الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقوله: [الطويل]
أجيراننا إنّ الدموع التي جرت
…
رخاصا على أيدي النّوى لغوال
أقيموا على الوادي ولو عمر ساعة
…
كلوث إزار أو كحلّ عقال
ومنهم:
19- عمارة بن عليّ بن زيدان الحكمي
«13»
الفقيه، اليمني، الشافعيّ. شاعر لا تنقشع عارضته، ولا تتوقع معارضته، لو قاومه المغلّب لما ناهضه، أو قاوله الفرزدق لما ناقضه. لا يدرك لبحره قرار، ولا لبدره سرار «1» . كان عربيّا فصيحا، ينطف ردنه خزامى وشيحا، تكلم بلسان العرب فما أخطأ، ولا فات سهما ولا عرفا، بفصاحة تسيل شعابها وتسير هضابها. وأصله من مدينة يقال لها (مرطان) من تهامة، وتأدّبه بزبيد من اليمن. وحج سنة تسع وأربعين وخمسمائة، فسيّره القاسم بن هاشم بن فليتة صاحب مكة المعظمة رسولا إلى مصر، فسرى إليها يتأنّس بمهنّده، ويقطع الظلام يكتحل في كل ميل بإثمد. هذا، ورائد الفضل يقدمه، وقائد الحظّ يخدمه.
فأتى مصر والملك الصالح ابن رزيك يومئذ وزيرها، وبه يبتدأ من يزورها، والفائز اسم ابن رزيك معناه، ومضطجع مهد لولاه لم يلهم لمعناه، فأكرم الصالح منه زائرا أشهى من الطيف لماما، وأخفّ من الضيف مقاما، ودخل على الفائز بقبو الذهب وهو في مجلس كلّ أشمّ الأنف فيه خاضع، وكلّ شامخ الرأس لديه متواضع، وكلّ طرف متشاوس به عضيض، وكلّ جناح همة متعال عنده مهيض، لا يتكلّم فيه إلّا أذن وقال صوابا، ولا يتكلم فيه إلّا من منحه الحصر (46) أن
يردّ جوابا، والفائز على سرير مرتفع تقع مرامي العيون دونه وتودّ أسرّة النجوم أن تكونه، وزعماء الجيش قد أخذت مجالسها في نواحيه، ومنعتها المهابة أن تتخيل أنها فيه، فأنشد قصيدة مر بها الفائز ووزيره الصالح ووصف حسن قيامه بالمصالح، وهي:«1» [البسيط]
الحمد للعيس بعد العزم والهمم
…
حمدا يقوم بما أولت من النّعم
لا أجحد الحقّ عندي للركاب يد
…
تمنّت اللجم فيها رتبة الخطم
قرّبن بعد المزار العزّ من نظري
…
حتى رأيت إمام العصر من أمم «2»
ورحن من كعبة البطحاء سائرة
…
وفدا إلى كعبة المعروف والكرم «3»
فهل درى البيت أنّي بعد فرقته
…
ما سرت من حرم إلا إلى حرم
حيث الخلافة مضروب سرادقها
…
على النقيضين من عفو ومن نقم
وللإمامة أنوار مقدّسة
…
تجلو البغيضين من ظلم ومن ظلم
وللنبوّة آيات تنصّ لنا
…
على الحقيقين من حلم ومن حلم «4»
وللمكارم أعلام تعلّمنا
…
مدح الجزيلين من بأس ومن كرم
وللعلى ألسن تثني محامدها
…
على الحميدين من فعل ومن شيم
دراية الشّرف البذّاخ ترفعها
…
يد الرّفيعين من مجد ومن همم
أقسمت بالفائز المعصوم معتقدا
…
فوز النّجاة وأجر البرّ في القسم
لقد حمى الدين والدّنيا وأهلهما
…
وزيره الصّالح الفرّاج للغمم
اللابس الفخر لم تنسج غلائله
…
إلّا يد لصنيعي السّيف والقلم «5»
وجوده أوجد الأيام ما اقترحت
…
وجوده أعدم الشّاكين للعدم
قد ملّكته العوالي رقّ مملكة
…
تعير أنف الثّريا عزّة الشّمم
أرى مقاما عظيم الشأن أوهمني
…
في يقظتي أنّه [من] جملة الحلم «1»
يوم من العمر لم يخطر على أملي
…
ولا ترقّت إليه رغبة الهمم
ليت الكواكب تدنو لي فأنظمها
…
عقود مدح فما أرضى لكم كلمي
(47)
ترى الوزارة فيه وهي باذلة
…
عند الخلافة نصحا غير متّهم
عواطف أعلمتنا أنّ بينهما
…
قرابة من جميل الرأي لا الرّحم «2»
خليفة ووزير مدّ عدلهما
…
ظلا على مفرق الإسلام والأمم
زيادة النّيل نقص عند فيضهما
…
فما عسى تتعاطى منّة الدّيم «3»
فاستحسن قصيدته الحاضرون. ثم عاد إلى مكة وهم إليه بعيونهم ناظرون.
ثم إنّ صاحب مكة أعاده إلى الفائز مرة ثانية، وهبّت إلى مصر ريح يمانية ومدّ إليها منه بحر عدّت البحار السبعة ثمانية. وأتاها على نيّة مقيم، وبعلانية أنّه عنها لا يريم، فلما دنا عمارة من الفائز أدناه، وسوّغه فوق مناه، شكرا لمسعاته، وبرّا كلّمه به بغير ترجمان من دعاته، وذلك بما لقّنه ابن رزيك وفطّنه، واستجلبه به ليوطّنه، ثم اختص بابن رزيك خصوصيّة اللسان بالبيان، واليد بالبنان، فغرفه الصالح بسجله، وعرفه نجح ما جاء لأجله، وجعله لا يطأ الثريّا برجله، ولا يطلب الجوزاء بأن تصاغ بحجله، وقد تقدّم في ترجمة الفائز ذكر وفادته، وأنّها كانت بكر سعادته، وأتينا هناك على عيون من أخباره، ومكنون من أشعاره، فلقد أحلّه ابن رزيك منه مكانا تسفّ عنه الرياح المحلّقة، وتشف عنه مصابيح النجوم
المعلّقة، ثم إنّ الصالح أراد به زيادة اختلاطه، قوة ارتباطه، فدعاه كما تقدم في ذكر الفائز ليدخل في مذهبه، ويعجّل له آلاف ذهبه، فتباعد من أربه وتأفف من سوء مشربه، وكان الصّالح قد كتب إليه:[الكامل]
قل للفقيه عمارة يا خير من
…
أضحى يؤلّف خطبة وكتابا
الأبيات الخمسة المقدّمة الذكر، فيما مرّ من هذا الكتاب. فلما أتت عمارة هذه الأبيات، وسع من الغيظ فوق مليئه، وحمل النّفس حشو عبيئه، وأبى له أن يخيب يقينه، وأنف له لهذه الدنيّة دنية، وكان شافعي المذهب، حسن المعتقد، متعصّبا لأهل السنّة. وكان هذا ينكّب خطّته، ويتجنّب خلطته (48) وكتب إليه جوابا أقذاه، وطوى جوانحه على أذاه وهو:[الكامل]
يا خير أملاك الزّمان نصابا
…
حاشاك من هذا الخطاب خطابا
الأبيات الثّلاثة المقدّمة أيضا. ثم إنّ الصّالح يفسد ما بينه وبين عمارة، وسكت عنه تصريحا وإشارة، وسدّ هذا الباب فلم يفتح له قفلا، ولم يكلّفه منه فرضا ولا نفلا، بل قاربه إذ جانب، وواصله إذ جاذب، وكان هو وإياه خليطي خمر وماء، وقسيمي بؤس ونعماء، وكان الصّالح يغمره ببحره، ويؤمّره على أمره، وعمارة يجعل شكره صحيفة آنائه، وحقيبة ثنائه، يقرن كل بيت بوفقه، وينظم كلّ معنى إلى لفقه، ومضت قريحته على هذا التوالي، ودبت الأيام ودرجت الليالي، بفرائد ماتت بين السحر والنحر، وقصائد نظمت حاشيتي البرّ والبحر، ومدائح ركبت الأفواه ووردت المياه، وطرقت الأندية والخدور، وحلت الأطراف والصدور، وقال فسكت كلّ متكلّم، وصدّ كلّ ناطق مترنّم، ويدلّ على أكبر حاله قصيدته التي مدح بها السّلطان صلاح الدّين، ومنها قوله:[الطويل]
أيا أذن الأيام إن قلت فاسمعي
…
لنفثة مصدور وأنّة موجع
يقاصرني خطو الزمان وباعه
…
فقصّر من ذرعي وقصّر أذرعي
وأخرجني من موضع كنت أهله
…
وآداني بالجور في غير موضعي
تيممت مصرا أطلب الجاه والغنى
…
فنلتهما في ظلّ عيش ممتّع
وزرت ملوك النّيل أرتاد نيلهم
…
فأدركت آمالي وأخصب مرتعي
وجاد ابن رزيك فيهما بمواهب
…
وكم زاد عن مرمى رجائي ومطمعي
مذاهبهم في الجود مذهب سنة
…
وإن خالفوني في اعتقاد التشيّع
فقل لصلاح الدّين والعدل شأنه
…
من الحاكم المصغي إليّ فأدّعي
فيا راعي الإسلام كيف تركتنا
…
فريقي ضياع من عرايا وجوّع
ونصري له من حيث لا أنت ناصر
…
بضرب صقيلات ولاطعن شرّع
فمالك لم توسع عليّ وتلتفت
…
إليّ التفات المنعم المتبرّع
فيا واصل الأرزاق كيف تركتني
…
أمدّ إلى زند العلا كفّ أقطع
وأقسمت (49) لو قالت لياليك للدجى
…
أعد غارب الجوزاء قال لها اطلعي
فيا زارع الإحسان في كلّ تربة
…
ظفرت بترب تنبت الشّكر فازرع
ومن شعره النّادر وقوله المبادر، ما سأشنّف به هذا التّصنيف، وأكمل عور هذا التّأليف. وقد حكى ابن خلكان عنه، وقد ذكره، قال:«ورأيت في كتابه الذي جعله تاريخ اليمن، أنّه فارق بلاده في شعبان سنة اثنتين وخمسين، ثم قال: فأحسن الصالح وبنوه وأهله إليه كلّ الإحسان وصحبوه مع اختلاف العقيدة بحسن صحبته. ثم قال: وكانت بينه وبين الكامل ابن شاور صحبة متأكّدة قبل وزارة أبيه، فلما وزر استحال عليه، فكتب إليه: «1» [الطويل]
إذا لم يسالمك الزّمان فحارب
…
وباعد إذا لم تنتفع بالأقارب
ولا تحتقر كيدا ضعيفا فربّما
…
تموت الأفاعي من سموم العقارب «1»
فقد هدّ قدما عرش بلقيس هدهد
…
وخرّب فأر قبل سدّ المآرب «2»
إذا كان رأس المال عمرك فاحترز
…
عليه من الإنفاق في غير واجب
فبين اختلاف اللّيل والصّبح معرك
…
يكرّ علينا جيشه بالعجائب
وما راعني غدر الشّباب لأنني
…
أنست بهذا الخلق من كلّ صاحب
وغدر الفتى في عهده ووفائه
…
وغدر المواضي في نبوّ المضارب
إذا كان هذا الدّرّ معدنه فمي
…
فصونوه عن تقبيل راحة واهب
رأيت رجالا أصبحت في مآرب
…
لديكم وحالي وحدها في نوادب «3»
تأخّرت لما قدّمتهم علاكم
…
عليّ وتأبى الأسد سبق الثّعالب
ترى أين كانوا في مواطني التي
…
غدوت لكم فيهنّ أكرم نائب «4»
ليالي أتلو ذكركم في مجالس
…
حديث الورى فيها بغمز الحواجب
ومما كان فيه بلاؤه الموكّل بالمنطق قوله- وقد رأى مصلوبا مما أنشد له ابن سعيد- وقال: وكأنما كان لسان حاله، وهو:[الكامل]
ورأت يداه عظيم ما جنتا
…
فنفرن ذي شرقا وذي غربا
(50)
وأمال نحو الصدر منه فما
…
ليلوم في أفعاله القلبا
وكذلك أنشد له قوله: [الكامل]
يا ساكن الجفن القريح وليته
…
يرعى لجاري الدّمع حقّ الجار
ومن شعره قوله: [البسيط]
واقبض على كلماتي كفّ منتقد
…
زيف الكلام فليس الصّفر كالذّهب
قصائد لم تزل في كلّ جارحة
…
من حسنها نشوات الخمر والطّرب
كانت مكرّمة المثوى منزّهة
…
في أرض مصر عن التّصريح بالطلب
فأصبحت في زمان التّرك طامية
…
تحوم حول زلال الماء والعشب
حتى كأنّ أذى قلبي يطيب لهم
…
كالعود لولا حريق النّار لم يطب
وقوله: «1» [الكامل]
غصبت أميّة إرث آل محمّد
…
سفها وشنّت غارة الشّنان
وغدت تخالف في الخلافة أهلها
…
وتقابل البرهان بالبهتان
لم تقتنع حكامهم بركوبهم
…
ظهر النّفاق وغارب العدوان «2»
وقعودهم في رتبة نبويّة
…
لم يبنها لهم أبو سفيان
حتّى أضافوا بعد ذلك أنّهم
…
أخذوا بثأر الكفر في الإيمان
فأتى زياد في القبيح زيادة
…
تركت يزيد يزيد في النّقصان
تأمل هذا اللفظ المحكم، والمعنى المحكّم، والتجنيس الخالي من التكليف، والعبارة البريئة من التعقيد، والعروس المحببة إلى من زفّت إليه، وجليت عليه، وإلى المقاصد الملائمة لهوى الممدوح، وقد جلاها هذا الفقيه السّنّي، لابسة إزار التشيّع المحض، (51) بارزة في رداء الروض الغض. وقد أكثر النّاس في هذا المعنى فما منهم من قارب هذا الفحل ولا داناه، ولا أشبه أعلى شعره ولا أدناه، ولهذا تحق له بهذا المدح ومثله أن يخصّ، تنكأ الشيعة جناحه وتريشه بالندى،
وقلّ من يسود سدى، ولهذا كان قسيم ذهبها وإن باين تأسي مذهبها، وهذا الذي أورده في الدّولة الصّلاحيّة ذلك المورد الذي عجز عن إصداره، ورفعه على الجذع التي لا تناسب جلالة مقداره، ولكنه القضاء المحكّم، والبلاء المختّم، فنعوذ بالله من خرق لا يرقع، وخرق يودع صاحبه البلقع.
عدنا إليه، ومنه قوله:[الكامل]
يا حاسدي عضد الإمام جهالة
…
غضّوا جفونكم على الأقذاء
فو حقّه ما نال إلّا حقّه
…
والدرّ أحسنه على الحسناء
وقوله: «1» [الطويل]
خفضت لواء الحمد من بعد رفعه
…
وحلّت بنان العتب عقد لوائي
ولم يتخلّف بيننا كلّ خامل
…
أشرّف من مقداره بهجاء «2»
وقوله: [البسيط]
ألقى الكفيل أبو الغارات كلكله
…
على الزمان فضاعت حيلة النّوب
لما تمرّد بهرام وأسرته
…
جهلا وراموا قراع النبع بالغرب
صدّعت بالناصر المحيي زجاجتهم
…
وللزجاجة صدع غير منشعب
في ليلة قدحت زرق النّصال بها
…
نارا تشبّ بأطراف القنا الأشب
ظنوا الشجاعة تنجيهم فقارعهم
…
أبو شجاع قريع المجد والحسب
سقوا بأسكر سكرا لا انقضاء له
…
من قهوة الموت لا من قهوة العنب
تسنّموا إبلا يتلو قلائعهم
…
يا عزة السّرج ذوقي ذلة القتب
(52)
كأنهم فوقها خشب مسنّدة
…
إن النّفاق لمنسوب إلى الخشب
سما إليهم سموّ البدر تصحبه
…
كواكب من سحاب النقع في حجب
في فتية من بني رزيك تحسبهم
…
عن جانبيه رحا دارت على قطب
كأنّ لمع المواضي في أكفّهم
…
صواعق في الوغى تنقضّ من سحب
متوّج من بني رزيك تنسبه
…
بين المساعي إلى جرثومة العرب
ما أليق التّاج معصوبا بمفرقه
…
وربّ معتصب بالتاج مغتصب
أرضته عن هفوات النّاس قدرته
…
فما يكدّر صفو الحلم بالغضب
تجر بين يديه من سوابقه
…
قبّ ترقرق منها الحسن في أهب
من كلّ أجرد مسكيّ الأديم له
…
صبغ إذا شاب رأس الليل لم يشب
وأحمر شفقيّ اللون متّقد
…
بحدّة الشوط لا بالسوط ملتهب
مسوّمات عراب لم تزل أبدا
…
تجلى وتكسى بما بزّت من السّلب
يرى لكلّ هلال من مراكبها
…
خيط المجرّة مجرورا على اللبب
جرد إذا جرّدتها كفّ عزمته
…
للغزو هزّت عذاب الشرك في العذب
تثير نقع دخان تحته لهب
…
إنّ الدّخان لنمّام على اللهب
تحكي مجر عواليها إذا رحلت
…
عن منزل أثر الحيات في الكثب
لانت صفاة عدو أنت قارعها
…
فاصلب على ملّة الأوثان والصّلب
فعندك الضّمّر الجرد التي عرفوا
…
وفوقهن أسود الغاب لم تغب
إذا تهنت بك الأيام قاطبة
…
فما الهناء بمقصور على رجب
وقوله: [الكامل]
جاءته إخوته ووالده إلى
…
مصر على التدريج والترتيب
فانظر إلى الأسباط زارت يوسفا
…
والشّمل مجتمع إلى يعقوب
جاءوا وما جاءوا أباهم فرية
…
بحديث ذيب أو دم مكذوب
وقوله: «1» [الطويل]
فهاجرت بعد الصالح الملك هجرة
…
غدت سببا للعز وهو المسبب «2»
(53)
غفرت به ذنب الليالي التي مضت
…
وربّتما يستوجب العفو مذنب
رأينا بيومي بأسه ونواله
…
علا ضاع فيه حاتم والمهلّب
أقول لمغترّ بظاهر بشره
…
تيقظ فإنّ الماء تخفيه طحلب
ولا تركنن للبحر عند سكونه
…
وبادر فإنّ البحر إن هاج يعطب
وقد يبسم الضرغام وهو معبّس
…
وقد يتلظى البرق والغيث يسكب
وقوله: [الطويل]
عليم بأوضاع السياسة لم يزل
…
يصرفها منه الخبير المجرّب
وهون قدر الانتقام فما يرى
…
له أثر في وجهه حين يغضب
هذا الذهب الإبريز، والأنموذج الغريب، والمدح الذي يحثا في وجه سواه التّراب والحلم الذي ليس فيه ما يستراب، والحكمة ثمانيه [هكذا!] وما أثمن حكمته، وأوفر حظّه منها وقسمته، وانظر إلى أين طوّح نظره، وهمته، عدنا إليه، وقوله:[البسيط]
نور النبوة في ذا الدست مؤتلق
…
للنّاظرين ونار العزم تلتهب
في صدره فائز بالنصر محتجب
…
بنوره وبتاج العز معتصب
لا يستوي وملوك الأرض في شرف
…
إلّا كما يتساوى الصّفر والذهب
من معشر شابت الدنيا ومجدهم
…
غصن وأثوابه فضفاضة قشب
لولا الوزير أبو الغارات ما خفقت
…
للنصر في القصر رايات ولا عذب
وسطوة لو خلت عن عفو مقتدر
…
على العقاب لكاد الجوّ يلتهب
يا ابن النبي نداء ما لصاحبه
…
قلب إلى غير حسن الظنّ ينقلب
كم موقف لك قد نادى نداك به
…
يا مادحين لكفّ المادح السّلب
وقوله: [البسيط]
الأروع البرّ لا تخشى بوادره
…
إذا استخفّت رجالا سورة الغضب
لو كان في السّلف الماضي لكان به
…
إما وليّا لعهد أو وصيّ نبي
(54)
وقوله: [البسيط]
عمت رعايته أقصى رعيّته
…
حتى استوى نازح منها ومقترب
يا طالب الشرف الأقصى ولو عدمت
…
بنو أبي طالب ما أنجح الطلب
ولو تولت بنو رزيك نصرتكم
…
في سالف الدهر ما نابتكم النّوب
أندى الملوك وجوها غير أنّهم
…
ترضى المواضي بأيديهم إذا غضبوا
وقوله: «1» [السريع]
طرقتها والليل وجف الجناح
…
وما تلبّست بثوب الجناح «2»
في ليلة بات نجادي بها
…
ذوائب تخفق فوق الوشاح «3»
وفاح من عرف الصبا عنبر
…
أحرقه الفجر بجمر الصباح
لاموا عليها مغرما سمعه
…
كراحة الناصر عند السماح
كأنما أسيافه روضة
…
لما بها من ورقات الصفاح
والملك لا يسكب خطّابه
…
إن لم يكلّمهم كلوم الجراح
فالقدس قد آذن إغلاقه
…
على يدي يوسف بالانفتاح
ملك إذا حدّثت عن بأسه
…
قال النّدى واذكر حديث السّماح
وقوله: «1» [الكامل]
ضاق الصّعيد على جيادك بعد ما
…
ضمنت صعادك فتح كلّ صعيد «2»
والغرب واليمن القصيّ وأهله
…
من خوفهم في قائم وحصيد
فإلى متى أيدي الكماة معوقة
…
عن نشر ألوية ونشر بنود
وخلفت مملكة تقول طريقها
…
للدّهر أرّخ بي وخلّ تليدي
وقوله: [الكامل]
شرفا بني رزيك إنّ علوّكم
…
أبدا على مسّ الحديد حديد
لا تفتل الأيام حبل مكيدة
…
إلا وفيه لأمركم تأكيد
وقوله: «3» [الكامل]
يا دار دار عليك سعد المشتري
…
وجرى إليك زلال نهر الكوثر «4»
(55)
ولقد كسيت من الرّخام غلائلا
…
نسجت ولكن من نقيّ المرمر
وكأنّ حسن سواده وبياضه
…
ليل تبسّم عن صباح مسفر «5»
كمرايش الحبرات أو كقلائد
…
كافورهنّ مفصّل بالعنبر
دارت مناطقه على فسقيّة
…
تملى فتحكي مقلة من محجر «6»
وعلى جوانبها بساط خميلة
…
قد فروزوه بالنّبات الأخضر
وقوله: [الوافر]
رحلت وكان حظي في رحيلي
…
وقربي في التّنائي عن بلادي
فمن عثرت به قدم فإني
…
بمصر قد عثرت على المراد
وقوله: «1» [الكامل]
سفر الزّمان بواضح من بشره
…
وافترّ باسم ثغره من ثغره
وأضاء حتى خلت فحمة ليله
…
طارت شرارا من توقّد فجره
بالياسر المغني بأيسر جوده
…
والمقتني عزّ الزّمان بأسره «2»
ما كانت الدّنيا تضيق بطالب
…
لو أنّ واسع صدرها من صدره
لله هذه الديباجة الخسروانية، والحبرات اليمانية، عدنا إليه:
وقوله: [البسيط]
هبت رويحة نجد وهي من قطري
…
فعطّرت بالخزامى نفحة المطر
عليلة النّفس الحادي وأحسن ما
…
هبّ النسيم عليلا آخر السّحر
واستشرفت عقدات البان لي فهفا
…
قلبي بمعتدل منها ومنأطر
أضمّهنّ وفي الأغصان تسلية
…
عن القدود وليس العين كالأثر
والليل قد طال حتى خلت أنجمه
…
مسمّرات أو الأفلاك لم تدر
قالت: كبرت وشبّت فيك ناشئة
…
من الغرام تنافي حالة الكبر؟!
ومادرت أنّ حبّ الحبّ منبته
…
في أسود القلب لا في أسود الشّعر
أنكرت أشهب رأسي بعد أدهمه
…
والفرع ليل وحسن الليل بالقمر
(56)
يا قصّر الله باع الدهر كيف سعى
…
في نقض مبرمة الأطراف في مزر
وردّ بقلة راسي وهي ذاوية
…
وكان أخضرها ريحانة العمر
وقوله منها: [البسيط]
من ذا يعيرك أجفانا لتوقعها
…
في قبضة الظالمين الدمع والسهر
قالوا أتبكي لهم والقلب من حجر
…
فقلت والماء قد يجري من الحجر
قلب: هو الطير في جوّ الغرام فلم
…
تبتاعه إنّ ذا بيع على غرر
لكلّ ورد ذبول قد سمعت به
…
إلّا الذي فوق خديه من الخفر
لك الحديث الذي تبقى حوادثه
…
ما قيّد الذكر مثل الصارم الذّكر
قالوا إلى اليمن الميمون رحلته
…
فقلت ما دونه شيء سوى السّفر
لا توقدن لها النّار التي عهدت
…
خفّض عليك تنل ما شئت بالشّرر
الحال ملء يد والقوم ملك يد
…
وما أطيل وهذا جملة الخبر
يا عدن كم فيك إلّا في ربا عدن
…
للجسم من وطن والقلب من وطر
ردها على الصّفو من حمات مشرعها
…
فقد عهدناك ورّادا على الكدر
وطأ بها هامة الدنيا وأوح إلى
…
فرق المنابر ما توحي إلى السّور
كانت إليك عيون الملك ناظرة
…
وكنت أشرف مأمول ومنتظر
تصدّعت بك من مصر زجاجتها
…
ما للزجاجة من صبر على الحجر
غسلت بالسّيف والأيام راغمة
…
ما كان فوق رداء الملك من وضر
وقد قصدتك في جاه وفي وزر
…
وإن فعلت فما تخطي خطا سفري
فإن عزمت فقل فيها لعزمك يا
…
ذريعة الخير لا تبقي ولا تذري
وقوله: «1» [الكامل]
وأجلّها يوم الخليج فإنّه
…
من بينها يوم أغرّ مشهّر
وافاك فيه النيل وهو من الحيا
…
خجل يقدّم رجله ويؤخّر
قد جاء معتذرا إليك وتائبا
…
من ذنبه الماضي ومثلك يعذر
(57)
لولا تعثّره بأذيال الثّرى
…
ما كان مذرورا عليه العنبر
ولو أنّه لاقى ركابك صافيا
…
صرفا لكدّره العجاج الأكدر «2»
ولقد عدمناه فنبت نيابة
…
عزّ الغنيّ بها وأثرى المعسر
كسر الخليج عبارة عن منّة
…
أضحى بها كسر البريّة يجبر
وقوله: «3» [الكامل]
أكفيل آل محمّد ووليّهم
…
في حيث عرف ولائهم إنكار «4»
واخجلتا للبيض كيف تطاولت
…
سفها بأيدي البيض وهي قصار
رصدوك في ضيق المجال بحيث لا ال
…
خطّيّ متّسع ولا الخطّار
أوفى أبو حسن بعهدك عندما
…
خذلت يمين أختها ويسار
غابت حماتك واثقين ولم يغب
…
فكأنّهم بحضوره حضّار
لا تسألن إلّا مضارب سيفه
…
فلقد تزيد وتنقص الأخبار
هي وقفة رزق المكرّم جهدها
…
وعلى رجال يومها والعار
وقوله: «5» [الكامل]
لم تحترق دار الخليج وإنّما
…
شبّت لمن يسري بها نار القرى
طلبت يفاع الأرض دون وهادها
…
فتوقّدت في راس شامخة الذّرى
طلعت طلوع النّجم نال به الهدى
…
سار أضلّ طريقه فتحيّرا «1»
ودليل ذلك أنّها لم تشتعل
…
في اللّيل حتّى رنّقت سنة الكرى
أوهل تزور النّار ساحة جنّة
…
أجريت فيها من نداك الكوثرا
فتملّ دارا شيّدتها نعمة
…
يغدو العسير بأمرها متيسّرا «2»
ألبستها بيض السّتور وحمرها
…
فأتت كزهر الورد أبيض أحمرا
لم يبق نوع صامت أو ناطق
…
إلّا غدا فيها الجميع مصوّرا
فيها حدائق لم تجدها ديمة
…
أبدا ولا نبتت على وجه الثّرى
لم يبد فيها الرّوض إلّا مزهرا
…
والنّخل والرّمان إلّا مثمرا «3»
(58)
وبها من الحيوان كلّ مسهّر
…
لبس النسيج العبقريّ مشهّرا
أنست نوافر وحشها بسباعها
…
فظباؤها لا تتقي أسد الشّرى
وبها زرافات كأنّ رقابها
…
في الطّول ألوية تؤمّ العسكرا
نوبّية المنشا تريك من المها
…
روقا ومن بزل المهاري مشفرا
وقوله: [من الرجز]
عند ظباء الجلهتين «4» ثاره
…
وبين أطناب المها عثاره
فلا ترقّا لشكاة مغرم
…
أسلمه إلى الضّنى اصطباره
تخيّر الموت بألحاظ المها
…
فخلّيا عنه وما اختياره
يا حبّذا في حبّهنّ لوعة
…
تضرم وجدا لا يبوح ناره
وموقف رقّت حواشي عتبه
…
ودقّ حتى لم يبن سراره «1»
من كلّ من طال لسان عتبها
…
على محبّ قصّر احتذاره
يا صاحبيّ والغرام صبوة
…
ألذّها ما عظم اشتهاره
فاستقبلا رونق عيش مقبل
…
وابتدراه لا يفت بداره
فقد ضمنت للعذول عنكما
…
أمرا عليّ في الهوى إمراره
إن كان دينا فعليّ دينه
…
أو كان عارا فعليّ عاره
لا تسألنّ شاكيا عمّا به
…
فإنّما سكوته إمراره
يا هذه إنّ المشيب حلّة
…
يخلعها على الفتى وقاره
فلا تصدّي واعلمي بأنّه
…
ما كلّ من شاب بدا عواره
إن أقلع الوبل فعندي طلّه
…
أو ذهب الخمر فبي خماره «2»
سقى مغانيك وإن لم يغنها
…
عن أدمعي مع الحيا مدراره
يسحب ذيل السّحب فيها وابل
…
تزجى على وجه الثرى أستاره
تحسب صوت الرعد في ربابه
…
صوت قطيع أرزمت «3» عشاره
كأنّ بدرا «4» سمحت يمينه
…
بذلك الوابل أو يساره
(59)
أبلج من غسان، لا نصيفه
…
يدرك في المجد ولا معشاره
فرّ من الذّمّ إلى بذل الندى
…
فاعجب لليث زانه فراره
من آل رزيك الذين أقسموا
…
لا خذل الحقّ وهم أنصاره
مؤيّد سمر القنا بنانه
…
مظفّر بيض الظّبى أظفاره
يطلع من أبنائه في ملكه
…
نجوم ملك تجتلى أقماره
أشبال خيس وهم أسوده
…
صغار عصر وهم كباره
وقوله: [الوافر]
وقائلة من الرجل الذي لا
…
تماثله الرجال فقلت عيسى
فقالت ما دليلك قلت أضحت
…
بهمّته كلوم الدهر توسى
في «1» بعض كتّاب النصارى وقد خدم بدار الكباش بمصر: [المتقارب]
رأيت أبا النّقص ضاقت به
…
مذاهبه في التماس المعاش
فمن حبّه لبنات القرون «2»
…
غدا وهو خادم دار الكباش
وقوله: [البسيط]
مدائحي وسجاياه ونائله
…
ثلاثة نظمت كالدّرّ في نسق
يرجى ويخشى ما في ذاك من عجب
…
كالماء يشرق إذ ينجي من الشّرق
وقوله: «3» [الكامل]
لمّا أدار «4» سلافة الأحداق
…
دبّت حميّا نشوة الأشواق
ما كنت أدري قبل رؤية وجهه
…
أنّ الخدود مصارع العشّاق
وقوله: [البسيط]
من كان لا يعشق الأجياد والحدقا
…
ثمّ ادّعى لذّة الدنيا فما صدقا
في العشق معنى لطيف ليس يدركه
…
من البريّة إلّا كلّ من عشقا
لا خفّف الله عن قلبي صبابته
…
بالغانيات ولا عن طرفي الأرقا
من كلّ شمس إذا قابلتها التثمت
…
كأنّما أشفقت أن ألثم الشفقا
(60)
وقوله [في] طرخان بن يوسف وقد صلب: «1» [الوافر]
تمنّى رفعة وعلوّ قدر
…
فأصبح فوق جذع وهو عال «2»
ومدّ على صليب الصّلب منه
…
يمينا لا تطول على الشمال «3»
ونكّس رأسه بعتاب قلب
…
دعاه إلى الغواية والضّلال
وقوله: [البسيط]
قل للرعيّة لا تقنط مطامعها
…
فجرح عيسى بعبد الله يندمل
أما ترى حركات النّيل قد نشطت
…
من بعد ما كان في أعطافها كسل
زيادة النّيل في إقبال دولته
…
مما يدلّك أنّ السّعد مقتبل
وقوله: [الطويل]
أفاتح أرض النيل وهي منيعة
…
على كلّ راج فتحها ومؤمّل
متى توقد النّار التي أنت قادح
…
بغمدان مشبوب سناها بمندل
وتسمع من لفظ التحيّة ما سما
…
إليه ابن هند وهو باغ على علي
وتخلق ملكا لا تحيل بفخره
…
على أحد إلّا على عزمك العلي
وقوله: [الطويل]
له راحة ينهلّ جودا بنانها
…
ووجه إذا قابلته يتهلّل
يرى الحقّ للزوّار حتى كأنّه
…
عليهم- وحاشا قدره- يتطفّل
وقوله: [الكامل]
لو كنت أمدح غير آل محمّد
…
لرفعته فوق السّماك الأعزل
قوم إذا ما أسندوا خبر العلا
…
جاؤوا بأقرب مسند عن مرسل
من كلّ ملثوم البساط غدت به
…
قمم الرءوس حواسدا للأرجل
ووصلت حبلك في الحياة بحبلهم
…
صلة الأشاجع ركّبت في الأنمل
وقوله يمدح القاضي الفاضل: [البسيط]
من راكب وعلى أعجاز نضوته
…
شكر تفيض به الأنساغ والحزم «1»
(61)
يستخبر الناس عن عبد الرحيم وهل
…
يخفى بذروة طود شامخ علم
واشكر يدا من أبيه عن وليّهما
…
شكرا يصدّقها الإكرام والكرم
جاورت منه الفرات العذب مطعمه
…
وزاخرا من أخيه الملح يلتطم
خرّجت من يدك العليا إلى يده
…
وكلّ شعب بوادي مكّة حرم
وقوله: [الوافر]
أيا شمس الخلافة وهو نعت
…
يصدّقه جبينك بالضياء
تشيّع جود كفّك في فؤادي
…
وعدّي بالتشيّع في الولاء
وقوله: [الكامل]
واذكر محامد أحمد من قبل أن
…
تجد القوافي فترة المغصوب
واختر له صفو الكلام فإنّما
…
صفو النّمير لذاذة المشروب
وقوله: [الكامل]
إن لم يكن لك في القوافي رغبة
…
فالطم بها وجه الرجاء وهاتها
فالأمّ لا تأبى إذا لم يولها
…
أصهارها خيرا طلاق بناتها
وقوله: «1» [الطويل]
أيخفى صحيح الودّ والسقم لائح
…
ويكتم سرّ الشّوق والدّمع بائح
جنحت إلى الواشي ولولاك ما التقى
…
سهادي وطرفي والجوى والجوانح
وليلة هوّمنا بذي الطّلح زارنا
…
خيالك وهنا والمطايا طلائح
فبتّ ولم أسكر سوى سنة الكرى
…
أطارحه ذكر الهوى ويطارح
وأصحب أيّامي على العلل التي
…
بها تمرض الأيّام وهي صحائح
ولولا أبو النجم المظفّر عطّلت
…
مسارب من سبل الندى ومسارح
لئن شركوه في اسمه دون فعله
…
فما يستوي البحران عذب ومالح
لئن حلّ في دست الوزارة عادل
…
سما قبله فيها إلى النجم صالح
فإنّك يا بدر بن رزيك عنهما
…
لنعم المكافي للعدى والمكافح
(62)
نهضت بأمر الدّولة النّهضة التي
…
جزاك بها خيرا وليّ وكاشح
وأوريت ناريها عقابا ونائلا
…
وما وريا إلا وزندك قادح
وقوله: [الطويل]