنه الشنقيطي بأن قول الترمذي المذكور وكذا قول البخاري ليس في شيء من ذلك ما يقتضي رد روايته لما قدمنا في سورة النساء من أن التحقيق هو الاكتفاء بالمعاصرة ولا يلزم ثبوت اللقي، وأحرى ثبوت السماع كما أوضحه مسلم في مقدمة صحيحه بما لا مزيد عليه مع أن البخاري ذكر في كلامه هذا الذي نقله عنه الترمذي أن المطلب مولى عمرو المذكور صرح بالتحديث ممن سمع خطبة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو تصريح بالسماع من بعض الصحابة بلا شك، وقال النووي في شرح المهذب: وأما إدراك المطلب لجابر فقال ابن أبي حاتم (في الجرح والتعديل) : وروى عن جابر قال: ويشبه أن يكون أدركه، هذا هو كلام ابن أبي حاتم، فحصل شك في إدراكه، ومذهب مسلم الذي ادعى في مقدمة صحيحه الإجماع فيه أنه لا يشترط في اتصال الحديث اللقاء بل يكتفي بإمكانه، والإمكان حاصل قطعًا، ومذهب علي بن المديني والبخاري والأكثرين اشتراط ثبوت اللقاء، فعلى مذهب مسلم الحديث متصل، وعلى مذهب الأكثرين يكون مرسلاً لبعض كبار التابعين، وقد سبق أن مرسل التابعي الكبير يحتج به عندنا إذا اعتضد بقول الصحابة أو قول أكثر العلماء أو غير ذلك مما سبق، وقد اعتضد هذا الحديث فقال به من
رواه أبو داود، والترمذي، والنسائي.
ــ
الصحابة من سنذكره في فرع مذاهب العلماء – انتهى كلام النووي. قال الشنقيطي: فظهرت صحة الاحتجاج بالحديث المذكور على كل التقديرات على مذاهب الأئمة الأربعة، لأن الشافعي منهم هو الذي لا يحتج بالمرسل، وقد عرفت احتجاجه بهذا الحديث على تقدير إرساله، قال الشنقيطي: نعم يشترط في قبول رواية المدلس التصريح بالسماع والمطلب المذكور مدلس لكن مشهور مذهب مالك وأبي حنيفة وأحمد صحة الاحتجاج بالمرسل لا سيما إذا اعتضد بغيره كما ها هنا وقد علمت من كلام النووي موافقة الشافعية، ومن المعلوم أن من يحتج بالمرسل يحتج بعنعنة المدلس من باب أولى، فظهرت صحة الاحتجاج بالحديث المذكور عند مالك وأبي حنيفة وأحمد مع أن هذا الحديث له شاهد عند الخطيب وابن عدي من رواية عثمان بن خالد المخزومي عن مالك عن نافع عن ابن عمر كما نقله الحافظ في التلخيص (والزيلعي في نصب الراية) وهو يقويه وإن كان عثمان المذكور ضعيفًا لأن الضعيف يقوي المرسل كما عرف في علوم الحديث، فالظاهر أن حديث جابر هذا صالح وأنه نص في محل النزاع، وهو جمع بين هذه الأدلة بعن الجمع الذي ذكرنا أولاً، فاتضح بهذا أن الأحاديث الدالة على منع أكل المحرم مما صاده الحلال كلها محمولة على أنه صاده من أجله، وأن الأحاديث الدالة على إباحة الأكل منه محمولة على أنه لم يصده من أجله – انتهى كلام الشنقيطي. وأما الوجه الثالث مما أجاب به الحنيفة عن حديث جابر وهو ترجيح حديث أبي قتادة عليه فقال ابن الهمام في تقريره إن في حديث أبي قتادة أنهم لما سألوه عليه السلام لم يجب بحله لهم حتى سألهم عن موانع الحل أكانت موجودة أم لا؟ فقال صلى الله عليه وسلم: أمنكم أحد أمره أن يحمل عليها أو إشارة إليها؟ قالوا: لا. قال: فكلوا إذا. فلو كان من الموانع أن يصاد لهم لنظمه في سلك ما يسئل عنه منها في التفحص عن الموانع ليجيب بالحكم عند خلوه عنها، وهذا المعنى كالصريح في نفي كون الاصطياد للمحرم مانعًا فيعارض حديث جابر، ويقدم عليه لقوة ثبوته إذ هو في الصحيحين وغيرهما من الكتب الستة بخلاف ذلك بل قيل في حديث جابر انقطاع يعني فالأولى هو ترجيح حديث أبي قتادة، وتعقب بأنه لا تعارض بين الحديثين، فإن في رواية أبي قتادة عند أحمد وابن ماجة وعبد الرزاق وغيرهم أنه صلى الله عليه وسلم لم يأكل من صيده حين أخبره أبو قتادة أنه اصطاده له وعلى هذا فحديث أبي قتادة موافق لحديث جابر لا معارض (رواه أبو داود) إلخ. وأخرجه أيضًا أحمد (ج 3: ص 362، 387، 389) وابن خزيمة وابن حبان والحاكم (ج 1: ص 452) والدراقطني (ص 285) والبيهقي (ج 5: ص 190) وعبد الرزاق (ج 4: ص 435) والشافعي في الأم (ج 2: ص 176) وابن الجارود في المنتقى (ص 154) والطحاوي (ج 1: ص 388) من حديث عمرو بن أبي عمرو مولى المطلب بن عبد الله بن حنطب عن مولاه المطلب عن جابر وهو إسناد صالح حسن أو صحيح وقد تقدم الكلام والبحث في هذا فتذكر.
2726 – (6) وعن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال:" الجراد من صيد البحر ".
ــ
2726 – قوله (الجراد) بفتح الجيم وتخفيف الراء حيوان معروف، والواحدة جرادة، والذكر والأنثى سواء كالحمامة، ويقال: إنه مشتق من الجرد لأنه لا ينزل على شيء إلا جرده. قال الدميري: هو مشتق من الجرد والاشتقاق في أسماء الأجناس قليل جدًا. يقال ثوب جرد أي أملس، وهو نوعان بري وبحري، وهو أصناف مختلفة فبعضه كبير الجثة وبعضه صغيرها وبعضه أحمر وبعضه أصفر وبعضه أبيض، وإذا خرج من بيضه يقال له الدَّبيّ فإذا طالت أجنحته وكبرت فهو الغوغاء الواحدة غوغاة وذلك حين يموج بعضه في بعض. فإذا بدت فيه الألوان واصفرت الذكور واسودت الإناث سمى جرادًا حينئذ، ولها ست أرجل، يدان في صدرها وقائمتان في وسطها ورجلان في مؤخرها وطرفا رجليها منشاران، وهو من الحيوان الذي ينقاد لرئيسه فيجتمع كالعسكر إذا ظعن أوله تتابع جميعه ظاعنًا، وإذا نزل أوله نزل جميعه. قال: وفي الجراد خلقة عشرة من جبابرة الحيوان مع ضعفه: وجه فرس وعينًا فيل وعنق ثور وقرنا أيل وصدر أسد وبطن عقرب وجناحا نسر وفخذا جمل ورجلا نعامة وذنب حية – انتهى. وقال الحافظ في الفتح: وخلقة الجراد عجيبة فيها عشر من الحيوانات ذكر بعضها ابن الشهرزوري في قوله:
لها فخذ بكر وساقا نعامة _
…
وقادمتا نسر وجؤجؤ ضيغم
حبتها أفاعي الرمل بطنا وأنعمت _
…
عليها جياد الخيل بالرأس والفم
قيل: وفاته عين الفيل وعنق الثور وقرن الأيل وذنب الحية، وهو صنفان: طيار ووثاب، ويبيض في الصخر ويتركه حتى ييبس وينتشر فلا يمر بزرع إلا اجتاحه (من صيد البحر) قيل إن الجراد يتولد من الحيتان كالديدان فيدسرها البحر ويطرحها إلى الساحل. وقيل: فيه بيان لأول خلقه فروى الباجي عن كعب قال: خرج أوله من منخر حوت فأفاد أن أول خلقه من ذلك قال الزرقاني. وفيه دليل على أن الجراد من صيد البحر وأنه في حكمه فلا جزاء في قتله، ويؤيده حديث جابر وأنس عند ابن ماجة مرفوعًا ((إن الجراد نثرة الحوت في البحر)) لكن الحديثين ضعيفان كما ستعرف، واختلف العلماء في ذلك فقال مالك والشافعي وأبو حنيفة وأحمد في رواية: إنه من صيد البر وفيه الجزاء، قال النووي في شرح المهذب: يجب الجزاء على المحرم بإتلاف الجراد عندنا، وبه قال عمر وعثمان وابن عباس وعطاء. قال العبدري: وهو قول أهل العلم كافة إلا أبا سعيد الأصطخري قال: لا جزاء فيه، وحكاه ابن المنذر عن كعب الأحبار وعروة بن الزبير قالوا: هو من صيد البحر فلا جزاء فيه، واحتج لهم بحديث أبي المهزم عن أبي هريرة يعني حديث الباب، ثم قال: واتفقوا على تضعيفه لضعف أبي المهزم – انتهى. وقال ابن قدامة: اختلفت الرواية أي عن الإمام أحمد في الجراد فعنه هو من صيد البحر لا جزاء فيه وهو مذهب أبي سعيد. قال ابن المنذر: قال ابن عباس وكعب: وهو من
..............................................................................................
ــ
صيد البحر، وقال عروة: هو نثرة حوت، ثم ذكر حديث أبي هريرة ثم: قال وروي عن أحمد أنه من صيد البر وفيه الجزاء وهو قول الأكثرين لما رواه الشافعي في مسنده عن عمر أنه قال لكعب في جرادتين: ما جعلت في نفسك؟ قال: درهمان. قال: بخ! درهمان خير من مائة جرادة، ولأنه طير يشاهد طيرانه في البر ويهلكه الماء إذا وقع فيه فأشبه العصافير، فعلى هذا يضمنه بقيمته لأنه لا مثل له، وهو قول الشافعي، وعن أحمد: يتصدق بتمرة عن الجرادة، وهو يروي عن عمر وعبد الله بن عمر، وقال ابن عباس: قبضة من طعام. قال القاضي: هذا محمول على أنه أوجب ذلك على طريق القيمة، والظاهر أنهم لم يريدوا بذلك التقدير وإنما أرادوا أن فيه أقل شيء – انتهى. وقال الحافظ في الفتح بعد ذكر حديث أبي هريرة: وسنده ضعيف، فلو صح لكان فيه حجة لمن قال: لا جزاء فيه إذا قتله المحرم، وجمهور العلماء على خلافه. قال ابن المنذر: لم يقل لا جزاء فيه غير أبي سعيد الخدري وعروة بن الزبير، واختلف عن كعب الأحبار، وإذا ثبت فيه الجزاء دل على أنه بري – انتهى. والقول الراجح المعول عليه أن الجراد من صيد البر فيجب الجزاء على المحرم في قتله وهو قول عامة العلماء من الصحابة والتابعين وغيرهم إلا أبا سعيد الخدري وعروة بن الزبير، واختلفت الرواية في ذلك عن كعب، وأما حديث أبي هريرة وأنس فضعيف بالاتفاق لا يصلح للاحتجاج كما سيأتي، وأيضًا تدفعه المشاهدة والحس لاستقراره في البر وإرزازه في الأرض وتقوته بما يخرجه الأرض من نباتها وثمراتها. قال النووي: ودعوى أنها بحري لا تقبل بغير دليل وقد دلت الأحاديث الصحيحة والإجماع على أنه مأكول فيجب جزاءه كغيره والله أعلم – انتهى. والظاهر أنه إنما عده من صيد البحر لأنه يشبه صيد البحر من حيث أنه يحل ميتته ولا يفتقر إلى التذكية يعني أنه جعله من صيد البحر لمشاركته صيد البحر في حكم الأكل منه من غير تذكية على ما ورد به الحديث ((أحلت لنا ميتتان)) إلخ. وقيل: إن الجراد على نوعين بحري وبري فيعمل في كل منهما بحكمه، ثم إنهم اختلفوا في أصله على أقوال، فقيل: أنه نثرة حوت كما تقدم، وقيل: متولد من روث السمك حكاه العيني، وقيل: أنه يتولد من الحيتان فيطرحها البحر إلى الساحل، وقيل: أول خلقه من نثرة الحوت كما سبق، وقال الباجي: روي عن سعيد بن المسيب أن الله تعالى خلق الجراد مما بقي من طينة آدم، ورواه عبد الرزاق (ج 4: ص 531) عن معمر عن الزهري عن ابن المسيب قال: لم يخلق الله بعد آدم شيئًا إلا الجراد بقي من طينته شيء فخلق منها الجراد، وهذا أيضًا لا يعرف إلا بخير نبي، ولا نعلم في ذلك خبرًا يثبت فلا يصح التعلق بشيء من ذلك – انتهى. وقال الحافظ: اختلف في أصله فقيل: أنه نثرة حوت فلذلك كان أكله بغير ذكاة، وهذا ورد في حديث ضعيف أخرجه ابن ماجة عن أنس رفعه ((إن الجراد نثرة حوت من البحر)) ومن حديث أبي هريرة ((خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حج أو عمرة فاستقبلنا رجل من جراد فجعلنا نضرب بنعالنا وأسواطنا فقال: كلوه فإنه من صيد البحر)) أخرجه أبو داود والترمذي وابن ماجة وسنده ضعيف، إلى آخر ما نقلنا
رواه أبو داود، والترمذي.
ــ
من كلامه قبل ذلك. هذا والحديث يدل أيضًا على جواز أكل الجراد مطلقًا وقد حكى غير واحد من أهل العلم الإجماع على إباحة أكله، لكن فصل ابن العربي في شرح الترمذي بين جراد الحجاز وجراد الأندلس، فقال في جراد الأندلس: لا يؤكل لأنه محض، وهذا إن ثبت أنه يضر أكله بأن يكون فيه سمية تخصه دون غيره من الجراد البلاد تعين استثناؤه، كذا في الفتح. قال الدميري: أجمع المسلمون على إباحة أكله، وقد قال عبد الله بن أبي أوفى: غزونا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم سبع غزوات نأكل الجراد، رواه أبو داود والبخاري، وزاد أبو نعيم ((ويأكله رسول الله صلى الله عليه وسلم معنا)) وروى ابن ماجة عن أنس: كن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم يتهادين الجراد في الأطباق. وفي الموطأ أن عمر رضي الله عنه سئل عن الجراد فقال: إن عندى قفة آكل منها – انتهى. وقال النووي: أجمع المسلمون على إباحة أكل الجراد، ثم قال الشافعي وأبو حنفية والجماهير: يحل سواء مات بذكاة أو باصطياد مسلم أو مجوسي، أو مات حتف أنفه، وقال مالك في المشهور عنه وأحمد في رواية: يحل إذا مات بسبب بأن يقطع بعضه أو يلقى في النار حيًا فإن مات حتف أنفه لا يحل، وقال الحافظ: قد أجمع العلماء على جواز أكله بغير تذكية إلا أن المشهور عند المالكية اشتراط تذكيته، واختلفوا في صفتها فقيل بقطع رأسه، وقيل: إن وقع في قدر أو نار حل، وقال ابن وهب: أخذه ذكاته، ووافق مطرف منهم الجمهور في أنه لا يفتقر إلى ذكاته لحديث ابن عمر:((أحلت لنا ميتتان ودمان السمك والجراد والكبد والطحال)) أخرجه أحمد والدارقطني مرفوعًا، وقال إن الموقوف أصح، ورجح البيهقي أيضًا الموقوف، إلا أنه قال: إن له حكم الرفع – انتهى. وقال ابن قدامة (ج 8: ص 572) : يباح أكل الجراد بإجماع أهل العلم وقد قال عبد الله بن أبي أوفى: غزونا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم سبع غزوات نأكل الجراد. رواه البخاري. ولا فرق بين أن يموت بسبب أو بغير سبب في قول عامة أهل العلم منهم الشافعي وأصحاب الحديث وأصحاب الرأي وابن المنذر، وعن أحمد أنه إذا قتله البرد لم يؤكل، وعنه لا يؤكل إذا مات بغير سبب، وهو قول مالك، ويروى أيضًا عن سعيد بن المسيب، ولنا عموم قوله عليه السلام: أحلت لنا ميتتان ودمان، فالميتتان السمك والجراد، ولم يفصل، ولأنه تباح ميتته فلم يعتبر له سبب كالسمك – انتهى. (رواه أبو داود والترمذي) أخرجه أبو داود أولاً من طريق ميمون بن جابان عن أبي رافع عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: الجراد من صيد البحر. ثم روى هو والترمذي من طريق أبي المهزم عن أبي هريرة قال: أصابنا صرمًا من جراد فكان رجل يضرب بسوطه وهو محرم فقيل له: إن هذا لا يصلح، فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال:" إنما هو من صيد البحر ". ولفظ الترمذي ((قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حج أو عمرة فاستقبلنا رجل من جراد فجعلنا نضربه بأسياطنا وعصينا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: كلوه فإنه من صيد البحر، وبنحو ذلك رواه أحمد (ج 2: ص 306) وابن ماجة
2727 – (7) وعن أبي سعيد الخدري، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال:" يقتل المحرم السبع العادي ". رواه الترمذي، وأبو داود، وابن ماجة.
2728 – (8) وعن عبد الرحمن بن أبي عمار، قال: سألت جابر بن عبد الله عن الضبع
ــ
والبيهقي (ج 5: ص 207) قال المنذري: ميمون بن جابان لا يحتج به، وأبو المهزم – بضم الميم وفتح الهاء وكسر الزاي وتشديدها، بعدها ميم – اسمه يزيد بن سفيان بصري، متروك، وقال أبو داود: أبو المهزم ضعيف، والحديثان جميعًا وهم – انتهى. وأما حديث جابر وأنس عند ابن ماجة فهو أيضًا ضعيف جدًا، وفي إسناده موسى بن محمد متروك، منكر الحديث ومن أفراد ابن ماجة.
2727-
قوله (يقتل المحرم السبع العادي) بتخفيف الياء وفتحها، أي الظالم الذي يفترس الناس ويعقر فكل ما كان هذا الفعل نعتًا له من أسد ونمر وفهد وذئب ونحوها فحكمه هذا الحكم وليس على قاتلها فدية، والحديث كذا ذكره المصنف مختصرًا وهو عند الترمذي بلفظ ((يقتل المحرم السبع العادي والكلب العقور والفارة والعقرب والحدأة والغراب)) وبنحو ذلك رواه أحمد وأبو داود وابن ماجة وغيرهم. قال الترمذي: والعمل على هذا عند أهل العلم، قالوا: المحرم يقتل السبع العادي والكلب، وهو قول سفيان الثوري والشافعي، وقال الشافعي: كل سبع عدا على الناس أو على دوابهم فللمحرم قتله – انتهى. قلت: وهو قول مالك وأحمد والجمهور كما تقدم (رواه الترمذي) وقال: هذا حديث حسن (وأبو داود) وسكت عنه (وابن ماجة) وأخرجه أيضًا أحمد والطحاوي والبيهقي (ج 5: ص 210) وفي إسناده عندهم جميعًا يزيد بن أبي زياد مختلف فيه، وروى له مسلم مقرونًا بغيره. وقال المنذري بعد نقل تحسين الترمذي: وفي إسناده يزيد بن أبي زياد وقد تقدم الكلام عليه، وقد أطال الشنقيطي الكلام في تقوية هذا الحديث وترجح مذهب الجمهور فارجع إلى أضواء البيان (ج 2: ص 139، 140) إن شئت.
2728-
قوله (وعن عبد الرحمن بن أبي عمار) بفتح العين وتشديد الميم، هو عبد الرحمن بن عبد الله بن أبي عمار المكي القرشي حليف بني جمح الملقب بالقس – بفتح القاف وتشديد السين المهملة – ثقة عابد من الطبقة الوسطى من التابعين. قال ابن أبي خيثمة: كان حليفًا لبني جمح وكان ينزل مكة وكان من عبادها فسمي القس لعبادته (سألت جابر بن عبد الله) أي الأنصاري الصحابي (عن الضبع) قال الزرقاني: بضم الباء لغة قيس، وسكونها لغة تميم وهي أنثى، وقيل يقع على الذكر والأنثى، وربما قيل في الأنثى ضبعة بالهاء. والذكر ضبعان، والجمع ضباعين (كسرحان وسراحين) ويجمع مضموم الباء على ضباع وساكنها على أضبع – انتهى. وقال شيخنا: الضبع – بفتح الضاد المعجمة وضم الباء الموحدة – حيوان معروف يقال له بالفارسية كفتار (بفتح كاف وسكون فاء) وبالهندية ((بجو)) بكسر الموحدة وضم الجيم
أصيد هي؟ فقال: نعم.
ــ
المشددة كما في نفائس اللغات ومخزن الأدوية وغيرهما. وقيل: هو بالهندية ((هندار)) كما في غياث اللغات، والأول هو الظاهر لأن الضبع معروف بنبش القبور، والحيوان الذي يقال له بالهندية ((هندار)) لم يعرف بنبش القبور قال في النيل: ومن عجيب أمره أنه يكون سنة ذكرًا وسنة أنثى، فيلقح في حال الذكورة ويلد في حال الأنوثة، وهو مولع بنبش القبور لشهوته للحوم بني آدم. وقال الدميري: الضبع معروفة ولا تقل ضبعة، لأن الذكر ضبعان، ومن عجيب أمرها أنها كالأرنب تكون سنة ذكرًا وسنة أنثى فتلقح في حال الذكورة وتلد في حال الأنوثة، وهي مولعة بنبش القبور لكثرة شهوتها للحوم بني آدم، ومتى رأت إنسانًا نائمًا حفرت تحت رأسه وأخذت بحلقه فتقتله وتشرب دمه (أصيد هي؟) أي أفي قتلها جزاء؟ (فقال: نعم) زاد في رواية أبي داود وغيره كما سيأتي ((ويجعل فيه كبش إذا صاده المحرم، والحديث نص في أن الضبع صيد يلزم فيه الجزاء. وهذه المسألة متفق عليها بين الأئمة الأربعة، وأما إيجاب الكبش أو الشاة في الضبع فهو مذهب الأئمة الثلاثة الشافعي ومالك وأحمد كما صرح به أهل الفروع، ففي الروض المربع: وفي الضبع كبش، وهكذا في مناسك النووي وشرح الإقناع، ونص الدردير على أن في الضبع شاة، وأما عند الحنفية فالواجب القيمة. قال في الهداية: الجزاء عند أبي حنيفة وأبي يوسف أن يقوم الصيد في المكان الذي قتل فيه أو في أقرب المواضع ويُقَوّمه ذوا عدل، ثم هو مخير في الفداء إن شاء اشترى به هديًا إن بلغته أو اشترى طعامًا وتصدق به وإن شاء صام، وقال محمد والشافعي: تجب في الصيد النظير فيما له نظير، ففي الظبي شاة، وفي الضبع شاة لأن الصحابة أوجبوا النظير من حيث الخلقة. وقال عليه الصلاة والسلام: " الضبع صيد وفيه الشاة ". – انتهى بقدر الضرورة. وقال ابن قدامة (ج 3: ص 509) : إن جزاء ما كان دابة من الصيد نظيره من النعم، هذا قول أكثر أهل العلم منهم الشافعي، وقال أبو حنيفة: الواجب القيمة، ويجوز فيها المثل لأن الصيد ليس بمثلي، ولنا قول الله تعالى {فجزاء مثل ما قتل من النعم} سورة المائدة الآية 96. وجعل النبي صلى الله عليه وسلم في الضبع كبشًا وأجمع الصحابة على إيجاب المثل، وقال عمر وعثمان وعلي وزيد ابن ثابت وابن عباس ومعاوية: في النعامة بدنة، وحكم عمر في حمار الوحش ببقرة، وحكم عمر وعلي في الظبي بشاة، وإذا حكموا بذلك في الأزمنة المختلفة والبلدان المتفرقة دل ذلك على أنه ليس على وجه القيمة ولأنه لو كان على وجه القيمة لاعتبروا صفة المتلف التي تختلف بها القيمة إما برؤية أو إخبار ولم ينقل منهم السؤال عن ذلك حال الحكم، إذا ثبت هذا فليس المراد حقيقة المماثلة فإنها لا تتحقق بين النعم والصيد لكن أريدت المماثلة من حيث الصورة، والمتلف من الصيد قسمان أحدهما ما قضت فيه الصحابة فيجب فيه ما قضت، وبهذا قال عطاء والشافعي وإسحاق، وقال مالك: يستأنف الحكم فيه، قال ابن قدامة: والذي بلغنا قضاء الصحابة في الضبع كبش، قضى به عمر وعلي
..............................................................................................
ــ
وجابر وابن عباس، وفيه عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل في الضبع يصيدها المحرم كبشًا. رواه أبو داود وابن ماجة. قال أحمد: حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم في الضبع بكبش، وبه قال عطاء والشافعي وأبو ثور وابن المنذر، وقال الأوزاعي: إن كان العلماء بالشام يعدونها من السباع، ويكرهون أكلها، وهو القياس إلا أن إتباع السنة والآثار أولى. القسم الثاني: ما لم تقض فيه الصحابة فيرجع إلى قول عدلين من أهل الخبرة لقول الله تعالى {يحكم به ذوا عدل منكم} فيحكمان فيه بأشبه الأشياء به من النعم من حيث الخلقة لا من حيث القيمة بدليل أن قضاء الصحابة لم يكن بالمثل في القيمة - انتهى مختصرًا. وقال الشنقيطي: اعلم أن الصيد ينقسم إلى قسمين: قسم له مثل من النعم كبقرة الوحش، وقسم لا مثل له من النعم كالعصافير وجمهور العلماء يعتبرون المثلية بالمماثلة في الصورة والخلقة، وخالف أبو حنيفة الجمهور فقال: إن المماثلة معنوية وهي القيمة أي قيمة الصيد في المكان الذي قتله فيه أو أقرب موضع إليه إن كان لا يباع الصيد في موضع قتله فيشترى بتلك القيمة هديًا إن شاء أو يشتري بها طعامًا ويطعم المساكين. واحتج أبو حنيفة بأنه لو كان الشبه من طريق الخلقة والصورة معتبرًا في النعامة بدنة وفي الحمار بقرة وفي الظبي شاة لما أوقفه على عدلين يحكمان به لأن ذلك قد علم فلا يحتاج إلى الارتياء والنظر، وإنما يفتقر إلى العدلين والنظر ما تشكل الحال فيه ويختلف فيه وجه النظر. ودليل الجمهور على أن المراد بالمثل من النعم المشابهة للصيد في الخلقة والصورة منها قوله تعالى:{فجزاء مثل ما قتل من النعم} فالمثل يقتضي بظاهره المثل الخلقي الصوري دون المعنوي، ثم قال {من النعم} فصرح ببيان جنس المثل، ثم قال:{يحكم به ذوا عدل منكم} وضمير ((به)) راجع إلى ((المثل من النعم)) لأنه لم يتقدم ذكر لسواه حتى يرجع إليه الضمير، ثم قال ((هديًا بالغًا الكعبة)) والذي يتصور أن يكون هديًا مثل المقتول من النعم، فأما القيمة فلا يتصور أن تكون هديًا ولا جرى لها ذكر في نفس الآية، وادعاء أن المراد شراء الهدي بها بعيد من ظاهر الآية، فاتضح أن المراد مثل من النعم، وقوله ((لو كان الشبه الخلقي معتبرًا لما أوقفه على عدلين)) أجيب عنه بأن اعتبار العدلين إنما وجب بالنظر في حال الصيد من كبر وصغر وما لا جنس له مما له جنس، وإلحاق ما لم يقع عليه نص بما وقع عليه النص، قاله القرطبي. قال الشنقيطي: المراد بالمثلية في الآية التقريب وإذا فنوع المماثلة قد يكون خفيًا لا يطلع عليه إلا أهل المعرفة والفطنة التامة ككون الشاة مثلاً للحمامة لمشابهتها في عب الماء والهدير...... قال: والمثل من النعم له ثلاث حالات: الأولى أن يكون تقدم فيه حكم من النبي صلى الله عليه وسلم، الثانية أن يكون تقدم فيه حكم من عدلين من الصحابة أوالتابعين مثلاً، الثالثة أن لا يكون تقدم فيه حكم منه صلى الله عليه وسلم ولا منهم رضي الله عنهم، فالذي حكم صلى الله عليه وسلم فيه لا يجوز لأحد الحكم فيه بغير ذلك كالضبع، فإنه صلى الله عليه وسلم قضى فيها بكبش، ثم ذكر حديث جابر الذي نحن في شرحه، ونقل تصحيحه عن البخاري وعبد الحق والبيهقي، ثم ذكر الاختلاف فيه بالوقف والإرسال، ثم قال: قضاءه صلى الله عليه وسلم في الضبع ثابت كما رأيت
فقلت: أيؤكل؟
ــ
تصحيح البخاري وعبد الحق له، وكذلك البيهقي والشافعي وغيرهم، والحديث إذا ثبت صحيحًا من وجه لا يقدح فيه الإرسال ولا الوقف من طريق أخرى كما هو الصحيح عند المحدثين، لأن الوصل والرفع من الزيادات وزيادة العدل مقبولة كما هو معروف. وأما إن تقدم فيه حكم من عدلين من الصحابة أو ممن بعدهم فقال بعض العلماء: يتبع حكمهم ولا حاجة إلى نظر عدلين وحكمهما من جديد لأن الله تعالى قال: {يحكم به ذوا عدل منكم} وقد حكما بأن هذا مثل لهذا، وقال بعض العلماء: لا بد من حكم عدلين من جديد، وممن قال به مالك. قال القرطبي: ولو اجتزأ بحكم الصحابة لكان حسنًا، وروي عن مالك أيضًا أنه يستأنف الحكم في كل صيد ما عدا حمام مكة وحمار الوحش والظبي والنعامة فيكتفي فيها بحكم من مضى من السلف، ثم ذكر الآثار في ذلك عن عمر وعبد الرحمن بن عوف وسعد وابن عباس وعثمان وعلى وزيد بن ثابت ومعاوية وابن مسعود وغيرهم. وقال الخطابي في المعالم (ج 5: ص 314) : وفي الحديث دليل على أن المثل المجعول في الصيد إنما هو من طريق الخلقة دون القيمة ولو كان الأمر في ذلك موكولاً إلى الاجتهاد لأشبه أن يكون بدله مقدرًا، وفي ذلك ما دل على أن في الكبش وفاء لجزاءه كانت قيمته مثل قيمة المجزي أو لم تكن – انتهى. وقال الشوكاني: قوله ((ويجعل فيه كبش)) فيه دليل على أن الكبش مثل الضبع، وفيه أن المعتبر في المثلية بالتقريب في الصورة لا بالقيمة، ففي الضبع الكبش سواء كان مثله في القيمة أو أقل أو أكثر – انتهى (أيؤكل) كذا بالتذكير في جميع نسخ المشكاة، ووقع في المصابيح ((أتوكل؟)) بالتأنيث وهكذا في كتاب الأم (ج 2: ص 164) وهو الأظهر، والذي في جامع الترمذي ((قلت: آكلها؟)) أي بصيغة المتكلم وكذا نقله المجد بن تيمية في المنتقى وفي مسند الإمام أحمد، قال (أي عبد الرحمن بن عبد الله بن أبي عمار) : سألت جابرًا فقلت: الضبع آكلها؟ قال نعم. قلت: أصيد هي؟ قال: نعم. قلت: أسمعت ذاك من نبي الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: نعم. وفيه دليل على أن الضبع حلال. قال الشوكاني: فيه دليل على جواز أكل الضبع وإليه ذهب الشافعي وأحمد، قال الشافعي: ما زال الناس يأكلونها ويبيعونها بين الصفا والمروة من غير نكير، ولأن العرب تستطيبه وتمدحه، وذهب مالك وأبو حنيفة إلى تحريمه، واستدل لهم بما صح من تحريم كل ذي ناب من السباع، وبما سيأتي من حديث خزيمة بن جزء. قال الشوكاني: ويجاب عن الأول بأن حديث الباب يعني حديث جابر خاص فيقدم على حديث كل ذي ناب، ويجاب عن الثاني بأنه ضعيف أي لا يصلح للاحتجاج، لأن في إسناده عبد الكريم بن أبي المخارق وهو متفق على ضعفه. وقال الخطابي في المعالم: إذا كان قد جعله النبي صلى الله عليه وسلم صيدًا ورأى فيه الفداء فقد أباح أكله كالظباء والحمر الوحشية وغيرها من أنواع صيد البر، وإنما أسقط الفداء في قتل ما لا يؤكل فقال: خمس لا جناح على من قتلهن في الحل والحرم – الحديث. قال: وقد اختلف الناس في أكل الضبع فروي عن
..............................................................................................
ــ
سعد بن أبي وقاص أنه كان يأكل الضبع، وروي عن ابن عباس إباحة أكل لحم الضبع، وأباح أكلها عطاء والشافعي وأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه وأبو ثور، وكرهه الثوري وأبو حنيفة وأصحابه ومالك وروي ذلك عن سعيد بن المسيب، واحتجوا بأنها سبع وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كل ذي ناب من السباع. قال الخطابي: وقد يقوم دليل الخصوص فينزع الشيء من الجملة وخبر جابر خاص، وخبر تحريم السباع عام – انتهى. وقال ابن رسلان: وقد قيل: إن الضبع ليس لها ناب وسمعت من يذكر أن جميع أسنانها عظم واحد كصفيحة نعل الفرس، فعلى هذا لا يدخل في عموم النهي – انتهى، كذا ذكره الشوكاني. وقال الخرقي: ولا بأس بأكل الضبع. قال ابن قدامة (ج 8: ص 604) : رويت الرخصة في الضبع عن سعد وابن عمر وأبي هريرة وعروة بن الزبير وعكرمة وإسحاق. وقال عروة: ما زالت العرب تأكل الضبع ولا ترى بأكلها بأسًا. وقال أبو حنيفة والثوري ومالك: هو حرام. وروى نحو ذلك عن سعيد بن المسيب لأنها من السباع، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن أكل كل ذي ناب من السباع، وهي من السباع فتدخل في عموم النهي، ولنا ما روى جابر قال: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بأكل الضبع، قلت: صيد هي؟ قال: نعم. احتج به أحمد، قال ابن عبد البر: هذا لا يعارض حديث النهي عن كل ذي ناب من السباع لأنه أقوى منه. قلنا: هذا تخصيص لا معارض، ولا يعتبر في التخصيص كون المخصص في رتبة المخصص بدليل تخصيص عموم الكتاب بأخبار الآحاد، ولأن الضبع قد قيل إنها ليس لها ناب وسمعت من يذكر أن جميع أسنانها عظم واحد كصفحة نعل الفرس، فعلى هذا لا تدخل في عموم النهي - انتهى، وقال الشنقيطي بعد ذكر كلام ابن عبد البر: للمخالف أن يقول: أحاديث النهي عامة في كل ذي ناب من السباع ودليل إباحة الضبع خاص ولا يتعارض عام وخاص لأن الخاص يقضي على العام فيخصص عمومه به كما هو مقرر في الأصول – انتهى، وقال الحافظ ابن القيم في الإعلام (ج 1: ص 192، طبعة الحجر) : أما الضبع فروى عنه فيها حديث صححه كثير من أهل العلم بالحديث فذهبوا إليه وجعلوه مخصصًا لعموم أحاديث التحريم كما خصصت العرايا لأحاديث المزابنة، وطائفة لم تصححه وحرموا الضبع لأنها من جملة ذات الأنياب، وقالوا: وقد تواترت الآثار عن النبي صلى الله عليه وسلم بالنهي عن أكل كل ذي ناب من السباع وصحت صحة لا مطعن فيها من حديث علي وابن عباس وأبي هريرة وأبي ثعلبة الخشني، قالوا: وأما حديث الضبع فتفرد به عبد الرحمن بن أبي عمار وأحاديث تحريم ذوات الأنياب كلها تخالفه، قالوا: ولفظ الحديث يحتمل معنين أحدهما أن يكون جابر رفع الأكل إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأن يكون إنما رفع إليه كونها صيدًا فقط ولا يلزم من كونها صيدًا جواز أكلها فظن جابر أن كونها صيدًا يدل على أكلها فأفتى به من قوله ورفع إلى النبي صلى الله عليه وسلم ما سمعه من كونها صيدًا، فروى الترمذي عن عبد الرحمن بن أبي عمار قال: قلت لجابر بن عبد الله: آكل الضبع؟ قال: نعم. قلت: أصيد هي؟ قال: نعم. قلت: أسمعت ذلك من رسول
............................................................................................
ــ
الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: نعم. وهذا يحتمل أن المرفوع منه هو كونها صيدًا، ويدل على ذلك أن جرير بن حازم قال عن عبيد بن عمير عن ابن أبي عمار عن جابر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه سئل عن الضبع فقال: هي صيد وفيها كبش، قالوا: وكذلك حديث إبراهيم الصائغ عن عطاء عن جابر يرفعه: الضبع صيد فإذا أصابه المحرم ففيه جزاء كبش مسن ويؤكل، قال الحاكم: حديث صحيح، وقوله ((ويؤكل)) يحتمل الوقف والرفع، وإذا احتمل ذلك لم يعارض به الأحاديث الصحيحة الصريحة التي تبلغ مبلغ التواتر في التحريم، قالوا: ولو كان حديث جابر صريحًا في الإباحة لكان فردًا وأحاديث تحريم ذوات الأنياب مستفيضة متعددة ادعى الطحاوي وغيره تواترها فلا يقدم حديث جابر عليها، قالوا: والضبع من أخبث الحيوان وأشرهه وهو مغرى بأكل لحوم الناس ونبش قبور الأموات وإخراجهم وأكلهم ويأكل الجيف ويكسر بنابه، قالوا: والله سبحانه قد حرم علينا الخبائث وحرم رسول الله ذوات الأنياب والضب لا يخرج عن هذا وهذا، قالوا: وغاية حديث جابر يدل على أنها صيد يفدى في الإحرام ولا يلزم من ذلك أكلها، وقد قال بكر بن محمد: سئل أبو عبد الله يعني الإمام أحمد عن محرم قتل ثعلبًا فقال: عليه الجزاء، هي صيد ولكن لا يؤكل. وقال جعفر بن محمد: سمعت أبا عبد الله سئل عن الثعلب فقال: الثعلب سبع. فقد نص على أنه سبع وأنه يفدى في الإحرام، ولما جعل النبي صلى الله عليه وسلم في الضبع كبشًا ظن جابر أنه يؤكل فأفتى به، والذين صححوا الحديث جعلوه مخصصًا لعموم تحريم ذي الناب من غير فرق بينهما حتى قالوا: ويحرم أكل كل ذي ناب من السباع إلا الضبع وهذا لا يقع مثله في الشريعة أن يخصص مثلاً على مثل من كل وجه من غير فرقان بينهما، وبحمد الله إلى ساعتي هذا ما رأيت في الشريعة مسألة واحدة كذلك أعني شريعة التنزيل لا شريعة التأويل، ومن تأمل ألفاظه صلى الله عليه وسلم الكريمة تبين له اندفاع هذا السؤال، فإنه إنما حرم ما اشتمل على الوصفين أن يكون له ناب وأن يكون من السباع العادية بطبعها كالأسد والذئب والنمر والفهد. وأما الضبع فإنما فيها أحد الوصفين وهو كونها ذات ناب وليست من السباع العادية، ولا ريب أن السباع أخص من ذوات الأنياب، والسبع إنما حرم لما فيه من القوة السبعية التي تورث المغتذي بها شبهها، فإن الغاذي شبيه بالمغتذي، ولا ريب أن القوة السبعية التي في الذئب والأسد والنمر والفهد ليست في الضبع حتى تجب التسوية بينهما في التحريم، ولا تعد الضبع من السباع لغة وعرفًا – انتهى ما في الإعلام. قال شيخنا في شرح الترمذي (ج 3: ص 77) بعد ذكر كلام ابن القيم ما لفظه ((قلت: في أقوال المحرمين التي نقلها الحافظ ابن القيم خدشات، أما قولهم: إن حديث الضبع تفرد به عبد الرحمن بن أبي عمار ففيه أنه ثقة ولم يتفرد به. قال الحافظ في التلخيص: وأعله ابن عبد البر (في التمهيد (ج 1: ص 152، 155) بعبد الرحمن بن أبي عمار فوهم لأنه وثقه أبو زرعة والنسائي ولم يتكلم فيه أحد، ثم إنه لم ينفرد به – انتهى. وقال في الفتح: وقد ورد في حل الضبع أحاديث لا بأس بها – انتهى، وأما قولهم: لفظ الحديث يحتمل معنين أحدهما
فقال: نعم. فقلت: سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: نعم. رواه الترمذي، والنسائي، والشافعي. وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.
ــ
أن يكون جابر رفع الأكل إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأن يكون إنما رفع إليه كونها صيدًا فقط ففيه أن ظاهر لفظ الحديث يدل على أن جابرًا رضي الله عنه رفع الأكل وكونها صيدًا كليهما إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ويؤيده رواية أحمد (وعبد الرزاق (ج 4: ص 512) بلفظ سألت جابر بن عبد الله عن الضبع، فقال: حلال، فقلت: عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ وأما قولهم: والضبع لا يخرج عن هذا وهذا ففيه أن حديث جابر المذكور صحيح ثابت قابل للاحتجاج فخروج الضبع عن هذا وهذا ظاهر – انتهى. قلت: ويدل أيضًا على عدم كونه من الخبائث وذوات الأنياب ما تقدم عن الإمام الشافعي أن لحوم الضباع تباع عندنا بمكة بين الصفا والمروة، وما تقدم عن الشوكاني أن العرب تستطيبه وتمدحه وتأكله، وقال عروة بن الزبير: ما زالت العرب تأكل الضبع ولا ترى بأكلها بأسًا، وما تقدم عن ابن رسلان وابن قدامة أن الضبع ليس لها ناب وأن جميع أسنانها عظم واحد كصفيحة نعل الفرس، وأما قول المحرمين أنه لو كان حديث جابر صريحًا في الإباحة لكان فردًا، وأحاديث تحريم ذوات الأنياب مستفيضة متعددة فلا يقدم حديث جابر عليها ففيه أن حديث جابر صريح في الإباحة كما تقدم، ولا يضر كونه فردًا، لأنه لا معارضة بينه وبين أحاديث تحريم ذوات الأنياب من السباع. فإن الضبع ليس من ذوات الأنياب كما ذكر ابن رسلان وابن قدامة، ولا من السباع العادية كما قرره ابن القيم والإمام الشافعي في الأم (ج 2: ص 220) تنبيه: قد صرح الحافظ ابن القيم في آخر ما بسط من الكلام المذكور أن الضبع ليست من السباع العادية، وعلى هذا فلا تدخل في أحاديث تحريم ذوات الأنياب من السباع وهذا كالصريح في أنه لم يوافق الحنفية في تحريم الضبع ولم يرجع تحريمه بل وافق القائلين بالإباحة حيث قال: لا ريب أن القوة السبعية التي في الذئب والأسد والنمر والفهد ليس في الضبع حتى تجب التسوية بينهما في التحريم ولا تعد الضبع من السباع لغة وعرفًا والله أعلم (رواه الترمذي) في الحج وفي الأطعمة (والنسائي) في الحج وفي الصيد والذبائح (والشافعي) في الأم (ج 2: ص 164) وأخرجه أيضًا أحمد وابن حبان وعبد الرزاق (ج 4: ص 513) والدارقطني (ص 266) وابن عبد البر في التمهيد (ج 1: ص 153) والحاكم (ج 1: ص 452) والبيهقي (ج 5: ص 183) وابن الجارود (ص 155، 299) والدارمي في آخر كتاب الحج كلهم من طريق ابن جريج عن عبد الله بن عبيد بن عمير عن عبد الرحمن بن عبد الله بن أبي عمار عن جابر (وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح) وقال: قال يحيى القطان: وروى جرير بن حازم هذا الحديث عن عبد الله ابن عبيد بن عمير عن ابن أبي عمار عن جابر عن عمر قوله، وحديث ابن جريج أصح، والحديث أخرجه أيضًا أبو داود وابن ماجة كما سيأتي)) .
2729 – (9) وعن جابر، قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الضبع، قال:" هو صيد، ويجعل فيه كبشًا إذا أصابه المحرم ".
ــ
وقد سكت عنه أبو داود، ونقل المنذري تصحيح الترمذي وأقره. وقال الحافظ في التلخيص (ص 226) ونقل المنذري تصحيح الترمذي وأقره. وقال الحافظ في التلخيص (ص 226) : قال الترمذي: سألت عنه البخاري فصححه، وكذا صححه عبد الحق، وقد أعل بالوقف. وقال البيهقي: هو حديث جيد تقوم به الحجة. ورواه البيهقي من طريق الأجلح عن أبي الزبير عن جابر عن عمر، قال: لا أراه إلا قد رفعه أنه حكم في الضبع بكبش – الحديث. ورواه الشافعي عن مالك عن أبي الزبير به موقوفًا وصحح وقفه من هذا الوجه الدارقطني، ورواه الدارقطني والحاكم من طريق إبراهيم الصائغ عن عطاء عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الضبع صيد، فإذا أصابه المحرم ففيه كبش مسن ويؤكل، وفي الباب عن ابن عباس رواه الدارقطني والبيهقي من طريق عمرو بن أبي عمرو عن عكرمة عنه، وقد أعل بالإرسال، رواه الشافعي من طريق ابن جريج عن عكرمة مرسلاً وقال: لا يثبت مثله لو انفرد، ثم أكده بحديث ابن أبي عمار، وقال البيهقي: روي موقوفًا عن ابن عباس أيضًا – انتهى كلام الحافظ. وقال الشنقيطي بعد نقل كلام الحافظ عن التلخيص: قضاؤه صلى الله عليه وسلم في الضبع بكبش ثابت كما رأيت تصحيح البخاري وعبد الحق له وكذلك البيهقي والشافعي وغيرهم، والحديث إذا ثبت صحيحًا من وجه لا يقدح فيه الإرسال ولا الوقف من طريق أخرى كما هو الصحيح عند المحدثين، لأن الوصل والرفع من الزيادات، وزيادة العدل مقبولة كما هو معروف.
2729 – قوله (قال: هو صيد) قال القاري: تذكيره باعتبار خبره أو المراد به الجنس فيجوز تذكيره وتأنيثه وفي رواية ((هي صيد (ويجعل) على بناء المعلوم أي قاتله (فيه) أي في جزاء قتله (كبشًا) بالنصب، وفي بعض النسخ لأبي داود ((كبش)) بالرفع، وعلى هذا يكون ((يجعل)) على بناء المجهول (إذا أصابه المحرم) أي بالاصطياد وقوله ((إذا أصابه)) كذا في سنن الدارمي وهكذا ذكره الحافظ في التلخيص (ص 225) ولفظ أبي داود ((إذا صاده)) وكذا ذكره المجد في المنتقى والحافظ في التلخيص (ص 389) وفي بعض نسخ أبي داود ((إذا اصاده)) وفي رواية للحاكم ((جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم في الضبع يصيبه المحرم كبشًا نجديًا وجعله من الصيد)) وكذا عند ابن ماجة، إلا أنه لم يقل ((نجديًا)) قال القاري: وليس هذا الحديث حجة علينا إذ لا تنافي بين كونه حرامًا أكله وبين كونه صيدًا ويلزم الكبش في قتله، وإنما يصلح دليلاً للخصم حيث أنه يخص تحريم الصيد بما يؤكل لحمه – انتهى. قلت: في رواية جرير بن حازم عن عبد الله بن عبيد بن عمير عن عبد الرحمن بن أبي عمار عن جابر قال: قلت أيؤكل الضبع؟ قال: نعم، قلت: أصيد هي؟ قال: نعم، قال: أسمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: نعم. رواه الحاكم وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين. قال الشافعي: في مسألة ابن أبي عمار جابرًا أصيد هي؟ قال: نعم. ومسألته أتؤكل؟ قال: نعم، وسألته: أسمعت من النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال: نعم. فهذا دليل على أن الصيد الذي
رواه أبو داود، وابن ماجة، والدارمي.
2730 – (10) وعن خزيمة بن جزء، قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أكل الضبع، قال: " أو يأكل الضبع أحد؟ وسألته عن
ــ
نهى الله تعالى المحرم عن قتله ما كان يحل أكله من الصيد، وأنهم إنما يقتلون الصيد ليأكلوه لا عبثًا بقتله – انتهى فتأمل (رواه أبو داود) في الأطعمة (وابن ماجة) في الحج (والدارمي) في آخر الحج، وأخرجه أيضًا الحاكم (ج 1: ص 452) وابن الجارود (ص 155) وابن حبان كما في الموارد (ص 243) والدارقطني (ص 266) وابن عبد البر في التمهيد (ج 1: ص 153) كلهم من رواية جرير بن حازم عن عبد الله بن عبيد بن عمير عن عبد الرحمن بن أبي عمار عن جابر، تنبيه صنيع المصنف تبعًا للبغوي يوهم أن حديث جابر هذا والذي قبله حديثان ولا يخفى ما فيه، والصواب أنه حديث واحد روي من طريق ابن جريج عن عبد الله بن عبيد بن عمير عن ابن أبي عمار، ومن طريق جرير بن حازم عن عبد الله بن عبيد بن عمير به بألفاظ مختلفة مختصرًا ومطولاً ولذلك قال المنذري في مختصر السنن: وأخرجه الترمذي والنسائي وابن ماجة، وقال الحافظ في التلخيص (ص 225) : حديث ((أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى في الضبع بكبش)) رواه أصحاب السنن وابن حبان وأحمد والحاكم في المستدرك من طريق عبد الرحمن بن أبي عمار عن جابر، وقال في الأطعمة (ص 389) منه: حديث جابر ((أنه سئل عن الضبع أصيد هو؟ قال: نعم، قيل: أيؤكل؟ قال: نعم. قيل: أسمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: نعم. الشافعي والترمذي والنسائي وابن ماجة والبيهقي وصححه البخاري والترمذي وابن حبان وابن خزيمة والبيهقي..... ورواه أبو داود بلفظ سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الضبع، فقال: صيد ويجعل فيه كبش إذا صاده المحرم – انتهى. وقال المجد في المنتقى بعد ذكره بلفظ الترمذي: رواه الخمسة وصححه الترمذي، ولفظ أبي داود عن جابر: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الضبع فقال: هي صيد ويجعل فيه كبش إذا صاده المحرم.
2730 – قوله (وعن خزيمة) بضم الخاء المعجمة وفتح الزاي (بن جزء) قال الحافظ في التقريب: خزيمة بن جزء – بفتح الجيم وسكون الزاي بعدها همزة – صحابي لم يصح الإسناد إليه، وقال في الإصابة: خزيمة بن جزي – بفتح الجيم وكسر الزاي بعدها ياء أي مشددة – له حديث في أكل الضب والضبع وغير ذلك، أخرجه الترمذي وابن ماجة والبارودي وابن السكن وقالا: لم يثبت حديثه ومداره على أبي أمية بن أبي المخارق أحد الضعفاء، وقال في تهذيب التهذيب: قال البخاري في التاريخ لما ذكر حديثه في الحشرات: فيه نظر. وقال البغوي: لا أعلم له غيره. وقال الأزدي: لا يحفظ روى عنه إلا (أخوه) حبان ولا يحفظ له غير هذا الحديث. قال: وفي إسناده نظر (أو يأكل الضبع أحد؟) كذا في جميع نسخ المشكاة والمصابيح وهكذا ذكره الشوكاني في النيل، وفي الترمذي ((ويأكل الضبع أحد؟)) أي بتقدير همزة الاستفهام الإنكاري. وفي رواية ابن ماجة: ومن يأكل الضبع؟ قال السندي: يشير إلى أنه مكروه طبعًا (وسألته عن
أكل الذئب، قال:" أو يأكل الذئب أحد فيه خير؟ ".رواه الترمذي، وقال: ليس إسناده بالقوي.
ــ
أكل الذئب) بالهمز ويبدل (قال: أويأكل) أي أجهلت حكمه ويأكل (الذئب أحد فيه خير) أي صلاح وتقوى صفة أحد، وفي الترمذي ((ويأكل)) أي بحذف همزة الاستفهام، واستدل بهذا الحديث من قال بحرمة الضبع. والحديث ضعيف لا يصلح للاحتجاج (رواه الترمذي) في الأطعمة وأخرجه أيضًا ابن ماجة في الذبائح (وقال: ليس إسناده بالقوي) لا نعرفه إلا من حديث إسماعيل بن مسلم عن عبد الكريم أبي أمية وقد تكلم بعض أهل الحديث في إسماعيل وعبد الكريم أبي أمية، وهو عبد الكريم بن قيس بن أبي المخارق – انتهى. قال الزيلعي في نصب الراية (ج 4: ص 193) بعد نقل كلام الترمذي هذا: وضعفه ابن حزم بأن إسماعيل بن مسلم ضعيف وابن أبي المخارق ساقط وحبان بن جزء مجهول – انتهى. وقال الحافظ في التقريب: إسماعيل بن مسلم المكي أبو إسحاق ضعيف الحديث. وقال في التلخيص (ص 389) : وأما ما رواه الترمذي من حديث خزيمة بن جزء قال: أيأكل الضبع أحد؟ فضعيف لاتفاقهم على ضعف عبد الكريم أبي أمية، والراوي عنه إسماعيل بن مسلم – انتهى. تنبيه قال القاري في المرقاة معترضًا على قول الترمذي ((ليس إسناده بالقوي)) ما لفظه: وفيه أن الحسن أيضًا يستدل به على أن اجتهاد المستند إليه سابقًا يدل على أنه صحيح في نفس الأمر وإن كان ضعيفًا بالنسبة إلى إسناد واحد من المحدثين، ويقويه رواية ابن ماجة ولفظه ((ومن يأكل الضبع؟)) ويؤيده أنه ذو ناب من السباع فأكله حرام، ومع تعارض الأدلة في التحريم والإباحة فالأحوط حرمته، وأما قوله عليه الصلاة والسلام: الضبع لست آكله ولا أحرمه، كما رواه الشيخان وغيرهما فيفيد ما اختاره مالك من أنه يكره أكله، إذ المكروه عندنا ما أثم آكله ولا يقطع بتحريمه، ومقتضى قواعد أئمتنا أن أكله مكروه كراهة تحريم، لا إنه حرام محض لعدم دليل قطعي مع اختلاف فقهي – انتهى كلام القاري. وقد ذكر شيخنا في شرح الترمذي كلامه ثم رد عليه فقال: في كلام القاري هذا أوهام وأغلاط، فأما قوله ((إن الحسن أيضًا يستدل به)) ففيه أنه لا شك أن الحديث الحسن يستدل به لكن حديث خزيمة بن جزء هذا ليس بحسن بل هو ضعيف لا يصلح للاحتجاج كما عرفت. وأما قوله: أن اجتهاد المستند إليه سابقًا يدل على أنه صحيح في نفس الأمر إلخ. ففاسد، وقد بينا فساده فيما سبق (ج 1: ص 134 طبعة الحجر) وأما قوله: ويقويه رواية ابن ماجة ولفظه ((ومن يأكل الضبع؟)) ففيه أن في رواية ابن ماجة أيضًا عبد الكريم فكيف تقويه؟؟ وأما قوله ((أنه ذو ناب من السباع)) فممنوع، وسند المنع حديث جابر المذكور في الباب، ولو سلم أنه ذو ناب من السباع فحرمته ممنوعة لهذا الحديث، وأما قوله ((ومع تعارض الأدلة في التحريم والإباحة فالأحوط حرمته)) ففيه أن هذا إذا كان دليل الحرمة ودليل الإباحة كلاهما صحيحين. وأما إذا كان دليل الحرمة ضعيفًا ودليل الإباحة صحيحًا كما فيما نحن فيه فكون الحرمة أحوط ممنوع، وأما قوله ((إن قوله