الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وصدّهم عن السيئ والقبيح، وهدايتهم إلى الأقوم. وأنت خبير أن الأفكار التوجيهية والأحكام التشريعية تكون نظرية بمقدار بعدها عن ظروفها وعن ارتباطها بأسبابها العملية. ولن تجد وسيلة إلى ترسيخ حكم من الأحكام في الأذهان وتنبيه الأفكار إلى مدى صلاحه وقيمته، خيرا من أن تعرضه على الناس في مجال تطبيقه وتقدمه عند الحاجة إليه. وإنها لطريقة تربوية معروفة لا تحتمل البحث والمراء.
فمن أجل ذلك قدّم القرآن الكريم إلى الناس أحكامه التشريعية ومعظم توجيهاته الأخلاقية منثورة ومقسمة على الوقائع والأحداث، أو الأسئلة والاستشكالات، حتى تمتزج هذه الأحكام مع الوقائع وتغرس في تربة التطبيق فور ظهورها وولادتها، فيكون ذلك أدعى لحفظها وأبين لقيمتها وصلاحيتها.
أما النوع الأول، وهو ما يتعلق بوصف القيامة والجنة والنار، وذكر القصص، فليس الشأن في ذلك متوقفا على ما ذكرناه، فسيّان في تبليغها للناس وإخبارهم عنها أن تنزل آياتها ابتداء أو لمناسبة وسبب.
ثانيا- أمثلة لأسباب النزول
.
1 -
روى مقاتل والكلبي أن رجلا من غطفان كان عنده مال كثير لابن أخ له يتيم، فلما بلغ اليتيم طلب المال، فمنعه عمّه، فترافعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فنزلت الآية:
وَآتُوا الْيَتامى أَمْوالَهُمْ، وَلا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ، وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَهُمْ إِلى أَمْوالِكُمْ إِنَّهُ كانَ حُوباً كَبِيراً (النساء (1): 2).
2 -
روى البخاري بسنده عن جابر رضي الله عنه قال: عادني رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر في بني سلمة يمشيان، فوجداني لا أعقل، فدعا بماء فتوضأ ثم رشّ عليّ منه فأفقت، فقلت كيف أصنع في مالي يا رسول الله؟ فنزل قوله تعالى (2):
(1) انظر أسباب النزول للواحدي: ص 81.
(2)
البخاري كتاب التفسير: ج 8/ 168 مع شرحه فتح الباري.
يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ، فَإِنْ كُنَّ نِساءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثا ما تَرَكَ .. (النساء الآية: 11).
3 -
ذكر علماء التفسير أن أبيّ ابن خلف وعقبة بن أبي معيط كانا متحالفين فصنع عقبة طعاما دعا الناس إليه ودعا رسول الله صلى الله عليه وسلم أيضا، فلما قرب قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما أنا بآكل طعامك حتى تشهد أن لا إله إلّا الله وأني رسول الله، فقال عقبة: أشهد أن لا إله إلّا الله وأن محمدا رسول الله، فأكل من طعامه، وكان أبي بن خلف غائبا، فلما أخبر بقصته قال: صبأت يا عقبة؟! فقال عقبة: والله ما صبأت ولكن دخل عليّ الرجل فأبى أن يطعم من طعامي إلا أن أشهد له، فاستحييت أن
يخرج من بيتي ولم يطعم، فقال أبي: ما أنا بالذي يرضى منك أبدا حتى تأتيه فتبصق في وجهه وتردّ عليه دينه. ففعل ذلك، وقال الضحاك، لما بصق في وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم عاد بصاقه في وجهه فتشعب شعبتين، فأحرق خديه وكان أثر ذلك فيه حتى الموت (1). ففي ذلك نزل قوله تعالى:
وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلى يَدَيْهِ يَقُولُ يا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا، يا وَيْلَتى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلًا، لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جاءَنِي وَكانَ الشَّيْطانُ لِلْإِنْسانِ خَذُولًا (الفرقان: 27).
4 -
أخرج الحاكم والترمذي عن عائشة رضي الله عنها، أنه جاء عبد الله بن أم مكتوم- وهو ضرير- فقال: يا رسول الله أرشدني وعند النبي صلى الله عليه وسلم بعض عظماء المشركين، فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يعرض عنه ويقبل على الآخرين، فنزل قوله تعالى (2):
عَبَسَ وَتَوَلَّى أَنْ جاءَهُ الْأَعْمى، وَما يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى، أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرى .. الآيات.
(1) أسباب النزول للواحدي- ص 191.
(2)
انظر فتح الباري على صحيح البخاري ب 8/ 489.