الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(الفصل الثالث)
2751 – (12) عن أبي شريح العدوي، أنه قال لعمرو بن سعيد وهو يبعث البعوث إلى مكة:
ــ
لا يحفظ اسم صحابيه كما جاءت رواية رباح عنه وعبد الرزاق سلك الجادة فقال عن أبي سلمة عن أبي هريرة، ثم قال: وإذا تقرر ذلك علم أن لا أصل له من حديث أبي هريرة والله أعلم – انتهى. قلت: رواه عبد الرزاق في المصنف (ج 5: ص 27) عن معمر عن الزهري عن أبي سلمة موقوفًا عليه فيغلب على الظن أن الناسخ أسقط قوله ((عن أبي هريرة)) والله أعلم، والحديث روي نحوه عن عبد الله بن عمرو أيضًا كما ذكره التقي الفاسي في شفاء الغرام.
2751-
قوله (عن أبي شريح) بضم الشين المعجمة وفتح الراء وبالحاء المهملة (العدوي) بفتح العين والدال، قال الحافظ في كتاب الحج: كذا وقع هنا، وفيه نظر لأنه خزاعي من بني كعب بن ربيعة بن لحي بطن من خزاعة، ولهذا يقال له الكعبي أيضًا، وليس هو من بني عدي لا عدي قريش ولا عدي مضر، فلعله كان حليفًا لبني عدي بن كعب من قريش، وقيل في خزاعة بطن يقال لهم: بنو عدي، ثم قال في المغاري: كنت جوزت في الكلام على حديث الباب في الحج أنه من حلفاء بني عدي بن كعب، وذلك لأنني رأيته في طريق أخري الكعبي نسبة إلى بني كعب بن ربيعة بن عمرو بن لحي، ثم ظهر لي أنه نسب إلى بني عدي بن عمرو بن لحي، وهم أخوة كعب ويقع هذا في الأنساب كثيرًا ينسبون إلى أخي القبيلة، وأبو شريح هذا صحابي مشهور، اختلف في اسمه، فقيل خويلد بن عمرو، وقيل عمرو بن خويلد، وقيل كعب بن عمرو، وقيل هانئ بن عمرو، وقيل عبد الرحمن بن عمرو، وأصحها وأشهرها خويلد بن عمرو، وهو خويلد بن عمرو بن صخر بن عبد العزي بن معاوية بن المحترش بن عمرو بن مازن بن عدي بن عمرو بن ربيعة الخزاعي ثم الكعبي أسلم قبل فتح مكة وكان يحمل أحد ألوية بني كعب بن خزاعة يوم فتح مكة، روي له النبي صلى الله عليه وسلم عشرون حديثًا، اتفقا على حديثين وانفرد البخاري بحديث، وكان أبو شريح من عقلاء أهل المدينة سكن المدينة ومات بها سنة ثمان وستين (أنه قال لعمرو) بفتح العين (بن سعيد) أي ابن أبي العاص بن سعيد بن العاص بن أمية القرشي الأموي المعروف بالأشدق وليست له صحبة ولا كان من التابعين بإحسان وعرف بالأشدق لأنه صعد المنبر فبالغ في شتم علي رضي الله تعالى عنه فأصابه لقوة (وهو) أي عمرو (يبعث البعوث إلى مكة) جملة حالية والبعوث جمع بعث بمعنى مبعوث وهو من تسمية المفعول بالمصدر، والمراد به الجيش المجهز للقتال أي يرسل الجيوش إلى مكة لقتال عبد الله بن الزبير لكونه امتنع من مبايعة يزيد بن معاوية واعتصم بالحرم، وكان عمرو والي يزيد على المدينة، والقصة مشهورة وملخصها أن معاوية عهد بالخلافة بعده ليزيد بن معاوية فبايعه الناس إلا الحسين بن علي وابن الزبير، وأما عبد الرحمن بن أبي بكر فمات قبل موت معاوية، وأما عبد الله بن عمر فبايع ليزيد عقب موت أبيه، وأما الحسين بن علي فسار
ائذن لي أيها الأمير أحدثك قولاً قام به رسول الله صلى الله عليه وسلم الغد من يوم الفتح، سمعته أذناي ووعاه قلبي وأبصرته عيناي حين تكلم به، حمد الله وأثنى عليه ثم قال: " إن مكة حرمها الله ولم يحرمها الناس،
ــ
إلى الكوفة لاستدعائهم إياه ليبايعوه، فكان ذلك سبب قتله، وأما ابن الزبير فاعتصم، ويسمى عائذ البيت، وغلب على أمر مكة فكان يزيد بن معاوية يأمر أمراءه على المدينة أن يجهزوا إليه الجيوش، فكان آخر ذلك أن أهل المدينة اجتمعوا على خلع يزيد من الخلافة وكان عمرو بن سعيد هذا قد أمر على الجيش الذي جهزه إلى مكة عمرو بن الزبير، وكان معاديًا لأخيه عبد الله، وكان عمرو بن سعيد قد ولاه شرطته ثم أرسله إلى قتال أخيه فجاء مروان إلى عمرو بن سعيد فنهاه فامتنع، وجاء أبو شريح فذكر القصة، فلما نزل الجيش ذا طوى خرج إليهم جماعة من أهل مكة فهزموهم وأسر عمرو بن الزبير فسجنه أخوه بسجن عارم، وكان عمرو قد ضرب جماعة من أهل المدينة ممن اتهم بالميل إلى أخيه، فأقادهم عبد الله منه حتى مات عمرو من ذلك الضرب، تنبيه: وقع في السيرة لابن إسحاق ومغازي الواقدي أن المراجعة المذكورة وقعت بين أبي شريح وبين عمرو بن الزبير فإن كان محفوظًا احتمل أن يكون أبو شريح راجع الباعث والمبعوث والله أعلم، قاله الحافظ (إئذن) بهمزتين وفتح الذال، أمر من أذن يأذن، وتبدل همزته الثانية ياء لسكونها وانكسار ما قبلها فيقال: إيذن (أيها الأمير) أصله يا أيها الأمير، حذف منه حرف النداء، ويستفاد منه حسن التلطف في مخاطبة السلطان ليكون أدعى لقبوله النصيحة، وأن السلطان لا يخاطب إلا بعد استئذانه ولا سيما إذا كان في أمر يعترض به عليه فترك ذلك، والغلظة له قد يكون سببًا لإثارة نفسه ومعاندة من يخاطبه (أحدثك) بالجزم لأنه جواب الأمر (قولاً) مفعول ثان (قام به) صفة للقول والمقول هو حمد الله تعالى إلى آخره (الغد) بالنصب (من يوم الفتح) أي ثاني يوم الفتح يعني أنه خطب اليوم الثاني من فتح مكة (أذناي) هو فاعل سمعت وأصله أذنان لي، فلما أضيف إلى ياء المتكلم سقطت نون التثنية، وفيه إشارة إلى بيان حفظه له من جميع الوجوه، فقوله سمعته أي حملته عنه بغير واسطة، وذكر الأذنين للتأكيد، وقوله (وعاه قلبي) أي حفظه تحقيق لفهمه وتثبته، وقوله (وأبصرته عيناي) زيادة في تحقيق ذلك وأن سماعه منه ليس اعتمادًا على الصوت فقط بل مع المشاهدة والروية (حين تكلم به) أي بالقول المذكور و ((حين)) نصب على الظرف لسمعت ووعاه وأبصرت، ويؤخذ من قوله ((ووعاه قلبي)) أن العقل محله القلب (حمد الله) جملة استئنافية مبينة، وفي رواية ((أنه حمد الله)) قال الحافظ: هو بيان لقوله تكلم، ويؤخذ منه استحباب الثناء بين يدي تعليم العلم وتبيين الأحكام والخطبة في الأمور المهمة، وقد تقدم من رواية ابن اسحاق أنه قال فيها ((أما بعد)) (وأثنى عليه) عطف على حمد من قبيل عطف العام على الخاص (حرمها الله) جملة وقعت في محل الرفع لأنها خبر إن (ولم يحرمها الناس)
فلا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يسفك بها دمًا، ولا يعضد بها شجرة، فإن أحد ترخص بقتال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها، فقولوا له: إن الله قد أذن لرسوله ولم يؤذن لكم، وإنما أذن لي
ــ
بالضم أي إن تحريمها كان بوحي من الله لا من اصطلاح الناس (فلا يحل) الفاء فيه جواب شرط محذوف تقديره إذا كان كذلك فلا يحل (لامرئ) هذا اللفظ من النوادر حيث كانت عينه دائمًا تابعة للامه في الحركة (يؤمن بالله واليوم الآخر) اكتفى بطرفي المؤمن به عن بقيته قال الحافظ: فيه تنبيه على الامتثال لأن من آمن بالله لزمته طاعته ومن آمن باليوم الآخر لزمه امتثال ما أمر به واجتناب ما نهي عنه خوف الحساب عليه، وقد تعلق به من قال إن الكفار غير مخاطبين بفروع الشريعة، والصحيح عند الأكثر خلافه، وجوابهم بأن المؤمن هو الذي ينقاد للأحكام وينزجر عن المحرمات فجعل الكلام معه، وليس فيه نفي ذلك عن غيره، وقال ابن دقيق العيد: الذي أراه أنه من خطاب التهبيج نحو قوله تعالى {وعلى الله فتوكلوا إن كنتم مؤمنين} (سورة المائدة: الآية 26) فالمعنى استحلال هذا المنهي عنه لا يليق بمن يؤمن بالله واليوم الآخر بل ينافيه، فهذا هو المقتضى لذكر هذا الوصف، ولو قيل لا يحل لأحد مطلقًا لم يحصل منه هذا الغرض، وإن أفاد التحريم (أن يسفك) فاعل لا يحل وأن مصدرية، تقديره فلا يحل سفك دم، ويسفك بكسر الفاء على المشهور وحكي ضمها، ومعنى السفك إراقة الدم وصبه، والمراد به القتل، واستدل به على تحريم القتل والقتال بمكة، وتقدم البحث فيه في الكلام على حديث ابن عباس (بها) أي بمكة، والباء بمعنى في أي فيها كما هي رواية المستملي للبخاري (دمًا) مفعول ليسفك (ولا يعضد) بالنصب أيضًا لأنه عطف على يسفك والتقدير وأن لا يعضد، وزيدت لا لتأكيد معنى النفي، فمعناه لا يحل أن يعضد، ويعضد بكسر الضاد المعجمة بصيغة المعلوم. والضمير الذي فيه يرجع إلى امرئ أي ولا يقطع (بها) أي بمكة (شجرة) بالنصب مفعول يعضد، وفيه دليل على تحريم قطع شجر مكة وقد سبق الكلام في ذلك وتفصيل مذاهب الأئمة في شرح حديث ابن عباس (فإن) شرطية (أحد) فاعل فعل محذوف مضمر، والتقدير فإن ترخص أحد، ويفسره قوله (ترخص) وإنما حذف لئلا يجتمع المفسر والمفسر، وذلك كما في قوله تعالى:{وإن أحد من المشركين استجارك} (سورة التوبة الآية: 6) وقوله ((ترخص)) على وزن تفعل مشتق من الرخصة، وفي رواية ابن أبي ذئب عند أحمد ((فإن ترخص مترخص)) وهو المتكلف للرخصة (بقتال رسول الله صلى الله عليه وسلم) كذا في صحيح مسلم وفي البخاري ((لقتال رسول الله)) واللام فيه للتعليل، وهو متعلق بقوله ترخص (فقولوا) جواب الشرط فلذلك دخلت فيه الفاء (إن الله قد أذن) بكسر الذال أي أجاز (لرسوله ولم يأذن لكم) معناه إن قال أحد بأن ترك القتال عزيمة والقتال رخصة يتعاطى عند الحاجة مستدلاً بقتال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها فقولوا له: ليس الأمر كذلك، فإن الله أذن لرسوله صلى الله عليه وسلم ولم يأذن لكم (وإنما أذن لي) بفتح الهمزة وكسر الذال على بناء الفاعل، والضمير فيه يرجع إلى الله، ويروى يضم الهمزة على البناء للمجهول، وفي قوله ((لي)) التفات، لأن نسق الكلام
ساعة من نهار، وقد عادت حرمتها اليوم كحرمتها بالأمس، وليبلغ الشاهد الغائب ". فقيل لأبي شريح: ما قال لك عمرو؟ قال: قال: أنا أعلم بذلك منك يا أبا شريح! إن الحرم لا يعيذ عاصيًا ولا فارًا بدم ولا فارًا بخربة.
ــ
((وإنما أذن له)) أي لرسوله، قاله الحافظ. وقال العيني: وإنما التفت ثانيًا بقوله ((وإنما أذن لي)) ولم يقل ((أذن له)) بيانًا لاختصاصه بذلك بالإضافة إلى ضميره كما في قول امرئ القيس:
وذلك من نبأ جاءني _
…
وخبرته عن أبي الأسود
(ساعة من نهار) قد مضى في شرح حديث ابن عباس أن مقدار هذه الساعة ما بين طلوع الشمس وصلاة العصر، وكان قتل من قتل بإذن النبي صلى الله عليه وسلم كابن خطل وقع في هذا الوقت الذي أبيح فيه القتال للنبي صلى الله عليه وسلم، والمأذون له فيه القتال لا قطع الشجر، فليس في الحديث ما يدل على إباحة عضد الشجر لرسول الله صلى الله عليه وسلم في تلك الساعة (وقد عادت حرمتها) أي الحكم الذي في مقابلة إباحة القتال المستفاد من لفظ الإذن (اليوم كحرمتها بالأمس) المراد باليوم الزمن الحاضر وبالأمس أي الأمس من يوم الفتح. وقال السندي: الظاهر أن المراد وقد عادت حرمتها بعد تلك الساعة كحرمتها قبل تلك الساعة - انتهى. ولم يبين غاية الحرمة هنا، وقد بينها في رواية ابن أبي ذئب المذكورة بقوله ((ثم هي حرام إلى يوم القيامة)) وكذا في حديث ابن عباس السابق بقوله ((فهي حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة)) (وليبلغ) بسكون اللام وكسرها وتشديد اللام الثانية ويجوز تخفيفها أي يوصل (الشاهد) بالرفع (الغائب) بالنصب، قال ابن جرير: فيه دليل على جواز قبول خير الواحد لأنه معلوم أن كل من شهد الخطبة قد لزمه الإبلاغ وأنه لم يأمرهم بإبلاغ الغائب عنهم إلا وهو لازم له فرض العمل بما أبلغه كالذي لزم السامع سواء وإلا لم يكن للأمر بالتبليغ فائدة (فقيل لأبي شريح) لم يدر اسم القائل. وظاهر رواية ابن إسحاق أنه بعض قومه من خزاعة (ما قال لك عمرو؟) أي في جوابك (قال) أي أبو شريح (قال) أي عمرو (أنا أعلم بذلك) أي بالمذكور من قول أبي شريح: أن مكة حرمها الله تعالى، إلخ (منك يا أبا شريح) بإظهار الهمزة ويجوز حذفها للتخفيف فيقال يابا شريح (إن الحرم) أي حرم مكة (لا يعيذ) بالذال المعجمة أي لا يجير ولا يعصم (ولا فارًا بدم) بالفاء وتثقيل الراء من الفرار وهو عطف على ((عاصيًا)) والباء في ((بدم)) للمصاحبة، أي مصاحبًا بدم ومتلبسًا به يعني لا يجير هاربًا عليه دم يعتصم بمكة كيلا يقتص منه، قال الحافظ: المراد من وجب عليه حد القتل فهرب إلى مكة مستجيرًا بالحرم، وهي مسألة خلاف بين العلماء، وأغرب عمرو بن سعيد في سياقه الحكم مساق الدليل وفي تخصيصه العموم بلا مستند (ولا فارًا بخربة) عطف على ما قبله، والباء فيه للسببية وقوله ((بخربة)) بفتح الخاء المعجمة وسكون الراء بعدها باء موحدة وهي السرقة، كذا ثبت
متفق عليه. وفي البخاري: الخربة الجناية.
ــ
تفسيرها في رواية المستملي أعني في روايته: ولا فار بخربة يعني السرقة. وقال ابن بطال: الخربة بالضم الفساد وبالفتح السرقة. قال الحافظ: قد تصرف عمرو في الجواب وآتى بكلام ظاهره حق ولكن أراد به الباطل. قال ابن حزم: لا كرامة للطيم الشيطان أن يكون أعلم من صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأغرب ابن بطال فزعم أن سكوت أبي شريح عن جواب عمرو بن سعيد دال على أنه رجع إليه في التفصيل المذكور، ويعكر عليه ما وقع في رواية أحمد أنه قال في آخره: قال أبو شريح: فقلت لعمرو: قد كنت شاهدًا وكنت غائبًا وقد أمرنا أن يبلغ شاهدنا غائبنا وقد بلغت. فهذا يشعر بأنه لم يوافقه، وإنما ترك مشاققته لعجزه لما كان فيه من قوة الشوكة. وقال ابن بطال أيضًا: ليس قول عمرو جوابًا لأبي شريح لأنه لم يختلف معه في أن من أصاب حدًا في غير الحرم ثم لجأ إليه أنه يجوز إقامة الحد عليه في الحرم، فإن أبا شريح أنكر بعث عمرو الجيش إلى مكة ونصب الحرب عليها، فأحسن في استدلاله بالحديث، وحاد عمرو عن جوابه وأجابه عن غير سؤاله، وتعقبه الطيبي بأنه لم يحد في جوابه وإنما أجاب بما يقتضي القول بالموجب، كأنه قال له صح سماعك وحفظك لكن المعنى المراد من الحديث الذي ذكرته خلاف ما فهمته منه، فإن ذلك الترخص كان لسبب الفتح وليس بسبب قتل من استحق القتل خارج الحرم ثم استجار بالحرم، والذي أنا فيه من القبيل الثاني. قلت (قائله الحافظ) : لكنها دعوى من عمرو بغير دليل، لأن ابن الزبير لم يجب عليه حد فعاذ بالحرم فرارًا منه حتى يصح جواب عمرو، نعم كان عمرو يرى وجوب طاعة يزيد الذي استنابه وكان يزيد أمر ابن الزبير أن يبايع له بالخلافة ويحضر إليه في جامعة يعني مغلولاً، فامتنع ابن الزبير وعاذ بالحرم فكان يقال له بذلك عائذ الله، وكان عمرو يعتقد أنه عاص بامتناعه من امتثال أمر يزيد، ولهذا صدر كلامه بقوله: إن الحرم لا يعيذ عاصيًا. ثم ذكر بقية ما ذكر استطرادًا، فهذه شبهة عمرو وهي واهية، وهذه المسألة التي وقع فيها الاختلاف بين أبي شريح وعمرو فيها اختلاف بين العلماء أيضًا كما مر تفصليه في شرح حديث ابن عباس من هذا الباب، وفي حديث أبي شريح من الفوائد غير ما تقدم: جواز إخبار المرء عن نفسه بما يقتضي ثقته وضبطه لما سمعه ونحو ذلك، وإنكار العالم على الحاكم ما يغيره من أمر الدين، والموعظة بلطف وتدريج، والاقتصار في الإنكار على اللسان إذ لم يستطع باليد، ووقوع التأكيد في الكلام البليغ، وجواز المجادلة في الأمور الدينية، وفيه الخروج عن عهدة التبليغ، والصبر على المكاره لمن لا يستطيع بدًا من ذلك (متفق عليه) أخرجه البخاري في العلم وفي الحج وفي المغازي، ومسلم في الحج، وأخرجه أيضًا أحمد (ج 6: ص 385) والترمذي في الحج وفي الديات والنسائي في الحج وفي العلم (وفي البخاري: الخربة الجناية) قال القاري: وفي نسخة ((الخيانة)) ضد الأمانة – انتهى. والذي في البخاري في الحج وفي المغازي، قال أبو عبد الله: الخربة البلية. وقال ابن الأثير في النهاية: في الحديث ((الحرم
2752 – (13) وعن عياش بن أبي ربيعة المخزومي، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا تزال هذه الأمة بخير ما عظموا هذه الحرمة حق تعظيمها، فإذا ضيعوا ذلك هلكوا ". رواه ابن ماجة.
ــ
لا يعيذ عاصيًا ولا فارًا بخربة)) الخربة أصلها العيب والمراد بها ها هنا الذي يفر بشيء يريد أن ينفرد به ويغلب عليه مما لا تجيزه الشريعة، والخارب أيضًا سارق الإبل خاصة ثم نقل إلى غيرها اتساعًا، وقد جاء في سياق الحديث في كتاب البخاري أن الخربة الجناية والبلية. قال الترمذي: وقد روي بخزية ويجوز أن يكون بكسر الخاء (وسكون الزاي) وهو الشيء الذي يستحي منه أو من الهوان أن يكون بالفتح وهو الفعلة الواحدة منهما – انتهى. وارجع لمزيد التفصيل إلى الفتح بالحج، والعيني والقسطلاني في العلم.
2752 – قوله (وعن عياش) بتشديد التحتانية وآخره معجمة (بن أبي ربيعة) اسم أبي ربيعة عمرو – ويلقب ذا الرمحين – ابن المغير بن عبد الله بن عمرو بن مخزوم القرشي أبو عبد الله، وقيل: أبو عبد الرحمن المخزومي ابن عم خالد بن الوليد بن المغيرة وأخو أبي جهل بن هشام لأمه، أمهما أم الجلاس، وأخو عبد الله بن أبي ربيعة لأبيه وأمه واسمها أسماء بنت سلمة بن مخرمة وهي أم الحارث وأبي جهل ابني هشام بن المغيرة، كان هشام بن المغيرة قد طلقها فتزوجها أخوه أبو ربيعة بن المغيرة، كان إسلام عياش بن أبي ربيعة قديمًا قبل أن يدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم دار الأرقم، وهاجر إلى أرض الحبشة مع امرأته وولد له بها ابنه عبد الله، ثم هاجر إلى المدينة فجمع بين الهجرتين قال الزبير: كان عياش بن أبي ربيعة قد هاجر إلى المدينة حين هاجر عمر بن الخطاب فقدم عليه أخواه لأمه أبو جهل والحارث ابنا هشام فذكر له أن أمه حلفت أن لا يدخل رأسها دهن ولا تستظل حتى تراه فرجع معهما فأوثقاه رباطًا وحبساه بمكة فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو له بالنجاة في القنوت كما ثبت في الصحيحين عن أبي هريرة. روى عن النبي صلى الله عليه وسلم في تعظيم مكة وعنه ابنه عبد الله وعبد الرحمن بن سابط وغيرهما استشهد باليمامة، وقيل باليرموك، وقيل مات سنة خمس عشرة بالشام في خلافة عمره (لا تزال هذه الأمة) أي أمة الإجابة (بخير) التنوين للتعظيم (ما عظموا) أي مدة تعظيمهم (هذه الحرمة) يعني الكعبة والحرم، وقال القاري: أي حرمة مكة وحرمها المعهودة عند العرب بأجمعها. وقال السندي: أي حرمة شعائر الله (فإذا ضيعوا ذلك) أي التعظيم أو ما ذكر من الحرمة (هلكوا) أي بالإهانة جزاء وفاقًا (رواه ابن ماجة) في آخر الحج من طريق يزيد بن أبي زياد عن عبد الرحمن بن سابط عن عياش، قال ابن عبد البر: ويقولون: إن عبد الرحمن بن سابط لم يسمع منه، وأنه أرسل حديثه عنه، وروى عنه نافع مرسلاً أيضًا وروى عنه ابنه عبد الله بن عياش سماعًا منه – انتهى. وقال السندي: قال في الزوائد: في إسناده يزيد بن أبي زياد واختلط بآخره – انتهى.