المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

والناس: مشتق من الِإنس، فإن أصله، أناس، وهو أيضاً: اضطراب الباطن، - مصاعد النظر للإشراف على مقاصد السور - جـ ٣

[برهان الدين البقاعي]

فهرس الكتاب

- ‌سورة الحجرات

- ‌عدد آياتها

- ‌مقصودها

- ‌فضائلها

- ‌سورة ق

- ‌عدد آياتها وما يشبه الفواصل فيها

- ‌مقصودها

- ‌فضائلها

- ‌سورة الذاريات

- ‌مقصودها

- ‌فضائلها

- ‌سورة والطور

- ‌عدد آياتها وما يشبه الفواصل فيها

- ‌مقصودها

- ‌فضائلها

- ‌سورة والنجم

- ‌عدد آياتها

- ‌مقصودها

- ‌فضائلها

- ‌سورة القمر

- ‌عدد آياتها

- ‌مقصودها

- ‌فضائلها

- ‌سورة الرحمن

- ‌عدد آياتها وما يشبه الفواصل فيها

- ‌مقصودها

- ‌فضائلها

- ‌سورة الواقعة

- ‌عدد آياتها وما يشبه الفواصل فيها

- ‌مقصودها

- ‌فضائلها

- ‌سورة الحديد

- ‌عدد آياتها وما يشبه الفواصل فيها

- ‌مقصودها

- ‌فضائلها

- ‌سورة المجادلة

- ‌عدد آياتها وما يشبه الفاصلة فيها

- ‌مقصودها

- ‌فضائلها

- ‌سورة الحشر

- ‌عدد آياتها وما يشبه الفواصل فيها

- ‌مقصودها

- ‌فضائلها

- ‌سورة الممتحنة

- ‌مقصودها

- ‌فضائلها

- ‌سورة الصف

- ‌عدد آياتها وما يشبه الفواصل فيها

- ‌فضائلها

- ‌سورة الجمعة

- ‌مقصودها

- ‌فضائلها

- ‌سورة المنافقون

- ‌عدد آياتها

- ‌مقصودها

- ‌فضائلها

- ‌سورة التغابن

- ‌عدد آياتها

- ‌مقصودها

- ‌فضائلها

- ‌سورة الطلاق

- ‌عدد آياتها وما يشبه الفاصلة فيها

- ‌مقصودها

- ‌فضائلها

- ‌سورة التحريم

- ‌مقصودها

- ‌فضائلها

- ‌سورة الملك

- ‌عدد آياتها

- ‌مقصودها

- ‌فضائلها

- ‌سورة ن

- ‌عدد آياتها

- ‌مقصودها

- ‌فضائلها

- ‌سورة الحاقة

- ‌عدد آياتها وما يشبه الفواصل فيها

- ‌مقصودها

- ‌فضائلها

- ‌سورة المعارج

- ‌عدد آياتها

- ‌مقصودها

- ‌فضائلها

- ‌سورة نوح

- ‌عدد آياتها

- ‌مقصودها

- ‌فضائلها

- ‌سورة الجن

- ‌عدد آياتها

- ‌مقصودها

- ‌فضائلها

- ‌سورة المزمل

- ‌عدد آياتها وما يشبه الفاصلة فيها

- ‌مقصودها

- ‌فضائلها

- ‌سورة المدثر

- ‌عدد آياتها وما يشبه الفواصل فيها

- ‌مقصودها

- ‌فضائلها

- ‌سورة القيامة

- ‌عدد آياتها

- ‌مقصودها

- ‌فضائلها

- ‌سورة الإِنسان

- ‌عدد آياتها وما يشبه الفواصل فيها

- ‌مقصودها

- ‌فضائلها

- ‌سورة المرسلات

- ‌عدد آياتها وما يشبه الفواصل فيها

- ‌مقصودها

- ‌فضائلها

- ‌سورة عَمَّ

- ‌عدد آياتها وما يشبه الفواصل فيها

- ‌مقصودها

- ‌فضائلها

- ‌سورة النازعات

- ‌عدد آياتها

- ‌مقصودها

- ‌فضائلها

- ‌سورة عبس

- ‌عدد آياتها وما يشبه الفواصل فيها

- ‌مقصودها

- ‌فضائلها

- ‌سورة التكوير

- ‌عدد آياتها

- ‌مقصودها

- ‌فضائلها

- ‌سورة الانفطار

- ‌مقصودها

- ‌فضائلها

- ‌سورة التطفيف

- ‌عدد آياتها

- ‌مقصودها

- ‌فضائلها

- ‌سورة الانشقاق

- ‌عدد آياتها

- ‌مقصودها

- ‌فضائلها

- ‌سورة البروج

- ‌عدد آياتها

- ‌مقصودها

- ‌فضائلها

- ‌سورة الطارق

- ‌عدد آياتها

- ‌مقصودها

- ‌ما ورد فيها

- ‌سورة الأعلى

- ‌مقصودها

- ‌فضائلها

- ‌سر قراءة سورة الأعلى والكافرون والمعوذتين في الوتر

- ‌قراءتها في العيدين وسر ذلك

- ‌سورة الغاشية

- ‌عدد آياتها

- ‌مقصودها

- ‌فضائلها

- ‌سورة الفجر

- ‌عدد آياتها

- ‌مقصودها

- ‌ما ورد فيها

- ‌سورة البلد

- ‌عدد آياتها

- ‌مقصودها

- ‌ما ورد فيها

- ‌سورة الشمس

- ‌مقصودها

- ‌فضائلها

- ‌سورة الليل

- ‌مقصودها

- ‌فضائلها

- ‌سورة الضحى

- ‌مقصودها

- ‌ما ورد فيها

- ‌سورة ألم نشرح

- ‌مقصودها

- ‌ما ورد فيها

- ‌سورة التين

- ‌مقصودها

- ‌فضائلها

- ‌سورة اقرأ

- ‌مقصودها

- ‌فضائلها

- ‌سورة القدر

- ‌عدد آياتها

- ‌مقصودها

- ‌ما ورد فيها

- ‌سورة لم يكن

- ‌عدد آياتها

- ‌مقصودها

- ‌فضائلها

- ‌سورة إذا زلزلت

- ‌عدد آياتها

- ‌مقصودها

- ‌فضائلها

- ‌سورة العاديات

- ‌مقصودها

- ‌فضائلها

- ‌سورة القارعة

- ‌مقصودها

- ‌فضائلها

- ‌سورة ألهاكم

- ‌مقصودها

- ‌فضائلها

- ‌سورة العصر

- ‌عدد آياتها وما يشبه الفواصل فيها

- ‌مقصودها

- ‌ما ورد فيها

- ‌سورة الهمزة

- ‌مقصودها

- ‌ما ورد فيها

- ‌سورة الفيل

- ‌مقصودها

- ‌فضائلها

- ‌سورة قريش

- ‌مقصودها

- ‌فضائلها

- ‌سورة أرأيت

- ‌عدد آياتها

- ‌مقصودها

- ‌ما ورد فيها

- ‌سورة الكوثر

- ‌مقصودها

- ‌فضائلها

- ‌سورة الكافرون

- ‌عدد آياتها

- ‌مقصودها

- ‌فضائلها

- ‌سورة النصر

- ‌عدد آياتها

- ‌مقصودها

- ‌فضائلها

- ‌سورة تبت

- ‌عدد آياتها

- ‌مقصودها

- ‌فضائلها

- ‌سورة الإِخلاص

- ‌عدد آياتها

- ‌مقصودها

- ‌فضائلها

- ‌سورة الفلق

- ‌مقصودها

- ‌فضائلها

- ‌سورة الناس

- ‌عدد آياتها

- ‌مقصودها

- ‌فضائلها

الفصل: والناس: مشتق من الِإنس، فإن أصله، أناس، وهو أيضاً: اضطراب الباطن،

والناس: مشتق من الِإنس، فإن أصله، أناس، وهو أيضاً: اضطراب

الباطن، المشير إليه الاشتقاق من النَّوس، فطابق حينئذ - الاسم المسمى.

ومقصود هذه السورة معادل لمقصود الفاتحة، الذي هو المراقبة.

فقد اتصل الآخر بالأول اتصال العلة بالمعلول، والدليل بالمدلول، والمثل

بالممثول، والله المسؤول، في تيسير السُّؤْل، وتحقيق المأمول.

‌فضائلها

وأما فضائلها: فروى مالك والشيخان، والأربعة، عن عائشة رضي الله

عنها، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أوى إلى فراشه كل ليلة جمع كفيه ثم نفث فيهما، فقرأ فيهما: قل هو الله أحد، وقل أعوذ برب الفلق، وقل أعوذ برب الناس، ثم يمسح بهما ما استطاع من جسده، يبدأ بهما على رأسه ووجهه، وما أقبل من جسده، يفعل ذلك ثلاث مرات.

وقد تقدمت في الفلق بقية ألفاظه.

وروى أبو داود في السنن، والبيهقي في الدعوات، عن عقبة بن عامر

رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اقرأوا بالمعوذات في دبر كل صلاة.

وفي رواية أبي داود: أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أقرأ بالمعوذات في دبر كل صلاة.

وللبيهقي في "شعب الِإيمان" عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال "لا ينام أحدكم حتى يقرأ ثلث القرآن، قالوا: يا رسول الله

ص: 310

وكيف يستطيع أحدنا أن يقرأ ثلث القرآن؟.

قال: ألا يستطيع أن يقرأ: "قل هو الله أحد "، وقل أعوذ برب الفلق، وقل أعوذ برب الناس".

وروى البيهقي - أيضاً - عن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: مشيت

مع النبي صلى الله عليه وسلم فقال لي: يا عقبة قل، فقلت: إيش أقول؟.

قال: فسكت عني، فقلت: اللهم اردده فيَّ فقال: يا عقبة قل، فقلت: قل، فقال: أعوذ برب الناس، فقرأتها، حتى جئت على آخرها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم عند ذلك: ما سأل بمثلها ولا استعاذ مستعيذ بمثلها.

وروى أحمد عن أبي بكر بن عياش، عن عاصم، عن زِر قال: قلت

لأبي رضي الله عنه: إن عبد الله رضي الله عنه يقول في المعوذتين؟.

فقال: سألنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: قيل لي فقلت: فأنا أقول كما قال.

وروى أيضاً عن وكيع، عن سفيان، عن عاصم، عن زر قال: سألت

أبي بن كعب رضي الله عنه عن المعوذتين، فقال: سألت النبي صلى الله عليه وسلم فقال قيل لي، فقلت لكم، فقولوا: قال أبي رضي الله عنه، فقال لنا النبي صلى الله عليه وسلم، فنحن نقول.

وأورده من طرق كثيرة، منها: ما قال الهيثمي في مجمع الزوائد: إن رجاله الصحيح، ووافقه عليه الطبراني عن زر قال: قلت لأبيٍّ رضي الله عنه: إن أخاك يحكهما من المصحف، قيل لسفيان: ابن مسعود رضي الله عنه، فلم ينكر، فقال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: قيل لي، فقلت، فنحن نقول كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم -

ص: 311

قال الهيثمي: وهو في الصحيح. غير حكهما من المصحف، انتهى.

ولفظ البخاري في الصحيح: أن زرا سأل أُبَي بن كعب رضي الله عنه عن

المعوذتين، فقال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: قيل لي فقلت. فنحن نقول كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم.

قال شيخنا حافظ عصره ابن حجر في شرحه البخاري: القائل، فنحن

نقول - إلي آخره -، هو أبي بن كعب رضي الله عنه، ووقع عند الطبراني في الأوسط: أن ابن مسعود رضي الله قال مثل ذلك، لكن المشهور: أنه من

قول أبي ابن كعب، فلعله انقلب على رواية. انتهى.

وقال الشيخ بدر الدين الزركشي: وروى ابن حبان في صحيحه عن

زر قال: قلت لأبي ذر رضي الله عنه: إن ابن مسعود رضي الله، لا يثبت في

مصحه المعوذتين فقال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: قال لي جبريل عليه السلام: قل: أعوذ برب الفلق، فقلتها، وقال لي قل أعوذ برب الناس، فقلتها، فنحن نقول ما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وروى عبد الله بن الِإمام أحمد - قال الهيثمي: ورجاله رجال

الصحيح، والطبراني ورجاله ثقات - عن عبد الرحمن بن يزيد - يعني:

النخعي - قال: كان عبد الله يحك المعوذتين من مصاحفه ويقول: إنهما

ليستا من كتاب الله تبارك وتعالى.

وروى البزار والطبراني - قال الهيثمي: ورجالهما ثقات -

ص: 312

عن عبد الرحمن بن يزيد أيضاً عن عبد الله أنه كان يحك المعوذتين من المصحف،ويقول: إنما أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يتعوذ بهما، وكان عبد الله لا يقرأ بهما.

قال البزار: لم يتابع عبد الله أحد من الصحابة، وقد صح عن النبي

صلى الله عليه وسلم أنه قرأ بهما في الصلاة، وأُثبتنا في المصحف، انتهى.

وعندي: أن ظاهر هذه الأخبار غير مراد، وأن ابن مسعود رضي

الله عنه إنما كان ينكر كلمة "قل" فقط في أولهما، ويحكهما من الصحف من

المعوذتين، وأن قرءته كانت كذلك، وكان يستدل على صحة قراءته لهما التي أخذها عن النبي صلى الله عليه وسلم، وسهو غيره في نقل قل، بأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أن يتعوذ بهما، والمتعوذ لا يناسب أن يأمر من يتعوذ به بالقول.

وعلى ذلك ينطبق قول النبي صلى الله عليه وسلم لما سئل: "قيل لي فقلت " أي كما قال لي الملك، لا أسقط شيئاً مما نطق به، لأنه كلام الله، ولو كان عبد الله رضي الله عنه ينكر جميع المعوذتين، لم يطابق قول أبي رضي الله عنه:" سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: قيل لي فقلت " قول من سأله، وكذا قول أبي ذر رضي الله عنه من سأله، والله الموفق.

والحاصل: أنه يلزم على نسبته رضي الله عنه، إلى أنه ينكر جميع

السورتين فسادان عظيمان.

أحدهما في حق أُبَيٍّ وأبي ذر رضي الله عنهما.

والثاني: في حق ابن مسعود رضي الله عنه، ولا يلزم على القول بأن

المنكر إنما هو كلمة "قل" شيء.

أما الأول، وهو ما في حق أبى وأبي ذر، رضي الله عنهما: فلأنه يلزم

أن يكون استدلا لهما غير مفيد لمطلوبهما، لأنه لا يلزم في كل ما قيل للنبي صلى الله عليه وسلم -

ص: 313

أن يكون قرآناً، ولا يفيد الدليل أنهما قرآن إلا بدعوى ذلك.

وإن قيل: إن ذلك هو مرادهما، لأنهما في مقام الاستدلال، كان خروجاً

عن الظاهر. لا لحاجة بل لإثبات فساد، وهو الفساد الثاني الذي يلزم في حق ابن مسعود رضي الله عنه.

لأنه لا يخلو حينئذ، أما أن يقال: إنه أقدم على حك السورتين كاملتين

بعلم، أو بغير علم.

والمراد بالعلم: القطع، وهو الصفة التي توجب تمييزاً لا يحتمل النقيض.

فإن قيل بغير علم، لزم عنيه نسبة هذا الصحاب الجليل الذي

مناقبه - لا سيما في العلم بشهادة المصطفى صلى الله عليه وسلم أكثر من أن تحصى إلى هذا الأمر الفظيع، الذي يتحاشى عنه أحاد المسلمين.

وإن قيل: إن إقدامه على ذلك بعلم، لزم منه نفى كونهما قرآناً، ولا

يخفى ما فيه من الشناعة والطعن على سائر الصحابة، رضوان الله عليهم

أجمعين.

وأما إنه لا يلزم شيء على القول بأن المراد إنكار "قل" فلأنه يكون من

إطلاق المعوذتين على كلمتين منهما مجازاً، بدلالة التضمن.

وقوله: إنما أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يتعوذ بهما - أي السورتين - دليل على حذف "قل"، لأن المتعوذ لا يقول لمن يستعيذ به: في أعوذ، فيكون آمِراً بالتعوذ، لا متعوذاً.

والضمير في قوله: وكان عبد الله لا يقرأ بهما: للكلمتين، وليسا بأول

ضميرين اتسقا، وعاد كل منهما على ما هو له، بقرينة، وإقدامه على حكهما، لأن النبي صلى الله عليه وسلم أقرأه السورتين بدونهما، كما هو ظاهر في إقرائه صلى الله عليه وسلم لعبد الله الأسلمي رضي الله عنه حين قال له: قل أعوذ برب الناس، فقال: أعوذ برب الناس، فلم يلقنه "قل" وكذا إقراؤه لعبد الله بن الشخير، ولعقبة رضي النّه عنهما

وبعض الروايات كما مضى، فليستا في قراءة عبد الله رضي الله عنه.

ص: 314

والدليل عنده قائم على ما فهمه على أنه لا معنى لِإثباتهما، بل يكون

إثباتهما - على ما فَهِمَ - مُخرِجاً عن التعوذ المقصود منهما، إلى الأمر به.

وليستا بأول كلمتين سقطتا في قراءة، وثبتتا في أخرى مع ما يؤيد

ذلك عنده في قصد التعوذ، لا الأمر به، فهذا هو الحامل له على الِإقدام على حكَهِما.

هذا في حق ابن مسعود رضي الله عنه.

وأما في جانب أبَي، وأبي ذر، رضي الله عنهما: فلأن استدلا لهما على

إثبات الكلمتين قرآناً بقول كل منهما: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال له، إلى آخره، تام مطابق لما ورد عليه من إنكارهما، وهو أنهما إنما قيلتا، مع أن المراد التعوذ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قالهما كما قالهما جبريل عليه السلام مطابقة لما قال الله تعالى، فيصير إثباتهما في غاية الدلالة على أنهما قرآن لا مطلق تعوذ.

ويفيض - أيضاً - التذكير بمن قيل له ذلك، وهو المنزل عليه صلى الله عليه وسلم، ويفيد الِإذعان لذلك، بركة التعوذ، ويحصل المقصود به، كما يفيد الِإذعان لـ قل هو الله أحد، وقل يا آيها الكافرون البراءة.

وقوله: "قيل لي فقلت" ظاهر في أن المسؤول عنه، والتنازع فيه إنما

هو كلمة القول، والله أعلم.

وقد تبين بهذا براءة هذا السيد الجليل مما نسب إليه من إنكار

السورتين، وأنه لا خلاف في شيء من كتاب الله.

وقد سبقنى إلى تأويل كلامه القاضي أبو بكر بن الطيب الباقلاني كما

نقل عنه الِإمام بدر الدين الزركشي، رحمهما الله تعالى، وإن كانت سبيلى

في ذلك غير سبيله، وتأويلي مُبايناً لتأويله.

ثم رأيت في شرح المهذب للِإمام الرباني محى الدين النووي في صفة

الصلاة في آخر الكلام على القراءة في الصلاة ما نصه:

ص: 315

وما نقل عن ابن مسعود رضي الله عنه في الفاتحة، والمعوذتين باطل، ليس بصحيح.

قال ابن حزم في أول كتابه "المحلي". هذا كذب على ابن مسعود

رضي الله عنه موضوع، وإنما صح عنه قراءة عاصم عن زر بن حبيش، عن

ابن مسعود رضي الله عنه، وفيها الفاتحة والمعوذتان. انتهى.

ولما قرب التقاء نهايتي الدائرة السورية، آخرها بأولها، اشتد تشاكل

الرأسين، فكانت هذه السور الثلاث الأخيرة، مشاكلة للثلاث الأولى في

المقاصد وكثرة الفضائل:

الِإخلاص لسورة التوحيد: آل عمران، وهو واضح.

والفلق للبقرة، طباقاً ووفاقاً، فإن الكتاب الذي هو مقصود سورة

البقرة خير الأمر، والفلق للعوذ من شر الخلق، المحصل لكل خير، وفي

البقرة (أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ) ، (يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ) .

الآيات، (وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ) الآية.

والناس للفاتحة، فإنه إذا فرغ الصبر الذي هو مسكن القلب، الذي

ص: 316

هو مركب الروح الذي هو معدن العقل، كانت المراقبة، فصار ذلك بمنزلة

تقديس النفس بالتوحيد والإِخلاص، ثم استعاذة من كل شر ظاهر، وكل

سوء باطن، للتأهل لتلاوة سورة المراقبة وما بعدها من الكتاب على غاية من

السداد والصواب، فاتصل الآخر بالأول أي اتصال بلا ارتياب، واتحد به كل الاتحاد، إن في ذلك لذكرى لأولى الألباب.

فإنه اكتفى - أولاً - بالاستعاذة المعروفة، كما يكتفي في أوائل الأمور

بأيسر مأمور، فلما ختم الخاتمة، جوزي بتعوذ من القرآن، ترقية له إلى مقام

الإِحسان.

هذا ما أردت إيداعه في هذا الكتاب، قد انتهى الإِثبات له مع التحرير

والانتخاب، على قدر الجهد والطاقة، والله الموفق للصواب.

(وكان ابتدائي فيه في نصف شوال سنة 70، وكان فراغي من مسودته

ليلة الجمعة، رابع عشر جمادي الأولى، من سنة إحدى وسبعين وثمان مائة.

وكان فراغي من هذه النسخة ليلة الثلاثاء، رابع عشر من شعبان من

السنة كل ذلك بمنزلي ومسجدي من رحبة العيد، من القاهرة المعزية، جبرها

الله تعالى.

قال ذلك أحوج الخلائق إلى عفو الخالق، إبراهيم بن عمر بن حسن

الرباط ابن علي بن أبي بكر، البقاعي الشافعي، "لطف الله بهم أجمعين.

آمين، آمين، آمين، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على سيدنا محمد.

وعلى آله وصحبه وسلم) ، حسبنا الله، ونعم الوكيل.

ص: 317