الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مرّت بها الدعوة الإسلامية. وبهذا تستطيع أن تميز بين السور المكيّة والمدنية من غير الرجوع إلى روايات العلماء والمفسرين في ذلك. فحسبك أن تقرأ سورة البقرة وتطّلع على ما تجمع فيها من أحكام الصيام والحج والوصية والقصاص والنكاح والرضاع والطلاق وغيرها لتعلم أنها سور مدنية. وحسبك أن تقرأ سورة مثل سورة ق وتقف على ما فيها من الحجاج والنقاش مع المشركين وما فيها من الأدلة على وجود الله، وما ينبعث من جرسها وفواصلها وإيقاع آياتها من معاني الشدة والتهديد والجبروت، لتعلم أنها سورة مكية.
الفائدة من معرفة هذا العلم:
تتوقف فوائد علمية كثيرة على معرفة المكّي والمدني من القرآن.
فمن أهمها معرفة ما قد يوجد في القرآن من ناسخ ومنسوخ، ليصار إلى الأخذ بالناسخ واطراح المنسوخ (في مجال الأحكام والتشريع) وإنما تتوقف معرفة ذلك على معرفة تاريخ نزول الآيات.
واعلم أن وجود (الناسخ والمنسوخ) في القرآن، اقتضته ضرورة أخذ الناس بالتدرج في الأحكام الشرعية؛ كالآيات التي نزلت متدرجة في تحريم الخمر، وكالآيات التي نزلت في عقوبة الزنى.
وليس معنى نسخ الحكم في آيات القرآن أن قرآنيتها قد سقطت بذلك، بل هي تظل قرآنا يتلى ويتعبد به وهي من كلام الله عز وجل، ولكن يبطل العمل بها لمكان الآية التي نسختها.
وفائدة ذلك لنا نحن، التبصّر بالمراحل التدريجية التي سار فيها التشريع والاطّلاع على الطريقة الحكيمة المثلى التي أخذ الله بها عباده فيما سنّ لهم من أحكام.
ثم إن (الناسخ والمنسوخ) علم خاص من علوم القرآن، بحث وكتب فيه علماء التشريع. ولكنّا نكتفي منه هنا بالذي أوضحناه لك، والزيادة عليه شيء يتعلق بالفقه والتشريع أكثر من تعلقه بالعربية وآدابها.
ومن فوائد ذلك أيضا تتّبع مراحل الدعوة الإسلامية، والاطّلاع على كيفية تكامل بنية الفكر والتصور الإسلامي، وهو مما يهم الباحثين في تاريخ التشريع وأطواره.
ومن فوائده أنه يبصّر القارئ والمفسر بمعنى الآية ويحجزه عن الخطأ في تفسيرها. ذلك أن من قرأ سورة قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ ولم يعلم زمن نزولها وهل هي مكية أم مدنية، فإنه يحار في معناها، وقد يستخرج منها أن المسلمين لا يكلفون بالجهاد في أيّ الأحوال، وإنما عليهم أن يقولوا للآخرين: لكم دينكم ولي ديني. فإذا علم أن هذه السورة إنما نزلت في مكة، عند ما قال بعض صناديد الشرك لرسول الله صلى الله عليه وسلم: تعال يا محمد نعبد إلهك يوما وتعبد إلهنا يوما- إذا علم هذا، أدرك أن هذه السورة إنما هي علاج لتلك المرحلة ذاتها، وليست دليلا على عدم مشروعية الجهاد الذي نزلت فيه آيات كثيرة أخرى في المدينة.