الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(علوم القرآن) اصطلاح خاص:
ثم إن هذه الكلمة أصبحت تطلق على طائفة معينة من الأبحاث الهامة المتعلقة بالقرآن تعلقا مباشرا وقريبا. كتفسيره، وناسخه ومنسوخه، ومكيه ومدنيه ومحكمه ومتشابهه، وقراءاته. وذلك، لأن كلّا من هذه الأبحاث، قد دار حوله كلام كثير، واستلزم فهمه معرفة دقيقة لضبطه وتحديده، وألّفت فيه الكتب المستقلة، فتحولت المعرفة بذلك إلى علم، كما يقول ابن خلدون (1).
فالتفسير إذا فن مستقل برأسه، يقوم على أسس ومقوّمات وشروط، والناسخ والمنسوخ في القرآن أيضا فن خاص يقوم على دراسة معينة وأهمية خاصة، والمحكم والمتشابه كذلك
…
وهلمّ جرا.
ثم لما كثرت تآليف العلماء في هذه القرون، وأطلقوا على جملتها اسم (علوم القرآن) وتكرر هذا الاسم وتداوله الباحثون والكاتبون، أصبح هذا الإطلاق علما على هذه الطائفة من علوم القرآن وأبحاثه. وأصبحت هذه الطائفة من الأبحاث علما مستقلا برأسه.
متى ظهر هذا الاصطلاح:
ثم إنك تعلم أن عصر الصحابة كان عصر تلقّ للقرآن والسنّة، وكان الصحابة رضوان الله عليهم يدركون معاني الألفاظ وما وراءها بفطرتهم العربية الأصيلة، فإذا أشكل عليهم شيء من وراء ذلك أيضا سألوا عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم كانت رقعة حياتهم ضيقة لا تزخر أو تتزاحم فيها التقاليد والأفكار والمشكلات الطارئة فكانت معارفهم في أذهانهم، وكان مرجعهم فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم كبار الصحابة من بعده، فلم يكن عندهم شيء مما أطلق عليه فيما بعد اسم «علوم القرآن» .
ثم لما كان عصر التابعين، أقبل التابعون على مشاهير الصحابة يعلمون منهم كتاب الله تعالى وتفسيره، وربما أخذ البعض يدوّن من ذلك الكثير مما
(1) مقدمة ابن خلدون: 214 طبعة بولاق.
يحرص عليه. وقد اشتهر من التابعين في دراسة القرآن وتفسيره: مجاهد بن جبر وسعيد بن جبير وعكرمة مولى ابن عباس وعطاء ابن أبي رباح والحسن البصري.
روى ابن كثير عن ابن أبي مليكة قال: رأيت مجاهدا سأل ابن عباس عن تفسير القرآن، ومعه ألواحه، قال: فيقول له ابن عباس اكتب، حتى سأله عن التفسير كله (1).
وهكذا تكوّن وظهر في عصر التابعين «علم تفسير القرآن» في مقدمة علومه وأبحاثه الأخرى، إذ هو أساسها وإليه مردّها؛ ظهر علما بدأ تدوينه وجمعه، بعد أن كان معارف في الأذهان والصدور.
ثم تفرع عن علم التفسير علومه الأخرى، عند ما تكاثر أرباب الاختصاص في الدراسات العربية والإسلامية.
فالفقهاء والأصوليون عنوا منها بعلم الناسخ والمنسوخ، وعلماء التفسير والكلام اهتموا من ذلك بعلم المحكم والمتشابه والقراءات، وعلماء العربية انصرفوا إلى مباحث الإعجاز والأسلوب وعلم إعراب القرآن
…
وهلم جرا.
ولا شك أن هذه الفنون لم تظهر في حقبة واحدة من الزمن، وإنما ظهرت متتابعة، إلا أنها تكاملت علوما خلال القرنين: الثاني والثالث.
أما إطلاق لفظ (علوم القرآن) اصطلاحا على هذه العلوم القرآنية فإن البعض يحسب أن الإمام الشافعي هو أول من سيّر هذا الاصطلاح وذلك أنه حينما جيء به إلى الرشيد- عند ما اتهم بالتشيّع- سأله الرشيد: كيف علمك يا شافعي بكتاب الله؟ فقال الشافعي: عن أيّ كتاب من كتب الله تسألني يا أمير المؤمنين؟ فإن الله أنزل كتبا كثيرة، قال الرشيد: قد أحسنت، لكن إنما سألت عن كتاب الله المنزّل على محمد صلى الله عليه وسلم، فقال الشافعي إن للقرآن علوما
(1) تفسير ابن كثير 1 - 4.
كثيرة، فهل تسألني عن محكمه ومتشابهه، أو عن تقديمه وتأخيره أو ناسخه ومنسوخه؟
وأغلب الظن أن الكلمة إنما أصبحت اصطلاحا، بتداول المؤلفين لها، وجعلها اسما على مباحثهم المتعلقة بالقرآن. وأيّا كان الأمر فإن الخطب في ذلك يسير وهو ما لا يتعلق لنا به غرض كبير.