المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌(الفصل الأول) 2642 – (1) عن جابر، قال: رأيت النبي صلى - مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح - جـ ٩

[عبيد الله الرحماني المباركفوري]

فهرس الكتاب

- ‌(2) باب قصة حجة الوداع

- ‌(الفصل الأول)

- ‌(الفصل الثالث)

- ‌(3) باب دخول مكة والطواف

- ‌(الفصل الأول)

- ‌(الفصل الثاني)

- ‌(الفصل الثالث)

- ‌(4) باب الوقوف بعرفة

- ‌(الفصل الأول)

- ‌(الفصل الثاني)

- ‌(الفصل الثالث)

- ‌(5) باب الدفع من عرفة والمزدلفة

- ‌(الفصل الأول)

- ‌(الفصل الثاني)

- ‌(الفصل الثالث)

- ‌(6) باب رمي الجمار

- ‌(الفصل الأول)

- ‌(الفصل الثاني)

- ‌(الفصل الثالث)

- ‌(7) باب الهدي

- ‌(الفصل الأول)

- ‌(الفصل الثاني)

- ‌(الفصل الثالث)

- ‌(8) باب الحلق

- ‌(الفصل الأول)

- ‌(الفصل الثاني)

- ‌(9) باب

- ‌(الفصل الأول)

- ‌(الفصل الثاني)

- ‌(الفصل الثالث)

- ‌(10) باب خطبة يوم النحر، ورمي أيام التشريق، والتوديع

- ‌(الفصل الأول)

- ‌(الفصل الثاني)

- ‌(11) باب ما يجتنبه المحرم

- ‌(الفصل الأول)

- ‌(الفصل الثاني)

- ‌(الفصل الثالث)

- ‌(12) باب المحرم يجتنب الصيد

- ‌(الفصل الأول)

- ‌(الفصل الثاني)

- ‌(الفصل الثالث)

- ‌(13) باب الإحصار، وفوت الحج

- ‌(الفصل الأول)

- ‌(الفصل الثاني)

- ‌(14) باب حرم مكة حرسها الله تعالى

- ‌(الفصل الأول)

- ‌(الفصل الثاني)

- ‌(الفصل الثالث)

- ‌(15) باب حرم المدينة حرسها الله تعالى

- ‌(الفصل الأول)

- ‌(الفصل الثاني)

- ‌(الفصل الثالث)

الفصل: ‌ ‌(الفصل الأول) 2642 – (1) عن جابر، قال: رأيت النبي صلى

(الفصل الأول)

2642 – (1) عن جابر، قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يرمي على راحلته يوم النحر،

ــ

دم أيضًا، نص عليه أحمد، وبهذا قال عطاء والشافعي وأصحاب الرأي، وحكى عن مالك أن عليه في جمرة أو الجمرات كلها بدنة. وقال الحسن: من نسي جمرة واحدة يتصدق على مسكين. ولنا قول ابن عباس: من ترك شيئًا من مناسكه فعليه دم، وإن ترك أقل من جمرة فالظاهر عن أحمد أنه لا شيء في حصاة ولا في حصاتين، وعنه: أنه يجب الرمي بسبع، فإن ترك شيئًا من ذلك تصدق بشيء أي شيء كان، وعنه: أن في كل حصاة دمًا، وهو مذهب مالك والليث، وعنه في الثلاثة دم، وهو مذهب الشافعي وفي ما دون ذلك في كل حصاة مد. وعنه: درهم، وعنه: نصف درهم – انتهى. وسيأتي مزيد الكلام على هذا في شرح حديث عبد الله بن مسعود من هذا الباب.

2642 – قوله (رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يرمي على راحلته يوم النحر) هذا يدل على أن رمي جمرة العقبة يوم النحر راكبًا أفضل من رميها راجلاً وماشيًا، وحكى النووي في شرح مسلم عن الشافعي وموافقيه أنه يستحب لمن وصل راكبًا أن يرمي راكبًا ولو رمى ماشيًا جاز، ومن وصلها ماشيًا فيرميها ماشيًا. قال: وهذا في يوم النحر، وأما اليومان الأولان من أيام التشريق فالسنة أن يرمي فيها الجمرات الثلاثة ماشياً، وفي اليوم الثالث يرمي راكبًا. وكذا قال في مناسكه. وقال ابن قدامة (ج 3: ص 428) : ويرميها راكبًا أو راجلاً كيف ما شاء، لأن النبي صلى الله عليه وسلم رماها على راحلته، رواه جابر وابن عمر وأم أبي الأحوص وغيرهم. قال جابر: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يرمي على راحلته يوم النحر والحديث. رواه مسلم. وقال نافع: كان ابن عمر يرمي جمرة العقبة على دابته يوم النحر، وكان لا يأتي سائرها بعد ذلك إلا ماشيًا ذاهبًا وراجعًا. رواه أحمد في المسند، وفي هذا بيان للفرق بين هذه الجمرة وغيرها، ولأن رمى هذه الجمرة مما يستحب البداية به في هذا اليوم عند قدومه، ولا يسن عندها وقوف، ولو سن له المشي إليها لشغله النزول عن البداية بها والتعجيل إليه بخلاف سائرها – انتهى. وقال الدسوقي من المالكية: يندب أن يرمي جمرة العقبة حين وصوله على الحالة التي وصلها من ركوب أو مشي فلا يصبر حتى ينزل أو يركب، لأن فيه عدم الاستعجال برميها – انتهى. وقال الباجي: قد قال مالك في المبسوط: الشأن يوم النحر أن يرمي جمرة العقبة راكبًا كما يأتي الناس على دوابهم، وأما في غير يوم النحر فكان يقول يرمي ماشيًا، والأصل في ذلك أنه يرمي جمرة العقبة متصلاً بوروده، وأما في سائر الأيام فإن المشي إليها تواضع ويحتاج إلى الدعاء عند الجمرتين. فلو ركب الناس لضاق بهم المكان – انتهى. وقال العيني: قال أصحابنا الحنفية: كل رمي بعده رمي كالجمرتين الأوليين في الأيام الثلاثة يرمى ماشيًا. وإن لم يكن بعده رمي كرمي جمرة العقبة يوم النحر والجمرة الأخيرة في الأيام الثلاثة فيرمي راكبًا، هذا هو الفضيلة، وأما الجواز فثابت كيفما كان – انتهى. وقال ابن عابدين: والضابط عندنا أن كل رمي يقف بعده فإنه يرميه ماشيًا وهو كل رمي بعده رمي كما مر، وما لا فلا، ثم

ص: 178

ويقول: " لتأخذوا مناسككم فإني لا أدري لعلي لا أحج بعد حجتي هذه ". رواه مسلم.

ــ

هذا التفصيل قول أبي يوسف وله حكاية مشهورة ذكرها الطحطاوي وغيره، وهو مختار كثير من المشائخ كصاحب الهداية والكافي والبدائع وغيرهم. وأما قولهما فذكر في البحر أن الأفضل الركوب في الكل على ما في الخانية، والمشي في الكل على ما في الظهيرية، وقال: فتحصل أن في المسألة ثلاثة أقوال. ورجح الشيخ كمال الدين بن الهمام ما في الظهيرية بأن أدائها ماشيًا أقرب إلى التواضع والخشوع وخصوصًا في هذا الزمان، فإن عامة المسلمين مشاة في جميع الرمي فلا يؤمن من الأذى بالركوب بينهم بالزحمة، ورميه عليه الصلاة والسلام راكبًا إنما هو ليظهر فعله ليقتدى به كطوافه راكبًا – انتهى. وفي المرقاة: وروى البيهقي وابن عبد البر أنه عليه الصلاة والسلام رمى أيام التشريق ماشيًا. زاد البيهقي: فإن صح هذا كان أولى بالإتباع، وقال غيره: قد صححه الترمذي وغيره. وزاد ابن عبد البر: وفعله جماعة من الخلفاء بعده وعليه العمل. وحسبك ما رواه القاسم بن محمد من فعل الناس، ولا خلاف أنه عليه الصلاة والسلام وقف بعرفة راكبًا ورمى الجمار ماشيًا، وذلك محفوظ من حديث جابر – انتهى. ويستثنى منه رمي جمرة العقبة في أول أيام النحر كما لا يخفى (ويقول) عطف على (يرمي)) فيكون من قبيل ((علفتها تبنًا وماءً باردًا)) أو الجملة حالية (لتأخذوا مناسككم) قال النووي: هذه اللام لام الأمر ومعناه خذوا مناسككم، وهكذا وقع في رواية غير مسلم، وتقديره: هذه الأمور التي أتيت بها في حجتي من الأقوال والأفعال والهيئات هي أمور الحج وصفته، وهي مناسككم فخذوها عني واقبلوها واحفظوها واعملوا بها وعلموها الناس. وهذا الحديث أصل عظيم في مناسك الحج وهو نحو قوله صلى الله عليه وسلم في الصلاة ((صلوا كما رأيتموني أصلي)) – انتهى. قال الطيبي: ويجوز أن تكون اللام للتعليل والمعلل محذوف أي يقول: إنما فعلت لتأخذوا عني مناسككم – انتهى. ويؤيد الأول ما ورد عند النسائي والبيهقي بلفظ ((خذوا عني مناسككم)) وقال القرطبي: روايتنا لهذا الحديث بلام الجر المفتوحة والنون التي هي مع الألف ضمير أي يقول لنا ((خذوا مناسككم)) فيكون قوله ((لنا)) صلة للقول، قال: هو الأفصح، وقد روي ((لتأخذوا مناسككم)) بكسر اللام للأمر، وبالتاء المثناة من فوق، وهي لغة قرأ بها رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى {فبذلك فلتفرحوا} (10: 58) انتهى. قال السندي في حاشية النسائي ((خذوا عني مناسككم)) أي تعلموها مني واحفظوها، وهذا لا يدل على وجوب المناسك، وإنما يدل على وجوب أخذها وتعلمها، فمن استدل به على وجوب شيء من المناسك فاستدلاله في محل النظر. فليتأمل – انتهى. وكذا قال في حاشية مسلم. وعلل ذلك بقوله: إذ وجوب تعلم الشيء لا يدل على وجوب ذلك الشيء إذ جميع المندوبات والسنن يجب أخذها وتعلمها ولو على وجه الكفاية، وهي غير واجبة عملاً فافهم، والله تعالى أعلم (فإني لا أدري) مفعوله محذوف أي لا أعلم ماذا يكون (لعلي لا أحج بعد حجتي) بفتح الحاء، وهي يحتمل أن يكون مصدرًا، وأن يكون بمعنى السنة (هذه) أي التي أنا فيها (رواه مسلم) وأخرجه أيضًا أحمد وأبو داود والنسائي والبيهقي (ج 5: ص 130) قال المزي: هذا الحديث في

ص: 179

2643 – (2) وعنه قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم رمى الجمرة بمثل حصى الخذف. رواه مسلم.

2644 – (3) وعنه قال: رمى رسول الله صلى الله عليه وسلم الجمرة يوم النحر ضحى، وأما بعد ذلك فإذا زالت الشمس.

ــ

رواية أبي الحسن بن العبد وأبي بكسر بن داسة، ولم يذكره أبو القاسم أي اللؤلؤي، ولذا لم يذكره المنذري في مختصر السنن.

2643 – قوله (بمثل حصى الخذف) تقدم ضبطه ومعناه في شرح حديث جابر الطويل، وهو دليل على استحباب كون الحصى في هذا المقدار، قال القاري: وهو قدر حبة الباقلي أو النواة أو الأنملة فيكره أصغر من ذلك وأكبر منه وذلك للنهي عن الثاني في الخبر الصحيح ((بأمثال هؤلاء فارموا، وإياكم والغلو في الدين)) – انتهى. وقال في رد المحتار: إنها مقدار الباقلاء، قال في النهر: وهذا بيان المندوب، وأما الجواز فيكون ولو بالأكبر مع الكراهة – انتهى. قال الشيخ ولي الله الدهلوي: وإنما رمى بمثل حصى الخذف لأن دونها غير محسوس، وفوقها ربما يؤذي في مثل هذا الموضع، والحديث رواه الدارمي والبيهقي (ج 5: ص 127) من طريق سفيان عن أبي الزبير عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم أمرهم أن يرموا بمثل حصى الخذف. قال الزرقاني: أمرهم صلى الله عليه وسلم مع رميه بمثلها لأنهم كلهم لم يروا رميه لكثرتهم – انتهى. (رواه مسلم وأخرجه أيضًا الترمذي والنسائي والبيهقي (ج 5: ص 127) .

2644 – قوله (رمى رسول الله الجمرة) أي جمرة العقبة (يوم النحر) أي يوم العيد (ضحى) قال العراقي: الرواية فيه بالتنوين على أنه مصروف وهو مذهب النحاة من أهل البصرة سواء قصد التعريف أو التنكير. وقال الجوهري: تقول: لقيته ضحًى وضحى، إذا أردت به ضحى يومك لم تنونه (يعني أنه منون عند التنكير وغير منون عند التعريف) وقال: ضحوة النهار بعد طلوع الشمس ثم بعده الضحى وهي حين تشرق الشمس مقصورة تؤنث وتذكر فمن أنث ذهب إلى أنها جمع ضحوة، ومن ذكر ذهب إلى أنه إسم على فُعَل مثل صرد ونغر، وهو ظرف غير متمكن مثل سحر، قال: ثم بعده الضحاء ممدود مذكر، وهو عند ارتفاع النهار الأعلى، ومنه قول عمر رضي الله عنه: يا عباد الله أضحوا لصلاة الضحى، يعني لا تصلوها إلا إلى ارتفاع الضحى – انتهى. وقد تحصل من هذا أن الضحوة وقت طلوع الشمس، والضحى وقت شروقها، والضحاء وقت ارتفاعها. قال القاري: قوله ضحى أي وقت الضحوة من بعد طلوع الشمس إلى ما قبل الزوال (وأما بعد ذلك) أي بعد يوم النحر وهو أيام التشريق (فإذا زالت الشمس) أي فيرمي بعد الزوال، قال العيني (ج 10: ص 86) : يستفاد منه أن الرمي في أيام التشريق محله بعد زوال الشمس وهو كذلك، وقد اتفق عليه الأئمة، وخالف أبو حنيفة في اليوم الثالث منها فقال: يجوز الرمي فيه قبل الزوال استحسانًا

ص: 180

..............................................................................................

ــ

(مع الكراهة التنزيهية) وقال: إن رمى في اليوم الأول أو الثاني قبل الزوال أعاد وفي الثالث يجزئه. وقال عطاء وطاوس: يجوز في الثلاثة قبل الزوال – انتهى. وقال ابن الهمام: أفاد حديث جابر أن وقت الرمي في اليوم الثاني لا يدخل إلا بعد ذلك، وكذا في اليوم الثالث، وفي رواية غير مشهورة عن أبي حنيفة قال: أحب إليَّ أن لا يرمي في اليوم الثاني والثالث حتى تزول الشمس، فإن رمى قبل ذلك أجزأه، وحمل المروي من فعله عليه الصلاة والسلام على اختيار الأفضل وجه الظاهر اتباع المنقول لعدم المعقولية، كذا في المرقاة. وروى البخاري عن ابن عمر كما سيأتي في خطبة يوم النحر: قال كنا نتحين (أي نراقب الوقت) فإذا زالت الشمس رمينا. قال الحافظ: فيه دليل على أن السنة أن يرمي الجمار في غير يوم الأضحى بعد الزوال، وبه قال الجمهور، وخالف فيه عطاء وطاوس فقالا: يجوز قبل الزوال مطلقًا، ورخص الحنفية في الرمي في يوم النفر قبل الزوال. وقال إسحاق: إن رمى قبل الزوال أعاد إلا في اليوم الثالث فيجزئه – انتهى. قال شيخنا في شرح الترمذي بعد ذكر كلام الحافظ: لا دليل على ما ذهب إليه عطاء وطاؤس لا من فعل النبي صلى الله عليه وسلم ولا من قوله. وأما ترخيص الحنيفة في الرمي في يوم النفر قبل الزوال فاستدلوا عليه بأثر ابن عباس الآتي وهو ضعيف، فالمعتمد ما قال به الجمهور. قال في الهداية: إن قدم الرمي في اليوم الرابع قبل الزوال بعد طلوع الفجر جاز عند أبي حنيفة، وهذا استحسان. وقالا: لا يجوز اعتبارًا بسائر الأيام، وإنما التفاوت في رخصة النفر، فإذا لم يترخص التحق بها. ومذهبه مروي عن ابن عباس – انتهى. قال ابن الهمام: أخرج البيهقي عنه: إذا انتفخ النهار من يوم النفر فقد حل الرمي والصدر، والانتفاخ والارتفاع، وفي سنده طلحة بن عمرو ضعفه البيهقي. قال ابن الهمام: ولا شك أن المعتمد في تعيين الوقت للرمي في الأول من أول النهار وفيما بعده من بعد الزوال ليس إلا فعله كذلك مع أنه غير معقول (أي لا مدخل للعقل فيه) ولا يدخل وقته قبل الوقت الذي فعله فيه عليه الصلاة والسلام كما لا يفعل في غير ذلك المكان الذي رمى فيه عليه الصلاة والسلام، وإنما رمى عليه الصلاة والسلام في الرابع بعد الزوال فلا يرمى قبله – انتهى. وذكر الشنقيطي في أضواء البيان حديث جابر الذي نحن في شرحه وحديث ابن عمر المتقدم وحديث عائشة عند أحمد وأبي داود بلفظ " أفاض رسول الله صلى الله عليه وسلم آخر يوم حين صلى الظهر ثم رجع إلى منى فمكث بها ليالي أيام التشريق يرمي الجمرة إذا زالت الشمس " الحديث، وحديث ابن عباس عند أحمد (ج 1: ص 248، 290، 328) والترمذي وابن ماجة بلفظ " رمى رسول الله صلى الله عليه وسلم الجمار حين زالت الشمس " ثم قال: وبهذه النصوص الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم تعلم أن قول عطاء وطاوس بجواز الرمي في أيام التشريق قبل الزوال، وترخيص أبي حنيفة في الرمي يوم النفر قبل الزوال، وقول إسحاق: إن رمى قبل الزوال في اليوم الثالث أجزأه كل ذلك خلاف التحقيق، لأنه مخالف لفعل النبي صلى الله عليه وسلم الثابت عنه المعتضد بقوله " لتأخذوا عني مناسككم " ولذلك خالف أبا حنيفة في ترخيصه المذكور صاحباه محمد وأبو يوسف، ولم يرد في كتاب الله ولا سنة نبيه صلى الله عليه وسلم شيء يخالف ذلك، فالقول بالرمي قبل الزوال أيام التشريق

ص: 181

متفق عليه.

2645 – (4) وعن عبد الله بن مسعود، أنه انتهى إلى الجمرة الكبرى، فجعل البيت عن يساره، ومنى عن يمينه،

ــ

لا مستند له البتة مع مخالفته للسنة الثابتة عنه صلى الله عليه وسلم، فلا ينبغي لأحد أن يفعله، والعلم عند الله تعالى (متفق عليه) أخرجه البخاري في باب رمي الجمار معلقًا مجزومًا ومسلم. موصولاً، وكذا أخرجه موصولاً أحمد والترمذي وأبو داود والنسائي وابن ماجة وابن خزيمه وابن حبان وإسحاق بن راهويه والدارمي والبيهقي (ج 5: 131، 149) .

2645 – قوله (انتهى) أي وصل (إلى الجمرة الكبرى) أي جمرة العقبة، ووهم الطيبي فقال: أي الجمرة التي عند مسجد الخيف. قال الحافظ: وتمتاز جمرة العقبة عن الجمرتين الأخريين بأربعة أشياء: اختصاصها بيوم النحر، وأن لا يوقف عندها، وترمى ضحى، ومن أسفلها استحبابًا. قال: وجمرة العقبة هي الجمرة الكبرى وليست من منى بل هي حد منى من جهة مكة وهي التي بايع النبي صلى الله عليه وسلم الأنصار عندها على الهجرة (فجعل البيت) أي الكعبة (عن يساره ومنى عن يمينه) فيه أنه يستحب لمن وقف عند جمرة العقبة أن يجعل مكة عن يساره ومنى على جهة يمينه ويستقبل الجمرة بوجهه، وروى أحمد (ج 1: ص 430، 432) والترمذي وابن ماجة حديث ابن مسعود هذا بلفظ " لما أتى عبد الله جمرة العقبة استبطن الوادي (أي قصد بطن الوادي ليقوم فيه للرمي) واستقبل القبلة " قال الحافظ بعد ذكره: وما رواه البخاري هو الصحيح، وهذا (أي ما رواه أحمد والترمذي وابن ماجة) شاذ، في إسناده المسعودي، وقد اختلط، وبالأول قال الجمهور، وجزم الرافعي من الشافعية بأنه يستقبل الجمرة ويستدبر القبلة، وقيل يستقبل القبلة ويجعل الجمرة عن يمينه، وقد أجمعوا على أنه من حيث رماها جاز سواء استقبلها أو جعلها عن يمينه أو يساره أو من فوقها أو من أسفلها أو وسطها، والاختلاف في الأفضل – انتهى. فالأفضل عند الجمهور الكيفية التي وردت في حديث ابن مسعود عند الشيخين وغيرهما. قال النووي في شرح مسلم: في حديث ابن مسعود استحباب كون الرمي من بطن الوادي فيستحب أن يقف تحتها في بطن الوادي فيجعل مكة عن يساره ومنى عن يمينه ويستقبل جمرة العقبة ويرميها بالحصيات السبع، وهذا هو الصحيح في مذهبنا " وبه قال جمهور العلماء. وقال بعض أصحابنا: يستحب أن يقف مستقبل الجمرة مستدبرًا مكة. وقال بعض أصحابنا: يستحب أن يقف مستقبل الكعبة وتكون الجمرة عن يمينه والصحيح الأول - انتهى. وقال ابن بطال: رمي جمرة العقبة من حيث تيسر من العقبة من أسفلها أو أعلاها أو وسطها، كل ذلك واسع، والموضع الذي يختار بها بطن الوادي من أجل حديث ابن مسعود، وكان جابر بن عبد الله يرميها من بطن الوادي، وبه قال عطاء وسالم وهو قول الثوري والشافعي وأحمد وإسحاق. وقال مالك: رميها من أسفلها أحب إلي. وقد روي عن عمر رضي الله عنه أنه جاء والزحام

ص: 182

ورمى بسبع حصيات يكبر مع كل حصاة،

ــ

عند الجمرة فصعد فرماها من فوقها، ذكره العيني (ج 10: ص 87) وأما الجمرة الأولى (أي الجمرة الدُنيا – بضم الدال وبكسرها – أي القريبة إلى جهة مسجد الخيف) والثانية فيرمي مستقبل القبلة عندهم جميعًا ندبًا لا وجوبًا (ورمى بسبع حصيات) بفتح الصاد والياء جمع حصاة، وفيه دليل على أن رمي الجمرة يكون بسبع حصيات، وقد ترجم البخاري لحديث ابن مسعود هذا ((باب رمي الجمار بسبع حصيات)) قال الحافظ: أشار في الترجمة إلى رد ما رواه قتادة عن ابن عمر، قال: ما أبالي رميت الجمار بست أو سبع، وقد أنكر ذلك ابن عباس، وقتادة لم يسمع من ابن عمر، أخرجه ابن أبي شيبة من طريق قتادة، وروي من طريق مجاهد: من رمى بست فلا شيء عليه. ومن طريق طاوس يتصدق بشيء، وعن مالك والأوزاعي: من رمى بأقل من سبع وفاته التدارك يجبره بدم، وعن الشافعية في ترك حصاة مد، وفي ترك حصاتين مدان، وفي ثلاثة فأكثر دم. وعن الحنفية إن ترك أقل من نصف الجمرات الثلاث فنصف صاع وإلا فدم – انتهى. وقال العيني: يستفاد من حديث ابن مسعود أن رمي الجمرة لا بد أن يكون بسبع حصيات وهو قول أكثر العلماء، وذهب عطاء إلى أنه إن رمى بخمس أجزأه. وقال مجاهد: إن رمى بست فلا شيء عليه، وبه قال أحمد وإسحاق، واحتج من قال بذلك بما رواه النسائي من حديث سعد بن مالك رضي الله عنه قال: رجعنا في الحجة مع النبي صلى الله عليه وسلم وبعضنا يقول رميت: بست حصيات، وبعضنا يقول: رميت بسبع، فلم يعب بعضنا على بعض. وروى أبو داود والنسائي أيضًا من رواية أبي مجلز قال: سألت ابن عباس رضي الله تعالى عنهما عن شيء من أمر الجمار فقال: ما أدري رماها رسول الله صلى الله عليه وسلم بست أو سبع. والصحيح الذي عليه الجمهور أن الواجب سبع كما صح من حديث ابن مسعود وجابر وابن عباس وابن عمر وغيرهم. وأجيب عن حديث سعد بأنه ليس بمسند، وعن حديث ابن عباس أنه ورد على الشك من ابن عباس، وشك الشاك لا يقدح في جزم الجازم، ومن رماها بأقل من سبع حصيات فذهب الجمهور فيما حكاه القاضي عياض إلى أن عليه دمًا، وهو قول مالك والأوزاعي. وذهب الشافعي وأبو ثور إلى أن على تارك حصاة مدًا من طعام وفي اثنتين مدين وفي ثلاث فأكثر دمًا، وللشافعي قول آخر أن في الحصاة ثلاث دم، وله قول آخر أن في الحصاة درهمًا. وذهب أبو حنيفة وصاحباه إلى أنه إن ترك أكثر من نصف الجمرات الثلاث فعليه دم، وإن ترك أقل من نصفها ففي كل حصاة نصف صاع – انتهى. (يكبر مع كل حصاة) فيه أنه يستحب التكبير عند رمي حصى الجمار. قال النووي: استحباب التكبير مع كل حصاة هو مذهبنا ومذهب مالك والعلماء كافة. قال القاضي عياض: وأجمعوا على أنه لو ترك التكبير لا شيء عليه. وقال الحافظ: قد أجمعوا على أن من تركه لا يلزمه شيء إلا الثوري فقال: يطعم، وإن جبره بدم أحب إلي – انتهى. وذكر الطبري عن بعضهم أنه لو ترك رمي جميعهن بعد أن يكبر عند كل جمرة سبع تكبيرًا أجزأه. قال: وإنما جعل الرمي في ذلك بالحصي سببًا لحفظ التكبيرات السبع كما جعل

ص: 183

...........................................................................................

ــ

عقد الأصابع بالتسبيح سببًا لحفظ العدد، وذكر عن يحيى بن سعيد أنه سئل عن الخرز والنوى يسبح به قال: حسن قد كانت عائشة تقول: إنما الحصى للجمار ليحفظ به التكبيرات – انتهى. واستدل بهذا الحديث على اشتراط رمي الجمار واحدة واحدة لقوله ((يكبر مع كل حصاة)) وقد قال صلى الله عليه وسلم: " خذوا عني مناسككم "، وخالف في ذلك عطاء وصاحبه أبو حنيفة فقالا: لو رمى السبع دفعة واحدة أجزأه، كذا ذكره الحافظ. وقال ابن قدامة: وإن رمى الحصاة دفعة واحدة لم يجزه إلا عن واحدة، نص عليه أحمد، وهو قول مالك والشافعي وأصحاب الرأي، وقال عطاء: يجزئه ويكبر لكل حصاة – انتهى. وما ذكره الحافظ من موافقة أبي حنيفة لعطاء في إجزاء رمي السبع دفعة واحدة لعله أخذه عن صاحب التوضيح من الشافعية كما سيأتي في كلام العيني أو عن الكرماني، فإنه ذهب إلى ذلك حيث قال: إذا وقعت السبع متفرقة على مواضع الجمرات جاز، كما لو جمع بين أسواط الحد بضربة واحدة وإن وقعت على مكان واحد لا يجوز، وليس هذا مشهور في مذهب الحنفية، بل المصرح في فروعهم عدم الإجزاء مطلقًا كما هو قول الأئمة الثلاثة، ففي الهداية: لورمي بسبع حصيات جملة فهذه الجملة واحدة لأن المنصوص عليه تفرق الأفعال، قال العيني في البناية: أي لأن المنصوص هو فعل الرمي بسبع حصيات متفرقات لا عين الحصيات – انتهى. وفي الغنية: الخامس (من الشرائط) تفريق الرميات، فلو رمى بسبع حصيات أو أكثر جملة واحدة لا يجزئه إلا عن واحدة ولو متفرقة عند الأربعة خلافًا لما في الكرماني أنها إذا وقعت متفرفة جاز، وتمامه في المنحة – انتهى. وفي اللباب: الرابع: تفريق الرميات، فلو رمي بسبع حصيات جملة واحدة لم يجزه إلا عن حصاة واحد. قال القاري: لأن المنصوص عليه تفرق الأفعال لا عين الحصيات، فإذا أتى بفعل واحد لا يكون إلا عن حصاة واحدة لاندراجها في ضمن الجملة، إلى آخر ما قال. وقال العيني: اختلفوا في من رمى سبع حصيات مرة واحدة فقال مالك والشافعي: لا يجزئه إلا عن حصاة واحدة ويرمي بعدها ستًا، وقال عطاء تجزئه عن السبع وهو قول أبي حنيفة، وهذا الذي ذكر عن أبي حنيفة ذكره صاحب التوضيح، وذكر في المحيط: ولو رمى إحدى الجمار بسبع حصيات رمية واحدة فهي بمنزلة حصاة وكان عليه أن يرمي ست مرات. قال العيني: العمدة في النقل عن صاحب مذهب من المذاهب على نقل صاحب من أصحاب ذلك المذهب – انتهى. فائدة: قال الحافظ: زاد محمد بن عبد الرحمن بن يزيد النخعي عن أبيه في هذا الحديث (عند أحمد ج 1: ص 427) عن ابن مسعود أنه لما فرغ من رمي جمرة العقبة قال: اللهم اجعله حجًا مبرورًا وذنبًا مغفورًا – انتهى. وروى البيهقي في السنن (ج 5: ص 129) عن سالم ابن عبد الله بن عمر أنه استبطن الوادي ثم رمي الجمرة بسبع حصيات يكبر مع كل حصاة: الله أكبر، الله أكبر، اللهم اجعله حجًا مبرورًا وذنبًا مغفورًا وعملاً مشكورًا. وقال: حدثني أبي أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يرمي الجمرة في هذا المكان ويقول كلما رمى بحصاة مثل ما قلت. قال البيهقي: عبد الله بن حكيم بن الأزهر

ص: 184

ثم قال: هكذا رمى الذي أنزلت عليه سورة البقرة. متفق عليه.

2646 – (5) وعن جابر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " الاستجمار تَوّ، ورمي الجمار تَوّ، والسعي بين الصفا والمروة تَوّ، والطواف تَوّ، وإذا استجمر أحدكم فليستجمر بتَوّ ".

ــ

ضعيف. وروى حنبل في المناسك عن زيد بن أسلم عن سالم بن عبد الله مثل ذلك كما في المغني (ثم قال) أي ابن مسعود (هكذا رمى) بصيغة الفعل (الذي أنزلت عليه سورة البقرة) قال ابن المنير: خص عبد الله سورة البقرة بالذكر لأنها التي ذكر الله فيها الرمي فأشار إلى أن فعله صلى الله عليه وسلم مبين لمراد كتاب الله تعالى. قال الحافظ: ولم أعرف موضع ذكر الرمي من سورة البقرة، والظاهر أنه أراد أن يقول: إن كثيرًا من أفعال الحج مذكور فيها، فكأنه قال: هكذا رمى الذي أنزلت عليه أحكام المناسك منبهًا بذلك على أن أفعال الحج توقيفية. وقيل خص البقرة بذلك لطولها وعظم قدرها وكثرة ما فيها من الأحكام – انتهى. وقال في اللمعات بعد ذكر كلام الحافظ: " ولم أعرف موضع ذكر الرمي فيها، قلت: لعل الإشارة إلى ذكر الرمي في قوله تعالى: {واذكروا الله في أيام معدودات فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه ومن تأخر فلا إثم عليه} (2: 203) فإن الرمي في تلك الأيام، وينبئ عنه أول حديثي عائشة في الفصل الثاني – انتهى. (متفق عليه) وأخرجه أيضًا أحمد مختصرًا ومطولاً مرارًا (ج 1: ص 374، 408، 415، 422، 427، 436، 457، 458) وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة والبيهقي (ج 5: ص 129، 148) .

2646-

قوله (الاستجمار) أي الاستنجاء بالأحجار (تَوّ) بفتح المثناة الفوقية وتشديد الواو، أي فرد، قال النووي: التو – بفتح التاء المثناة فوق وتشديد الواو – هو الوتر، والمراد بالاستجمار الاستنجاء – انتهى. والإيتار والفردية هنا بالثلاثة، وفي البواقي بالسبعة بدليل الأحاديث المصرحة بذلك. وقد تقدم في باب آداب الخلاء أن الإيتار بالثلاثة في الاستنجاء واجب (ورمي الجمار) في الحج (توّ) أي سبع حصيات وكلها واجبة (والسعي بين الصفا والمروة توّ) أي سبع وكلها واجبة (والطواف توّ) أي سبعة أشواط وكلها فرائض عند الجمهور، وعند الحنفية أربعة أشواط فرض والباقي واجب. قال الجزري في النهاية: يريد أنه يرمي الجمار في الحج فردًا وهي سبع حصيات ويطوف سبعًا ويسعى سبعًا. وقيل أراد بفردية الطواف والسعي أن الواجب منهما مرة واحدة لا تثنى ولا تكرر سواء كان المحرم مفردًا أو قارنًا (وإذا استجمر أحدكم فليستجمر بتو) قال المناوي: ليس هذا تكرارًا بل بالأول الفعل وبالثاني عدد الأحجار، وفيه وجوب تعدد الحجر لضرورة تصحيح الإيتار بما يتقدمه من الشفع، إذ لا قائل بتعيين الإيتار بحجر واحد – انتهى. وقال القاري: الظاهر أن المراد بالاستجمار هنا أي في قوله ((إذا استجمر أحدكم)) إلخ. هو التبخر، فإنه يكون بوضع العواد على جمرة النار فيرتفع التكرار وهو أولى من قول القاضي عياض وتبعه الطيبي أن المراد بالأول

ص: 185