الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الأولى في المجتمع وهي الأسرة. يقول الله عز وجل: وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلى وَهْنٍ وَفِصالُهُ فِي عامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ. وَإِنْ جاهَداكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُما، وَصاحِبْهُما فِي الدُّنْيا مَعْرُوفاً وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (1).
ومن المبادئ القرآنية العامة ما أثبته القرآن من أن الإنسان لا يلاحق أو يؤاخذ إلا بما اجترحه بنفسه، وأنه لا يؤخذ بعمل غيره أو بشيء من مظاهر الطبيعة وأحداثها فيقول: وَكُلَّ إِنسانٍ أَلْزَمْناهُ طائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ كِتاباً يَلْقاهُ مَنْشُوراً (2) ويقول: مَنِ اهْتَدى فَإِنَّما يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّما يَضِلُّ عَلَيْها وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا (3). وتأمل في كل ما وصّى به القرآن من المبادئ الأخلاقية، تجد المعنى الإنساني وحده هو المتمثل فيها وهو الأساس في الدعوة إليها والأمر بها.
ثانيا- النزعة الإنسانية في القرآن من حيث الأسلوب:
يركّز الأسلوب القرآني، فيما يعبّر عنه من الموضوعات والمعاني، على السمة الإنسانية الشاملة؛ ويحاذر أن يأتي في خطابه للناس أو في شيء من تعليقاته على الأحداث، بما ينبّه فكر القارئ إلى خصوص بيئة أو عرق أو إقليم أو جماعة معينة من الناس.
فأنت ترى الخطاب القرآني يتجه إلى المخاطبين، مستعملا كلمة:
الناس، أو بني آدم أو المؤمنين. ولم ترد ولو مرة كلمة العرب أو قريش. أو أهل كذا، أو ما يشابه ذلك من صيغ الخطاب الخاصة بفئة معينة من الناس. وإليك نموذجا من النداءات القرآنية:
يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ (4).
(1) لقمان: 13 و 15.
(2)
الإسراء: 13.
(3)
الإسراء: 15.
(4)
الحج: 1.
يا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنا عَلَيْكُمْ لِباساً يُوارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشاً وَلِباسُ التَّقْوى ذلِكَ خَيْرٌ (1).
أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (2).
قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً (3).
ثم إن القرآن، رغم نزوله كما علمت، متدرجا، ومع مناسبات الوقائع وجوابا على الأسئلة والمشكلات، فإنه لم يربط أحكامه وبياناته بشيء من تلك الوقائع والمشكلات، ولم يسجل أيّ اسم من أسماء أولئك الذين نزلت في حقهم آيات وأحكام، وإنما نزلت الآيات موضوعية عامة، دون أن تذكر اسم شخص أو تنزل إلى مستوى مشكلة بخصوصها. وذلك كي يبقى القرآن في كلّ من أسلوبه وموضوعه كتابا إنسانيا يضع المبادئ والمناهج للبشر كلهم، ويشرّع الأحكام والأنظمة للإنسانية جمعاء.
ولقد مرّت بك في أسباب النزول نماذج كثيرة من الآيات التي نزلت بمناسبات معينة ذمّا أو مدحا لأشخاص بأعيانهم؛ ولكنها جاءت بصيغ العموم وبأسلوب موضوعي دون ذكر اسم لأحد.
ومن أجل هذا كان من القواعد الفقهية المتفق عليها قولهم: العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.
أي إن خصوصية السبب لا تؤثر على عموم الصيغة ولا تضيق شيئا من عمومها لأن منهج القرآن أنه يبني على الوقائع الخاصة أحكاما ومبادئ عامة.
…
(1) الأعراف: 26.
(2)
يس: 60.
(3)
الأعراف: 158.