المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌54- أحمد بن أبي المحاسن، يعقوب بن إبراهيم بن أبي نصر - مسالك الأبصار في ممالك الأمصار - جـ ١٦

[ابن فضل الله العمري]

فهرس الكتاب

- ‌الجزء السادس عشر

- ‌[شعراء العصر العباسى الثانى]

- ‌تقديم (1)

- ‌1- الأديب أبو محمد الحسن بن أحمد حكّينا البغداديّ

- ‌2- أبو عبد الله محمد بن مبارك بن عليّ بن جارية القصّار، البغداديّ

- ‌3- القاضي أبو عمرو، يحيى بن صاعد بن سيّار الهرويّ، قاضي قضاة هراة

- ‌4- أبو عبد الله النّقّاش، عيسى بن هبة الله البزّاز البغدادي

- ‌5- أبو المظفّر، أسامة بن مرشد بن عليّ بن مقلد بن نصر بن منقذ، الكنانيّ الكلبيّ الشيزريّ، مؤيّد الدولة

- ‌6- أخوه أبو الحسن

- ‌7- أبو الحسن عليّ بن مقلد

- ‌8- أبو سلامة، مرشد بن عليّ بن مقلد

- ‌9- حميد بن مالك بن مغيث بن نصر بن منقذ بن محمد بن منقذ بن نصر بن هاشم، أبو الغنائم

- ‌10- أبو الفضل، إسماعيل بن أبي العلاء

- ‌11- أبو الفتح يحيى بن سلطان بن منقذ

- ‌12- أبو مرهف، نصر بن علي بن مقلد

- ‌13- أبو الفوارس، مرهف بن أسامة بن مرشد بن عليّ بن مقلد بن نصر بن منقذ، عضد الدّولة

- ‌14- القاضي أبو غانم عبد الرزاق بن أبي حصين

- ‌15- أبو العلاء بن أبي الندى

- ‌16- محمد بن حيدر البغدادي

- ‌17- أبو الفتح، محمد بن عبد الله، سبط ابن التعاويذي

- ‌18- أبو الغنائم، محمد بن عليّ بن المعلّم الواسطيّ

- ‌19- عمارة بن عليّ بن زيدان الحكمي

- ‌20- ابن الساعاتي، عليّ بن رستم، بهاء الدين، أبو الكرم الخراساني

- ‌21- شرف الدين، أبو المحاسن، نصر الله بن عنين، الدمشقيّ

- ‌22- إسحاق بن أبي البقاء، يونس بن عليّ بن يونس، فتح الدين، أبو محمد

- ‌23- عون الدين، سليمان بن عبد المجيد بن الحسن بن عبد الله بن الحسن بن العجمي

- ‌24- محيي الدين بن زيلاق الموصليّ. وهو أبو العزيز يوسف بن يوسف بن يوسف بن سلامة، العباسيّ

- ‌25- أبو بكر بن عدي بن الهيذام الموصلي

- ‌26- أحمد بن محمّد بن الوفا، ابن الحلاوي، الربعيّ الموصليّ

- ‌27- مجد الدّين بن الظّهير

- ‌28- الجلال ابن الصفّار الدنيسري

- ‌29- يوسف بن بركة بن سالم الشيبانيّ، التلعفريّ

- ‌30- نجم الدين القمراوي

- ‌31- فتيان الشاغوري

- ‌32- عبد الرحمن بن عوض بن محبوب، الكلبيّ، المعرّيّ، عفيف الدين التلمسانيّ، أبو البركات

- ‌33- محمد بن سوار بن إسرائيل بن الخضر بن إسرائيل بن محمّد بن الحسن بن الحسين، الدمشقيّ

- ‌34- عليّ بن يحيى البطريق، البغداديّ، الحليّ

- ‌35- ابن نجم الموصلي، شرف الدين

- ‌36- أيدمر المحيوي، فخر التّرك، أبو شجاع

- ‌37- ابن عربي، سعد الدين الدمشقي

- ‌38- أبو عبد الله الكردي

- ‌39- جمال الدّين، يوسف بن البدر لؤلؤ، الذهبيّ

- ‌40- محمد بن محمد بن إبراهيم بن الخضر، الطبريّ*

- ‌41- نور الدين الأسعرديّ

- ‌42- جمال الدين بن خطلخ، الأمويّ

- ‌43- يحيى بن يوسف بن يحيى، الصّرصريّ، الفقيه، الحنبليّ

- ‌44- الحسام الحاجريّ

- ‌45- ابن تميم

- ‌46- الأمير السليمانيّ

- ‌47- الحسام الأحدب، وهو أبو العوف، منقذ بن سالم بن منقذ بن رافع بن جميل بن منير بن مزروع المخزومي

- ‌48- عبد الله بن عمر بن نصر الله الأنصاري، أبو محمد، موفّق

- ‌49- يوسف بن أحمد بن محمود، الأسديّ، أبو العزّ وأبو المحاسن، جمال الدين. عرف بابن الطّحان

- ‌50- جوبان القوّاس

- ‌51- محمد بن العفيف، سليمان بن علي بن عبد الله بن علي، التلمسانيّ، أبو عبد الله، شمس الدين

- ‌52- عمرو بن مسعود بن عمرو الكتّاني

- ‌53- علي بن المظفر الكندي الوداعي

- ‌54- أحمد بن أبي المحاسن، يعقوب بن إبراهيم بن أبي نصر

- ‌55- محمد بن محمد بن محمود أبو عبد الله، شهاب الدين

- ‌56- محفوظ العراقي، رشيد الدين

- ‌57- محمد بن سبط الحافظ، شمس الدين

- ‌58- محمد بن سباع الصائغ، الدمشقي، أبو يوسف، شمس الدين

- ‌59- عبد المجير، أحمد بن الحسين الخياط، مجير الدين

- ‌60- أحمد بن محمد بن سلمان بن حمائل، شهاب الدين، أبو جعفر

- ‌61- عبد العزيز بن سرايا الحلّي، أبو الفضل، صفيّ الدين

- ‌62- محمد بن يوسف بن عبد الله بن عبد الرحمن الحنفي

- ‌63- حسن بن علي العزّي

- ‌64- ألطنبغا العلمي الجاولي، أبو جعفر، علاء الدين

- ‌65- سليمان بن داود بن سليمان بن محمّد بن عبد الحقّ، الحنفيّ، أبو الربيع، صدر الدين

- ‌66- سليمان بن أبي داود

- ‌67- يحيى بن محمّد بن زكريا، العامريّ

- ‌68- محمّد بن عليّ، الحمويّ

- ‌69- عمر بن المظفّر بن عمر بن محمّد بن أبي الفوارس بن عليّ، الورديّ، أبو حفص، زين الدين

- ‌المصادر والمراجع

- ‌المحتوى

الفصل: ‌54- أحمد بن أبي المحاسن، يعقوب بن إبراهيم بن أبي نصر

‌54- أحمد بن أبي المحاسن، يعقوب بن إبراهيم بن أبي نصر

الطيبي، الأسدي، أبو علي، شمس الدين، ردنه ينفح طيبا، وفنه بل فتنه يهتز رطيبا. جاء من بلاد الطيب مملوء الحقائب، موفور الركائب. يساجل بطيبه الأطايب، ويضمخ لمم المفارق عنبره الذائب، ويغلّف مسك نقشه رأس الطرس الشائب. يعرف نفسه الطيبي، ويغرق في مسكيّ شعاره الخطيبي، بدائع طيبيّ أخملت ذكر أبي الطيّب، وأذوت غرس ابن نباتة بتوالي غيثها الصّيّب، وجعلت ورد الأبيوردي لا يضر بجعلي، وزهر زهير المتقدم والمتأخر هذا جفّ وهذا بلي، بكلّ عقيلة طائره تمسي الغوالي نسال رياشها، وطائلة تضحي فتيت المسك فوق فراشها. نتيجة فكر تخرج اللآلي إذا جرت بحارها، ونبت قريحة تشيب نواصي المسك إذا وقدت بالمندل الرطب نارها. بديهة إذا وعتها المسامع انتشت، وإذا جازت بأودية الخواطر تضوع طيبا بطن نعمان إذ مشت، إلا أنها ذات أرج كقهوة الديرانيّ تعرف بشميمها، وزجاجة أبي الهندي ينمّ شذاها على نديمها، وروضة الصنوبري يفاوح مغضوض الحقائب مسكها، ومليحة الكندي قلتها وهي مسك هتكها، وكأس أبي نواس والنجم قد تصوّب، ومحبوبة امرئ القيس كلما جاء طارقا وجد بها طيبا وإن لم تطيّب. لو حلّت فيما سلف في المطيّبين من آل عبد مناف، لما استطاعت أن تتعاقد عليهم الأحلاف، ولا ذعنت اللعقة للتحكيم، وغمست أيديها في الطيب من جفنة أم حكيم.

ورد الطيبيّ هذا دمشق، ونزل بها على ابن عمّنا القاضي جمال الدين (199) أبي محمد، يوسف بن رزق الله العمري، واتصل به اتصال الطيّب باللمم، واتصف بصنائعه اتصاف الروض الأريج بالديم، وأوصله إلى والدي- رحمه الله فاستكتبه في بعض الثغور، ولم ينتظر له الشغور، وأطلع كواكبه إلا أنها التي لا تغور. ثم نقله إلى طرابلس، فدام في كتاب الدرج بها حتى مات،

ص: 288

وغابت شمسه فجاءت الظلمات، وكلّ كلمه طيب الأرج، إلا أن نظمه أعبق، ونوافحه في المسام أعلق، وشذاه من بلد الطيب حيث تشام أعرق.

وكان لا يزال مائلا بنشوة، ومائلا مع نسوة، وقائلا في ظل كرم أو قهوة، ومنجدبا بين مهبّ صبا أو صبوة. لم يتعظ بنذير المشيب، ولم ينقّ بياضه من دنس المعيب. مدمنا في الكؤوس، يحثّ أدوارها، ويحلّ من الدنان المشدودة المعاقد إزارها، ويصرف فيها دراهمه بالذهب، ويتلقاها له بالمبزل ساق توشّح بالمنديل حين وثب وبرهن لديها روحه، فيعجز عن فكاكها، ويدخل إليها فتصيده فواقع الحبب في شباكها، وكان على ما يصل إليه من غمرة هذه السكرة، ويقع عليه في مظنه ما يكره. لا يغيب له ذهن خاطر، ولا يغيم له أفق ماطر. وما عرف في عمره يوم صحو، ولا فرق له بين إثبات ومحو، حتى لقد حكى لي من كان يحضر عنده على تلك الحال، التي يعشى دونها طرف الأعشى، ويقلع الوليد ولا يخشى، وينكل ابن هرمة خوفا من أمير المدينة لا يغشى. لا يزيد ذهنه إلا حضورا، وفهمه إلا أن يقدح من ذات الشعاع نورا.

وأدبه الطيبي إلا أن يدير كأسا كان مزاجها كافورا، وكلمه الطيب إلا أن يفتح لمصعدها سماء السماع ومدامته العاطرة الأرج، إلا أن يتقسمها شعاع الشعاع وشجرته الفارسية إلا أن يتفتح وردها.

ونسبته الأسد إلا أن يهاجم وردها، وأنديته المنسوبة إلى الطيب، إلا أن يشبّ ندها ويشيب بأهواله ندها.

ومن بديعه الذي طار في كل جمع، وطاف بكأسه على كلّ سمع، كلمته نوبة مرج الصفر، حين نصر سلطاننا الملك الناصر على جيوش السلطان محمود غازان، وهي القصيدة التي أغنته أن يغزو، وتركته وما (200) شهد القتال بالأبطال يهزو. وهي الفائية الفائتة شأو كلّ قريحة، البائتة لا تني عن السّرى

ص: 289

وركائب النجوم طليحة، المنقولة إلى أقصى البلاد، المحمولة على الرواة ورقاب الحسّاد. التي خلّت الدّرّ أصدافا، وحلت فاؤها فما تركت نطق كلّ شاعر همّ بأن ينطق بمعارضتها إلا فأفأ.

وكان سبب نظمه لها، أنه قيل له وهو على مجلس الشراب، وقد أخذ منه:

لقد أكثر الشعراء في وصف هذا اليوم، فلو عملت فيه. فأخذ دواة وقرطاسا وكتب لوقته هذه القصيدة عن آخرها. هذا ونجوم الكؤوس حوله سائرة، وأدوار الترك عليه دائرة، والخمر قد ضربت على رؤوس الشرب سرادقها، والعقول قد أنكرت في أفهام القوم حقائقها. ثم لم يزل يكتب والساقي بكأسه يصافحه ويحاسبه على نوبته ولا يسامحه، وهو على طلقه كأنه يقتدح الفهم من قدحه، ويلتقط الدرّ من حباب كؤوسه لمدحه، وهو يغالب النوم. فلما أكملها، سقط لجنبه ونام، والسّكر قد عجّل قضاء نحبه. فلما بشّر طائر الديك بالصباح، وهزّ لارتياحته به خافق الجناح، نهض به جلساؤه إلى الحمام، لغسل ظاهر دنس ذلك الإثام. فلما قضوا منه إربهم، وقاربوا منقلبهم، أذكروه بما كان منه، فأنكر أن يكون أجال في هذا فكرا، أو افترع خاطره عونا ولا بكرا. ثم لما رأى كلمة إجماعهم، وراب كذب شكّه نزاعهم، قال: دعوني أبادر هذه العورة البادية لأسترها، وهذه السّوءة الفاضحة لأقبرها. فكيف يكون عبث المخمور، وكلام من ضرب السكر بينه وبين عقله بسور. ثم أخذ في تعجيل الحميم، ومواثبة الخروج لتصحيح نتيجة فهمه السقيم، فخرج وخرجوا معه، لينظروا ما صنعه، فلما أتوا موضع منامه، ومصرع مدامه، أخرجوا تلك الورقة التي ضمّنت تلك الشذور قراطيسها، وقدحت من شرارة شعاع تلك البراح مقاييسها، فأوموا لها سجودا، ونكسوا رؤوسا، ومدوا إليها أيديهم ليتناولوها مما ادّخروه كؤوسا، ثم علموا أنها (201) آية أحمدية، جاءت ببقية ما جاءت به السّحرة لموسى، وهي:[البسيط]

ص: 290

برق الصّوارم والأبصار تختطف

والنّقع يحكي سحابا بالدّما يكف

أحلى وأغلا وأعلى قيمة وسنا

من برق ثغر الغواني حين ترتشف

وفي قدود القنا معنى شغفت به

لا بالقدود التي قد زانها الهيف

ومن غدا بالخدود الحمر ذا كلف

فإنني بخدود البيض لي كلف

ولامة الحرب في عينيّ أحسن من

لام العذار الذي في الخد ينعطف

كلاهما زرد، هذا يقيك وذا

يردي، فشأنهما في الفعل يختلف

والخيل في طلب الأوتار صاهلة

ألذّ لحنا من الأوتار تأتلف

ما مجلس الشّرب والأرطال دائرة

كموقف الحرب والأبطال تزدلف

هل دارع برداء الفخر مؤتزر

كحاسر بشعار العار يلتحف؟

أو رامح سمقت في المجد همّته

كأعزل بدنايا الهمّ يتّصف

لا تغبطنّ مضاما عيشه رغد

واغبط أبيّا وإن أودى به الظلف

فالرزق من تحت ظل الرمح مقترن

بالعزّ، والذلّ يأباه الفتى الصلف

لا عيش إلا لفتيان إذا انتدبوا

ثاروا، وإن نهضوا في غمّة كشفوا

مستلئمين فلا جمّ ولا عزل

يوم القراع ولا ميل ولا كشف

مقحّمين يخوضون الغمار إذا

ما استرغبوا بأذى آذيّها اعتسفوا

ما استأكلوا الخبز بالجبن المذلّ ولا اس

تسقوا ندى غير عين العجز بل صدقوا

يقي بهم ملّة الإسلام ناصرها

كما يقي الدّرّة المكنونة الصّدف

قاموا لقوة دين الله ما وهنوا

لما أصابهم فيه ولا ضعفوا

هم كسّروا الشّرك بالتوحيد إذ جبروا

كسرا فلاحوا شموسا بعدما كشفوا

وجاهدوا في سبيل الله وانتصروا

من بعد ظلم ومما شانهم أنفوا

وهاجروا وبحقّ جاهروا ونكوا

في باطل دفعوه عندما قذفوا

لما أتتهم حشود الكفر يقدمهم

رأس الضلال الذي في عقله جنف

ص: 291

(202)

وأضمروا النقض للميثاق إذ جنحوا

للسلم وانقلبوا للغدر وانحرفوا

جاءوا فكلّ مقام ظلّ مضطربا

منهم، وكلّ مقيم بات يرتجف

أبدوا، وقد أوردوا الخيل الفرات، لنا

أن الذي يمموه الماء والعلف

ثم استجاشوا لنكث العهد فارتبعوا

مرعى وخيما أراهم غبّ ما اعتلفوا

زاد التتار تبارا أن طغوا وبغوا

فهم لكيدهم في قيدهم رسفوا

شاموا من الشام برقا من طماعية

فطشّهم بغمام الغمّ إذ أزفوا

ظنوا السّراب شرابا فاستزلّهم

غول الغوائل سقاهم غبّ ما اغترفوا

وجال مكرهم فيهم وحاق بهم

وانهار من تحت ما قد أسّسوا الجرف

جاسوا خلال حمى الله المنيع وهل

ترضى بلبس الحمير الروضة الأنف

داسوا بأنجاسهم أرضا مقدّسة

فنفضتهم وهم في الرجس ما نظفوا

ويوم كوم بأرض العرض عارضهم

من الرّدى عارض شؤبوبه التلف

لما أغاروا وغاروا راجعين وقد

راعوا الرّعاء كدبت السّرح واختطفوا

سدّت مسالكهم بالسيف فافترقوا

مجدّلين سدى من سوء ما اقترفوا

وكان فيه لهم وعظ ومزدجر

لو أنهم عقلوا الأنباء أو عرفوا

وغرّهم نيلهم من حمص وهو لهم

كالحبّ يصطاد منه الطائر الوجف

غابوا عن الرّشد إذ عاثوا وسرّهم

ومن وراء السّرور الهمّ والأسف

لجّوا وعاموا من الطغيان في لجج

إلى البحيرة فانصاعوا وما اغترفوا

وساقهم طمع في طيّه جزع

وعاقهم شمس في ضمنه عجف

حتّى بدت راية الإسلام عالية

والخيل جائلة من حولها تجف

يسعى بها ملك بالنصر مقترف

بالناس مدّرع بالجود متّصف

ظلّ الإله وسلطان الأنام فتى

برّ عطوف رحيم بالورى رؤف

محمد ناصر الدين الذي طفقت

له السلاطين بالتقديم تعترف

سلالة الملك المنصور يخلفه

بالعدل في ملكه يا حبذا الخلف

ص: 292

(203)

قاد الجنود من الفسطاط حين طغى

الطاغي وكاد عمود الملك ينحرف

بهمّة كالدراري وهي طالعة

وعزمة كالمواضي وهي ترتهف

لقد غزا غزوة تحكي بطلعته

غزاة بدر بلا ريب كما وصفوا

وافى طباق موافاة العدوّ ولو

تواعدوا للقاء الخيل لاختلفوا

في فيلق تلبس الأرض الحديد به

وتحجب الجوّ من آثاره السّجف

خيل لها طرف بالنيل متصل

وبالفرات إذا امتدت لها طرف

وغلمة من كماة الحرب تحسبهم

تحت الدّروع شموسا فوقها سدف

من كلّ أهيف بالخطّيّ معتقل

فالرمح والقدّ منه اللام والألف

يحمي بصارمه ثغريه ذاك له

ثغر الجهاد وهذا الثغر يرتشف

ففي اللقاء تراه باسلا خشنا

وفي التلاقي على أعطافه ترف

رمى كتائب غازان بعسكره ال

غازين إذ دلفوا بالبغي وازدلفوا

حمى حمى حوزة الإسلام ثم محا

آثار ما شوّهوا فيها وما خسفوا

أتوا كراديس ترتجّ الجبال بهم

كأنهم قطع الظلماء والكسف

ما زال خذلانهم في سيرهم خببا

إلى مصارعهم يجري فلا يقف

حتى رأوا من جنود الله دونهم

سدّ الحديد وبحر الموت فانصدفوا

وشاهدوا علم الإسلام مرتفعا

بالعدل فاستيقنوا أن ليس ينصرف

لقّاهم الفيلق الجرّار فانكسروا

خوف العوامل بالتأنيث وانصرفوا

يا مرج صفر بيّضت الوجوه كما

فعلت من قبل والإسلام مؤتنف

للمؤمنين من الرحمن فيك بدا

فتح فأنت بنور النصر ملتحف

أزهر روضك أزهى في تفتّحه

أم يانعات رؤوس فيك تقتطف

غدران أرضك قد أضحت لواردها

ممزوجة بدماء المغل تغترف

زلّت على كنف المصري أرجلهم

فليس يدرون أنّى تؤكل الكتف

ص: 293

راموا سهاما ولكن بالتراكش

والقسيّ خيفة راميهم فهم هدف

(204)

أووا إلى جبل لو كان يعصمهم

من موج فوج المنايا حين تختطف

دارت عليهم من الشجعان دائرة

فما نجا سالم منهم وقد زحفوا

ونكّسوا منهم الأعلام فانهزموا

ونكّصوهم على الأعقاب فانقصفوا

فرّوا من السيف ملعونين حيث سروا

وقتّلوا في البراري أينما ثقفوا

ففي جماجمهم بيض الظّبى زبر

وفي كلا كلهم سمر القنا قصف

وما استقام لهم في أعوج نهج

ولا أجارهم من مانع كنف

وأحرقوا بعد ما قد أغرقوا ورموا

من القلال إلى الأوحال فانخسفوا

وملّت الأرض قتلاهم بما قذفت

منهم وقد ضاق منها المهمه القذف

والطير والوحش قد عافت لحومهم

ففي مراج الصواري منهم قرف

ردوا فكلّ طريق نحو أرضهم

تدلّ جاهلها الأشلاء والجيف

وأدبروا فتولّى قطع دابرهم

والحمد لله قوم للوغى ألفوا

ساقوهم فسقوا شطّ الفرات دما

وطمّهم بعباب اليمّ فانحرفوا

وأصبحوا بعد، لا عين ولا أثر

غير القلاع عليها منهم السّعف

يا برق بلّغ إلى غازان قصتهم

وصف فغصّتهم من فوق ما تصف

فقلبه وجل من أجلهم قلق

حتى يعود حزينا دمعه ذرف

بشّر بهلكهم ملك العراق لكي

يعطيك حلوانها حلوان والنجف

وإن يسل عنهم قل قد تركتهم

بالنخل صرعى فلا تمر ولا سعف

ما أنت كفء عروس الشام تخطبها

جهلا وأنت إليها هائم دنف

قد مات قبلك آباء بحسرتها

وكلهم مغرم مغرى بها كلف

إنّ الذي في جحيم النار مسكنه

لا تستباح له الجنات والغرف

ص: 294

وإن تعودوا بعد أسيافنا لكم

ضربا إذا قابلتها رضّت الحجف

ذوقوا وبال تعدّيكم وبغيكم

في أمركم ولكأس الخزي فارتشفوا

كذاك والج غاب الليث يحسبه

قد غاب عنه بناب الليث يجترف

(205)

فالحمد لله معطي النصر ناصره

وكاشف الضّرّ حيث الحال ينكشف

قد أنجز الوعد في تصديق سيدنا

محمد من به أضحى لنا الشرف

نبيّ سيف أتتنا الأنبياء به

وبشّرتنا به التوراة والصحف

عليه من صلوات الله أكملها

ومن هدايا تحيات الورى التحف

وكتبت هذه القصيدة بتمامها لإعجازها، ولأن حقيقة كلّ بديع في مجازها. وأما باقي شعره الطيبي، الذي نفح وانتشر طيبه، لأنه روض بات يجوده الغمام بما سفح، فقف قليلا تزود منه نفسا، وتشهد قبسا، ويجحد بعده في الكنوز ملتمسا، ومنه قوله:[البسيط]

ترنّم العود مسرورا ومن عجب

سروره وهو في ضرب وتقييد

من أين للعود هذا الصوت تطربنا

ألفاظه بأظاريف الأناشيد

أظنّ حين نشا في الدّوح علّمه

سجع الحمائم ترجيع الأغاريد

ومنه قوله، وقد لبست الذمّة العمائم المصبغة: النصارى أزرق، واليهود أصفر، والسامرة أحمر:[البسيط]

تعجّبوا للنصارى واليهود معا

والسّامريّين لما عمّموا الخرقا

كأنما بات بالأصباغ منسهلا

نسر السماء فأضحى فوقهم درقا

ومنه قوله: [السريع]

النهر وافى شاهرا سيفه

ولمعه يختلس الأعينا

فماجت البركة من خوفه

وارتعدت وادرعت جوشنا

ص: 295

ومنه قوله: [البسيط]

قامت تنبهني وسنى الجفون وقد

رقّ النسيم ونامت أعين الرقبا

والليل قد مدّ سترا من ذوائبها

والصبح من خدّها قد لاح ملتهبا

واستغربت راحتاها الرّاح حين رأت

بنانها بشعاع الكأس مختضبا

ضنّ الزمان بما قد جاد به

وعادة منه لي استرجاع ما وهبا

(206)

ومنه قوله: [البسيط]

بناظري قمر اتبعته نظري

مذ حلّ في خاطري قد زاد في خطري

تحت النقاب له بدر يقابله

قد صار منزله في القلب كالقمر

ومنه قوله: [المتقارب]

أيا ناظري أنت سقت البلا

لقلبي وذقت الهوى أوّلا

ويا قلب أبليتني بالغرام

ومن ناظري كان أصل البلا

ومنه قوله: [الخفيف]

برزت في الكؤوس كالإبريز

فأعادت مسرّتي بالبروز

قهوة فارسية من خبايا

أردشير لبخله برويز

بنت كرم من عصر نعمان زفّت

لابن ماء السماء غير نشوز

وجلاها زجاجها فأرانا

جامد الماء ذائب الإبريز

وهي في حلّة السرور كميت

تكتسي بالحباب حلية بوز

ارقني إنني أصبت بعين

بالحميّا لا بالرّقى والحروز

أنا لا أرتوي بكأس وطاس

فاسقنيها بالزّقّ والقطر ميز

اسقنيها حتى أموت بسكري

وادع جمع القيان في تجهيزي

اسقنيها فالأرض تحكي عروسا

تتجلّى في ملونات الخزوز

ص: 296