المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

رواه الترمذي. ‌ ‌(الفصل الثالث) 2778 – (26) عن أبي بكرة، عن النبي - مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح - جـ ٩

[عبيد الله الرحماني المباركفوري]

فهرس الكتاب

- ‌(2) باب قصة حجة الوداع

- ‌(الفصل الأول)

- ‌(الفصل الثالث)

- ‌(3) باب دخول مكة والطواف

- ‌(الفصل الأول)

- ‌(الفصل الثاني)

- ‌(الفصل الثالث)

- ‌(4) باب الوقوف بعرفة

- ‌(الفصل الأول)

- ‌(الفصل الثاني)

- ‌(الفصل الثالث)

- ‌(5) باب الدفع من عرفة والمزدلفة

- ‌(الفصل الأول)

- ‌(الفصل الثاني)

- ‌(الفصل الثالث)

- ‌(6) باب رمي الجمار

- ‌(الفصل الأول)

- ‌(الفصل الثاني)

- ‌(الفصل الثالث)

- ‌(7) باب الهدي

- ‌(الفصل الأول)

- ‌(الفصل الثاني)

- ‌(الفصل الثالث)

- ‌(8) باب الحلق

- ‌(الفصل الأول)

- ‌(الفصل الثاني)

- ‌(9) باب

- ‌(الفصل الأول)

- ‌(الفصل الثاني)

- ‌(الفصل الثالث)

- ‌(10) باب خطبة يوم النحر، ورمي أيام التشريق، والتوديع

- ‌(الفصل الأول)

- ‌(الفصل الثاني)

- ‌(11) باب ما يجتنبه المحرم

- ‌(الفصل الأول)

- ‌(الفصل الثاني)

- ‌(الفصل الثالث)

- ‌(12) باب المحرم يجتنب الصيد

- ‌(الفصل الأول)

- ‌(الفصل الثاني)

- ‌(الفصل الثالث)

- ‌(13) باب الإحصار، وفوت الحج

- ‌(الفصل الأول)

- ‌(الفصل الثاني)

- ‌(14) باب حرم مكة حرسها الله تعالى

- ‌(الفصل الأول)

- ‌(الفصل الثاني)

- ‌(الفصل الثالث)

- ‌(15) باب حرم المدينة حرسها الله تعالى

- ‌(الفصل الأول)

- ‌(الفصل الثاني)

- ‌(الفصل الثالث)

الفصل: رواه الترمذي. ‌ ‌(الفصل الثالث) 2778 – (26) عن أبي بكرة، عن النبي

رواه الترمذي.

(الفصل الثالث)

2778 – (26) عن أبي بكرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" لا يدخل المدينة رعب المسيح الدجال، لها يومئذ سبعة أبواب على كل باب ملكان ". رواه البخاري.

2779 – (27) وعن أنس، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " اللهم اجعل بالمدينة ضعفي

ــ

الثلاثة نزلت فذكر الحديث: ثم قال: استغربه الترمذي، وفي ثبوته نظر لأنه مخالف لما في الصحيح من ذكر اليمامة، لأن قنسرين من أرض الشام من جهة حلب بخلاف اليمامة فإنها إلى جهة اليمن إلا أن حمل على اختلاف المأخذ فإن الأول جرى على مقتضى الرؤيا التي أريها، والثاني يخير بالوحي فيحتمل أن يكون أرى أولاً ثم خير ثانيًا فاختار المدينة انتهى. (رواه الترمذي) في أواخر المناقب عن الحصين بن حريث عن الفضل بن موسى عن عيسى بن عبيد عن غيلان بن عبد الله العامري عن أبي زرعة بن عمرو بن جرير عن جرير بن عبد الله البجلي وقال: هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث الفضل بن موسى، تفرد به أبو عمار، وقد تقدم أن الحافظ قال: في ثبوت هذا الحديث نظر لكونه مخالفًا لما في صحيح البخاري. وقال في تهذيب التهذيب في ترجمة غيلان بن عبد الله ذكره ابن حبان في الثقات وقال: روى عن أبي زرعة عن جرير حديثًا منكراً وأخرجه الترمذي وقال: غريب. وقال الذهبي في الميزان: ما علمت روى عنه سوى عيسى بن عبيد، حديثه منكر، ما أقدم الترمذي على تحسينه بل قال: غريب.

2778-

قوله (لا يدخل المدينة رعب المسيح الدجال) بضم الراء وسكون العين أي خوفه وذعره وإذا لم يدخل رعبه فأولى أن لا يدخل هو وسمي الدجال مسيحاً لمسحه الأرض أو لأنه ممسوح العين لأنه أعور وذكر لفظ الدجال بعد المسيح ليتميز عن عيسى المسيح عليه الصلاة والسلام وقد تقدم بيان ما هو المراد من عدم دخول رعب الدجال في المدينة في شرح حديث أنس ((ليس من بلد إلا سيطؤه الدجال إلا مكة والمدينة)) (لها) أي لسورها (يومئذ سبعة أبواب) أي طرق وأنقاب (على كل باب ملكان) أي اثنان أو نوعان يميناً وشمالاً يحفظانها ويحرسانها منه (رواه البخاري في الحج وفي الفتن وهو من أفراده لم يخرجه مسلم ولا أصحاب السنن نعم أخرجه أحمد (ج 5: ص 41، 43، 46) .

2779-

قوله (اللهم اجعل بالمدينة ضعفي) تثنية ضعف بالكسر أي مثليه بناء على أن ضعف الشيء مثله وهو ما عليه أهل اللغة. قال الجوهري: ضعف الشيء مثله وضعفاه مثلاه وأضعافه أمثاله – انتهى. وقال في القاموس: ضعف الشيء بالكسر مثله وضعفاه مثلاه، أو الضعف المثل إلى ما زاد، يقال: لك ضعفه، يريدون مثليه وثلاثة أمثاله لأنه زيادة غير

ص: 552

ما جعلت بمكة من البركة ". متفق عليه.

2780 – (28) وعن رجل من آل الخطاب، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:

ــ

محصورة، وقول الله تعالى:{يضاعف لها العذاب ضعفين} (سورة الأحزاب: الآية 30) أي ثلاثة أعذبة، ومجاز يضاعف أي يجعل إلى الشيء شيئان حتى يصير ثلاثة – انتهى. وأما في العرف فضعف الشيء مثلاه وضعفاه ثلاثة أمثاله وعليه جرى الفقهاء في الإقرار والوصية فليزم في الوصية بضعف نصيب ابنه مثلاه وبضعفيه ثلاثة أمثاله في قوله ((له عليَّ ضعف درهم)) يلزمه درهمان عملاً بالعرف لا العمل باللغة، والمعني هنا اللهم اجعل بالمدينة مثلي (ما جعلت بمكة من البركة) أي الدنيوية بقرينة قوله في الحديث الآخر ((اللهم بارك لنا في صاعنا ومدنا)) فلا يقال: إن مقتضى إطلاق البركة أن يكون ثواب صلاة المدينة ضعفي ثواب الصلاة بمكة، أو المراد عموم البركة لكن خصت الصلاة ونحوها بدليل خارجي، واستدل به على تفضيل المدينة على مكة وهو ظاهر من هذه الجهة لكن لا يلزم من حصول أفضلية المفضول في شيء من الأشياء ثبوت الأفضلية على الإطلاق، وتكرير الدعاء في حق الشام واليمن بقوله: اللهم بارك لنا في شامنا ويمننا، للتأكيد والتأكيد لا يستلزم التكثير المصرح به في حديث الباب فلا يصح مناقضة الاستدلال المذكور بتكرير الدعاء للشام واليمن. قال الأبي: ومعني ((ضعفي ما بمكة)) أن المراد ما أشبع بغير مكة رجلاً أشبع بمكة رجلين وبالمدينة ثلاثة، فالأظهر في الحديث أن البركة إنما هي في الاقتيات، وقال النووي: في نفس المكيل بحيث يكفى المد فيها من لا يكفيه في غيرها، وهذا أمر محسوس عند من سكنها (متفق عليه) أخرجاه في الحج، وأخرجه أيضًا أحمد، وفي الباب عن علي بلفظ ((اللهم إن إبراهيم كان عبدك وخليلك ودعا لأهل مكة بالبركة وأنا عبدك ورسولك أدعو لأهل المدينة أن تبارك لهم في مدهم وصاعهم مثلي ما باركت لأهل مكة مع البركة بركتين)) (أي أدعوك أن تضاعف لهم البركة ضعفي ما باركته لأهل مكة بدعاء إبراهيم) أخرجه أحمد (ج 1: ص 115، 116) والترمذي في فضل المدينة من المناقب والطبراني في الأوسط.

2780-

قوله (وعن رجل من آل الخطاب) بفتح الخاء المعجمة وتشديد الطاء المهملة على ما في نسخ المشكاة، وكتب ميرك على الهامش ((آل حاطب)) بالحاء المهملة وكسر الطاء ووضع عليه الظاهر وكتب تحته كذا في الترغيب للمنذري ذكره القاري. قلت: قد وقع الاضطراب في سند هذا الحديث فرواه العقيلي وكذا البيهقي في الشعب بلفظ ((عن رجل من آل الخطاب)) ورواه أبو داود الطيالسي ومن طريقه البيهقي في السنن بلفظ ((عن رجل من آل عمر عن عمر)) ورواه البخاري في تاريخه والدارقطني في سننه بلفظ ((عن رجل من ولد حاطب)) وفي رواية ((من آل حاطب)) ثم الرجل المبهم بعضهم يسنده عن عمر كما في رواية البيهقي من طريق أبي داود الطيالسي وبعضهم يسنده عن حاطب وهو عند الدارقطني وبعضهم يرسله ولا يسنده لا عن حاطب ولا عن عمر وهو الذي ذكره البخاري والعقيلي، ورواية العقيلي بلفظ ((عن

ص: 553

" من زارني متعمدًا كان في جواري يوم القيامة، ومن سكن المدينة وصبر على بلائها كنت له شهيدًا وشفيعًا يوم القيامة، ومن مات في أحد الحرمين بعثه الله من الآمنين يوم القيامة ".

2781 – (29) وعن ابن عمر مرفوعًا: " من حج فزار قبري بعد موتي، كان كمن زارني في حياتي ".

ــ

رجل من آل الخطاب)) توافق رواية الطيالسي عن رجل من آل عمر، وقيل ((الخطاب)) تصحيف من حاطب (من زارني) أي زيارة مشروعة (متعمدًا) أي لا يقصد غير زيارتي من الأمور التي تقصد في إتيان المدينة من التجارة وغيرها فالمعنى لا يكون مشوبًا بسمعة ورياء وأغراض فاسدة بل يكون عن احتساب وإخلاص ثواب (كان في جواري) بكسر الجيم أي في مجاورتي (ومن سكن المدينة) أي أقام أو استوطن بها (وصبر على بلائها) من حرها وضيق عيشها وفتنة من يسكنها من الروافض وغيرهم من أهل البدع التي فيها نظير ما كان يقع للصحابة من منافقيها (كنت له شهيدًا) أي لطاعته (وشفيعًا) لمعصيته. قال القاري: ويحتمل أن تكون الواو بمعني أو (ومن مات في أحد الحرمين) أي مؤمنًا (بعثه الله من الآمنين يوم القيامة) أي من الفزع الأكبر أو من كل كدورة، وفي الحديث دليل على فضل زيارة النبي صلى الله عليه وسلم وفضل سكنى المدينة وفضل الموت في أحد الحرمين، واستدل به على ندب السفر وشد الرحل لزيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم وسيأتي الكلام على هذا في شرح الحديث التالي.

2781 -

قوله (من حج فزار قبري بعد موتي) وفي رواية بعد وفاتي. قال القاري: الفاء التعقيبية دالة على أن الأنسب أن تكون الزيارة بعد الحج كما هو مقتضى القواعد الشرعية من تقديم الفرض على السنة، وقد روى الحسن عن أبي حنيفة تفصيلاً حسنًا وهو أنه إن كان الحج فرضًا فالأحسن للحاج أن يبدأ بالحج ثم يثنى بالزيارة، وإن بدأ بالزيارة جاز، وإن كان الحج نفلاً فهو بالخيار فيبدأ بأيهما شاء - انتهى. والأظهر أن الابتداء بالحج أولى لإطلاق الحديث ولتقديم حق الله على حقه صلى الله عليه وسلم؛ ولذا تقدم تحية المسجد النبوي على زيارة مشهده صلى الله عليه وسلم انتهى كلام القاري. قلت: وما نقل عن بعض السلف من الصحابة والتابعين أنهم كانوا يبدؤن بالمدينة قبل مكة إذا حجوا ففيه أنهم عللوا ذلك بالإهلال من ميقات النبي صلى الله عليه وسلم لقولهم ((نهل من حديث أحرم رسول الله صلى الله عليه وسلم)) ولم يعللوه بما توهم من توهم أن ذلك إنما كان لأجل زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم وإن اتفق معها قصد عبادات أخرى فهو مغمور بالنسبة إليها، فلا دلالة في فعلهم على فضل الابتداء بالمدينة على مكة ولا على أن الابتداء بالمدينة كان لقصد الزيارة (كان كمن زارني في حياتي) في الحديث دليل على فضيلة زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم ولا خلاف فيه بل هو أمر مجمع عليه، واستدل به السبكي ومن وافقه على استحباب السفر لمجرد زيارة مشهده صلى الله عليه وسلم، قيل لأن الزيارة شاملة للسفر فإنها تستدعي الانتقال من مكان الزائر إلى مكان المزور وإذا كانت الزيارة قربة كان السفر إليها قربة، وفيه أنه سلمنا أن الزيارة مطلقة شاملة للسفر

ص: 554

رواهما البيهقي في شعب الإيمان.

ــ

ولكن قوله صلى الله عليه وسلم: لا تشدوا الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد، إلخ. مقيد لذلك الإطلاق، على أن لفظ الزيارة مجمل كالصلاة والزكاة فإن كل زيارة قبر ليست قربة بالإجماع للقطع بأن الزيارة الشركية والبدعية غير جائزة فلما زار النبي صلى الله عليه وسلم القبور وقع ذلك الفعل بيانًا لمجمل الزيارة ولم يثبت السفر لزيارة القبر من فعله صلى الله عليه وسلم وكذلك الصلاة والذكر شاملان للصلوات المبتدعة والأذكار المحدثة فلو سوغ الاستدلال بمثل تلك الإطلاقات للزم جواز الصلوات والأذكار المبتدعة المحدثة وهذا كله مبني على أن حديث ابن عمر هذا والذي قبله ثابتان صالحان للاستدلال والاحتجاج أو الاستشهاد ودون ذلك خرط القتاد كما ستعرف (رواهما) أي الحديثين السابقين (البيهقي في شعب الإيمان) وروى الحديث الثاني في السنن الكبري أيضًا (ج 5: ص 246) وفي الباب روايات أخرى ذكرها السبكي في شفاء السقام وكلها ضعيفة وفضائل الزيادة مشهورة ومن أنكرها إنما أنكر ما فيها من بدع وخرافات وأمور شركية أو أنكر السفر وإعمال المطي للزيارة لا نفس الزيارة والحديث الأول أخرجه أيضًا العقيلي والدارقطني (ص 279، 280) والبيهقي في السنن والطيالسي وغيرهم بألفاظ مختصرًا ومطولاً وإسناده مجهول كما قال البيهقي مضطرب اضطراباً شديداً في متنه وسنده كما بينه العلامة ابن عبد الهادي واه جدًا لا يصلح للاحتجاج ومداره على هارون بن قزعة وهو مجهول وشيخه رجل من آل الخطاب أيضًا مجهول والتفصيل في ((الصارم المنكي في الرد على السبكي)) للعلامة الحافظ ابن عبد الهادي الحنبلي المقدسي، وفي ((صيانة الإنسان عن وسوسة الشيخ دحلان)) للعلامة الشيخ محمد بشير المحدث السهسواني فعليك أن تراجعهما. والحديث الثاني وهو حديث ابن عمر أخرجه أيضًا أبو يعلى والدارقطني وابن عدي والطبراني وابن عساكر وفي سنده حفص بن أبي داود سليمان الأسدي القاري وليث بن أبي سليم وفي بعض طرقه الحسن بن طيب وأحمد بن رشدين وكلهم ضعفاء مجروحون وبعضهم متروكون وضاعون. قال الإمام ابن عبد الهادي في الصارم صلى الله عليه وسلم (52) : اعلم أن هذا الحديث لا يجوز الاحتجاج به ولا يصلح الاعتماد على مثله فإنه حديث منكر المتن ساقط الإسناد لم يصححه أحد من الحفاظ ولم يحتج به أحد من الأئمة بل ضعفوه وطعنوا فيه وذكر بعضهم أنه من الأحاديث الموضوعة والأخبار المكذوبة. قال: والحديث منكر جدًا – انتهى. وحفص بن سليمان المذكور ضعفه الأئمة وتركوه واتهمه بعضهم فقال أحمد ومسلم: هو متروك الحديث. وقال البخاري: تركوه. وقال علي بن المديني: ضعيف الحديث وتركته على عمد. وقال النسائي: ليس بثقة ولا يكتب حديثه، وقال مرة: متروك الحديث. وقال ابن أبي حاتم: سألت أبي عنه فقال: لا يكتب حديثه، وهو ضعيف الحديث، لا يصدق، متروك. وقال ابن خراش: كذاب، متروك، يضع الحديث، وقال الحاكم أبو أحمد: ذاهب الحديث، وروى ابن عدي من طريق الساجي عن أحمد بن محمد البغدادي قال: سمعت يحيى بن معين يقول: كان حفص بن سليمان كذابًا. وقال أبو بشر الدولابي في كتاب الضعفاء والمتروكين:

ص: 555

2782 – (30) وعن يحيى بن سعيد، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان

ــ

حفص بن سليمان متروك الحديث، وقال البيهقي: تفرد به حفص وهو ضعيف في رواية الحديث. وليث بن أبي سليم مضطرب الحديث ضعفه يحيى بن معين والنسائي وغيرهما، وقد اختلط أخيرًا ولم يتميز حديث فترك، وأما الحسن بن الطيب البلخي فضعفه النسائي وغيره، وكذبه مطين. وأما أحمد بن رشدين فقال ابن عدي: كذبوه فإن قيل: قد روى هذا الحديث من غير رواية حفص بن سليمان عن ليث بن أبي سليم، ولو ثبت ضعف حفص بن سليمان فإنه لم ينفرد بهذا الحديث، وقول البيهقي أنه تفرد به بحسب ما اطلع عليه وقد جاء في معجم الطبراني الكبير والأوسط متابعته. فقد قال الطبراني: حدثنا أحمد بن رشدين حدثنا علي بن الحسين بن هارون الأنصاري حدثنا الليث بن بنت الليث بن أبي سليم قال حدثتني جدتي عائشة بنت يونس امرأة الليث بن أبي سليم عن مجاهد عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من زار قبري بعد موتي كان كمن زارني في حياتي ". فالجواب أن يقال: ليس هذا الإسناد بشيء يعتمد عليه ولا هو مما يرجع إليه بل هو إسناد مظلم ضعيف جدًا لأنه مشتمل على ضعيف لا يجوز الاحتجاج به ومجهول لم يعرف من حاله ما يوجب قبول خبره وابن رشدين شيخ الطبراني قد تكلموا فيه وعلي بن الحسين الأنصاري ليس هو ممن يحتج بحديثه والليث ابن بنت الليث بن أبي سليم وجدته عائشة مجهولان لم يشتهر من حالهما عند أهل العلم ما يوجب قبول روايتهما ولا يعرف لهما ذكر في غير هذا الحديث وليث بن أبي سليم قد تقدم ما فيه من الكلام، والحاصل أن هذا المتابع الذي ذكر من رواية الطبراني لا يرتفع به الحديث عن درجة الضعف والسقوط ولا ينهض إلى رتبة تقتضي الاعتبار والاستشهاد لظلمة إسناده وجهالة رواته وضعف بعضهم واختلاطه واضطراب إسناده، ولو كان الإسناد إلى ليث بن أبي سليم صحيحًا لكان فيه ما فيه فكيف والطريق إليه ظلمات بعضها فوق بعض، كذا في الصارم المنكي (ص 62، 63) وقال الحافظ في التلخيص (ص 221) بعد ذكر تخريج هذا الحديث وتفصيل طرقه والكلام في أسانيده وبيان ما وقع فيه من الاختلاف في متنه وسنده ما نصه: فائدة: طرق هذا الحديث كلها ضعيفة لكن صححه من حديث ابن عمر أبو علي بن السكن في إيراده إياه في أثناء الصحاح له وعبد الحق في الأحكام في سكوته عنه، والشيخ تقى الدين السبكي من المتأخرين باعتبار مجموع الطرق – انتهى. قلت: ومن وقف على ما في سند حديث ابن عمر من الكلام لا يخفى عليه ما في صنيع ابن السكن وعبد الحق من التساهل والإهمال، وأما تصحيح السبكي إياه باعتبار مجموع الطرق فقد ناقشه في ذلك ابن عبد الهادي حديثًا حديثًا وبين ما في كلامه من الخطأ والتعسف والزيغ والفساد من: أحب الوقوف على ذلك وعلى اختلاف العلماء في مسألة زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم رجع إلى الصارم المنكي.

2782 – قوله (وعن يحيى بن سعيد) الأنصاري التابعي قد تقدم ترجمته في الجنائز (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان) وفي

ص: 556

جالسًا وقبر يحفر بالمدينة، فاطلع رجل في القبر فقال: بئس مضجع المؤمن. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " بئس ما قلت ". قال الرجل إني لم أرد هذا إنما أردت القتل في سبيل الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا مثل القتل

ــ

الموطأ ((قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم)) قال ابن عبد البر: هذا الحديث لا أحفظه مسندًا ولكن معناه موجود من رواية مالك وغيره (جالساً) أي في المقبرة (وقبر) الواو حالية (يحفر لميت (بالمدينة) كذا في النسخ المصرية للموطأ ووقع في الهندية ((في المدينة)) وكلام الزرقاني يشير إلى أن الأولى رواية يحيى حيث قال: ولابن وضاح ((في المدينة)) انتهى. قال الباجي: يحتمل أن يكون قصد ذلك لمواصلة من كان القبر يحفر بسببه أو لفضل المقبور فيه ودينه أو للاتعاظ به، ويحتمل أن يكون جلس لغير ذلك فصادف حفر القبر – انتهى. قلت: والظاهر هو الأول، والله أعلم (فاطلع) بتشديد الطاء أي نظر (رجل في القبر فقال) أي الرجل المطلع (بئس مضجع المؤمن) بفتح الميم والجيم بينهما ضاد معجمة موضع الضجوع جمعه مضاجع. قال القاري: مضجع المؤمن بفتح الجيم مرقده ومدفنه. قال الطيبي: أي هذا القبر يعني المخصوص بالذم محذوف، والمعني كون المؤمن يضجع بعد موته في مثل هذا المكان ليس محمودًا – انتهى. وقال الباجي: قول المطلع ((بئس مضجع المؤمن)) يحتمل ظاهر اللفظ أن يريد بذلك المكان وقد يتأوله على ذلك من يسمعه منه فلو أقره النبي صلى الله عليه وسلم لاعتقد بعض السامعين له أن النبي صلى الله عليه وسلم قد أقره على قوله إن المدينة المنورة بئس مضجع المؤمن - انتهى. (بئس ما قلت) أي حيث أطلقت الذم على مضجع المؤمن مع أن قبره روضة من رياض الجنة (إني لم أرد) بصيغة المتكلم من الإرادة من باب الإفعال (هذا) أي ذم القبر، وقال القاري: أي هذا المعنى أو هذا الإطلاق (إنما أردت القتل في سبيل الله) أي أردت أن الشهادة في سبيل الله أفضل من الموت على الفراش. قال الباجي قوله ((بئس ما قلت)) يحتمل إما أنه قد أراد عيب القبر وتفضيل الشهادة لكن اللفظ لما كان فيه من الاحتمال ما ذكرناه أنكر عليه اللفظ دون المعنى، ويحتمل أن يكون على هذا الوجه أنكر عليه اللفظ والمعنى لأنه لا يجوز أيضًا أن يقول في القبر: بئس مضجع المؤمن. لأنه له روضة من رياض الجنة وسبب إلى الرحمة والدرجة الرفيعة وإنما يجب أن يقول إن الشهادة أفضل من هذا فإذا كان الأمران فاضلين وأحدهما أفضل من الآخر وجب أن يقال هذا أفضل من هذا ولا يجوز أن يقال في المفضول بئس هذا الأمر، وأما المعنى الثاني فأن يكون النبي صلى الله عليه وسلم اعتقد أنه أراد بذلك ذم الدفن بالمدينة ولذلك لم ينكر على القائل إذ قال: لم أرد هذا يا رسول الله. وإنما أردت القتل في سبيل الله. ولو كان فهم منه هذا لكان الأظهر أن يقول له قد فهمت مرادك ولكن هو مع ذلك خطأ فإنك قد جئت بلفظ مشترك أو عبت المفضول مع فضله (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم) تقريرًا لمراده (لا مثل القتل) بالنصب أي ليس شيء مثل القتل

ص: 557

في سبيل الله، ما على الأرض بقعة أحب إليَّ أن يكون قبري بها منها ".

ــ

(في سبيل الله) في الثواب والفضل ولكن للدفن بالمدينة مزيد الفضل، وقوله لا مثل القتل كذا في جميع نسخ المشكاة أي بالإضافة، وفي الموطأ لا مثل للقتل. ثم ذكر صلى الله عليه وسلم فضيلة من يموت ويدفن في المدينة سواء يكون بشهادة أو غيرها فقال (ما على الأرض بقعة) بضم الموحدة في الأكثر فيجمع على بقع كغرفة وغرف وتفتح فتجمع على بقاع مثل كلبة وكلاب أي قطعة (أحب) بالرفع وقيل بالنصب وفي الموطأ ((هي أحب)) (أن يكون قبري بها) أي بتلك البقعة (منها) أي من المدينة. قال الباجي: ظاهره تفضيل المدينة على ما سواها من الأرض ولذلك أحب أن يكون قبره بها وهذا يقتضي أنه أحب أن يكون قبره بها دون مكة، وقد قيل إن ذلك لمعنى الهجرة، قال الباجي: وليس عندي بالبين لأنه لو كان كذلك لم يلعق الحكم بالبقعة ولعلقه بالهجرة والله أعلم. وهذا في حال الإخبار وليس فيه دليل على أنه فضل أن يكون قبره بالمدينة على القتل في سبيل الله على صفة لا يقبر فيها - انتهى. وقال القاري: قد أجمع العلماء على أن الموت بالمدينة أفضل بعد اختلافهم أن المجاورة بمكة أفضل أو بالمدينة، ولهذا كان من دعاء عمر رضي الله عنه ((اللهم ارزقني شهادة في سبيلك واجعل موتي ببلد رسولك)) أخرجه البخاري. وقال الطيبي: معنى قوله ((إني لم أرد هذا)) إلخ. أني ما أردت أن القبر بئس مضجع المؤمن مطلقًا بل أردت أن موت المؤمن في الغربة شهيدًا خير من موته في فراشه وبلده وأجاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله لا مثل القتل، أي ليس الموت بالمدينة مثل القتل في سبيل الله أي الموت في الغربة بل هو أفضل وأكمل، فوضع قوله ما على الأرض بقعة، إلخ. موضع قوله بل هو أفضل وأكمل فإذا لا بمعنى ليس واسمه محذوف والقتل خبره - انتهى. قال القاري: هو بظاهره يخالف ما عليه الإجماع من أن الشهادة في سبيل الله أفضل من مجرد الموت بالمدينة، بل تقدم في الحديث ما يدل على أن الموت في الغربة أفضل من الموت بالمدينة فتكون الفضيلة الكاملة أن يجمع له ثواب الغربة والشهادة بالدفن بالمدينة -انتهى. قلت: أراد القاري بقوله بل تقدم في الحديث، إلخ. ما مر في أوائل الجنائز من حديث عبد الله بن عمرو قال: توفي رجل بالمدينة ممن ولد بها فصلى عليه النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا ليته مات بغير مولده، قالوا: ولم ذاك يا رسول الله؟ قال: " إن الرجل إذا مات بغير مولده قيس له من مولده إلى منقطع أثره في الجنة ". وتقدم أيضًا ما رواه ابن عباس مرفوعًا: ((موت غربة شهادة)) وحديث عبد الله بن عمرو بظاهره يخالف الحديث الذي نحن في شرحه ولذا قال القاري في تأويله: ظاهره تخصيص أهل المدينة من عموم ما اتفق عليه العلماء من أن الموت بالمدينة أفضل من مكة مع اختلافهم في أفضلية المجاورة فيهما - انتهى. وقال الشيخ سلام الله الدهلوي في المحلي شرح الموطأ: قوله ((لا مثل للقتل)) أي ليس الموت في المدينة مثل القتل في سبيل الله بل هو أفضل، وقوله ما على الأرض، إلخ. دليل على الأفضلية هكذا فسر الطيبي فعلم منه أن الموت والدفن فيها أفضل من الشهادة. قال

ص: 558

ثلاث مرات. رواه مالك مرسلاً.

2783 – (31) وعن ابن عباس، قال: قال عمر بن الخطاب: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو بوادي العقيق

ــ

جدي الشيخ الأجل الدهلوي: وقد يختلج أن الظاهر على هذا التقدير أن يقال ليس القتل في سبيل الله مثل الموت في المدينة، ويحتمل أن يكون معناه نعم ليس الموت بالمدينة مثل القتل في سبيل الله بل القتل أفضل ولكن إن لم يرزق الشهادة فالموت بالمدينة والقبر فيها أفضل من الموت في سائر البلاد، وهذا احتمال لفظي، ولا شك أن المعنى الأول أبلغ وأدخل في فضيلة المدينة - انتهى. قال الشيخ سلام الله: ويشهد لما قاله الشيخ إيراد الإمام مالك هذا الحديث في أبواب فضائل الجهاد ولو كان المعنى كما فسره الطيبي كان ينبغي إيراده في أبواب فضائل المدينة في آخر الكتاب – انتهى. هذا وقد ظهر بما ذكرنا من كلام الباجي والقاري والطيبي وصاحب المحلى أن ها هنا ثلاثة مسائل متقاربة يمكن أن تلتبس على القارئ، الأولى أن القتل في سبيل الله أفضل من الموت بالمدينة عند الجمهور وقد ادعى القاري الإجماع على ذلك خلافًا لما يدل عليه كلام الطيبي من أن الموت والدفن في المدينة أفضل من الشهادة. والثانية أن الموت بالمدينة أفضل من الموت في الغربة كما هو نص آخر حديث الباب. والثالث أنه قد استدل بعضهم بحديث الباب على أفضلية المدينة على مكة وقد تقدم بيان الخلاف في ذلك. قال القاري: ليس في الحديث دلالة على أفضلية المدينة بل لأفضلية البقعة المكينة، وقد قام الإجماع على أنها أفضل من مكة (ثلاث مرات) قال القاري: ظرف لجميع المقول الثاني أو للفصل الثاني من الكلام – انتهى. قال الباجي: وإنما قال ذلك ثلاث مرات لما علم من حاله أنه كان إذا قال قولاً كرره ثلاثًا يريد بذلك الإفهام والبيان – انتهى، وفي الحديث حضوره صلى الله عليه وسلم الجنائز وحفر القبر والدفن للموعظة والاعتبار ورقة القلب ليتأسى به فيه ويكون سنة بعده وأن الكلام يحمل على ظاهره فيحمد على حسنه ويلام على ضده حتى يعلم مراد قائله فيحمل عليه دون ظاهره، قاله الزرقاني (رواه مالك) في الجهاد (مرسلاً) لأنه روى عن يحيى بن سعيد الأنصاري وهو من التابعين، وإذا حذف التابعي ذكر الصحابي يسمى الحديث مرسلاً. وقد تقدم أن ابن عبد البر قال: هذا الحديث لا أحفظه مسنداً ولكن معناه موجود من رواية مالك وغيره.

2783-

قوله (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بوادي العقيق) كذا في المشكاة وجامع الأصول والمنتقى، وهكذا عند أحمد، ولفظ البخاري في الحج ((سمعت النبي صلى الله عليه وسلم بوادي العقيق)) أي بدون لفظة هو. قال العيني: قوله بوادي العقيق حال والباء بمعنى في – انتهى. والمراد بالعقيق هنا الموضع القريب من ذي الحليفة، بينه وبين المدينة أربعة أميال وهناك أعقة أخرى غير هذا. منها العقيق الذي بحذاء ذات عرق ميقات أهل المشرق، وقد تقدم ذكره في

ص: 559

يقول: أتاني الليلة آت من ربي فقال: صل في هذا الوادي المبارك. وقل: عمرة في حجة ".

ــ

المواقيت. وقال الشيخ أحمد شاكر في شرح المسند: العقيق ها هنا أي في حديث عمر هو الذي ببطن وادي ذي الحليفة وهو الأقرب منها كما قال ياقوت في معجم البلدان وكما فسره الوليد بن مسلم هنا (حيث قال أحمد بعد تمام الحديث قال الوليد بن مسلم يعني ذا الحليفة) ووهم ابن الأثير في النهاية فجعله العقيق الذي بالمدينة – انتهى. (آت) فاعل أتي وأصله آتي فأعل إعلال قاض، وهو جبريل. قال العيني: صرح في رواية البيهقي أنه جبريل عليه الصلاة والسلام (من ربي) أي جاءني البارحة من عنده (صل) أمر بالصلاة. قال الكرماني: ظاهره أن هذه الصلاة صلاة الإحرام، وقيل كانت صلاة الصبح والأول أظهر (في هذا الوادي المبارك) يعني وادي العقيق (وقل عمرة في حجة) برفع عمرة في أكثر الروايات وبنصبها في بعضها، أما وجه الرفع فعلى أنه خبر مبتدأ محذوف والتقدير: قل هذه عمرة في حجة وأما وجه النصب فبإضمار فعل تقديره ((قل جعلت عمرة في حجة)) وقوله ((في)) بمعنى مع كأنه قال عمرة معها حجة، فيكون دليلاً على أنه صلى الله عليه وسلم كان قارنًا، وأبعد من قال: معناه عمرة مدرجة في حجة أي إن عمل العمرة يدخل في عمل الحج فيجزئ لهما طواف واحد، وكذا أبعد من قال معناه: أنه يعتمر في تلك السنة إذا فرغ من حجته قبل أن يرجع إلى منزله. وهذا أبعد من الذي قبله لأنه صلى الله عليه وسلم لم يفعل ذلك. وقال الطبري: يحتمل أن يكون أمر أن بقول ذلك لأصحابه ليعلمهم مشروعية القران، والمعنى ((قل ذلك لأصحابك)) أي أعلمهم أن القران جائز، وهو كقوله: دخلت العمرة في الحج. واعترضه ابن المنير فقال: ليس نظيره لأن قوله ((دخلت)) إلخ. تأسيس قاعدة وقوله ((عمرة في حجة)) بالتنكير يستدعي الوحدة، وهو إشارة إلى الفعل الواقع من القران إذ ذاك. قال الحافظ: ويؤيده ما في كتاب الاعتصام بلفظ ((عمرة وحجة)) بواو العطف، وفي الحديث فضل العقيق لفضل المدينة وفيه فضل الصلاة فيه ومطلوبيتها عند الإحرام لا سيما في هذا الوادي المبارك وهو مذهب العلماء كافة إلا ما روي عن الحسن البصري فإنه استحب كونها بعد فرض، وقال الطبري: ومعنى الحديث الإعلام بفضل المكان لا إيجاب الصلاة فيه لقيام الإجماع على أن الصلاة في هذا الوادي ليست بفرض قال: فبان بذلك أن أمره بالصلاة فيه نظير حثه لأمته على الصلاة في مسجده ومسجد قباء، قال العيني: الصلاة بركعتين من سنة الإحرام لأنه صلى الله عليه وسلم أمر بذلك أمر إرشاد وأنه صلى ركعتين. وفيه أفضلية القران والدلالة على وجوده وعلى أن النبي صلى الله عليه وسلم كان قارنًا في حجة الوداع وذلك لأنه أمر أن يقول عمرة في حجة، فيكون مأمورًا بأنه يجمع بينهما من الميقات وهذا هو عين القران، فإذا كان مأمورًا به استحال أن يكون حجه خلاف ما أمر به، فإن قلت: لا يدل ذلك على أن أفضلية القران ولا على كون النبي صلى الله عليه وسلم قارنًا؛ لأنه جاء في رواية أخرى ((قل عمرة وحجة)) ففصل بينهما بالواو فحينئذ يحتمل أن يريد أن يحرم بعمرة إذا فرغ

ص: 560

وفي رواية: " وقل عمرة وحجة ". رواه البخاري.

ــ

من حجته قبل أن يرجع إلى منزله فكأنه قال: إذا حججت فقل ((لبيك بعمرة)) وتكون في حجتك التي حججت فيها أو يكون محمولاً على معنى تحصيلهما معًا. قلت: رواية البخاري وغيره: ((قل عمرة في حجة)) وهذه هي الصحيحة وهي تدل على أنه صلى الله عليه وسلم أمر أن يجعل العمرة في الحجة صفة وهي القران والرواية التي بواو العطف تدل على ما قلنا أيضًا لأن الواو لمطلق الجمع والجمع بين الحج والعمرة هو القران فيدل أيضًا على أنه صلى الله عليه وسلم كان قارنًا، وما ذكروه من الاحتمال بعيد، وصرف اللفظ إلى غير مدلوله فلا يقبل، كذا في العمدة للعيني. وذكر الحافظ أن البيهقي أجاب عن حديث عمر نصرة لمن قال إنه صلى الله عليه وسلم كان مفردًا: بأن جماعة رووه بلفظ ((صل في هذا الوادي، وقال عمرة في حجة)) قال: وهؤلاء أكثر عددًا ممن رواه ((وقل عمرة في حجة)) فيكون إذنًا في القران لا أمرًا النبي صلى الله عليه وسلم في حال نفسه - انتهى. قال الشوكاني: وظاهر حديث عمر هذا أن حجه صلى الله عليه وسلم القران كان بأمر من الله فكيف يقول صلى الله عليه وسلم: لو استقبلت من أمري ما استدبرت لجعلتها عمرة؟ فينظر في هذا فإن أجيب بأنه إنما قال ذلك تطيبًا لخواطر أصحابه فقد تقدم أنه تغرير لا يليق نسبة مثله إلى الشارع - انتهى. قلت: قد بسط الإمام ابن القيم الكلام في ترجيح القران وأحسن في تقرير الجواب عن الإشكال المذكور فارجع إلى زاد المعاد (ج 1: ص 196)(وفي رواية) للبخاري في كتاب الاعتصام (وقل عمرة وحجة) بواو العطف وبالرفع فيهما، وقد تقدم أن الواو لمطلق الجمع والجمع بين الحج والعمرة هو القران فهذه الرواية أيضًا تدل على أنه صلى الله عليه وسلم كان قارنًا. قال القاري: لما كان هذا الوادي بقرب المدينة وما حولها يدخل في فضلها ذكر المصنف هذا الحديث في هذا الباب، والله تعالى أعلم (رواه البخاري) في الحج وفي المزارعة وفي الاعتصام، وأخرجه أيضًا أحمد (ج 1: ص 24) وأبو داود وابن ماجة والبيهقي في الحج.

********

بعون الله وحسن توفيقه تم الجزء التاسع من مشكاة المصابيح مع شرحه مرعاة المفاتيح

ويليه الجزء العاشر إن شاء الله تعالى، وأوله

((كتاب البيوع))

ص: 561