الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
رواه الترمذي.
(الفصل الثالث)
2717 – (15) عن نافع، أن ابن عمر وجد القر، فقال: ألق علي
ــ
يكون مطيبًا. وقد روي عن ابن عمر أنه صدع وهو محرم فقالوا: ألا ندهنك بالسمن؟ فقال: لا. قالوا: أليس تأكله؟ قال: ليس أكله كالإدهان به وقال الذين منعوا من دهن الرأس: فيه الفدية لأنه مزيل للشعث أشبه ما لو كان مطيبًا، ولنا أن وجوب الفدية يحتاج إلى دليل ولا دليل فيه من نص ولا إجماع، ولا يصح قياسه على الطيب فإن الطيب يوجب الفدية وإن لم يزل شعثًا، ويستوي فيه الرأس وغيره والدهن بخلافه – انتهى. قلت: احتج الشافعية لما ذهبوا إليه من جواز دهن جميع البدن غير الرأس واللحية بالزيت والسمن ونحوهما مما ليس بطيب بحديث ابن عمر. وأجاب الحنفية ومن وافقهم عنه بأوجه، منها أن الحديث ضعيف لا يصلح للاحتجاج كما ستعرف، ومنها أن الصحيح أنه موقوف ليس بمرفوع، كذا قيل، ومنها أنه اختلف فيه على سعيد بن جبير فقيل عن ابن عباس مكان ابن عمر كما في السنن للبيهقي، ومنها أنه على تقدير صحة الاحتجاج به فظاهره عدم الفرق بين الرأس واللحية وبين سائر البدن لأن الإدهان فيه مطلق غير مقيد بما سوى الرأس واللحية، ومنها أن الحديث محمول على حال الضرورة لأنه صلى الله عليه وسلم كما كان لا يفعل ما يوجب الدم كان لا يفعل ما يوجب الصدقة، ثم ليس فيه أنه لم يكفر فيحتمل أنه فعل وكفر فلا يكون حجة، ومنها أنه يحتمل أن يكون صلى الله عليه وسلم ادهن قبل الإحرام وبقي أثره بعد الإحرام ويؤيده ما وقع في رواية لأحمد (ج 2: ص 25، 59) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يدهن عند الإحرام بالزيت غير المقتت (راوه الترمذي) وأخرجه أيضًا أحمد (ج 2: ص 25، 29، 59، 72، 145) وابن ماجة والبيهقي (ج 5: ص 58) كلهم من طريق فرقد السبخي عن سعيد بن جبير عن ابن عمر، وقال الترمذي: هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث فرقد السبخي عن سعيد بن جبير، وقد تكلم يحيى بن سعيد في فرقد السبخي، وروى عنه الناس – انتهى. قلت: قال الحافظ في التقريب: فرقد بن يعقوب السبخي بفتح المهملة والموحدة وبخاء معجمة أبو يعقوب البصري صدوق عابد لكنه لين الحديث كثير الخطأ، وقال الذهبي في الميزان: قال أبو حاتم: ليس بقوي، وقال ابن معين: ثقة، وقال البخاري: في حديثه مناكير، وقال النسائي: ليس بثقة، وقال أيضًا هو والدارقطني: ضعيف، وقال يحيى القطان: ما يعجبنا الرواية عن فرقد – انتهى. وقال في ترجمة محمد بن يونس القرشي الشامي نقلاً عن ابن حبان: فقد السبخي: ليس بشيء.
2717 – قوله (القر) بضم القاف وتشديد الراء، أي البرد، يقال قر اليوم قرًا بالفتح برد، والاسم القر بالضم فهو قر بالفتح تسمية بالمصدر، وقار على الأصل أي بارد، وليلة قرة وقارة (ألق) أمر من الإلقاء أي اطرح (عليّ) بتشديد
ثوبًا يا نافع! فألقيت عليه برنسًا، فقال: تلقي علي هذا وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يلبسه المحرم. رواه أبو داود.
2718 -
(16) وعن عبد الله بن مالك بن بحينة، قال: احتجم رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو محرم بلحي جمل من طريق مكة في وسط رأسه. متفق عليه.
ــ
الياء (برنسًا) تقدم ضبطه ومعناه (تلقي عليّ) بحذف الاستفهام الإنكاري (هذا) أي الثوب المخيط (وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يلبسه المحرم) قال القاري: فجعل طرحه عليه لبسًا، ومذهبنا أنه يحرم على المحرم لبس المخيط وتغطية بعض الأعضاء بالمخيط وغيره على الوجه المعتاد، والمخيط الملبوس المعمول على قدر البدن أو قدر عضو منه بحيث يحيط به سواء بخياطة أو نسج أو لصق أو غير ذلك، وتفسير لبس المخيط على الوجه المعتاد أن لا يحتاج في حفظه إلى تكلف عند الاشتغال بالعمل، وضده أن يحتاج إليه، قال: ولعل ابن عمر كره ذلك للتشبه بالمخيط، وأطلق اللبس على الطرح مجازًا، ويمكن أنه ألقي عليه على وجه غطى رأسه ووجهه فأنكر عليه فعلى هذا معنى كلامه أتلقي هذا الإلقاء والحال أنه صلى الله عليه وسلم نهى المحرم عن ستر الرأس وتغطيته – انتهى. وقال في اللمعات: لعل مذهب ابن عمر اجتناب المخيط مطلقًا أو فعله احتياطًا، وإلا فالمراد النهي عن لبس المخيط على وجه يتعارف فيه وقد صرحوا به – انتهى. وتقدم شيء من الكلام في ذلك في شرح حديث ابن عمر أول أحاديث هذا الباب (رواه أبو داود) وأخرجه أيضًا أحمد (ج 2: ص 31، 141) والبيهقي (ج 5: ص 52) وقد سكت عنه أبو داود، وقال المنذري: وأخرج البخاري والنسائي المسند منه بنحوه أتم منه.
2718 – قوله (وعن عبد الله بن مالك بن بحينة) بضم الموحدة وفتح الحاء المهملة بعدها ياء ساكنة ثم نون بعدها هاء، اسم أم عبد الله، ولذا كتبت الألف في ابن بحينة (بلحي جمل) بفتح اللام ويجوز كسرها وسكون الحاء وياء مثناة تحتية، وفي بعض الروايات ((بلحيي جمل)) أي بيائين بصيغة التثنية، وجمل بفتح الجيم والميم اسم موضع بطريق مكة كما وقع مبينًا في الرواية، قال الحافظ ذكر البكري في معجمه في رسم العقيق، قال: هي بئر جمل التي ورد ذكرها في حديث أبي جهم في التيمم، وقال غيره يعني ابن وضاح: هي عقبة الجحفة على سبعة أميال من السقيا – انتهى. وقال صاحب القاموس: ((لحي جمل)) موضع بين الحرمين، وإلى المدينة أقرب، وزعم أن السقيا بالضم موضع بين المدينة ووادي الصفراء، وما ظنه بعضهم من أن المراد بلحي جمل أحد فكي الجمل الذي هو ذكر الإبل وأن فكه كان هو آلة الحجامة أي احتجم بعظم جمل فهو غلط لا شك فيه (من طريق مكة) وفي رواية ((بطريق مكة)) (في وسط رأسه) بفتح السين المهملة أي متوسطه، وهذا الاحتجام لا يتصور بدون إزالة الشعر فيحمل على حال الضرورة، والله تعالى أعلم (متفق عليه) أخرجه البخاري في الحج وفي الطب، ومسلم في الحج، وأخرجه أيضًا أحمد (ج 5: ص 345) والنسائي والبيهقي (ج 5: ص 65) .
2719 – (17) وعن أنس، قال: احتجم رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو محرم على ظهر القدم من وجع كان به. رواه أبو داود، والنسائي.
2720 – (18) وعن أبي رافع، قال: تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم ميمونة وهو حلال، وبنى بها وهو حلال، وكنت أنا الرسول بينهما.
ــ
2719 – قوله (احتجم رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو محرم على ظهر القدم من وجع كان به) وفي رواية النسائي ((من وثئ كان به)) وهو بفتح الواو وسكون المثلثة آخره همزة، وجع يصيب اللحم ولا يبلغ العظم، أو وجع يصيب العظم من غير كسر والاحتجام على ظهر القدم يتصور بدون قطع الشعر فلا إشكال مع التصريح بالعذر، ثم يمكن تعدد الاحتجام في إحرام واحد أو في إحرامين، قاله القاري. قلت: ذكر في هذا الحديث أن الحجامة كانت على ظهر القدم، وفي حديثي ابن عباس وابن بحينة أنها كانت في الرأس من صداع وجده، وفي حديث جابر عند أحمد من وثئ كان بوركه أو ظهره فيحتمل أنه كان به الأمران فاحتجم مرة لوجع الرأس ومرة للوثئ بظهر القدم وبالورك، وأن الحجامة تعددت منه صلى الله عليه وسلم في إحرام حجة الوداع، ويحتمل أنها كانت مرة في عمرة ومرة في حجة الوداع. قال الحافظ: اتفقت الطرق عن ابن عباس أنه احتجم صلى الله عليه وسلم وهو محرم في رأسه، ووافقها حديث ابن بحينة وخالف ذلك حديث أنس فأخرج أبو داود والترمذي في الشمائل والنسائي وصححه ابن خزيمة وابن حبان من طريق معمر عن قتادة عنه قال ((احتجم النبي صلى الله عليه وسلم وهو محرم على ظهر القدم من وجع كان به)) ورجاله رجال الصحيح إلا أن أبا داود حكى عن أحمد أن سعيد بن أبي عروبة رواه عن قتادة فأرسله، وسعيد أحفظ من معمر وليست هذه بعلة قادحة، والجمع بين حديثي ابن عباس واضح بالحمل على التعدد أشار إلى ذلك الطبري – انتهى. (رواه أبو داود والنسائي) وأخرجه أيضًا أحمد وابن خزيمة وابن حبان والبيهقي (ج 5: ص 65) وأخرجه الترمذي في أواخر الشمائل بلفظ ((أن رسول الله صلى الله عليه وسلم احتجم وهو محرم بملل على ظهر القدم)) قال القاري: هو بفتح الميم واللام الأولى موضع بين مكة والمدينة على سبعة عشر ميلاً من المدينة.
2720 – قوله (وعن أبي رافع) مولى النبي صلى الله عليه وسلم (بنى بها) أي دخل عليها وهو كناية عن الزفاف (وكنت أنا الرسول) أي الواسطة في أمر الزواج (بينهما) أي بينه وبين ميمونة أو بينه وبين العباس وكيلها في الزواج، وهذا الحديث صريح كحديث يزيد بن الأصم المتقدم في الفصل الأول أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوج ميمونة وهو حلال خلافًا لما روى ابن عباس، قال الحازمي في كتابه في بيان الناسخ والمنسوخ (ص 11) : والأخذ بحديث أبي رافع أولى لأنه كان السفير
رواه أحمد، والترمذي، وقال: هذا حديث حسن.
ــ
بينهما وكان مباشرًا للحال، وابن عباس كان حاكيًا، ومباشر الحال مقدم على حاكيه ألا ترى عائشة كيف أحالت على علي حين سئلت عن مسح الخف وقالت: سلوا عليًا فإنه كان يسافر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم – انتهى بتغيير يسير، وعزاه الزيلعي (ج 3: ص 174) للطحاوي وسكت عنه، هذا وقد تقدم الكلام في مسألة التزوج في الإحرام مبسوطًا في شرح أحاديث عثمان وابن عباس ويزيد بن الأصم (رواه أحمد) (ج 6: ص 392) (والترمذي) في الحج، وأخرجه أيضًا ابن خزيمة، والبيهقي (ج 5: ص 66، وج 7: ص 211) وابن حبان في صحيحه عن ابن خزيمة كما في نصب الراية كلهم من طريق حماد بن زيد عن مطر الوراق عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن سليمان بن يسار عن أبي رافع (وقال) أي الترمذي (هذا حديث حسن) وبعده ((ولا نعلم أحدًا أسنده غير حماد بن زيد عن مطر الوراق عن ربيعة)) وروى مالك بن أنس عن ربيعة عن سليمان بن يسار أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوج ميمونة وهو حلال، مرسلاً. ورواه أيضًا سليمان بن بلال عن ربيعة مرسلاً – انتهى. قال ابن عبد البر في التمهيد بعد ذكر رواية مطر الوراق: هذا عندي غلط من مطر لأن سليمان بن يسار ولد سنة أربع وثلاثين، وقيل سبع وعشرين، ومات أبو رافع بالمدينة بعد قتل عثمان بقليل، وقتل عثمان في ذي الحجة سنة خمس وثلاثين فلا يمكن أن يسمع سليمان من أبي رافع، ومن صحيح أن يسمع سليمان بن يسار من ميمونة لما ذكرنا من مولده، ولأن ميمونة مولاته – انتهى. وقال ابن أبي حاتم في المراسيل: حديث سليمان بن يسار عن أبي رافع مرسل، ورد ذلك بما قال الزرقاني بعد ذكر كلام ابن عبد البر من أن سماع سليمان عن أبي رافع ممكن على القول الثاني في ولادته لأنه أدرك نحو ثمان سنين من حياة أبي رافع فلا يتغرب سماعه منه – انتهى. وقال الحافظ في تهذيب التهذيب بعد ذكر كلام ابن عبد البر وابن أبي حاتم ما لفظه: كذا قالا وحديثه عنه في مسلم وصرح بسماعه منه عند ابن أبي خيثمة في تاريخه – انتهى. وقال الطحاوي: حديث أبي رافع إنما رواه مطر الوراق ومطر عندهم ليس ممن يحتج بحديثه وقد رواه مالك وهو أضبط منه فقطعه يعني رواه مرسلاً، قلت: مطر الوراق صدوق صالح الحديث من رواة مسلم، وذكره ابن حبان في الثقات وقال: ربما أخطأ وقال الذهبي في الميزان: هو من رجال مسلم حسن الحديث. وقال البيهقي: قد احتج به مسلم بن الحجاج – انتهى. ومن تكلم فيه إنما تكلم في حديثه عن عطاء خاصة، قال في الميزان: قال أحمد ويحيى: هو ضعيف في عطاء خاصة، وقال في تهذيب التهذيب قال أحمد: ما أقربه من ابن أبي ليلى في عطاء خاصة – انتهى. فحديثه عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن لا ينحط عن درجة الحسن ولذا حسنه الترمذي ولم ير إرسال مالك قادحًا في وصله على أنهما حديثان متغايران كما لا يخفى، فلا تعارض بين رواية مطر ورواية مالك حتى يحتاج إلى الترجيح أو الجمع فافهم.