الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(الفصل الأول)
2721 – (1) عن الصعب بن جثامة، أنه أهدى لرسول الله صلى الله عليه وسلم حمارًا وحشيًا
ــ
وجابر بن زيد، واحتج لهم بحديث الصعب بن جثامة الآتي، وبحديث زيد بن أرقم أن النبي صلى الله عليه وسلم أهدى له عضو من لحم صيد فرده وقال إنا لا نأكله، أنّا حرم، أخرجه أحمد ومسلم وأبو داود والنسائي. واحتج لهم أيضًا بعموم قوله تعالى:{وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرمًا} بناء على أن المراد بالصيد الحيوان المصيد، القول الثاني: أنه يجوز له الأكل مطلقًا أي وإن صيد لأجله ولم يكن بإذنه وإعانته أو دلالته وإشارته، وإليه ذهب أبو حنيفة، وحكي ذلك عن عمر بن الخطاب وأبي هريرة والزبير بن العوام وعائشة وطلحة بن عبيد الله وكعب الأحبار ومجاهد وسعيد بن جبير، واحتج لهم بحديث طلحة بن عبيد الله الآتي في الفصل الثالث وبحديث البهزي واسمه زيد بن كعب أنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم في حمار وحشي عقير في بعض وادي الروحاء وهو صاحبه: شأنكم بهذا الحمار، فأمر صلى الله عليه وسلم أبا بكر فقسمه في الرفاق وهم محرومون، أخرجه مالك وأحمد والنسائي وابن خزيمة وغيرهم. واحتج لهم أيضًا بحديث أبي قتادة ثاني أحاديث الباب كما ستعرف، القول الثالث: التفصيل بين ما صاده الحلال لأجل المحرم وما صاده لا لأجله فيمنع الأول دون الثاني وهو مذهب الجمهور منهم الأئمة الثلاثة مالك والشافعي وأحمد وحكي ذلك عن عثمان بن عفان وعطاء وأبي ثور وإسحاق في رواية، واحتج لهم بحديث جابر الآتي في الفصل الثاني، وهو القول الراجح عندنا، وسيأتي الكلام في ذلك مفصلاً.
2721 – قوله (عن الصعب) بفتح الصاد وسكون العين المهملتين بعدها موحدة (جثامة) بفتح الجيم وتشديد المثلثة فألف فميم، ابن قيس بن ربيعة بن عبد الله الليثي حليف قريش، أمه فاختة أخت أبي سفيان بن حرب، يقال: هو أخو محلّم بن جثامة، وكان الصعب ينزل بودان، قال الحافظ في التقريب: مات في خلافة الصديق على ما قيل، والأصح أنه عاش إلى خلافة عثمان، قال الخزرجي في الخلاصة: له أحاديث اتفقا على حديثين، وانفرد البخاري بآخر، وعنه ابن عباس فقط عندهم في هدية الصيد وغيرها، وآخى صلى الله عليه وسلم بينه وبين عوف بن مالك (أهدي رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي في حجة الوداع، قال العيني: الأصل في ((أهدى)) التعدي بإلى، وقد تعدى باللام ويكون بمعناه، وقيل: يحتمل أن تكون اللام بمعنى ((أجل)) وهو ضعيف (حمارًا وحشيًا) كذا في رواية مالك عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن عبد الله بن عباس عن الصعب. قال في شرح المواهب: وهو باتفاق الرواة عن مالك وتابعه عليه تسعة من حفاظ أصحاب الزهري، وقال في شرح الموطأ ((لا خلاف عن مالك في هذا)) وتابعه معمر وابن جريج وعبد الرحمن بن الحارث وصالح بن كيسان والليث وابن أبي ذئب وشعيب بن أبي حمزة ويونس ومحمد بن عمرو بن
.............................................................................................
ــ
علقمة كلهم قالوا: حمارًا وحشيًا، كما قال مالك، وخالفهم سفيان بن عيينة عن الزهري فقال: أهديت له من لحم حمار وحش، رواه مسلم، وله عن الحكم عن سعيد بن جبير عن ابن عباس ((رجل حمار وحش)) وله عن شعبة عن الحكم ((عجز حمار وحش يقطر دمًا)) وفي أخرى له ((شق حمار وحش)) فهذه الروايات صريحة في أنه عقير، وأنه إنما أهدى بعضه لا كله، ولا معارضة بين رجل وعجز وشق لأنه يحمل على أنه أهدي رجلاً معها الفخذ وبعض جانب الذبيحة – انتهى. وقال الحافظ: لم تختلف الرواة عن مالك في ذلك وتابعه عامة الرواة عن الزهري، وخالفهم ابن عيينة عن الزهري فقال: لحم حمار وحش. أخرجه مسلم، لكن بين الحميدي صاحب سفيان (ج 2: ص 344) أنه كان يقول في هذا الحديث: حمار وحش، ثم صار يقول: لحم حمار وحش، فدل على اضطرابه فيه، وقد توبع على قوله ((لحم حمار وحش)) من أوجه فيها مقال ثم ذكرها مع الكلام فيها، ثم قال: ويدل على وهم من قال فيه: عن الزهري، ذلك أن ابن جريج قال: قلت للزهري: الحمار عقير؟ قال: لا ادري. أخرجه ابن خزيمة وأبو عوانة في صحيحهما. وقد جاء عن ابن عباس من وجه آخر أن الذي أهداه الصعب لحم حمار فذكر ما تقدم في كلام الزرقاني في شرح الموطأ. وقد اختلفوا في هذه الروايات فمنهم من اختار الجمع بينها ومنهم من سلك مسالك الترجيح. قال الزرقاني بعد ذكر هذه الروايات: فمنهم من رجح رواية مالك وموافقيه، قال الشافعي في الأم: حديث مالك ((أن الصعب أهدى حمارًا)) أثبت من حديث من روى ((أنه أهدى لحم حمار)) وقال الترمذي: قد روى بعض أصحاب الزهري عن الزهري هذا الحديث وقال: أهدى لحم حمار وحش. وهو غير محفوظ. وقال البيهقي: كان ابن عيينة يضطرب فيه، فرواية العدد الذين لم يشكوا فيه أولى - انتهى. وقد تقدم عن الحافظ أنه قال: من قال ذلك فيه عن الزهري أي ذكر اللحم في حديث الزهري وهم. وإليه يظهر ميل البخاري حيث بوب في صحيحه ((باب إذا أهدى للمحرم حمارًا وحشيًا حيًا لم يقبل)) ثم أورد فيه الحديث برواية مالك. قال الحافظ: كذا قيده البخاري في الترجمة بكونه حيًا، وفيه إشارة إلى أن الرواية التي تدل على أنه كان مذبوحًا موهمة – انتهى. وإليه مال الباجي إذ قال: قوله ((حمارًا وحشيًا) هكذا رواه الزهري عن عبيد الله وهو أثبت الناس فيه وأحفظهم عنه. وفي المبسوط من رواية ابن نافع عن مالك، بلغني إنما رده عليه من أجل أن الحمار كان حيًا – انتهى. مختصرًا. وبه جزم ابن العربي حيث قال: وإنما رد الصيد على الصعب لأنه كان حيًا. ومنهم من رجح رواية اللحم. قال ابن القيم: أما الاختلاف في كون الذي أهداه حيًا أو لحمًا فرواية من روى ((لحمًا)) أولى لثلاثة أوجه، أحدها: أن راويها قد حفظها وضبط الواقعة حتى ضبطها أنه يقطر دمًا، وهذا يدل على حفظه للقصة حتى لهذا الأمر الذي لا يؤبه له. الثاني: أن هذا صريح في كونه بعض الحمار وأنه لحم منه فلا يناقض قوله ((أهدي له حمارًا)) بل يمكن حمله على رواية من روى لحمًا، تسمية للحم باسم الحيوان، وهذا مما لا تأباه اللغة. الثالث: أن سائر الروايات متفقة على أنه
وهو بالأبواء أو بودان،
ــ
بعض من أبعاضه، وإنما اختلفوا في ذلك البعض هل هو عجزه أو شقة أو رجله أو لحم منه، ولا تناقض بين هذه الروايات إذ يمكن أن يكون الشق الذي فيه العجز وفيه الرجل فصح التعبير عنه بهذا وهذا، وقد رجع ابن عيينة عن قوله ((حمارًا)) وثبت على قوله ((لحم حمار)) حتى مات. وهذا يدل على أنه تبين له أنه أهدى له لحمًا لا حيوانًا – انتهى. وفيه ما تقدم عن الحافظ وغيره أنه لا خلاف فيه عن مالك أنه أهدى حمارًا، وتابعه عامة الرواة عن الزهري، وأن من قال فيه عن الزهري لحمًا وهم. ومنهم من جمع بحمل رواية ((أهدى حمارًا)) على النجوز من إطلاق اسم الكل على البعض كما بسطه الزرقاني في شرح الموطأ وابن الهمام في فتح القدير، وكما تقدم في كلام ابن القيم، وكما ذكره القرطبي احتمالاً. ومنهم من جمع بأن الصعب أحضر الحمار مذبوحًا ثم قطع منه عضوًا بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم فقدمه له. فمن قال: أهدى حمارًا، أراد بتمامه مذبوحًا لا حيًا، ومن قال ((لحم حمار)) أراد ما قدمه للنبي صلى الله عليه وسلم حكاه الحافظ عن القرطبي احتمالاً. ومنهم من جمع بأنه أحضره له حيًا، فلما رده عليه ذكاه وأتاه بعضو منه ظانًا أنه إنما رده عليه لمعنى يختص بحملته فأعلمه بامتناعه أن حكم الجزء من الصيد حكم الكل، حكاه الحافظ عن القرطبي أيضًا احتمالاً. قال الزرقاني بعد ذكره: هذا الجمع قريب وفيه إبقاء اللفظ على المتبادر منه الذي ترجم عليه البخاري ((إذا أهدى للمحرم حمارًا وحشيًا حيًا لم يقبل)) مع أنه لم يقل في الحديث ((حيًا)) فكأنه فهمه من قوله ((حمارًا)) ومنهم من جمع بالحمل على التعدد، قال ابن بطال: اختلاف روايات حديث الصعب تدل على أنها لم تكن قضية واحدة وإنما كانت قضايا فمرة أهدى إليه الحمار كله، ومرة عجزه، ومرة رجله، لأن مثل هذا لا يذهب على الرواة ضبطه حتى يقع فيه التضاد في النقل والقصة واحدة ذكره العيني (وهو بالأبواء) بفتح الهمزة وسكون الباء الموحدة وبالمد، جبل قرب مكة وعنده بلدة تنسب إليه، قيل سمي بذلك لوبائه وهو على القلب وإلا لقيل: الأوباء. وقيل لأن السيول تتبوأه أي تحله، قال ياقوت: وهذا أحسن. وقال الزرقاني: جبل بينه وبين الجحفة مما يلي المدينة ثلاثة وعشرون ميلاً، سمي بذلك لتبوأ السيول به لا لما فيه من الوباء إذ لو كان كذلك لقيل ((الأوباء)) أو هو مقلوب منه – انتهى. قال العيني: به توفيت أم رسول الله صلى الله عليه وسلم (أو بودان) شك من الراوي وهو بفتح الواو وتشديد الدال المهملة فألف فنون، موضع بقرب الجحفة. قال الحافظ: هو أقرب إلى الجحفة من الأبواء فإن من الأبواء إلى الجحفة للآتي من المدينة ثلاثة وعشرون ميلاً، ومن ودان إلى الجحفة ثمانية أميال، وبالشك جزم أكثر الرواة وجزم ابن إسحاق وصالح بن كيسان عن الزهري بودان، وجزم معمر وعبد الرحمن بن إسحاق ومحمد بن عمرو ((بالأبواء)) والذي يظهر لي أن الشك فيه من ابن عباس، لأن الطبراني أخرج الحديث من طريق عطاء عنه على الشك أيضًا، وسيأتي برواية البيهقي أن ذلك في الجحفة، وروى الطحاوي
فرد عليه، فلما رأى ما في وجهه، قال:" إنا لم نرده عليك إلا أنا حرم ".
ــ
من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس أن الصعب بن جثامة أهدى للنبي صلى الله عليه وسلم عجز حمار وهو بقديد يقطر دمًا فرده (فرد عليه) أي رد النبي على الصعب الحمار الذي صاده ثم أهداه إليه. قال الحافظ: اتفقت الروايات كلها على أنه رده عليه إلا ما رواه ابن وهب والبيهقي (ج 5: ص 193) من طريقه بإسناده حسن من طريق عمرو بن أمية أن الصعب أهدى للنبي صلى الله عليه وسلم عجز حمار وحش وهو بالجحفة فأكل منه وأكل القوم. قال البيهقي: إن كان هذا محفوظًا فلعله رد الحي وقبل اللحم. قلت (قائله الحافظ) وفي هذا الجمع نظر لما بينته (يشير إلى الروايات التي فيها ذكر إهداء جزء من الحمار ورده عليه) فإن كانت الطرق كلها محفوظة فلعله رده حيًا لكونه صيد لأجله ورد اللحم تارة لذلك، وقبله تارة أخرى حيث علم أنه لم يصد لأجله، وقد قال الشافعي: إن كان الصعب أهدى له حمارًا حيًا فليس للمحرم أن يذبح حمار وحشي حي وإن كان أهدى له لحمًا فقد يحتمل أن يكون علم أنه صيد لأجله، ويحتمل أن يحمل القبول المذكور في حديث عمرو بن أمية على وقت آخر، وهو حال رجوعه صلى الله عليه وسلم من مكة، ويؤيده أنه جازم فيه بوقوع ذلك بالجحفة وفي غيرها من الروايات بالأبواء أو بودان – انتهى. قال الزرقاني فكأنه لما رده لأنه محرم أهدى له بعد ما حل فقبله وهذا جمع حسن (فلما رأى) أي رسول الله صلى الله عليه وسلم (ما في وجهه) أي في وجه الصعب من الكراهة لما حصل له من الكسر برد هديته، ففي رواية الترمذي ((فلما رأى ما في وجهه من الكراهة)) وكذا لأحمد وابن خزيمة، وفي رواية للبخاري ((فلما عرف في وجهي رده هديتي)) قال الباجي: يريد من التغير والإشفاق لرد النبي صلى الله عليه وسلم هديته مع أنه صلى الله عليه وسلم يقبل الهدية ويأكلها فخاف الصعب أن يكون ذلك لمعنى يخصه (قال) أي تطييبًا لقلبه (إنّا) بكسر الهمز لوقعها في الابتداء (لم نرده) بفتح الدال رواه المحدثون، وقال محققو النحاة: إنه غلط والصواب ضم الدال. قال عياض: ضبطناه في الروايات ((لم نرده)) بفتح الدال، وأبي ذلك المحققون من أهل العربية وقالوا: الصواب أنه بضم الدال لأن المضاعف المجزوم الذي اتصل به ضمير المذكر يراعى فيه الواو التي توجبها ضمة الهاء بعدها لخفاء الهاء فكأن ما قبلها ولي الواو ولا يكون ما قبل الواو إلا مضمومًا، هذا في المذكر أما المؤنث مثل لم تردها فمفتوح الدال مراعاة للألف. قال عياض: وليس الفتح بغلط بل ذكره ثعلب في الفصيح، نعم تعقبوه عليه بأنه ضعيف وأوهم صنيعه أنه فصيح وأجازوا أيضًا الكسر، وهو أضعف الأوجه. قال الحافظ: ووقع في رواية الكشمهيني بفك الإدغام ((لم نردده)) بضم الدال الأولى وسكون الثانية فلا إشكال، وفي رواية شعيب عن الزهري عند البخاري وابن جريج عنه عند أحمد وابن خزيمة ((ليس بنا رد عليك)) وفي رواية عبد الرحمن بن إسحاق عن الزهري عند الطبراني ((إنا لم نرده عليك كراهية له ولكنّا حرم)) (عليك) لعلة من العلل (إلا أنّا) بفتح الهمزة أي لأجل أنّا (حرم) بضم الحاء والراء جمع
.............................................................................................
ــ
حرام وهو من أحرم بنسك أي المحرمون. قال الجوهري: رجل حرام، أي محرم، والجمع حرم، مثل قذال وقذل، قال العيني: قوله ((إلا أنّا حرم)) بفتح الهمزة في ((أنّا)) على أنه تعدى إليه الفعل بحرف التعليل فكأنه قال لأنّا، وقال أبو الفتح القشيري: إنّا مكسورة الهمزة لأنها ابتدائية لاستئناف الكلام، وقال الكرماني: لام التعليل محذوفة والمستثنى منه مقدر أي لا نرده لعلة من العلل إلا لأننا حرم، قال الحافظ: زاد صالح بن كيسان عند النسائي ((لا نأكل الصيد)) وفي رواية سعيد بن جبير عن ابن عباس ((لولا أنّا محرمون لقبلناه منك)) . واستدل بالحديث من حرم أكل لحم الصيد على المحرم مطلقًا سواء صاده الحلال لنفسه أو لمحرم وذلك لأنه اقتصر في التعليل على كونه محرمًا فدل على أنه سبب الامتناع خاصة، وأجاب الجمهور عنه بما ذكر عن الشافعي أنه قال: إن كان الصعب أهدى حمارًا حيًا فليس للمحرم أن يذبح حمارًا وحشيًا حيًا وإن كان أهدى لحمًا فيحتمل أن يكون علم أنه صيد له. قال الحافظ: جمع الجمهور بين ما اختلف من الأحاديث في الرد والقبول بأن أحاديث القبول (كحديث طلحة وحديث البهزي وحديث أبي قتادة) محمولة على ما يصيده الحلال لنفسه ثم يهدي منه للمحرم، وأحاديث الرد (كحديث الصعب وحديث زيد بن أرقم) محمولة على ما صاده الحلال لأجل المحرم، قالوا: والسبب في الاقتصار على الإحرام عند الاعتذار للصعب أن الصيد لا يحرم على المحرم إذا صيد له إلا إذا كان محرمًا، فبين الشرط الأصلي وسكت عما عداه فلم يدل على نفيه، وقد بينه الأحاديث الأخر، ويؤيد هذا الجمع حديث جابر يعني الذي يأتي في الفصل الثاني وقال الزرقاني: حمل الجمهور حديث الصعب على أنه قصدهم باصطياده لأنه كان عالمًا بأنه صلى الله عليه وسلم يمر به فصاده لأجله، قال: وتعليله صلى الله عليه وسلم للصعب بأنه محرم لا يمنع كونه صيد له ولأنه بين الشرط الذي يحرم الصيد على الإنسان إذا صيد له وهو الإحرام وقبل حمار البهزي وفرقه على الرفاق لأنه كان يتكسب بالصيد فحمله على عادته في أنه لم يصد لأجله صلى الله عليه وسلم، قال: وهذا على رواية أن الصعب أهدى لحمًا أما على أنه أهداه حيًا فواضح، فالإجماع على أنه يحرم على المحرم قبول صيد وهب له وشراؤه واصطياده واستحداث ملكه بوجه من الوجوه، وأجاب الحنفية عن حديث الصعب بأنه مضطرب كما قال الطحاوي، وبأن الأظهر بل الصحيح في الرواية رد الحمار الحي كما تقدم عن الجمهور، وبأنه يحتمل أنه علم أنه صيد بدلالة المحرم أو إشارته وبأن حديث أبي قتادة أولى لأنه ليس فيه اضطراب مثل ما في حديث الصعب، وبأن رده صلى الله عليه وسلم يمكن أن يكون تنزهًا وسدًا لذرائع التوسع في أكل الصيد للمحرم وحسمًا لمادته لئلا يفضي استعمال ما لا بأس به إلى التساهل فيما به بأس في آخر الأمر، وهذه الأجوبة كلها مخدوشة لا يخفى على المصنف ما فيها من الخدشات والتعسفات، هذا. وفي حديث الصعب من الفوائد: الحكم بالعلامة لقوله: فلما رأى ما في وجهه، وفيه جواز رد الهدية إذا وجد مانع من قبولها وترجم له البخاري ((من رد الهدية لعلة)) وفيه كراهية رد هدية الصديق لما يقع في قلبه فإنه صلى الله عليه وسلم طيب نفسه بذكر
متفق عليه.
2722 – (2) وعن أبي قتادة، أنه خرج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم،
ــ
عذر الرد، وفيه إخبار المهدي إليه بسبب الرد لتطمئن نفس المهدي وتزول وساوسه ويطيب قلبه، وفيه أن الهبة لا تدخل في الملك إلا بالقبول وإن قدرته على تملكها لا تصيره مالكًا لها (متفق عليه) أخرجه البخاري في الحج وفي الهبة ومسلم في الحج وأخرجه أيضًا أحمد (ج 4: ص 37، 38، 71، 72، 73) ومالك والترمذي والنسائي وابن ماجة والدرامي وابن الجارود (ص 154) وابن خزيمة وعبد الرزاق (ج 4: ص 426) والحميدي (ج 2: ص 344) والطحاوي والبيهقي وغيرهم.
2722 – قوله (وعن أبي قتادة أنه خرج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي عام الحديبية كما في رواية يحيى بن أبي كثير عن عبد الله بن أبي قتادة عند الشيخين وغيرهما. قال الحافظ: قوله ((الحديبية)) أصح من رواية الواقدي من وجه آخر عن عبد الله ابن أبي قتادة أن ذلك كان في عمرة القضية، ووقع في رواية أبي عوانة عن عثمان بن عبد الله بن موهب عن عبد الله بن أبي قتادة عن أبيه عند الشيخين أيضًا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج حاجًا فخرجوا معه. قال الإسماعيلي: هذا غلط فإن القصة كانت في عمرة، وأما الخروج إلى الحج فكان في خلق كثير وكان كلهم على الجادة لا على ساحل البحر، ولعل الراوي أراد ((خرج محرمًا)) فعبر عن الإحرام بالحج غلطًا. قال الحافظ: لا غلط في ذلك بل هو من المجاز السائغ، وأيضًا فالحج في الأصل قصد البيت فكأنه قال: خرج قاصدًا للبيت، ولهذا يقال للعمرة الحج الأصغر، ثم وجدت الحديث من رواية محمد بن أبي بكر المقدمي عن أبي عوانة بلفظ ((خرج حاجًا أو معتمرًا)) أخرجه البيهقي، فتبين أن الشك فيه من أبي عوانة،وقد جزم يحيى بن أبي كثير بأن ذلك في عمرة الحديبية، وهذا هو المعتمد – انتهى. واعلم أنه اختلفت الروايات في قصة اصطياد أبي قتادة الحمار الوحشي إجمالاً وتفصيلاً وتأخيرًا، وقد أجمل الكلام عليها الحافظ في الفتح والشيخ محمد عابد السندي في المواهب اللطيفة، قال الحافظ: حاصل القصة أن النبي صلى الله عليه وسلم لما خرج في عمرة الحديبية فبلغ الروحاء وهي من ذي الحليفة على أربعة وثلاثين ميلاً أخبروه بأن عدوًا من المشركين بوادي غيقة (بفتح الغين المجمعة بعدها ياء ساكنة ثم قاف مفتوحة ثم هاء، قال السكوني: هو ماء لبني غفار بين مكة والمدينة. وقال يعقوب: هو قليب لبني ثعلبة يصب فيه ماء رضوى ويصب هو في البحر) يخشى منهم أن يقصدوا غرته فجهز طائفة من أصحابه فيهم أبو قتادة إلى جهتهم ليأمن شرهم، فلما أمنوا ذلك لحق أبو قتادة وأصحابه بالنبي صلى الله عليه وسلم فأحرموا إلا هو (يعني أن أصحابه كانوا أحرموا من الميقات أو أحرموا في أثناء تجواله وحده لاستطلاع أخبار العدو إلا هو فإنه لم يحرم) فاستمر هو حلالاً لأنه إما لم يجاوز الميقات وإما لم يقصد العمرة، وقال أيضًا إن الروحاء هو المكان
..............................................................................................
ــ
الذي ذهب أبو قتادة وأصحابه منه إلى جهة البحر ثم التقوا بالقاحة (بالقاف والحاء المهملة المخففة، واد على نحو ميل من السقيا وعلى ثلاث مراحل من المدينة) وبها وقع له الصيد المذكور وكأنه تأخر هو ورفقته للراحة أو غيرها وتقدمهم النبي صلى الله عليه وسلم إلى السقيا حتى لحقوه، قال: ووقع في حديث أبي سعيد عند ابن حبان والبزار أن ذلك وقع وهم بعسفان، وفيه نظر، والصحيح ما سيأتي بعد باب أي عند البخاري من طريق صالح بن كيسان عن أبي محمد مولى أبي قتادة عنه، قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم بالقاحة ومنا المحرم وغير المحرم (يريد بغير المحرم نفسه فقط) فرأيت أصحابي يتراؤن شيئًا فنظرت، فإذا حمار وحش – الحديث. قال الحافظ: وبهذا يعني بما ذكره من حاصل القصة وأن أبا قتادة استمر حلالاً لأنه إما لم يجاوز الميقات وإما لم يقصد العمرة يرتفع الإشكال الذي ذكره أبو بكر الأثرم، قال: كنت أسمع أصحابنا يتعجبون من هذا الحديث ويقولون: كيف جاز لأبي قتادة أن يجاوز المقيات وهو غير محرم ولا يدرون ما وجهه. قال: حتى وجدته في رواية من حديث أبي سعيد فيها: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فأحرمنا فلما كنا بمكان كذا إذا نحن بأبي قتادة، وكان النبي صلى الله عليه وسلم بعثه في وجه - الحديث. قال: فإذا أبو قتادة إنما جاز له ذلك لأنه لم يخرج يريد مكة. قال الحافظ: والذي يظهر أن أبا قتادة إنما أخر الإحرام لأنه لم يتحقق أنه يدخل مكة فساغ له التأخير، قال: والرواية التي أشار إليها الأثرم تقتضي أن أبا قتادة لم يخرج مع النبي صلى الله عليه وسلم من المدينة، وليس كذلك أي لأن عامة الروايات من حديث أبي قتادة على أن أبا قتادة خرج مع النبي صلى الله عليه وسلم من المدينة وأن بعثه أبا قتادة ومن معه كان من الروحاء، وأخرج ابن حبان في صحيحه والبزار والطحاوي من طريق عياض بن عبد الله عن أبي سعيد، قال: بعث رسول الله أبا قتادة على الصدقة وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه وهم محرمون حتى نزلوا بعسفان – الحديث. قال الحافظ: فهذا سبب آخر ويحتمل جمعهما. وقال في المواهب اللطيفة: الحاصل أن أبا قتادة خرج مع النبي صلى الله عليه وسلم من المدينة وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره بأخذ الصدقات، وكانت طريقهم متحدة فأحرموا كلهم غيره بناء على أنه لم يقصد إذ ذاك مكة ثم سار مع النبي صلى الله عليه وسلم بناء على اتحاد الطريق حتى بلغوا الروحاء فأخبروا بالعدو فوجهه صلى الله عليه وسلم مع أصحاب له محرمين فلما أمنوا رجع على حالته التي كان عليها فساغ له التأخير لذلك – انتهى. وقال القاري: إن أبا قتادة لم يحرم لقصده الإحرام من ميقات آخر وهو الجحفة، فإن المدنى مخير (عند الحنفية) بين أن يحرم من ذي الحليفة وبين أن يحرم من الجحفة، وفيه أن رواية أبي سعيد التي فيها ذكر عسفان تدل على تأخير أبي قتادة الإحرام من الجحفة ولكن نظر فيها الحافظ وصحح خلافها كما تقدم، وقال القسطلاني: لم يحرم لاحتمال أنه لم يقصد نسكًا إذ يجوز دخول الحرم بغير إحرام لمن يرد حجًا ولا عمرة كما هو مذهب الشافعية، وأما على مذهب القائلين بوجوب الإحرام فيجاب بأنه إنما لم يحرم لأنه صلى الله عليه وسلم كان أرسله إلى جهة أخرى ليكشف أمر عدو - انتهى. وقيل كانت هذه
فتخلف مع بعض أصحابه وهم محرمون وهو غير محرم، فرأوا حمارًا وحشيًا قبل أن يراه، فلما رأوه تركوه حتى رآه أبو قتادة،
ــ
القصة قبل أن يوقت النبي صلى الله عليه وسلم المواقيت (فتخلف) أي تأخر أبو قتادة (مع بعض أصحابه) الضمير راجع إلى أبي قتادة أو النبي صلى الله عليه وسلم (وهم) أي البعض (محرمون وهو) أي أبو قتادة (غير محرم) تقدم بيان وجه عدم إحرامه، وفي رواية لمسلم ((حتى إذا كانوا ببعض طريق مكة تخلف مع أصحاب له محرمين وهو غير محرم)) وفي رواية للبخاري ((قال أي أبو قتادة انطلقنا مع النبي صلى الله عليه وسلم عام الحديبية فأحرم أصحابه ولم أحرم فأنبئنا بعدو بغيقة فتوجهنا نحوهم فبصر أصحابي بحمار وحش)) وفي أخرى له أيضًا ((كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم بالقاحة من المدينة على ثلاث (أي مراحل) ومنا المحرم ومنا غير المحرم فرأيت أصحابي يتراؤن شيئًا)) وقد تقدم أن الروحاء هو المكان الذي ذهب أبو قتادة وأصحابه منه إلى جهة البحر ثم التقوا بالقاحة وبها وقع له الصيد المذكور فالظاهر أن المراد في رواية المشكاة تخلفهم بالقاحة بعد ما انصرفوا عن ساحل البحر وفيها وقع أمر الصيد (فرأوا حمارًا وحشيًا) نوع من الصيد على صفة الحمار الأهلي وبينهما بعض الميزات، وجمعه حمر، ونسب إلى الوحش لتوحشه وعدم استئناسه. قال النووي: قوله ((حمارًا وحشيًا)) كذا ذكر في أكثر الروايات، وفي رواية أبي كامل الجحدري عن أبي عوانة ((إذ رأوا حمر وحش، فحمل عليها أبو قتادة فعقر منها أتانًا)) فهذه الرواية تبين أن الحمار في أكثر الرواية المراد به أنثى وهي الأتان سميت حمارًا مجازًا – انتهى. قلت: وهكذا وقع في رواية موسى بن إسماعيل عن أبي عوانة عند البخاري، قال الحافظ: قوله ((فحمل أبو قتادة على الحمر فعقر منها أتانا)) في هذا السياق زيادة على جميع الروايات لأنها متفقة على إفراد الحمار بالرؤية وأفادت هذه الرواية أنه من جملة الحمر، وأن المقتول كان أتانا أي أنثى، فعلى هذا في إطلاق الحمار عليها تجوز - انتهى. وكذا قال القسطلاني. وزاد ((أو أن الحمار يطلق على الذكر والأنثى)) (قبل أن يراه) أي قبل رؤية أبي قتادة ذلك الحمار (فلما رأوه تركوه) أي الحمار (حتى رآه أبو قتادة) أي حتى رأى أبو قتادة الحمار، وزاد في رواية عبد الله بن أبي قتادة عن أبيه عند البخاري ((فبينما أنا مع أصحابه يضحك بعضهم إلى بعض)) وقد بسط شراح الصحيحين في أن ضحك بعض المحرمين إلى بعض هل هو داخل في الدلالة على الصيد أم لا؟ ومال الحافظ وغيره من العلماء إلى أنه ليس بدلالة. وقد ترجم البخاري على هذه الرواية ((باب إذا رأى المحرمون صيدًا فضحكوا ففطن الحلال)) قال الحافظ في شرحه: أي لا يكون ذلك منهم إشارة له إلى الصيد فيحل لهم أكل الصيد، قلت: ووقع في هذه الرواية عند مسلم ((يضحك بعضهم إليّ)) أي بتشديد الياء. قال عياض: وهو خطأ وتصحيف وإنما سقط عليه لفظة ((بعض)) والصواب يضحك بعضهم إلى بعض كما في سائر الطرق والروايات، وتعقبه النووي وذهب الحافظ إلى تصويب ما قال القاضي من شاء الوقوف على كلام القاضي وتعقب
فركب فرسًا له، فسألهم أن يناولوه سوطه فأبوا فتناوله فحمل عليه فعقره، ثم أكل فأكلوا فندموا، فلما أدركوا رسول الله صلى الله عليه وسلم سألوه،
ــ
النووي وجواب الحافظ رجع إلى الفتح في شرح باب ((إذا صاد الحلال فأهدى للمحرم الصيد)) من كتاب الحج (فركب) أي أبو قتادة بعد ما رأى الحمار (فرسًا له) وعند البخاري بعده ((يقال له الجرادة)) قال الحافظ: هو بفتح الجيم وتخفيف الراء والجراد اسم جنس، ووقع في السيرة لابن هشام أن اسم فرس أبي قتادة ((الحزوة)) أي بفتح المهملة وسكون الزأي بعدها واو، فإما أن يكون له اسمان وإما أن أحدهما تصحف والذي في الصحيح هو المعتمد – انتهى. (فسألهم أن يناولوه) أي يعطوه (سوطه، فأبوا) لعدم جواز المعاونة (فتناوله) أي أخذ بيده، وفي رواية أبي حازم عند البخاري في الهبة ((فأبصروا حمارًا وحشيًا وأنا مشغول أخصف نعلي فلم يؤذنوني به وأحبوا لو أني أبصرته فالتفت فأبصرته فقمت إلى الفرس فأسرجته ثم ركبت ونسيت السوط والرمح فقلت لهم: ناولوني السوط والرمح فقالوا: لا والله لا نعينك عليه بشيء فغضبت فنزلت فأخذتهما ثم ركبت)) وفي رواية ((وكنت نسيت سوطي فقلت: لهم ناولوني سوطي، فقالوا: لا نعينك عليه فنزلت فأخذته)) (فحمل عليه) أي وجه الفرس نحوه فأدركه (فعقره) أي قتله، وأصل العقر الجرح، وفي رواية ((فشددت على الحمار فعقرته ثم جئت به وقد مات)) وفي أخرى ((حتى عقرته فأتيت إليهم فقلت لهم: قوموا فاحتملوا فقالوا: لا نمسه. فحملته حتى جئتهم به)) (ثم) أي بعد طبخه (أكل) أي أبو قتادة منه (فأكلوا) تبعًا له (فندموا) لظنهم أنه لا يجوز للمحرم أكل الصيد مطلقًا، وفي رواية لمسلم ((فأكل بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بعضهم)) وفي رواية للشيخين ((فأتيت به أصحابي فقال بعضهم: كلوا، وقال بعضهم: لا تأكلوا)) قال الحافظ: قد تقدم من عدة أوجه أنهم أكلوا، والظاهر أنهم أكلوا أول ما أتاهم ثم طرأ عليهم الشك كما في لفظ عثمان بن موهب عن عبد الله بن أبي قتادة عند البخاري ((فأكلنا من لحمها ثم قلنا: أنأكل من لحم صيد ونحن محرمون؟)) وأصرح من ذلك رواية أبي حازم عند البخاري في الهبة بلفظ ((ثم جئت به فوقعوا فيه يأكلون، ثم إنهم شكوا في أكلهم إياه وهم حرم)) (فلما أدركوا رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي لحقوه وقد تقدمهم إلى السقيا، قال الحافظ: في الحديث من الفوائد أن عقر الصيد ذكاته وجواز الاجتهاد في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، قال ابن العربي: هو اجتهاد بالقرب من النبي صلى الله عليه وسلم لا في حضرته، وفيه العمل بما أدى إليه الاجتهاد ولو تضاد المجتهدان، ولا يعاب واحد منهما على ذلك لقوله: فلم يعب ذلك علينا. وكأن الآكل تمسك بأصل الإباحة والممتنع نظر إلى الأمر الطارئ، وفيه الرجوع إلى النص عند تعارض الأدلة يعني لأن الصحابة بعد ما أكلوا من الحمار الوحشي مجتهدين وحصل لهم شك في جواز أكلهم رجعوا في تحقيق ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم (سألوه) أي عن ذلك هل يجوز أكله أم لا؟ وفي رواية عند البخاري ((فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو أمامنا
قال: " هل معكم منه شيء؟ " قالوا: معنا رجله فأخذها النبي صلى الله عليه وسلم فأكلها.
ــ
فسألته، فقال: كلوه حلال)) (قال) أي النبي صلى الله عليه وسلم بعد ما سألهم عن إشارتهم ودلالتهم وقتلهم (هل معكم منه شيء؟ قالوا: معنا رجله) وفي رواية أبي حازم عند البخاري في الهبة ((فرحنا وخبأت العضد معي)) وفيه ((فقال: معكم منه شيء؟ فناولته العضد فأكلها حتى تعرقها)) وفي رواية المطلب عند سعيد بن منصور ((قد رفعنا لك الذراع فأكل منها)) وجمع بأنه أكل من كليهما (فأخذها) أي رجله (فأكلها) إشارة إلى أن الجواب بالفعل أقوى من القول. قال الحافظ: فيه الاستيهاب من الأصدقاء وقبول الهدية من الصديق، وقيل عياض: عندي أن النبي صلى الله عليه وسلم طلب من أبي قتادة ذلك تطييبًا لقلب من أكل منه، بيانًا للجواز بالقول والفعل لإزالة الشبهة التي حصلت لهم – انتهى. والحديث دليل على جواز أكل الحمار الوحشي وأنه من الصيد بخلاف الحمار الأهلي فإنه رجس، وأن تمني المحرم أن يقع من الحلال الصيد ليأكل المحرم منه لا يقدح في إحرامه، وأنه يجوز للمحرم الأكل من صيد الحلال إذا لم يصده لأجله، وهذا يقوي من حمل الصيد في قوله تعالى:{وحرم عليكم صيد البر} على الاصطياد، تنبيه: روى أحمد (ج 5: ص 304) وابن ماجة وعبد الرزاق في مصنفه (ج 4: ص 430) والدراقطني وإسحاق بن راهوية وابن خزيمة والبيهقي (ج 5: ص 190) من طريق معمر عن يحيى بن أبي كثير عن عبد الله بن أبي قتادة عن أبيه، قال: خرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم زمن الحديبية فأحرم أصحابي ولم أحرم أنا فرأيت حمار وحش فحملت عليه فاصطدته، فذكرت شأنه لرسول الله صلى الله عليه وسلم وقلت له: إنما اصطدته لك فأمر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه فأكلوه ولم يأكل منه حين أخبرته أني اصطدته له. قال ابن خزيمة وأبو بكر النيسابوري والدراقطني والجوزقي تفرد بهذه الزيادة معمر، قال ابن خزيمة: إن كانت هذه الزيادة محفوظة احتمل أن يكون صلى الله عليه وسلم أكل من لحم ذلك الحمار قبل أن يعلمه أبو قتادة أنه اصطاده من أجله فلما أعلمه امتنع – انتهى. قال الحافظ: وفيه نظر لأنه لو كان حرامًا ما أقر النبي صلى الله عليه وسلم على الأكل منه إلى أن أعلمه أبو قتادة بأنه صاده لأجله، ويحتمل أن يكون ذلك لبيان الجواز فإن الذي يحرم على المحرم إنما هو الذي يعلم أنه صيد من أجله، وأما إذا أتي بلحم لا يدري ألحم صيد أو لا فحمله على أصل الإباحة فأكل منه لم يكن ذلك حرامًا على الآكل. وعندي بعد ذلك فيه وقفة، فإن الروايات المتقدمة ظاهرة في أن الذي تأخر هو العضد وأنه صلى الله عليه وسلم أكلها حتى تعرقها أي لم يبق منها إلا العظم، ووقع عند البخاري في الهبة حتى نفدها أي فرغها، فأي شيء يبقى منها حينئذ حتى يأمر أصحابه بأكله، لكن رواية أبي محمد في الصيد عند البخاري ((أبقي معكم شيء منه؟ قلت: نعم. قال: كلوا فهو طعمة أطعمكموها الله)) فأشعر بأنه بقي منها غير العضد والله أعلم – انتهى. وقال الزيلعي: قال صاحب التنقيح: والظاهر أن هذا اللفظ الذي تفرد به معمر غلط فإن في الصحيحين ((أن النبي صلى الله عليه وسلم أكل منه)) وفي لفظ لأحمد (ج 5: ص 306) ((قلت: هذه العضد قد شويتها وأنضجتها فأخذها
متفق عليه. وفي رواية لهما: فلما أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " أمنكم أحد أمره أن يحمل عليها أو أشار إليها؟ " قالوا: لا. قال: " فكلوا ما بقي من لحمها ".
ــ
فنهشها صلى الله عليه وسلم وهو حرام حتى فرغ منها)) – انتهى. وقال الشيخ محمد عابد السندي في المواهب اللطيفة: والأولى أن يقال إن رواية معمر شاذة لمخالفته للثقات الأثبات فلا عبرة بها والله أعلم – انتهى. قلت: معمر ثقة لا يضر تفرده وقد تقدم وجه الجمع بين الروايتين في كلام ابن خزيمة، ويشهد للزيادة المذكورة في رواية معمر حديث جابر الآتي في الفصل الثاني (متفق عليه) أخرجه البخاري في الجهاد والأطعمة والهبة والحج والمغازي والصيد، ومسلم في الحج واللفظ المذكور في للبخاري في الجهاد، والحديث أخرجه أيضًا أحمد (ج 5: ص 301، 302، 306، 307، 308) ومالك وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة، والحميدي (ج 1: ص 204) والبيهقي (ج 5: ص 187، 188، 189) والدراقطني وابن الجارود (ص 153، 154) والشافعي والطحاوي وغيرهم (وفي رواية لهما) أي للشيخين المعلوم من متفق عليه، واللفظ الآتي للبخاري في الحج، ولفظ مسلم ((فقال: هل منكم أحد أمره أو أشار إليه بشيء؟)) وفي رواية أخرى له ((قال: أشرتم أو أعنتم أو أصدتم)) (أمنكم أحد أمره) أي بالصريح أو الدلالة (أن يحمل عليها) قال القاري: أي على الحمار أو الصيد وتأنيثه باعتبار الدابة، قلت: الضمير راجع إلى الأتان لأنه لا يطلق إلا على الأنثى وهي مذكورة في رواية البخاري التي هذه تتمتها وقد ذكرنا لفظها (أو أشار إليها؟) عطف على ((أمره)) قال القاري: والفرق بين الدلالة والإشارة أن الأولى باللسان والثانية باليد، وقيل الأولى في الغائب والثانية في الحضور، وقيل كلتاهما بمعنى واحد – انتهى. وفيه دليل على أن مجرد الأمر من المحرم للصائد بأن يحمل على الصيد، والإشارة منه مما يوجب عدم لحل لمشاركته للصائد (فكلوا ما بقي من لحمها) قال الحافظ: صيغة الأمر هنا للإباحة لا للوجوب لأنها وقعت جوابًا عن سؤالهم عن الجواز لا عن الوجوب فوقعت الصيغة على مقتضى السؤال ولم يذكر في هذه الرواية أنه صلى الله عليه وسلم أكل من لحمها، وذكره في الروايات الأخرى كما تقدم، وفي الحديث أنه لا يجوز للمحرم الاصطياد ولا الإعانة عليه بدلالة أو إشارة أو مناولة سلاح أو غير ذلك مما يعين على قتله أو صيده، وفيه جواز أكل المحرم مما صاده الحلال إذا لم يكن من المحرم إعانة أو إشارة أو دلالة، وهو إجماع إذا لم يصد لأجله فإن صيد لأجله فكذلك عند الجمهور منهم الأئمة الثلاثة مالك والشافعي وأحمد خلافًا للحنفية إذ قالوا: يجوز له أكل ما صيد لأجله، وقد تقدم في أول الباب ذكر الخلاف في المسألة وأن حديث أبي قتادة هذا من مستدلات الحنفية، فإن ظاهره أنه صاده لأجل رفقهم المحرمين، قال القاري في شرح النقاية: الأولى في الاستدلال على المطلوب حديث أبي قتادة فإنهم لما سألوه صلى الله عليه وسلم لم يجب لحله لهم حتى سألهم عن موانع الحل أكانت موجودة أم لا، فقال صلى الله عليه وسلم: أمنكم أحد أمره أن يحمل عليها أو أشار إليها؟ قالوا: لا.
2723 – (3) وعن ابن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم،
ــ
فقال: فكلوا إذًا. فلو كان من الموانع أن يصاد لهم لنظمه في سلك ما يسأل عنه منها في التفحص عن الموانع ليجيب بالحكم عند خلوه عنها، وهذا المعنى كالصريح في نفي كون الاصطياد لهم مانعًا – انتهى كلام القاري. وهو مأخوذ من تقرير ابن الهمام، وذكر بعض الحنفية كلام ابن الهمام وزاد عليه أن العادة قاضية بأن مثل هذا الحيوان أي الحمار الوحشي في عظم جثته وكثرة لحمه لا يصيده الصائد لأن يأكله هو وحده، وكان أبو قتادة إذ ذاك في السفر ولم يكن معه إلا رفقته المحرمون فيغلب على الظن – والله أعلم – أنه كان نوى تشريكهم في أكله ولا سيما بعد ما علم بقرائن الحال من تمنيهم اصطياده كما يدل عليه قوله في بعض الروايات ((فلم يؤذنوني به وأحبوا لو أني أبصرته)) – انتهى. وأجيب عن ذلك بأن رواية معمر عند أحمد وابن ماجة وابن خزيمة وغيرهم صريحة في أنه صلى الله عليه وسلم لم يأكل منه حينما أخبره أبو قتادة بأنه إنما اصطاده لأجله صلى الله عليه وسلم، وهذا يقتضي أن أبا قتادة لم يصد لأجل رفقته وأن الاصطياد لأجل المحرم من موانع الأكل ولذا امتنع النبي صلى الله عليه وسلم من أكله وأذن لرفقته فيه، وأما استبعاد أن يصيد أبو قتادة الحمار الوحشي لأجله فقط دون رفقته فقد أجاب عنه صاحب تيسير العلام بما نصه: قد يستبعد أن يصيد أبو قتادة الحمار الوحشي لأجله وحده دون رفقته وهو إشكال في موضعه، والذي يزيل هذا الإشكال هو أن نفهم أن الصيد عند العرب هواية محببة لديهم وظرف يتعشقه ملوكهم وكبارهم، فلا يبعد أن أبا قتادة لما رأى حمر الوحش شاقه طرادها قبل أن يفكر في أنه سيصيدها ليأكل لحمها هو وأصحابه، وهذا شيء علمناه من أنفسنا فلقد تعبنا في طراد الصيد وأنفقنا في سبيله الوقت والمال لذة وشوقًا فإذا ظفرنا به رخص لدينا وذهب خطره من قلوبنا، والله أعلم.
2723 -
قوله (وعن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم) كذا في رواية مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر عند الشيخين، وهكذا وقع في رواية ابن عيينة عن الزهري عن سالم عن أبيه عند مسلم، ووقع عند البخاري من رواية أبي عوانة عن زيد بن جبير قال: سمعت ابن عمر يقول حدثتني إحدى نسوة النبي صلى الله عليه وسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم، وعند الشيخين من رواية يونس عن الزهري عن سالم قال: قال عبد الله بن عمر قالت حفصة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: خمس من الدواب – الحديث. قال الحافظ: هذا والذي قبله قد يوهم أن عبد الله بن عمر ما سمع هذا الحديث من النبي صلى الله عليه وسلم ولكن وقع في بعض طرق نافع عنه ((سمعت النبي صلى الله عليه وسلم)) أخرجه مسلم من طريق ابن جريج، قال: أخبرني نافع، وقال مسلم بعده: لم يقل أحد عن نافع عن ابن عمر ((سمعت)) إلا ابن جريج، وتابعه محمد بن إسحاق ثم ساقه من طريق ابن إسحاق عن نافع كذلك، فالظاهر أن ابن عمر سمعه من أخته حفصة عن النبي صلى الله عليه وسلم، وسمعه أيضًا من النبي صلى الله عليه وسلم يحدث به حين سئل عنه فقد وقع عند أحمد من طريق أيوب عن نافع عن ابن عمر قال: نادى رجل، ولأبي عوانة في المستخرج من هذا
قال: " خمس لا جناح على من قتلهن في الحرم والإحرام:
ــ
الوجه، ((أن أعرابيًا نادى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما نقتل من الدواب إذا أحرمنا؟)) والظاهر أن المبهمة في رواية زيد بن جبير هي حفصة، ويحتمل أن تكون عائشة، وقد رواه ابن عيينة عن ابن شهاب فأسقط حفصة من الإسناد، والصواب إثباتها في رواية سالم - انتهى. وقال الولي العراقي بعد ذكر اختلاف الروايات في الصحابي الذي روى هذا الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم: ولا يضر هذا الاختلاف، فالحديث مقبول سواء كان من رواية ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أو بواسطة حفصة أو غيرها من أمهات المؤمنين رضي الله عنهن. وقد تقدم من حديث ابن جريج في صحيح مسلم بسماع ابن عمر له من النبي صلى الله عليه وسلم (خمس) أي من الدواب، كما في رواية عند الشيخين، وهي بتشديد الموحدة جمع دابة وهي في الأصل ما يدب على وجه الأرض، والهاء للمبالغة، تقع على المذكر والمؤنث. قال الحافظ: الدواب جمع دابة وهو ما دب من الحيوان، وقد أخرج بعضهم منها الطير لقوله تعالى {وما من دابة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه} (الأنعام: الآية 38) وحديث الباب يرد عليه فإنه ذكر في الدواب الخمس الغراب والحدأة، ويدل على دخول الطير أيضًا عموم قوله تعالى {وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها} (سورة هود: الآية 7) وقوله تعالى {وكأين من دابة لا تحمل رزقها} (العنكبوت: الآية 60) وفي حديث أبي هريرة عند مسلم في صفة بدء الخلق ((وخلق الدواب يوم الخميس)) ولم يفرد الطير بذكر، وقد تصرف أهل العرف في الدابة فمنهم من يخصها بالحمار ومنهم من يخصها بالفرس، وفائدة ذلك تظهر في الحلف - انتهى. وقال العيني: الدابة في الأصل لكل ما يدب على وجه الأرض، ثم نقله العرف العام إلى ذوات القوائم الأربع من الخيل والبغال والحمير، ويسمى هذا منقولاً عرفيًا، فإن قلت: في أحاديث الباب الغراب والحدأة وليسا من الدواب، ولو قال من الحيوان لكان أصواب، قلت: أكثر ما ذكر في أحاديث الباب الدواب فنظر إلى هذا الجانب - انتهى. وكلمة ((خمس)) مرفوع على الابتداء لتخصصها بالصفة وهي قوله ((لا جناح على من قتلهن)) والخبر قوله ((الفارة والغراب)) إلخ، وأما على ما وقع في الرواية الأخرى بلفظ ((خمس من الدواب)) فالصفة المخصصة هي قوله ((من الدواب)) والخبر قوله (لا جناح على من قتلهن) بضم الجيم أي لا إثم ولا جزاء والمعنى لا حرج (في الحرم) أي في أرضه، بفتح الحاء والراء المهملتين وهو الحرم المشهور أي حرم مكة (والإحرام) أي في حاله، ولفظ الكتاب لمسلم، أخرجه من رواية ابن عيينة عن الزهري عن سالم عن أبيه، واللفظ المتفق عليه ((خمس من الدواب ليس على المحرم في قتلهن جناح)) أخرجاه من طريق مالك عن نافع عن ابن عمر. قال الحافظ: ويؤخذ من الحديث جواز قتلهن الحلال، وفي الحل من باب الأولى، وقد وقع ذكر الحل صريحًا عند مسلم من طريق معمر عن الزهري عن عروة عن عائشة بلفظ ((يقتلن في الحل والحرم)) ويعرف حكم الحلال بكونه لم يقم به مانع وهو الإحرام فهو بالجواز أولى - انتهى.
.............................................................................................
ــ
وقال الولي العراقي: نص في الحديث على المحرم لكونه جوبًا للسؤال عنه، ويعلم حكم الحلال من طريق أولى فإنه لم يقم به مانع من ذلك. فإذا أبيح مع قيام المانع فمع فقده أولى. قال: واقتصر في حديث ابن عمر على نفي الجناح وهو الإثم عن قتل هذه المذكورات وليس في ذلك ترجيح فعل قتلها على تركه، وفي حديث عائشة (عند مسلم) الأمر، وهو يدل على ترجيح قتلها على تركه، وهو محتمل للوجوب والندب بناءً على أن المندوب مأمور به وهو المرجح في الأصول ومذهب الشافعية والحنابلة والظاهرية استحباب قتل المؤذيات وهي الخمس المذكورة وما في معناها، وتمسكوا بالأمر به في هذا الحديث، وفيه زيادة على نفي الجناح الذي في حديث ابن عمر. وقال الحافظ: ليس في نفي الجناح وكذا الحرج في طريق سالم دلالة على أرجحية الفعل على الترك لكن ورد في طريق زيد بن جبير عند مسلم بلفظ ((أمر)) وكذا في طريق معمر (عند مسلم وعبد الرزاق) ولأبي عوانة من طريق ابن نمير عن هشام عن أبيه بلفظ ((ليقتل المحرم)) وظاهر الأمر الوجوب، ويحتمل الندب والإباحة. قال: ويؤيد الإباحة رواية الليث عن نافع عن ابن عمر عند النسائي بلفظ ((أذن)) وفي حديث أبي هريرة عند أبي داود وغيره ((خمس قتلهن حلال للمحرم)) ثم إنه وقع التقييد بالخمس في حديث عائشة أيضًا كما سيأتي، قال الحافظ: التقييد بالخمس وإن كان مفهومه اختصاص المذكورات بذلك لكنه مفهوم عدد وليس بحجة عند الأكثر، وعلى تقدير اعتباره يحتمل أن يكون قاله صلى الله عليه وسلم أولاً ثم بين بعد ذلك أن غير الخمس يشترك معها في الحكم فقد ورد في بعض طرق حديث عائشة بلفظ ((أربع وفي بعض طرقها بلفظ ((ست)) فأما طريق ((أربع)) فأخرجها مسلم عن طريق القاسم عنها فأسقط العقرب وأما طريق ((ست)) فأخرجها أبو عوانة في المستخرج من طريق المحاربي عن هشام عن أبيه عنها فأثبت الخمس وزاد ((الحية)) ويشهد لها طريق شيبان عن أبي عوانة عند مسلم وإن كانت خالية عن العدد، ولفظها ((سأل رجل ابن عمر: ما يقتل الرجل من الدواب وهو محرم فقال: حدثتني إحدى نسوة النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يأمر بقتل الكلب العقور والفارة والعقرب والحدأة والغراب والحية، قال: وفي الصلاة أيضًا. فلم يقل في أوله خمسًا وزاد الحية وزاد في آخره ذكر الصلاة لينبه بذلك على جواز قتل المذكورات في جميع الأحوال، وقد وقع في حديث أبي سعيد عند أبي داود نحو رواية شيبان وزاد السبع العادي فصارت سبعًا، وفي حديث أبي هريرة عند ابن خزيمة وابن المنذر زيادة ذكر الذئب والنمر على الخمس المشهورة فتصير بهذا الاعتبار تسعًا، لكن أفاد ابن خزيمة عن الذهلي أن ذكر الذئب والنمر من تفسير الراوي للكلب العقور، ووقع ذكر الذئب في حديث مرسل أخرجه ابن أبي شيبة وسعيد بن منصور (وعبد الرزاق والبيهقي) وأبو داود من طريق سعيد بن المسيب عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: يقتل المحرم الحية والذئب ورجاله ثقات، وأخرج أحمد من طريق حجاج بن أرطاة عن وبرة عن ابن عمر قال ((أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتل الذئب للمحرم)) وحجاج ضعيف وخالفه مسعر عن وبرة فرواه موقوفًا، أخرجه ابن أبي شيبة، فهذا جميع
الفأرة والغراب
ــ
ما وقفت عليه في الأحاديث المرفوعة زيادة على الخمس المشهورة ولا يخلو شيء من ذلك من مقال – انتهى. قال بعض الحنفية: مرسل سعيد بن المسيب يكفي للاحتجاج فإن مراسليه مقبولة، قال: فهذا المرسل في قوة المسند عندنا، وقد تأيد بحديث الحجاج بن أرطاة، وبما أخرجه الطحاوي بإسناده عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم بلفظ ((والحية والذئب والكلب العقور)) قال الشيخ عابد السندي في شرح مسند أبي حنيفة فإلحاق الذئب بالخمس إنما هو إلحاق بالنص كإلحاق الحية، نعم من لا معرفة له بالأدلة من الحنفية ألحقه من حيث المعنى، ولجامع الابتداء بالأذى – انتهى (الفأرة) بهمزة ساكنة، ويجوز فيها التسهيل أي تخفيفها ألفًا وجمعها ((فأر)) قال القاري: الفأرة بالهمزة ويبدل أي الوحشية والأهلية – انتهى. وبالأمر بقتلها قال الجمهور من السلف والخلف إلا إبراهيم النخعي فإنه منع المحرم من قتلها حكاه عنه الساجي وابن المنذر وغيرهما، وزاد الساجي: وأراه قال: فإن قتلها ففيها فدية. قال ابن المنذر: وهذا لا يعنى له لأنه خلاف السنة وقول أهل العلم. وقال الخطابي: هذا مخالف للنص خارج عن أقاويل أهل العلم، وعند المالكية خلاف في قتل ما انتهى صغره منها إلى حد لا يمكن منه الأذى وليس هذا الخلاف عند غيرهم كذا في شرح التقريب، وقال الحافظ: لم يختلف العلماء في جواز قتل الفأرة للمحرم إلا ما حكي عن إبراهيم النخعي فإنه قال: فيها جزاء إذا قتلها المحرم، أخرجه ابن المنذر وقال: هذا خلاف السنة وخلاف قول جميع أهل العلم. وروى البيهقي بإسناد صحيح عن حماد بن زيد قال: لما ذكروا له هذا القول ((ما كان بالكوفة أفحش ردًا للآثار من إبراهيم النخعي لقلة ما سمع منها ولا أحسن إتباعًا لها من الشعبي لكثرة ما سمع)) ونقل ابن شاس عن المالكية خلافًا في جواز قتل الصغير منها الذي لا يتمكن من الأذى، والفار أنواع، منها الجرذ، بالجيم بوزن عمر، والخلد بضم المعجمة وسكون اللام، وفأرة الإبل، وفارة المسك، وفارة الغيط وحكمهما في تحريم الأكل وجواز القتل سواء، وقد أطلق الفويسقة عليه في حديث جابر عند البخاري في الأدب، وذكر سبب تسميتها بذلك في حديث أبي سعيد عند ابن ماجة، قيل له: لم قيل للفأرة الفويسقة؟ فقال: لأن النبي صلى الله عليه وسلم استيقظ وقد أخذت الفتيلة لتحرق بها البيت، وقيل إنما سميت بذلك لأنها قطعت حبال سفينة نوح (والغراب) أي الأبقع كما في الرواية الآتية، قال الحافظ: زاد في رواية سعيد بن المسيب عن عائشة عند مسلم ((الأبقع)) وهو الذي في ظهره أو بطنه بياض. وأخذ بهذا القيد بعض أصحاب الحديث كما حكاه ابن المنذر وغيره وقد اختاره ابن خزيمة وهو قضية حمل المطلق على المقيد، قال ابن قدامة: يلتحق بالأبقع ما شاركه في الإيذاء وتحريم الأكل، وقد اتفق العلماء على إخراج الغراب الصغير الذي يأكل الحب من ذلك، ويقال له غراب الزرع، ويقال له ((الزاغ)) وأفتوا بجواز أكله فبقي ما عداه من الغربان ملتحقًا بالأبقع. ومنها الغداف على الصحيح في الروضة بخلاف تصحيح الرافعي، وسمى ابن قدامة
والحدأة والعقرب
ــ
الغداف ((غراب البين)) والمعروف عند أهل اللغة أنه الأبقع، قيل: سمى غراب البين لأنه بان عن نوح لما أرسله من السفينة ليكشف خبر الأرض فلقى جيفة فوقع عليها ولم يرجع إلى نوح، وكان أهل الجاهلية يتشاءمون به فكانوا إذا نعب مرتين قالوا: آذن بشر، وإذا نعب ثلاثًا قالوا: آذن بخير فأبطل الإسلام ذلك. وقال صاحب الهداية المراد بالغراب في الحديث الغداف والأبقع لأنهما يأكلان الجيف، وأما غراب الزرع فلا، وكذا استثناءه ابن قدامة، وما أظن فيه خلافًا، وعليه يحمل ما جاء في حديث أبي سعيد إن صح حيث قال فيه: ويرمي الغراب ولا يقتله، وروى ابن المنذر وغيره عن علي ومجاهد، وعند المالكية اختلاف آخر في الغراب والحدأة هل يتقيد جواز قتلهما بأن يبتدءا بالأذى، وهل يختص ذلك بكبارها والمشهور عنهم كما قال ابن شاس: لا فرق وفاقًا للجمهور، ومن أنواع الغربان الأعصم وهو الذي في رجليه أو في جناحيه أو بطنه بياض أو حمرة، وحكمه حكم الأبقع، ومنها العقعق وهو قدر الحمامة على شكل الغراب، قيل سمي بذلك لأنه يعق فراخه فيتركها بلا طعم، والعرب تتشاءم به أيضًا، وحكمه حكم الأبقع على الصحيح، وقيل حكم غراب الزرع. وقال أحمد: إن أكل الجيف وإلا فلا بأس به – انتهى كلام الحافظ باختصار. وقال الولي العراقي: إن مذاهب الأئمة الأربعة متفقة على أنه يستثنى من الأمر بقتل الغراب غراب الزرع خاصة، فإما أن يكونوا اعتمدوا التقييد الذي في حديث عائشة بالأبقع وألحقوا به ما في معناه في الأذى وأكل الجيف وهو الغداف، وإما أن يكونوا أخذوا بالروايات المطلقة وجعلوا التقييد بالأبقع لغلبته لا لاختصاص الحكم به، وأخرجوا عن ذلك غراب الزرع وهو الزاغ لحل أكله، فهو مستثنى منفصل (والحدأة) بكسر الحاء وفتح الدال المهملتين وبعد الدال همزة بغير مد، وحكى صاحب المحكم المد فيه ندورًا بزيادة الهاء فيه للوحدة وليست للتأنيث بل هي كالهاء في التمرة، وحكى الأزهري فيها حدوة بواو بدل الهمزة، وجمع الحدأة حدأ بكسر الحاء والقصر والهمز كعنبة وعنب، ووقع في حديث عائشة الآتي بلفظ (الحديا)) بضم الحاء وفتح الدال وتشديد التحتانية مقصور تصغير الحدأة، وقال القاري:((الحديا)) تصغير حد، لغة في الحدإ أو تصغير حدأة، قلبت الهمزة بعد ياء التصغير ياء وأدغم ياء التصغير فيه فصار حدية ثم حذفت التاء وعوض عنها الألف لدلالته على التأنيث أيضًا وقال الحافظ: قال قاسم بن ثابت: الوجه فيه الهمزة وكأنه سهل ثم أدغم، وقيل: هي لغة حجازية وغيرهم يقولون حدية، ومن خواص الحداة أنها تقف في الطيران ويقال إنها لا تخطف إلا من يمين من تخطف منه دون شماله (والعقرب) يطلق على الذكر والأنثى سواء وجمعه العقارب، وقد يقال للأنثى عقربة وعقرباء ممدود غير مصروف، وليس منها العقربان بل هي دويبة طويلة كثيرة القوائم، قاله صاحب المحكم، ويقال: إن عينها في ظهرها وأنها لا تضر ميتًا ولا نائمًا حتى يتحرك، ويقال لدغته العقرب بالغين
والكلب العقور ".
ــ
المعجمة ولسعته بالمهملتين، وقد تقدم اختلاف الرواة في ذكر الحية بدلها ومن جميعها. قال الحافظ: والذي يظهر لي أنه صلى الله عليه وسلم نبه بإحداهما على الأخرى عند الاقتصار، وبين حكمهما معًا حيث جمع. قال ابن المنذر: لا نعلمهم اختلفوا في جواز قتل العقرب. وقال نافع: لما قيل له: فالحية؟ قال: لا يختلف فيها، وفي رواية ((ومن يشك فيها)) وتعقبه ابن عبد البر بما أخرجه ابن أبي شيبة من طريق شعبة أنه سأل الحكم بن عتيبة وحماد بن أبي سليمان فقالا: لا يقتل المحرم الحية ولا العقرب، وقال: ومن حجتهما أن هذين من هوام الأرض فليزم من أباح قتلهما مثل ذلك في سائر الهوام. قال: وهذا اعتلال لا معنى له، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أباح للمحرم قتلهما، نعم عند المالكية خلاف في قتل صغير الحية والعقرب التي لا تتمكن من الأذى (والكلب العقور) قال الحافظ: الكلب معروف والأنثى كلبة. واختلف العلماء في المراد بها ها هنا وهل لوصفه بكونه عقورًا مفهوم أو لا. فروى سعيد بن منصور بإسناد حسن عن أبي هريرة قال: الكلب العقور الأسد، وعن سفيان عن زيد بن أسلم أنهم سألوه عن الكلب العقور فقال: وأي كلب أعقر من الحية؟ وقال زفر: المراد بالعقور هنا الذئب خاصة. وقال مالك في الموطأ: كل ما عقر الناس وعدا عليهم وأخافهم مثل الأسد والنمر والفهد والذئب هو العقور، وكذا نقل أبو عبيد عن سفيان وهو قول الجمهور، وقال أبو حنيفة: المراد بالكلب هنا الكلب المتعارف خاصة ولا يلتحق به في هذا الحكم سوى الذئب. واحتج للجمهور بقوله صلى الله عليه وسلم: اللهم سلط عليه كلبًا من كلابك فقتله الأسد. وهو حديث حسن أخرجه الحاكم – انتهى. قال الشوكاني بعد ذكره: غاية ما في ذلك جواز الإطلاق لا أن اسم الكلب هنا متناول لكل ما يجوز إطلاقه عليه وهو محل النزاع فإن قيل: اللام في الكلب تفيد العموم. قلنا بعد تسليم ذلك: لا يتم إلا إذا كان إطلاق الكلب على كل واحد منها حقيقة وهو ممنوع، والسند أنه لا يتبادر عند إطلاق لفظ الكلب إلا الحيوان المعروف، والتبادر علامة الحقيقة وعدمه علامة المجاز، والجمع بين الحقيقة والمجاز لا يجوز، نعم إلحاق ما عقر من السباع بالكلب العقور بجامع العقر صحيح، وأما أنه داخل تحت لفظ الكلب فلا – انتهى. وقال النووي: اتفق العلماء على جواز قتل الكلب العقور للمحرم والحلال في الحل والحرم واختلفوا في المراد به، فقيل: هذا الكلب المعروف خاصة حكاه القاضي عن الأوزاعي وأبي حنيفة والحسن بن صالح وألحقوا به الذئب. وحمل زفر الكلب على الذئب وحده، وقال الجمهور: ليس المراد تخصيص هذا الكلب بل المراد كل عاد مفترس كالسبع والنمر، وهذا قول الثوري والشافعي وأحمد وغيرهم، ومعنى العاقر الجارح – انتهى، قال الحافظ: واختلف العلماء في غير العقور مما لم يؤمر باقتنائه فصرح بتحريم قتله القاضيان: حسين والماوردي وغيرهما، ووقع في الأم للشافعي الجواز، واختلف كلام النووي فقال في البيع من شرح المهذب: لا خلاف بين أصحابنا في أنه
..............................................................................................
ــ
محترم لا يجوز قتله، وقال في التيمم والغصب: إنه غير محترم، وقال في الحج: يكره قتله كراهة تنزيه، وهذا اختلاف شديد وعلى كراهة قتله اقتصر الرافعي وتبعه في الروضة وزاد أنها كراهة تنزيه، وقال الولي العراقي: سواء حمل الكلب على مدلوله المعروف أو على كل سبع مفترس فتقييده بالعقور يخرج غيره ويقتضي أن غير العقور من الكلاب محترم لا يجوز قتله، وبه صرح الرافعي في كتاب الأطعمة والنووي في البيع في شرح المهذب، وزاد أنه لا خلاف فيه بين أصحابنا، وقال الرافعي في الحج: إن قتله مكروه، وقال النووي: هناك مراده كراهة تنزيه، وذكر الرافعي في الغصب أنه غير محترم، وكذا ذكر النووي في التيمم، وهذه مواضع مختلفة، وقال شيخنا الأسنوي في المهمات: جزم بالتحريم القاضي الحسين والمارودي وإمام الحرمين، ومذهب الشافعي جواز قتله، صرح به في الأم في باب الخلاف في ثمن الكلب – انتهى. ومن يقول بجواز قتل غير العقور يجيب عن هذا التقييد بأنه للاستحباب وغير العقور يجوز قتله ولا يستحب، والله أعلم، ثم إنه قال الحافظ: وذهب الجمهور كما تقدم إلى إلحاق غير الخمس بها في هذا الحكم إلا أنهم اختلفوا في المعنى في ذلك فقيل لكونها مؤذية فيجوز قتل كل مؤذ، وهذا قضية مذهب مالك. وقيل لكونها مما لا يؤكل، فعلى هذا كل ما يجوز قتله لا فدية على المحرم فيه، وهذا قضية مذهب الشافعي، وقد قسم هو أصحابه الحيوان بالنسبة للمحرم إلى ثلاثة أقسام: قسم يستحب كالخمس وما في معناه مما يؤذي، وقسم يجوز كسائر ما لا يؤكل لحمه، وهو قسمان: ما يحصل منه نفع وضرر فيباح لما فيه من منفعة الاصطياد ولا يكره لما فيه من العدوان، وقسم ليس فيه نفع ولا ضرر فيكره قتله ولا يحرم، والقسم الثالث ما أبيح أكله أو نهي عن قتله ولا يجوز ففيه الجزاء إذا قتله المحرم، وخالف الحنفية فاقتصروا على الخمس إلا أنهم ألحقوا بها الحية لثبوت الخبر والذئب لمشاركته للكلب في الكلبية، وألحقوا بذلك ما ابتداء بالعدوان والأذى من غيرها. وتعقب بظهور المعنى في الخمس وهو الأذى الطبيعي والعدوان المركب، والمعنى إذا ظهر في المنصوص عليه تعدى الحكم إلى كل ما وجد فيه ذلك المعنى كما وافقوا عليه في مسائل الربا، قال ابن دقيق العيد: والتعدية بمعنى الأذى إلى كل مؤذ قوي بالإضافة إلى تصرف أهل القياس فإنه ظاهر من جهة الإيماء بالتعليل بالفسق وهو الخروج عن الحد، وأما التعليل بحرمة الأكل ففيه إبطال لما دل عليه إيماء النص من التعليل بالفسق، لأن مقتضى العلة أن يتقيد الحكم بها وجودًا وعدمًا، فإن لم يتقيد وثبت الحكم عند عدمها بطل تأثيرها بخصوصها وهو خلاف ما دل عليه ظاهر النص من التعليل بها – انتهى. وقال غيره: هو راجع إلى تفسير الفسق، فمن فسره بأنه الخروج عن بقية الحيوان بالأذى علل به، ومن قال بجواز القتل وتحريم الأكل علل به، وقال من علل بالأذى: أنواع الأذى مختلفة، وكأنه نبه بالعقرب على ما يشاركها في الأذى باللسع ونحوه من ذوات السموم كالحية والزنبور والبرغوث، وبالفارة على ما يشاركها في الأذى بالنقب والقرض كابن العرس،
متفق عليه.
2724 – (4) وعن عائشة، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: " خمس فواسق يقتلن
ــ
وبالغراب والحدأة على ما يشاركها بالاختطاف كالصقر والبازي، وبالكلب العقور على ما يشاركه في الأذى بالعدوان والعقر والافتراس بطبعه كالأسد والنمر والفهد. وقال من علل بتحريم الأكل وجواز القتل: إنما اقتصر على الخمس لكثرة ملابستها للناس بحيث يعم أذاها، والتخصيص لأجل الغلبة إذا وقع لم يكن له مفهوم على ما عرف في الأصول. قلت: وفي مذهب الحنيفة في السباع وفي قتل غير العقور روايتان كما يظهر من فروعهم من شاء الوقوف على ذلك رجع إلى الهداية والدر المختار وشرح اللباب وفتح القدير والبدائع، وهذا وقد أطنب الولي العراقي على عادته في شرح حديث ابن عمر وعائشة في طرح التثريب (ج 5: ص 56 – 72) وأجمل المحب الطبري في القرى (ص 215، 216) فأحسن فراجعهما إن شئت (متفق عليه) أخرجه البخاري في الحج وفي بدء الخلق المسلم في الحج، وأخرجه أيضًا احمد (ج 2: ص 3، 8، 32، 37، 38، 54، 65، 77، 82، 138) ومالك وأبو داود والنسائي وابن ماجة وعبد الرزاق (ج 4: ص 442) والطحاوي والدرامي وابن الجارود (ص 155) والبيهقي (ج 5: ص 209، 210) وغيرهم.
2724 – قوله (خمس) بالتنوين مبتدأ، وقوله (فواسق) صفته وهو غير منصرف والخبر قوله (يقتلن) قال الطيبي: وروى بلا تنوين مضافًا إلى فواسق، قال التوربشتي: والصحيح هو الأول، ويدل عليه رواية البخاري في أحد طرقه ((خمس من الدواب كلهن فاسق)) أي كل واحدة أو واحد منها فاسق، وهو جمع فاسقة، وأراد بفسقهن خبثهن وكثرة الضرر فيهن – انتهى. وقال النووي: هو بإضافة خمس لا بتنوينه، وجوز ابن دقيق العيد الوجهين وأشار إلى ترجيح الثاني فإنه قال: رواية الإضافة تشعر بالتخصيص فيخالفها غيرها في الحكم من طريق المفهوم، ورواية التنوين تقتضي وصف الخمس بالفسق من جهة المعنى فيشعر بأن الحكم المرتب على ذلك وهو القتل معلل بما جعل وصفًا وهو الفسق فيدخل فيه كل من فاسق من الدواب، ويؤيده رواية البخاري من طريق يونس عن الزهري عن عروة عن عائشة بلفظ ((خمس من الدواب كلهن فاسق)) وفي رواية لمسلم ((كلها فواسق)) قال الحافظ: قال النووي وغيره: تسمية هذه الخمس فواسق تسمية صحيحة جارية على وفق اللغة، فإن أصل الفسق لغة الخروج، ومنه فسقت الرطبة إذا خرجت عن قشرها، وقوله تعالى:{ففسق عن أمر ربه} (سورة الكهف: الآية 48) أي خرج، وسمي الرجل فاسقًا لخروجه عن طاعة ربه فهو خروج مخصوص، وزعم ابن الأعرابي أنه لا يعرف في كلام الجاهلية ولا شعرهم فاسق يعني بالمعنى الشرعي، وأما المعنى في وصف الدواب المذكورة بالفسق فقيل لخروجها عن حكم غيرها من الحيوان في تحريم قتله، وقيل في حل أكله لقوله تعالى:{أو فسقًا أهل لغير الله به} (سورة الأنعام: الآية 146) وقوله: {ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه، وإنه لفسق} (سورة الأنعام: الآية 121) وقيل لخروجها عن حكم غيرها بالإيذاء والإفساد