الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عنه موت النبي صلى الله عليه وسلم اللازم عنه العلم، بأنه ما يرد إلى عالم الكون والفساد، إلا لِإعلاء كلمة الله، وإدحاض كلمة الشيطان، اللازم منه: أنه صلى الله عليه وسلم خلاصة الوجود، وأعظم عبد للولي الودود.
فضائلها
وأما فضائلها: فروى الإمام أحمد بإسناد - قال المنذري: حسن -
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: لما افتتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة، رنّ إبليس رنّة اجتمعت إليه جنوده فقال: ايأسوا أن تردوا أمة محمد صلى الله عليه وسلم إلى الشرك بعد يومكم هذا، ولكن افتنوهم في دينهم، وأفشوا فيهم النوح.
وروى الِإمام عبد الله بن أبي داود في كتاب "المصاحف" عن أبي
سعيد رضي الله عنه قال: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بأقصر سورتين من القرآن ثلاث مرات.
وفي رواية: أن تلك الصلاة: الصبح. فلما فرغ، أقبل علينا بوجهه
فقال: إنما عجلت لتفرغ أم الصبي إلى صبيها.
وله عن عمرو بن ميمون قال: لما طعن عمر رضي الله عنه.
كادت الشمس أن تطلع، فقدموا عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه،
فأمَّهم بأقصر سورتين في القرآن: إذا جاء نصرالله والفتح، وإنا أعطيناك
الكوثر.
وروى عبد بن حميد عن أبي سعيد - أيضاً رضي الله عنه قال: صلى
بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الفجر سورتين في القرآن فقلت: يا رسول الله صليت بنا اليوم صلاة ما كنت تصليها؟. فال إني سمعت صوت صبي في صف النساء.
وللنسائي من حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: نزلت "إذا جاء
نصر الله والفتح" إلى آخر السورة. قال: نعيت لرسول الله صلى الله عليه وسلم نفسه حين أنزلت، فأخذ في أشد ما كان اجتهاداً في أمر الآخرة.
وللبخاري والترمذي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان عمر
ابن الخطاب رضي الله عنه يدخلني مع أشياخ بدر، فقال بعضهم: لم
تدخل هذا الفتى معنا ولنا أبناء مثله؟
قال: إنه ممن قد علمتم. قال: فدعاهم ذات يوم ودعاني معهم، قال: وما رأيته دعاني يومئذ إلا ليريهم مني، فقال: ما تقولونا في (إذا جاء نصر الله والفتح) ؟ حتى ختم السورة - فقال بعضهم: أمرنا أن نحمد الله ونستغفره إذا جاء نصر الله وفتح علينا، وقال بعضهم: لا ندري، ولم يقل بعضهم شيئاً، فقال لي: يا ابن عباس كذلك تقول؟.
قلت: لا. قال فما تقول؟.
قلت: هو أجل رسول الله صلى الله عليه وسلم أعلمه الله به، (إذا جاء نصر الله والفتح) فتح مكة فذلك علامة أجلك.
(فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان تواباً)، فقال عمر رضي الله عنه:
ما أعلم منها إلا ما تعلم.
ففهم عدة الِإعلام بعد ذكر ما لزم منه ظهور الدين، من الأمر
بالاستغفار، لأن الله تعالى جعل للأمة أمانين من عذابه، أحدهما: وجوده صلى الله عليه وسلم فيهم.
والثاني: وجود الاستغفار. (وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (33) .
فلما كرر الأمر بالاستغفار الذي هو الأمان الثاني في السورة التي
نزلت عليه صلى الله عليه وسلم في حجته بعد نزول (اليوم أكملت لكم دينكم) .
كان مشعراً بأن الأمان الأول انقضى زمانه، وأنه ينبغي للأمة المواظبة
على الأمان الثاني، والاجتهاد فيه، وأكد لهم الأمر بذلك، بتوجيه الخطاب
فيه إلى النبي صلى الله عليه وسلم خاصة، لأن أمر الرئيس أدعي إلى أمتثال أتباعه والله الموفق.
وروى عبد بن حميد عن ابن عمر رضي الله عنهما: أن هذه السورة
أنزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم في أوسط أيام التشريق بمنى، وهو في حجة الوداع
(إذا جاء نصر الله والفتح) حتى ختمها، فعرف رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه الوداع
فأمر براحلته القصوى فرحلت له، فركب فوقف للناس بالعقبة، فاجتمع إليه
الناس فذكر خطبته في ذلك الجمع الأعظم.
وقد ذكرتها كاملة في كتابي "الاطلاع علي حجة الوداع".
وقال البيهقي في "دلائل النبوة" في باب ما جاء في نعي النبي صلى الله عليه وسلم: ويذكر عن أبي سعيد رضي الله عنه ما يدل على أنها نزلت عام الفتح. والله أعلم.
وروى الدارمي في أوائل المسند، عن عبد الله بن عباس رضي الله
عنهما قال: لما نزلت "إذا جاء نصرالله والفتح" دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم فاطمة رضي الله عنها فقال: قد نعيت إليَّ نفسي، فبكت، فقال لا تبكي فإنك أول أهلي لاحق بي، فضحكت، فرآها بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، فقلنا: يا فاطمة رأيناك بكيت ثم ضحكت، قالت: أنه أخبرني أنه قد نعيت إليه نفسه فبكيت، فقال لي: لا تبكي فإنك أول أهلي لا حق بي، فضحكت.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا جاء نصرالله والفتح، وجاء أهل اليمن هم أرق أفئدة، والِإيمان يمان، والحكمة يمانية.
وللبيهقي عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (قل يا أيها الكافرون) تعدل ربع القرآن، و (إذا جاء نصر الله والفتح) تعدل ربع القرآن.
وروى مسلم في صحيحة عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة قال:
قال لي ابن عباس رضي الله عنهما: أتدري آخر سورة من القرآن نزلت
جميعها؟.
قلت: نعم، إذا جاء نصرالله والفتح. قال: صدقت.
وقال الِإمام ولي الله الملوى: وفي الصحيح عن عائشة رضي الله عنها
قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر من قول "سبحان الله وبحمده، وأستغفر الله وأتوب إليه"
قال: أخبرني ربي أني سأرى علامة في أمتى، فإذا رأيتها أكثرت من قول: سبحان الله وبحمده، وأستغفر الله وأتوب إليه، فقد رأيتها: إذا جاء نصرالله والفتح - فتح مكة - ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجاً فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان تواباً.
وتقدم في سورة "الكافرون " حديث أنس في: أنها تعدل ربع القرآن.
ولعل السر في ذلك: أنه لما كان مقصود القرآن، بيان هذا الدين.
وبيان أحواله للمنزل عليه صلى الله عليه وسلم في أول الأمر، ثم في أثنائه، ثم في آخره عند تمامه، وموت المنزل عليه صلى الله عليه وسلم، ثم بعد موته، بأخذه في التناقص حتى
يعود غريباً كما بدأ، وكانت هذه السورة مبينة لحاله عند تمامه، كانت ربعاً له بهذا الاعتبار.
وما نزل بمكة المشرفة بين مبدأه، وآيات الهجرة منه بئنت أول الوسط.
وسورة الفتح المنبئة عن الفتح الأول، الذي هو سبب الفتح الأعظم، بينت
أول التمام، وهذه السورة - وهي سورة فتح الفتوح - بينت انتهاءه.
و"ألهاكم التكاثر " - ونحوها لبيان حالة تناقص بالإقبال على الأموال. والأولاد والجاه، وغير ذلك من سنن من كان قبلنا، الذي كان سبباً لارتداد أكثر من ارتد بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم، المشار إليهم بقوله:"إنه كان تواباً" أي على من يرتد من أمتك عقب وفاتك، حتى يردوا إِلى الدين، ويفتح الله بهم البلاد إكراماً لك بسبب استغفارك لهم.
ولهذه الأسرار، وقع الترغيب في قراءة التكاثر، لأنها تعدل ألف آية
ليحصل لقارئها ببركتها الكف عما حذرت منه.
وموت النبي صلى الله عليه وسلم وإن كان خيراً لنا - فمن جهة أنا لم نستأصل بعذاب في حياته، وهو وهن لنا من جهة الافتراق، وانتشار الكلمة كما قال صلى الله عليه وسلم:"أنا أمان لأصحابي، فإذا مت، أتى أصحابي ما يوعدون، وأصحابي أمنة لأمتي، فإذا مات أصحابي أتى أمتي ما يوعدون".
وقد حثت هذه السورة على الإقبال على الذكر بالتسبيح، وبالحمد
والاستغفار والتوبة، وتفريغ القلب لذلك، والاجتهاد فيه عند تمام الأشياء.
تقييداً لنعمه بالشكر: " فإذا فرغت فانصب، وإلى ربك فارغب".