الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وخبّرها الواشون أنّي صَرَمتُها
…
وحملَها غيظاً علي المُحَمّل
وإني لمنقاد لها اليوم بالرضا
…
ومُعتذِر من سخطها متنصل
أهيم بأكناف المُجَمَّر من مِنىً
…
إلى أمّ عَمرٍ إنني لموكِّل
مَجَنَّة:
بفتح الميم والجيم وتشديد النون المفتوحة: وهي سوق للعرب في الجاهلية، كانت تقوم العشر الأواخر من ذي القعدة، والعشرون التي قبلها كانت لسوق عكاظ، وبعد مجنة سوق ذي المجاز ثمانية من ذي الحجة، ثم يُعرِّفون. قالوا كانت مجنّة بمرّ الظَّهران قرب جبل يقال له الأصفر، وهو بأسفل مكة على قدر بريد، وهذا حدا ببعض الباحثين أن يعتقد أن الجموم هي مَجَنَّة، وليس هذا صحيحاً لما سيأتي:
وقال البكري: هي لكنانة، وقد هُجرت هي وذي مجاز استغناء عنهما بأسواق مكة ومنى وعرفة. قال أبو ذؤيب الهُذَلي:
تزوَّدَها من أهل بصْرَى وغَزّة
…
على جَسْرةٍ مرفوعة الذيل والكِفلِ
فوافىَ بها عُسفان ثم أتى بها
…
مجَنَّةَ تصفو في القِلال ولا تغلي
وقالوا: مجنة على أميال من مكة وهو لبني الدئل خاصة، بتهامة بجنب طفيل، ذلك لقول بلال فما كان يتمثل:
ألا ليت شعري هل أبيتَنّ ليلةً
…
بوادٍ وحوِلي أذخرٌ وجَلِيل
وهل أرِدنْ يوماً مياهَ مجنّةٍ
…
وهل يبدُوَنْ لي شامةٌ وطَفِيلُ
وعجز البيت الأول يروى: (بفخ وحولي أذخر وجليل) وهي معالم من مكة معروفة. وذكر في كتاب العصامي: إن مجنَّة هي الماء المعروف اليوم بالأطوى وقد تقدم.
أما أنا فقد قررت أن بلدة بحرة الواقعة بين مكة وجُدّة في منتصف المسافة تقريباً، هي مجنة، السوق المشار إليها، أو أنه غير بعيد منها، وما استندت إليه هو ما يأتي:
أ- كونها أسفل مرّ الظَّهران، ولا يعد أسفل مر الظهران حتى يتجاوز سَرْوَعة والرِّكَاني شمال حَدَّاء.
ب- كونها من بلاد بني كنانة وحد بني كنانة من الشرق كان قريباً من الحُمَيمة على أكيال من سوعة شرقاً.
جـ- الجبل الأصفر لا زال يعرف يشرف على بحرة من الغرب.
د- قال لي شيخ من أهل الناحية: أنه أدرك أسفل وادي الشعبة الذي يصب بين بحرة والجبل الأصفر يسمى مجنة، ونلاحظ أن عرب اليوم يسمون المقبرة مجنة، وكذلك كان الشيخ يعتقد أن هذا المكان كان مجنة أي مقبرة فاندثرت.
هـ- لم تعرف بحرة حتى القرن السادس الهجري ولم يذكرها ابن جبير في رحلته حين مر هنا، وقال إن المحطة كانت تسمى القُرَين، وهو مكان لا زال معروفاً. وفي عهود متأخرة حفر أحدهم بئراً فظهرت عزيرة فسموها بحرة لغزر مائها.
و موقعها أصلح مكان هناك ليكون سوقاً، فأرضها عزاز والماء متوفر، وقريبة من ديار القبائل الآخرى، كهذيل وخزاعة.
ز- ماؤها عذب يضرب بعذوبته المثل. أما كونها بعيدة عن شامة وطفيل فالشعر الذي أنشده بلال رضي الله عنه لا يدل على أن تلك الأمكن متجاورة، خاصة إذا عرفنا أن فخّاً
وأذاخر وجَلِيلاً من مكة على هذه الرواية.
ح- زد على كل ما تقدم أن بئراً ومكاناً يسمى المندسّة قرب بلدة (بحرة) وكلمة (المندسة) تعطي نفس معنى (مجنة).
أما القول: إنها الجموم فهو قول مستبعد، وأول عناصر استبعاده: إن الجموم كانت لخزاعة، تشركهم فيها بنو عمرو من هذيل، وإن الجموم ليست بأسفل مر الظهران، وإن السوق ثابت إنه في ديار كنانة وفي ديار بني الدئل منهم خاصة، وكان لبني الدئل: سروعة وجبل ضاف المشرف على حداء من الشمال، وكان لهم ذهبان قرية شمال جُدّة. وكانت ديار كنانة عموماً تبدأ من وسط وادي الصفراء -يليل قديماً- فتمتد على الساحل وما يليه متجهة جنوباً حتى تقرب من صَبْيا وعتود القريب منها، ولا زالت لها بقية معروفة في حَلي، وبطون عديدة في جنوب مكة وقرب حلي.
هل الأطوى هو مجنة؟
بعد كتابة هذا الفصل قمت بزيارة للإطوَى -كذا ينطقه أهله- فرأيت به آثاراً، ورسمت له مخططاً، وقد قلل -ما شاهدته- من حماستي لفكرتي الأُولى القائلة بأن مجنة هي بلدة بحرة المتقدمة، إلا أنّني لا زلت أجد في النفس أن موقع الإطوى بعيد عن مراكز القبائل ليكون سوقاً.
أما الآثار فلا يستبعد أن تكون استحكامات أقامها بعض ولاة مكة أو أحد البارزين من الأشراف عندما يدب الخلاف بينهم، فقد جاء في تاريخهم أن بعضهم كان ينزل (العُدّ) للتجهّز أو الاحتماء من خصمه، وكان بعضهم ينزل (الجديدة) والزبارة، والركاني، وكلها أقل تحصيناً من الإطوى ذي الوقع الاستراتيجي الممتاز.