الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ومنهم:
28- الجلال ابن الصفّار الدنيسري
«13»
كتب الإنشاء بماردين، وخدم ملوكها عدد سنين. وكان صاحب قلم أبقي البيان في روعه، وأبقى الإحسان في نوعه. لكنّه ممّن رجحت كفّة شعره في الوزن، وصلحت نفائس درّه للخزن. ولما ماج طوفان التتار بديار بكر، غرق في سيلهم العرم، وتقطّع بسيف موجهم المزدحم. واستتر فما نفعه الاستتار، وحذر وأبى الله إلّا أن يقتل بسيوف التّتار. وأنشد له ابن سعيد:«1» [الكامل]
تعلّقته أمّيّ حسن فما له
…
أتى بكتاب ضمنه سورة النّمل «2»
ومالي أنا المجنون فيه وشعره
…
إذا مرّ بالكثبان خطّ على الرّمل
وأنشد له: «3» [الكامل]
فمتى تقوم قيامتي بوصاله
…
ويضمّ شملينا معاد شامل
وأكون من أهل الخطايا؛ خدّه
…
ناري، وصدغاه عليّ سلاسل
(90)
وحكى لي بعض أصدقائه: استدعاه إلى مجلس شراب، ومكنس غزلان وأتراب، على أنّه يأتيه صبيحة عنده، ليقضوا يومهما في لذّة العيش ورغده، وقدّم إليه الوعد من العشاء، والليل تزهر نجومه، ويصابر السّهر نومه.
فلما نصّف الليل، جاءت السّحب ترقص في أعنّتها، وأصليت سيوف البروق للنجوم وأسنّتها. فأصبحت الأرض قارورة، وقطعت عن الجماعة في الفرض
الضّرورة، وخاف عتب صديقه، فكتب إليه، والحال يشهد بتصديقه:[الخفيف]
حال بيني وبينك حالا
…
ن وحول وقرب عهد عهاد
وكأنّ الطريق ليل محبّ
…
وكأنّ السّماء كفّ جواد
ومن شعره قوله: «1» [المتقارب]
هل اختط فانآد غصنا وريقا
…
غرير حكى الكأس ثغرا وريقا
أم الصّدغ لما صفا خدّه
…
تمثّل فيه خيالا دقيقا
حججت إلى كعبة الحسن منه
…
ووجّهت وجهي إليه مشوقا «2»
وقبّلته فوردت العذيب
…
وحزت الثّنايا وجئت العقيقا
ومنه قوله: [المنسرح]
حلا بأفواهنا مقبّله
…
وإنّما في عيوننا ملحا
يدير من خدّه ومن يده
…
وفيه، من كلّ واحد قدحا
ومنه قوله في فحم يوقد: [الطويل]
تذكّرت أيّام الشّباب الذي مضى
…
تمنّيته لّما ترنّح أغصنا
فأزهر منه الآبنوس بنفسجا
…
وأثمر عنّابا وأورق سوسنا
ومنه قوله: [السريع]
ويوم قرّ ندّ أنفاسه
…
تمزّق الأوجه من قرصها
يوم تودّ الشّمس من برده
…
لو جرّت النّار إلى قرصها
ومنه قوله: [المتقارب]
ويوم حواشيه مضمومة
…
علينا تحاذر أن تفرجا
(91)
قبصت والتفتّ أريد
…
أختها فاحتمت بالدّجى «1»
وقوله: [البسيط]
حتى إذا اخضرّ من ماء الشّباب عذا
…
راه كما احمرّ خدّاه من الخجل
خافت زمرّد عينيه ذؤابته
…
فاستخبأت خلفه فهي ابنة الجبل
وحكي عنه أنّه حضر مجلسا، وقد طلعت في أفقه شهب الأقداح، وكتم الزهر شذاه ففاح. والجوّ قد لبس ثوب السّحاب المصندل، وشبّ على حور الرّوق المندل، ومال يتناثر من القطر عنقوده المهدّل، ومن دونه الرّباب، مسحّف «2» به ذيل السّحاب، كسرب قطا تعلّق بالأحبل، أو قطيع نعام تعلّق بالأرجل، فقال:[البسيط]
كنّا نبيت نشاوى من مدام هوى
…
عذراء لم نفترع كأسا ولا جاما
ونجتني الورد حتى لان مسمعه
…
للنّاس فازددت من واشيه نمّاما
أما ترى الروض نسّاجا ملاءته
…
على الثّرى وغمام المزن رقّاما
إذا تناثر سلك الطّلّ كان له
…
في مثله من أصول الدّوح نظّاما
جمر ألمّت بخمريّ البنفسج في
…
أسيّه يد سار هبّ نسّاما
ففتّقته جيوبا حين صار له
…
نشر اللّطائم لّما انشقّ أكماما
وقوله: [البسيط]
ألمّ طيفكم وهنا فحيّاني
…
وظنّ أنّ الكرى من بعض سلواني
ولم أنم غير أني متّ من كلفي
…
بكم فلما ألمّ الطّيف أحياني
وقوله: [الكامل]
لا تخش من عين الكمال فما انتهت
…
بك غاية إلّا وأنت الأفضل
وإذا بلغت فلا تزال زيادة
…
لك في العلى فمتى تتمّ وتكمل
وأنشد له ابن سعيد: [الطويل]
وو الله ما أخّرت عنك مدائحي
…
لأمر سوى أنّي عجزت عن الشّكر
(92)
وقد رضت فكري مرّة بعد مرّة
…
فما ساغ أن أهدى إلى مثلكم شعري
فإن لم يكن درّا فتلك نقيصة
…
وإن كان درّا كيف يهدى إلى البحر
ومن شعره قوله: [البسيط]
أحبابنا هل لأوقات لنا سلفت
…
بقربكم، والتئام الشّمل عودات
بنتم فلا البان ميّاس يرنّحه
…
مرّ النّسيم ولا الرّوضات روضات
وربّ دير طرقنا بابه سحرا
…
وللنّواقيس في أعلاه أصوات
فقال راهبه من ذا؟ فقلت له:
…
قوم إليك لهم في الدّير حاجات
فقام يسعى إلى إكرامنا عجلا
…
وقال: بشرى لكم عندي المسرّات
فاشرب على وجه من تهوى مشعشعة
…
بنورها تهتدي الزّهر المنيرات
كأنّها الشّمس نورا والمدير لها
…
بدر الدّجنة والأقداح هالات
ومنه قوله: [البسيط]
لم يبق منّي الضّنى رسما ولا طللا
…
سوى رسوم بقت من جسمي البالي
فخلّني أجر رسم الرّسم سحب دم
…
فالدّمع دمعي والأطلال أطلالي
ومنه قوله: [الخفيف]
حزني من أقاح مبسمه العذ
…
ب وويلي من طرفه النّرجسي
أسرتني طليعة بلواء
…
أخضر، من عذاره الخارجي
ومنه قوله: [الكامل]
ما إن عليهم في الهوى درك
…
حقنوا دم العشّاق أم سفكوا
وصلوا كلمعة بارق خطفت
…
وجفوا فما أبقوا ولا تركوا
قال الوشاة سلا، وأدمعه
…
يشهدن أن وشاته أفكوا «1»
ما ضرّه والعذر مجتنب
…
لو أنّه بالعهد يمتسك
يجلو عروسا كلّما دمع الر
…
راووق أبدى ثغرها الضّحك
كانت من الأقداح طائرة
…
لولا بها من لؤلؤ سبك
(93)
ومنه قوله: [الكامل]
ومهفهف لدن المعاطف جسمه
…
ماء ولكن قلبه جلمود
عبث الهواء بعطفه وهو الصّبا
…
فأماله المقصور والممدود
في قدّه والرّدف منه تنازع ال
…
حقف المهيل وناضر أملود
حتى إذا ما طال ذلك منهما
…
قطع التنازع بنده المعقود
ومنه قوله: [الكامل]
لي من محيّاه البهيّ ومن
…
أجفان عيني الرّوض والمطر
من ريق مبسمه وشاربه
…
ماء الحياة العذب والخصر