المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

وأمرهم أن يرموا بمثل حصى الخذف. وقال: " لعلي لا - مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح - جـ ٩

[عبيد الله الرحماني المباركفوري]

فهرس الكتاب

- ‌(2) باب قصة حجة الوداع

- ‌(الفصل الأول)

- ‌(الفصل الثالث)

- ‌(3) باب دخول مكة والطواف

- ‌(الفصل الأول)

- ‌(الفصل الثاني)

- ‌(الفصل الثالث)

- ‌(4) باب الوقوف بعرفة

- ‌(الفصل الأول)

- ‌(الفصل الثاني)

- ‌(الفصل الثالث)

- ‌(5) باب الدفع من عرفة والمزدلفة

- ‌(الفصل الأول)

- ‌(الفصل الثاني)

- ‌(الفصل الثالث)

- ‌(6) باب رمي الجمار

- ‌(الفصل الأول)

- ‌(الفصل الثاني)

- ‌(الفصل الثالث)

- ‌(7) باب الهدي

- ‌(الفصل الأول)

- ‌(الفصل الثاني)

- ‌(الفصل الثالث)

- ‌(8) باب الحلق

- ‌(الفصل الأول)

- ‌(الفصل الثاني)

- ‌(9) باب

- ‌(الفصل الأول)

- ‌(الفصل الثاني)

- ‌(الفصل الثالث)

- ‌(10) باب خطبة يوم النحر، ورمي أيام التشريق، والتوديع

- ‌(الفصل الأول)

- ‌(الفصل الثاني)

- ‌(11) باب ما يجتنبه المحرم

- ‌(الفصل الأول)

- ‌(الفصل الثاني)

- ‌(الفصل الثالث)

- ‌(12) باب المحرم يجتنب الصيد

- ‌(الفصل الأول)

- ‌(الفصل الثاني)

- ‌(الفصل الثالث)

- ‌(13) باب الإحصار، وفوت الحج

- ‌(الفصل الأول)

- ‌(الفصل الثاني)

- ‌(14) باب حرم مكة حرسها الله تعالى

- ‌(الفصل الأول)

- ‌(الفصل الثاني)

- ‌(الفصل الثالث)

- ‌(15) باب حرم المدينة حرسها الله تعالى

- ‌(الفصل الأول)

- ‌(الفصل الثاني)

- ‌(الفصل الثالث)

الفصل: وأمرهم أن يرموا بمثل حصى الخذف. وقال: " لعلي لا

وأمرهم أن يرموا بمثل حصى الخذف. وقال: " لعلي لا أراكم بعد عامي هذا ". لم أجد هذا الحديث في الصحيحين إلا في جامع الترمذي مع تقديم وتأخير.

(الفصل الثاني)

2636 -

(9) عن محمد بن قيس بن مخرمة، قال: خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:

ــ

خمس مائة ذراع وخمسة وأربعون ذراعًا، وإنما شرع الإسراع فيه لأن العرب كانوا يقفون فيه ويذكرون مفاخر آبائهم فاستحب الشارع مخالفتهم، وقيل في حكمة الإسراع غير ذلك كما سبق (بمثل حصى الخذف) تقدم ضبطه وتفسيره (لعلي لا أراكم بعد عامي هذا) لعل ها هنا للإشفاق، وفيه تحريض على أخذ المناسك منه وحفظها وتبلغيها عنه، قال المظهر: لعل للترجي وقد تستعمل بمعنى الظن وعسى، كذا في المرقاة، وفي رواية مسلم " لتأخذوا مناسككم فإني لا أدري لعلي لا أحج بعد حجتي هذه ". قال الزرقاني: لعلي أي ظن ويحتمل أن لعل للتحقيق كما يقع في كلام الله تعالى كثيرًا. وقال النووي: فيه إشارة إلى توديعهم وإعلامهم بقرب وفاته صلى الله عليه وسلم وحثهم على الاعتناء بالأخذ عنه وانتهاز الفرصة من ملازمته وتعلم أمور الدين، وبهذا سميت حجة الوداع (لم أجد هذا الحديث في الصحيحين) أي في أحاديثهما حتى يشمل جامع الأصول للجزري، والجمع بين الصحيحين للحميدي فافهم. وهذا اعتراض على صاحب المصابيح في إيراده في الصحاح أي الفصل الأول (إلا في جامع الترمذي) استثناء منقطع أي لكن وجدته فيه (مع تقديم وتأخير) هذا أيضًا متضمن لاعتراض آخر. قلت: قال الترمذي: حدثنا محمود بن غيلان نا وكيع وبشر بن السري وأبو نعيم قالوا: نا سفيان بن عيينة عن أبي الزبير عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم أوضع في وادي محسر، وزاد فيه بشر " وأفاض من جمع وعليه السكينة وأمرهم بالسكينة " وزاد فيه أبو نعيم " وأمرهم أن يرموا بمثل حصى الخذف وقال: لعلي لا أراكم بعد عامي هذا ". قال الترمذي: حديث جابر حديث حسن صحيح. ورواه ابن ماجة والبيهقي (ج 5: ص 125) من طريق الثوري عن أبي الزبير عن جابر بنحو رواية الترمذي، وأخرجه أحمد وأبو داود والنسائي بلفظ " أفاض رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليه السكينة وأمرهم أن يرموا بمثل حصى الخذف وأوضع في وادي محسر " وأخرج أحمد أيضًا ومسلم وأبو داود (في رواية أبي الحسن ابن العبد وأبي بكر بن داسة) والنسائي والبيهقي (ج 5: ص 130) كلهم من طريق ابن جريج عن أبي الزبير عن جابر قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يرمي الجمرة على راحلته يوم النحر ويقول: " لتأخذوا مناسككم، فإني لا أدري لعلى لا أحج بعد حجتي هذه ". وقد ذكره المصنف في باب رمي الجمار.

2636-

قوله (عن محمد بن قيس بن مخرمة) بفتح الميم وسكون الخاء المعجمة وفتح الراء، ابن المطلب بن عبد مناف بن قصي القرشي المطلبي المكي. قال الحافظ في التقريب: يقال له رؤية، وقد وثقه أبو داود وغيره، وقال

ص: 162

" إن أهل الجاهلية كانوا يدفعون من عرفة حين تكون الشمس كأنها عمائم الرجال في وجوههم قبل أن تغرب، ومن المزدلفة بعد أن تطلع الشمس حين تكون كأنها عمائم الرجال في وجوههم، وإنا لا ندفع من عرفة حتى تغرب الشمس، وندفع من المزدلفة قبل أن تطلع الشمس، هدينا مخالف لهدي عبدة الأوثان والشرك ".

ــ

في تهذيب التهذيب: روى عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلاً وعن أبي هريرة وعائشة وعن أمه عن عائشة، روى عنه ابنه حكيم وعبد الله بن كثير بن المطلب ومحمد بن عجلان ومحمد بن إسحاق وابن جريج وغيرهم. قال أبو داود: ثقة، وذكره ابن حبان في الثقات وذكر العسكري أنه أدرك النبي صلى الله عليه وسلم وهو صغير. وقال في الإصابة في ترجمته: ذكره العسكري وقال: لحق النبي صلى الله عليه وسلم، وذكره ابن أبي داود والباوردي في الصحابة، وجزم البغوي وابن مندة وغيرهما بأن حديثه مرسل يعني فهو من التابعين. وروى أيضًا عن أبيه وعمر، وروى أيضًا عن أمه وعن عائشة – انتهى. وذكره المصنف في التابعين، فالحديث مرسل (إن أهل الجاهلية) أي غير قريش (كانوا يدفعون) أي يرجعون (في وجوههم) الجار متعلق بتكون وجملة التشبيه معترضة (قبل أن تغرُب) بضم الراء، ظرف ليدفعون أو بدل من حين، نقل الطيبي عن القاضي شبه ما يقع من ضوء الشمس على الوجه طرفي النهار حين ما دنت الشمس من الأفق بالعمامة لأنه يلمع في وجهه لمعان بياض العمامة – انتهى. وقيل المراد كأن الشمس حين غاب نصفها عمامة على رأس الجبل، لأن شكل العمامة شكل نصف الكرة فإن قلت: قوله " في وجوههم " يدل على ما ذكره الطيبي قلت: نعم إن كان متعلقاً بقوله تكون الشمس وليس بمتعين بل يحتمل أن يتعلق بعمائم الرجال ظرفًا مستقرًا. كذا في اللمعات، وقال القاري: قال بعض الشراح قوله " حين تكون الشمس كأنها عمائم الرجال في وجوههم " أي حين تكون الشمس في وجوههم كأنها عمائم الرجال، وذلك بأن يقع في الجهة التي تحاذي وجوههم، وإنما لم يقل " على رؤوسهم " لأن في مواجهة الشمس وقت الغروب إنما يقع ضوئها على ما يقابلها ولم يتعد إلى ما فوقه من الرأس لانحطاطها، وكذا وقت الطلوع، وإنما شبهها بعمائم الرجال لأن الإنسان إذا كان بين الشعاب والأودية لم يصبه من شعاع الشمس إلا الشيء اليسير الذي يلمع في جنبيه لمعان بياض العمامة والظل يستر بقية وجهه وبدنه، فالناظر إليه يجد ضوء الشمس في وجهه مثل كور العمامة فوق الجبين، والإضافة في " عمائم " لمزيد التوضيح كما قاله الطيبي أو للاحتراز عن نساء الأعراب فإن على رؤوسهن ما يشبه العمائم كما قاله ابن حجر – انتهى كلام القاري. (ومن المزدلقة) أي يرجعون (وإنا لا ندفع من عرفة حتى تغرب الشمس) فيكره النفر قبل ذلك عند بعضهم، والأكثرون على أن الجمع بين الليل والنهار واجب (وندفع من المزدلفة قبل أن تطلع الشمس) أي عند الإسفار فيكره المكث بها إلى طلوع الشمس اتفاقًا (هدينا) أي سيرتنا وطريقتنا (والشرك) أي أهله، والجملة استينافية فيها معنى

ص: 163

رواه.......

2637 – (10) وعن ابن عباس، قال: قدمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة المزدلفة أغيلمة بني عبد المطلب

ــ

التعليل وفي المصابيح " لهدي أهل الأوثان والشرك "(رواه) كذا في الأصل بياض هنا، وفي نسخة صحيحة كتب في الهامش " رواه البيهقي " أي في شعب الإيمان، ذكره الجزري، ولفظ البيهقي " خطبنا " وساقه بنحوه، كذا في المرقاة، قلت: روى البيهقي في السنن (ج 5: ص 125) من طريق عبد الوارث بن سعيد عن ابن جريج عن محمد بن قيس بن مخرمة عن المسور بن مخرمة قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بعرفة فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: أما بعد فإن أهل الشرك والأوثان – الحديث. قال البيهقي: ورواه عبد الله بن إدريس عن ابن جريج عن محمد بن قيس بن مخرمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب يوم عرفة فقال: هذا يوم الحج الأكبر ثم ذكر ما بعده بمعناه مرسلاً – انتهى. والحديث أورده الهيثمي في مجمع الزوائد (ج 3: ص 255) من رواية المسور بن مخرمة قال: رواه الطبراني في الكبير، ورجاله رجال الصحيح. وقال الحافظ في تخريج الهداية (ص 194) بعد ذكره عن المسور بن مخرمة أخرجه الحاكم وصححه والبيهقي من طريقه ثم من طريق ابن جريج عن محمد بن قيس بن مخرمة عنه، وهو عند الشافعي ثم عند البيهقي من هذا الوجه ليس فيه المسور، وذكره صاحب المهذب (أبو إسحاق الشيرازي) عن المسور، وخطأه ابن دقيق العيد فقال: إنما هو محمد بن قيس بن مخرمة كذا قال، وكأنه لم يقف على الرواية الموصولة (عند الحاكم والبيهقي) وروى ابن أبي شيبة عن ابن أبي زائدة عن ابن جريج أخبرت عن محمد بن قيس بن مخرمة نحوه، وهذا يقتضي انقطاع طريقي الحاكم انتهى كلام الحافظ وهو ملخص ما ذكره الزيلعي في نصب الراية (ج 3: ص 67) وحديث المسور بن مخرمة لم أجده في المستدرك في مظانه، وأما حديث محمد بن قيس بن مخرمة فرواه الشافعي في الأم (ج 2: ص 180) عن مسلم بن خالد عن ابن جريج عن محمد بن قيس بن مخرمة بلفظ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: كان أهل الجاهلية يدفعون من عرفة قبل أن تغيب الشمس، ومن المزدلفة بعد أن تطلع الشمس ويقولون: أشرق ثبير كيما نغير. فأخر الله تعالى هذه وقدم هذه يعني قدم المزدلفة قبل أن تطلع الشمس وأخر عرفة إلى أن تغيب الشمس – انتهى. وذكره الشيخ عبد الرحمن الساعاتي في بدائع المنن (ج 2: ص 57، 58) بلفظ المشكاة.

2637 – قوله (قدمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي أمرنا بالتقدم إلى منى أو أرسلنا قدامه (أغيلمة بني عبد المطلب) أي صبيانهم، وفيه تغليب الصبيان على النسوان، وهو بدل من الضمير في قدمنا، وقال القاري: نصبه على الاختصاص أو على إضمار أعني أو عطف بيان من ضمير قدمنا. قال الخطابي: أغيملة تصغير غلمة، وكان القياس غليمة لكنهم ردوه إلى أفعلة فقالوا: أغيملة أي كأنهم صغروا أغلمة وإن لم يقولوه كما قالوا أصيبية في تصغير الصبية. وقال القاري: هو تصغير

ص: 164

على حمرات، فجعل يلطح أفخاذنا ويقول:" أبيني لا ترموا الجمرة حتى تطلع الشمس ".

ــ

شاذ لأن قياس غلمة – بكسر الغين – غليمة، وقيل: هو تصغير أغلمة جمع غلام قياسًا وإن لم يستعمل، والمستعمل غلمة في القلة والغلمان في الكسرة. وقال الجزري في جامع الأصول: أغيلمة تصغير أغلمة قياسًا ولم تجيء، كما أن أصيبية تصغير أصبية ولم تستعمل، إنما المستعمل صبية وغلمة. وقال في النهاية: تصغير أغلمة بسكون الغين وكسر اللام جمع غلام وهو جائز في القياس ولم يرد في جمع الغلام أغلمة، وإنما ورد غِلمة بكسر الغين المعجمة (على حمرات) بضمتين جمع حمر جمع تصحيح وحمر جمع حمار وهي حال من المفعول أي راكبين على حمرات، وهذا يدل على أن الحج على الحمار غير مكروه في السفر القريب (فجعل) أي فشرع النبي صلى الله عليه وسلم (يلطح) بفتح الياء التحتية والطاء المهملة بعدها حاء مهملة أي يضرب (أفخاذنا) جمع فخذ، قال الجزري: اللطح هو الضرب الخفيف أي اللين ببطن الكف أي يضرب بيده أفخاذنا ضربًا خفيفًا. وإنما فعل ذلك ملاطفة لهم (أبيني) بضم الهمز وفتح الباء الموحدة وسكون ياء التصغير بعدها نون مكسورة ثم ياء مشددة مفتوحة. قال السندي: قيل هو تصغير أبنى كأعمى وأعيمى وهو اسم مفرد يدل على الجمع أو جمع ابن مقصورًا كما جاء ممدودًا، بقى أن القياس حنئذ عند الإضافة إلى ياء المتكلم أبيناي فكأنه رد الألف إلى الواو على خلاف القياس، ثم قلب الواو ياء وأدغم الياء في الياء وكسر ما قبله، ويحتمل أن يكون مقصور الآخر لا مشددة فالأمر أظهر، والله تعالى أعلم. وقال الجزري في النهاية: قد اختلف في صيغته ومعناه فقيل: إنه تصغير أبنى كأعمى وأعيمى، وهو اسم مفرد يدل على الجمع، وقيل: إن ابنا يجمع على أبني وأبناء مقصورًا وممدودًا، وقيل: هو تصغير ابن، وفيه نظر. وقال أبو عبيدة: هو تصغير بني جمع ابن مضافًا إلى النفس أي ياء المتكلم فهذا يوجب أن يكون اللفظ في الحديث بنيي بوزن سريجي – انتهى. وقال القاري: هو تصغير ابن مضاف إلى النفس أو بعد جمعه جمع السلامة إلا أنه خلاف القياس، لأن همزته همزة وصل، والقاعدة أن التصغير يرد الشيء إلى أصله مثل الجمع، ومنه قوله تعالى {المال والبنون} فأصل ابن بنوّ فهو من الأسماء المحذوفة العجز، فالظاهر أن يقال بني إلا أنه كان يلتبس بالمفرد فزيد فيه الهمزة – انتهى. قال: والمراد يا أبنائي أو يا بني (لا ترموا الجمرة) أي جمرة العقبة يوم النحر (حتى تطلع الشمس) هذا يدل على أن وقت رمي جمرة العقبة يوم النحر من بعد طلوع الشمس وإن كان الرامي ممن أبيح له التقدم إلى منى وأذن له في عدم المبيت بمزدلفة. قال الشوكاني: والأدلة تدل على أن وقت الرمي من بعد طلوع الشمس لمن كان لا رخصة له، ومن كان له رخصة كالنساء وغيرهن من الضعفة جاز قبل ذلك ولكنه لا يجزئ في أول ليلة النحر إجماعًا – انتهى. اعلم أن العلماء اختلفوا في الوقت الذي يجوز فيه رمي جمرة العقبة من للضعفة وغيرهم مع إجماعهم على أن من رماها بعد طلوع الشمس أجزأه ذلك، فذهب الشافعي وأحمد وعطاء وأسماء بنت أبي بكر وعكرمة وخالد وطاوس والشعبي إلى أن أول الوقت

ص: 165

..............................................................................................

ــ

الذي يجزئ فيه رمي جمرة العقبة هو ابتداء النصف الأخير من ليلة النحر، واستدل لهم بحديث عائشة الذي ذكره المصنف بعد هذا وهو حديث صحيح، ويعتضد هذا بما رواه الخلال من طريق سليمان بن أبي داود عن هشام بن عروة عن أبيه قال أخبرتني أم سلمة قالت: قدمني رسول الله صلى الله عليه وسلم فيمن قدم من أهله ليلة المزدلفة، قالت: فرميت بليل ثم مضيت إلى مكة فصليت بها الصبح ثم رجعت إلى منى، كذا ذكره ابن القيم. وذهب جماعة من أهل العلم إلى أن أول وقته من بعد طلوع الفجر، وأول الوقت المستحب بعد طلوع الشمس وما بعد الزوال إلى الغروب وقت الجواز بلا إساءة، فإن رمى قبل طلوع الشمس وبعد طلوع الفجر جاز وإن رماها قبل الفجر أعادها، وبهذا قال مالك وأبو حنيفة واستدل لذلك بما رواه الطحاوي بسنده عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأمر نساءه وثقله صبيحة جمع أن يفيضوا مع أول الفجر بسواد ولا يرموا الجمرة إلا مصبحين، وفي رواية أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثه في الثقل وقال: لا ترموا الجمار حتى تصبحوا، وذهب النخعي ومجاهد والثوري وأبو ثور إلى أن أول وقته يبتدئ من بعد طلوع الشمس فلا يجوز رميها عندهم لا بعد طلوع الشمس، واستدلوا لذلك بحديث ابن عباس الذي نحن في شرحه. قالوا: إذا كان من رخص له منع أن يرمي قبل طلوع الشمس فمن لم يرخص له أولى، وأجاب الحنفية عن هذا بأنه محمول على بيان الوقت المستحب والفضيلة، وما رواه الطحاوي فيه بيان وقت الجواز، وأما حديث عائشة الآتي في قصة أم سلمة فأجابوا عنه بأنه ليس فيه دلالة على أنه عليه الصلاة والسلام علم ذلك وأقرها عليه ولا أنه أمرها أن ترمي ليلاً، ويمكن أن يراد بقوله " فرمت قبل الفجر " أي قبل صلاة الفجر، وقيل: إن حديث أم سلمة رخصة خاصة لها، وذهب بعض أهل العلم إلى أن أول وقته للضعفة من طلوع الفجر ولغيرهم من بعد طلوع الشمس وهو اختيار ابن القيم واستدل لذلك بحديث أسماء عند الشيخين أنها نزلت ليلة جمع عند المزدلقة فقامت تصلي، فصلت ساعة، ثم قالت: يا بني هل غاب القمر؟ قلت: لا. فصلت ساعة ثم قالت: يا بني هل غاب القمر؟ قلت: نعم. قالت: فارتحلوا. فارتحلنا ومضينا حتى رمت الجمرة ثم رجعت فصلت الصبح في منزلها، فقلت لها: يا هنتاه ما أرانا إلا قد غلسنا. قالت: يا بني إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أذن للظعن – انتهى. فهذا الحديث صريح أن أسماء رمت الجمرة قبل طلوع الشمس بل بغلس، وقد صرحت بأنه صلى الله عليه وسلم أذن في ذلك للظغن، ومفهومه أنه لم يأذن للأقوياء الذكور، واستدل لذلك أيضًا بحديث ابن عمر عند الشيخين أيضًا أنه كان يقدم ضعفة أهله فيقفون عند المشعر الحرام بالمزدلفة بليل فيذكرون الله عز وجل ما بدا لهم ثم يرجعون قبل أن يقف الإمام وقبل أن يدفع، فمنهم من يقدم لصلاة الفجر ومنهم من يقدم بعد ذلك فإذا قدموا رموا الجمرة. وكان ابن عمر يقول: أرخص في أولئك رسول الله صلى الله عليه وسلم – انتهى. وهذا يدل دلالة واضحة على الترخيص للضعفة في رمي جمرة العقبة بعد الصبح قبل طلوع الشمس كما ترى. ومفهومه أنه لم يرخص لغيرهم في ذلك. قال

ص: 166

..............................................................................................

ــ

الشنقيطي: إن الذي يقتضي الدليل رجحانه في هذه المسألة أن الذكور الأقوياء لا يجوز لهم رمي جمرة العقبة إلا بعد طلوع الشمس وأن الضعفة والنساء لا ينبغي التوقف في جواز رميهم بعد الصبح قبل طلوع الشمس لحديث أسماء وابن عمر المتفق عليهما الصريحين في الترخيص لهم في ذلك، وأما رميهم أعني الضعفة والنساء قبل طلوع الفجر فهو محل نظر فحديث عائشة عند أبي داود (الآتي) يقتضي جوازه وحديث ابن عباس عند أصحاب السنن (يعني الذي نحن في شرحه) يقتضي منعه. وقد جمعت بينهما جماعة من أهل العلم فجعلوا لرمي جمرة العقبة وقتين: وقت فضيلة ووقت جواز، وحملوا حديث ابن عباس على وقت الفضيلة وحديث عائشة على وقت الجواز. وله وجه من النظر، والعلم عند الله تعالى. أما الذكور الأقوياء فلم يرد في الكتاب ولا السنة دليل يدل على جواز رميهم جمرة العقبة قبل طلوع الشمس لأن جميع الأحاديث الواردة في الترخيص في ذلك كلها في الضعفة وليس شيء منها في الأقوياء الذكور، وقد قدمنا أن قياس القوي على الضعيف الذي رخص له من أجل ضعفه قياس مع وجود الفارق وهو مردود كما هو مقرر في الأصول، لأن الضعف الموجود في الأصل المقيس عليه الذي هو علة الترخيص المذكور ليس موجودًا في الفرع المقيس الذي هو الذكر القوي كما ترى – انتهى. ثم اعلم أن وقت رمي جمرة العقبة يمتد إلى آخر نهار يوم النحر فمن رماها قبل الغروب من يوم النحر فقد رماها في وقت لها. قال ابن عبد البر: أجمع أهل العلم على أن من رماها يوم النحر قبل المغيب فقد رماها في وقت لها وإن لم يكن ذلك مستحباً لها – انتهى. فإن فات يوم النحر ولم يرمها فقال بعض أهل العلم يرميها ليلاً، ثم اختلف هؤلاء فقال بعضهم رمها ليلاً أداء لا قضاء، وهو أحد وجهين مشهورين للشافعية، حكاهما صاحب التقريب والشيخ أبو محمد الجويني وولده إمام الحرمين وآخرون. وروى مالك عن نافع أن ابنة أخ لصفية بنت أبي عبيد نفست بالمزدلفة فتخلفت هي وصفية حتى أتتا من بعد أن غربت الشمس من يوم النحر فأمرهما عبد الله بن عمر أن ترميا ولم ير عليهما شيئًا – انتهى. وهذا يدل على أن ابن عمر يرى أن رميها في الليل أداء لمن كان له عذر كصفية وابنة أخيها. وممن قال برميها ليلاً الشافعي وأبو حنيفة ومالك وأصحابهم. وفي الموطأ (في آخر باب الرخصة في رمي الجمار) قال يحيى: سئل مالك عمن نسي جمرة من الجمار في بعض أيام منى حتى يمسي قال: ليرم أية ساعة ذكر من ليل أو نهار كما يصلي الصلاة إذا نسيها ثم ذكرها ليلاً أو نهاراً، فإن كان ذلك بعد ما صدر وهو بمكة أو بعدما يخرج منها فعليه الهدي واجب. وقال الشيخ شهاب الدين أحمد الشلبي في حاشيته على تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق: ولو أخر الرمي إلى الليل رماها ولا شيء عليه لأن الليل تبع لليوم في مثل هذا كما في الوقوف بعرفة فإن أخره إلى الغد رماها وعليه دم. – انتهى. وقال بعض أهل العلم: إن غربت الشمس من يوم النحر وهو لم يرم جمرة العقبة لم يرمها في الليل ولكن يؤخر رميها حتى تزول الشمس من الغد. قال ابن قدامة (ج 3: ص 429) : فإن أخرها إلى الليل لم يرمها حتى تزول الشمس، واستدل لجواز الرمي ليلاً بما رواه البخاري عن ابن

ص: 167

رواه أبو داود، والنسائي، وابن ماجة.

ــ

عباس قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يسئل يوم النحر بمنى فيقول: لا حرج، فسأله رجل فقال: حلقت قبل أن أذبح، قال: اذبح ولا حرج. وقال: رميت بعد ما أمسيت فقال: لا حرج – انتهى. قالوا: قد صرح النبي صلى الله عليه وسلم بأن من رمى بعد ما أمسى لا حرج عليه، واسم المساء يصدق بجزء من الليل، وأجاب القائلون بعدم جواز الرمي ليلاً عن هذا الاستدلال بأن مراد السائل بقوله بعد ما أمسيت يعني به بعد زوال الشمس في آخر النهار قبل الليل. والدليل على ذلك أن حديث ابن عباس المذكور فيه كان النبي صلى الله عليه وسلم يسئل يوم النحر بمنى – الحديث. فتصريحه بقوله " يوم النحر " يدل على أن السؤال وقع في النهار والرمي بعد الإمساء وقع في النهار لأن المساء يطلق لغة على ما بعد وقت الظهر إلى الليل، قال الحافظ في شرح الحديث المذكور: قوله " رميت بعد ما أمسيت " أي بعد دخول المساء وهو يطلق على ما بعد الزوال إلى أن يشتد الظلام، فلم يتعين لكون الرمي المذكور كان بالليل – انتهى. وقال ابن قدامة: قول النبي صلى الله عليه وسلم " إرم ولا حرج " إنما كان في النهار لأنه سأله في يوم النحر ولا يكون اليوم إلا قبل مغيب الشمس – انتهى. قالوا: فالحديث صريح في أن المراد بالإمساء فيه آخر النهار بعد الزوال لا الليل، وإذن فلا حجة فيه للرمي ليلاً. وأجاب القائلون بجواز الرمي ليلاً عن هذا بأجوبة، منها أن قول النبي صلى الله عليه وسلم " لا حرج " بعد قول السائل " رميت بعد ما أمسيت " يشمل لفظه نفى الحرج عمن رمى بعد ما أمسى، وخصوص سببه بالنهار لا عبرة به لأن العبرة بعموم الألفاظ لا بخصوص الأسباب ولفظ المساء عام لجزء من النهار وجزء من الليل، وسبب ورود الحديث المذكور خاص بالنهار، وقد ثبت في الأصول أن العبرة بعموم الألفاظ لا بخصوص الأسباب (رواه أبو داود والنسائي وابن ماجة) وأخرجه أيضًا أحمد (ج 1: ص 234، 311) والطحاوي (ج 1: ص 413) وابن حبان والبيهقي (ج 5: ص 132) كلهم من طريق الحسن بن عبد الله العرني عن ابن عباس، والحسن العرني ثقة ولكنه لم يسمع من ابن عباس كما قال الإمام أحمد والبخاري وابن معين بل قال أبو حاتم لم يدركه. قال المنذري: الحسن العرني بجلى كوفي ثقة، واحتج به مسلم، واستشهد به البخاري غير أن حديث ابن عباس منقطع. وقال الإمام أحمد: الحسن العرني لم يسمع من ابن عباس شيئًا – انتهى. لكن رواه البخاري في التاريخ الصغير (ص 136) وأحمد والترمذي والطحاوي من طريق مقسم عن ابن عباس بمعناه وزيادة ونقص، وصححه الترمذي وغيره. وقال الحافظ في الفتح بعد ذكر حديث الباب: هو حديث حسن أخرجه أبو داود والنسائي والطحاوي وابن حبان من طريق الحسن العرني، وهو بضم المهملة وفتح الراء بعدها نون، عن ابن عباس، وأخرجه الترمذي والطحاوي من طرق عن الحكم عن مقسم عنه، وأخرجه أبو داود من طريق حبيب عن عطاء، وهذه الطرق يقوي بعضها بعضًا، ومن ثم صححه الترمذي وابن حبان.

ص: 168

2638 – (11) وعن عائشة، قالت: أرسل النبي صلى الله عليه وسلم بأم سلمة ليلة النحر، فرمت الجمرة قبل الفجر ثم مضت فأفاضت، وكان ذلك اليوم، اليوم الذي يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم عندها. رواه أبو داود.

2639-

(12) وعن ابن عباس، قال: يلبي المقيم أو المعتمر

ــ

2639-

قوله (أرسل النبي صلى الله عليه وسلم بأم سلمة) أي ومن معها من الضعفة والباء زائدة للتأكيد (ليلة النحر) أي من مزدلفة إلى منى (فرمت الجمرة قبل الفجر) أي طلوع الصبح. وفيه دليل على جواز الرمي قبل الفجر للنساء لأن الظاهر أنه لا يخفى عليه صلى الله عليه وسلم ذلك فقرره. قال الأمير اليماني: وقد عارضه حديث ابن عباس المتقدم، وجمع بينهما بأنه يجوز الرمي قبل الفجر لمن له عذر، وكان ابن عباس أي وغيره من الصبيان والغلمة لا عذر له. وقال الشوكاني: قوله " قبل الفجر " هذا مختص بالنساء فلا يصلح للتمسك به على جواز الرمي لغيرهن من هذا الوقت لورود الأدلة القاضية بخلاف ذلك، ولكنه يجوز لمن بعث معهن من الضعفة كالعبيد والصبيان أن يرمي في وقت رميهن كما في حديث أسماء وحديث ابن عباس عند أحمد أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث به مع أهله إلى منى يوم النحر فرموا الجمرة مع الفجر. وقد تقدم ما أجاب به الحنفية عن حديث عائشة هذا (ثم مضت) أي ذهبت من منى (فأفاضت) أي طافت طواف الإفاضة ثم رجعت إلى منى (وكان ذلك اليوم) أي اليوم الذي فعلت فيه ما ذكر من الرمي والطواف (اليوم) بالنصب على الخبرية) (الذي يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم عندها) يعني عند أم سلمة أي في نوبتها من القسم، كأنه إشارة إلى سبب استعجالها في الرمي والإفاضة، وقوله " عندها " كذا في جميع النسخ من المشكاة وهكذا في المصابيح، وفي أبي داود " تعني عندها " وهو من تفسير أبي داود أو أحد رواته (رواه أبو داود) وسكت عنه هو والمنذري. وقال الحافظ في بلوغ المرام " إسناده على شرط مسلم " وكذا قال النووي في شرح المهذب. وقال الزيلعي في نصب الراية (ج 3: ص 73) بعد أن ساق حديث أبي داود هذا عن عائشة: ورواه البيهقي في سننه وقال: إسناده صحيح لا غبار عليه – انتهى. قلت: حديث عائشة هذا أخرجه البيهقي في باب من أجاز رميها بعد نصف الليل (ج 5: ص 133) ولكن لم أجد فيه قوله إسناده صحيح لا غبار عليه. وقال الشوكاني: رجاله رجال الصحيح.

2639-

قوله (يلبي المقيم) أي بمكة من المعتمرين (أو المعتمر) أي من القادمين، فأو للتنويع، ولا يبعد أن يراد به المعتمر مطلقًا، فأو شك من الراوي، قاله القاري. قلت: قوله " يلبي المقيم أو المعتمر " كذا وقع في جميع نسخ المشكاة، وهكذا ذكره الجزري في جامع الأصول (ج 3: ص 438) والمحب الطبري في القرى (ص 153) ومحمد بن محمد بن سليمان الفاسي المغربي في جمع الفوائد (ج 1: ص 462) وليس في المصابيح لفظ المقيم ولا في السنن لأبي داود والبيهقي والأم للشافعي ولم يذكره أيضًا الزيلعي في نصب الراية والمجد في المنتقي. والظاهر أن المصنف قلد في ذلك

ص: 169

حتى يستلم الحجر.

ــ

جامع الأصول وهو من أوهام الجزري (حتى يستلم الحجر) وفي المصابيح " حتى يفتتح الطواف " ويروى " حتى يستلم الحجر " وللبيهقي من طريق الشافعي عن مسلم بن خالد وسعيد بن سالم عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس قال: يلبي المعتمر حتى يفتتح الطواف مستلمًا أو غير مستلم. قال شارح المصابيح: قوله حتى يفتتح الطواف أي يلبي الذي أحرم بالعمرة من وقت إحرامه إلى أن يبتدئ بالطواف ثم يترك التلبية – انتهى. ورواه الدارقطني بلفظ " لا يمسك المعتمر عن التلبية حتى يفتتح الطواف " ولا فرق بين رواية أبي داود وبين رواية الشافعي والدارقطني إلا في التعبير دون الواقع، لأن ابتداء الطواف من استلام الحجر الأسود، ولذلك قال الطبري بعد تخرج الروايتين: هذا قول أكثر أهل العلم أن المعتمر يلبي حتى يفتتح الطواف. قال ابن عباس: يلبي المعتمر إلى أن يفتتح الطواف مستلمًا وغير مستلم، وبه قال الثوري والشافعي وأحمد وإسحاق – انتهى. قال الشوكاني: قوله " حتى يستلم الحجر " ظاهره أنه يلبي في حال دخوله المسجد وبعد رؤية البيت وفي حال مشيه حتى يشرع في الاستلام ويستثنى منه الأوقات التي فيها دعاء مخصوص، وقد ذهب إلى ما دل عليه الحديث من ترك التلبية عند الشروع في الاستلام أبو حنفية والشافعي وهو قول ابن عباس وأحمد – انتهى. وقال الترمذي بعد رواية الحديث مرفوعًا " أنه كان يمسك عن التلبية في العمرة إذا استلم الحجر " ما لفظه: والعمل عليه عند أكثر أهل العلم. قالوا: " لا يقطع المعتمر التلبية حتى يستلم الحجر " وقال بعضهم إذا انتهى إلى بيوت مكة قطع التلبية، والعمل على حديث النبي صلى الله عليه وسلم، وبه يقول سفيان والشافعي وأحمد وإسحاق – انتهى. وقد ظهر بهذا كله أن المسألة خلافية. قال ابن قدامة (ج 3: ص 401) : يقطع المعتمر التلبية إذا استلم الركن. وبهذا قال ابن عباس وعطاء وعمرو بن ميمون وطاوس والنخعي والثوري والشافعي وإسحاق وأصحاب الرأي. وقال ابن عمر وعروة والحسن: يقطعها إذا دخل الحرم، وقال سعيد بن المسيب: يقطعها حين يرى عرش مكة. وحكي عن مالك إن أحرم من الميقات قطع التلبية إذا وصل إلى الحرم، وإن أحرم بها من أدنى الحل قطع التلبية حين يرى البيت، ولنا ما روي عن ابن عباس يرفع الحديث: كان يمسك عن التلبية في العمرة إذا استلم الحجر،. قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح، وروى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم اعتمر ثلاث عمر ولم يزل يلبي حتى استلم الحجر. (أخرجه أحمد ج 2: ص 180) والبيهقي (ج 5: ص 105) قلت: ما حكي عن مالك هو رواية الموطأ والمختصر، والمعروف في مذهب المالكية أن معتمر الجعرانة أو التنعيم يلبي إلى دخول بيوت مكة. وفي المدونة قال ابن القاسم، قال مالك: والمحرم بالعمرة من ميقاته يقطع التلبية إذا دخل الحرم ثم لا يعود إليها، والذي يحرم من غير ميقاته مثل الجعرانة والتنعيم يقطع إذا دخل بيوت مكة. قال: فقلت له: أو المسجد، قال: أو المسجد كل ذلك واسع – انتهى. وقال ابن حزم: والذي نقول به

ص: 170

رواه أبو داود، وقال: ورُوي موقوفًا على ابن عباس.

ــ

فهو قول ابن مسعود أنه لا يقطعها حتى يتم جميع عمل العمرة. وقال الشافعي بعد ما روى عن عبد الله بن مسعود أنه لبي في عمرة على الصفا بعد ما طاف بالبيت: وليسوا يقولون (أي أهل العراق) بهذا ولا أحد من الناس علمناه، وإنما اختلف الناس فمنهم من يقول: يقطع التلبية في العمرة إذا دخل الحرم. وهو قول ابن عمر. ومنهم من يقول: إذا استلم الركن. وهو قول ابن عباس. وبه نقول، ويقولون هم أيضًا: فأما بعد الطواف بالبيت فلا يلبي أحد، أورده إلزامًا للعراقيين فيما خالفوا فيه عبد الله بن مسعود كذا في القرى (ص 154) (رواه أبو داود) في باب: متى يقطع المعتمر التلبية. (وقال ورُوي) على بناء المجهول (موقوفًا على ابن عباس) قلت: الحديث رواه أبو داود مرفوعًا حيث قال: حدثنا مسدد نا هشيم عن ابن أبي ليلي عن عطاء عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: يلبي المعتمر حتى يستلم الحجر، ثم قال أبو داود: رواه عبد الملك بن أبي سليمان وهمام عن عطاء عن ابن عباس موقوفًا. وقد تبين بهذا أن الاقتصار المخل إنما هو في نقل صاحب المشكاة، فكان حقه أن يقول أولاً عن ابن عباس مرفوعًا. وقال المنذري في مختصر السنن وأخرجه الترمذي وقال: صحيح، هذا آخر كلامه. وفي إسناده محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلي وتكلم فيه جماعة من الأئمة (أي من جهة حفظه) انتهى كلام المنذري. قلت: حديث ابن عباس المرفوع عند الترمذي هو حديث فعلي بلفظ أنه كان يمسك عن التلبية في العمرة إذا استلم الحجر، وحديث ابن عباس المرفوع عند أبي داود قولي بلفظ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: يلبي المعتمر حتى يستلم الحجر فإذن هما حديثان من رواية ابن عباس قولي عند أبي داود وفعلي عند الترمذي، ولهذا الاختلاف جعلهما المجد في المنتقي حديثين، قال الزيلعي في نصب الراية (ج 3: ص 115) : ولم ينصف المنذري في عزوه هذا الحديث للترمذي، فإن لفظ الترمذي من فعل النبي صلى الله عليه وسلم ولفظ أبي داود من قوله فهما حديثان ولكنه قلد أصحاب الأطراف إذ جعلوهما حديثًا واحدًا، وهذا مما لا ينكر عليهم، وقد بينا وجه ذلك في حديث " ابدؤا بما بدأ الله به، (ج 3: ص 54) قال: وروى الواقدي في كتاب المغازي حدثنا أسامة بن زيد عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم لبي يعني في عمرة القضية حتى استلم الركن – انتهى. قلت: مدار الروايتين المرفوعتين عند الترمذي وأبي داود على محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلي الكوفي القاضي وهو صدوق سيء الحفظ جدًا. قال البيهقي بعد رواية الحديث الفعلي المرفوع من طريق زهير والحسن بن صالح عن ابن أبي ليلي عن عطاء عن ابن عباس ما لفظه: رفعه خطأ وكان ابن أبي ليلى هذا كثير الوهم، وخاصة إذا روى عن عطاء فيخطئ كثيرًا، ضعفه أهل النقل مع كبر محله في الفقه، وقد روى عن المثني بن الصباح عن عطاء مرفوعًا، وإسناده أضعف مما ذكرنا. ثم روى من طريق الحجاج بن أرطاة عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: اعتمر النبي صلى الله عليه وسلم ثلاث عمر كل ذلك لا يقطع التلبية حتى يستلم الحجر، وقد قيل عن الحجاج

ص: 171