الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحكمة من مشروعيتها:
هي تسهيل واتساع في تلاوة القرآن، اقتضتهما حكمة باهرة أطال في بيانها علماء هذا الشأن، ومردّ ذلك إلى أمرين اثنين:
الأول: التسهيل على القبائل العربية المختلفة أن تجد الوسيلة إلى قراءة القرآن قراءة صحيحة كما أنزل دون أيّ تحريف أو تأثم.
الثاني: أن تقف عامّة قبائل العرب وفئاتهم على المعجزة القرآنية من الوجوه المختلفة التي يعرفونها ويمارسون لغتهم بها، وأن ينتصب معنى التحدي أمامهم من هذه الوجوه كلها، فعلى أيّ الأشكال وبأيّ وجوه النطق والأداء أمكنهم أن ينهضوا لمعارضته والإتيان بمثله فلينهضوا ويقدموا
…
وبذلك يكون القرآن حجة على أخلاط العرب وفئاتهم كلهم، ويكون معنى التحدّي به قد لزمهم جميعهم.
ما معنى تحديدها بالسبعة ومتى حددت بهذا العدد:
ولم تكن وجوه القراءات التي يقرأ بها النبي صلى الله عليه وسلم، ويتلقاها منه أصحابه، محصورة في سبع أو عشر قراءات، بل ربما بلغت أوجه القراءات في مجموعها أكثر من ذلك. وما كان يخطر في بال أحد من الصحابة أن يحصر هذه الوجوه ويجمعها ليحصيها ويقرأ بها كلها ولتكون بذلك فنّا من فنون القرآن وعلما مستقلا من علومه. ولكن الصحابة- وخاصة من اشتهروا بالقراءة منهم- كانوا يتلقون القرآن من فم النبي صلى الله عليه وسلم بالأوجه والطرق التي يؤدي بها، فيأخذون عنه ذلك، ثم يقرأ كلّ منهم بما تيسر له أو اختاره من هذه الوجوه، كما دلّت على ذلك الأحاديث الثابتة الصحيحة.
وقد اشتهر بالقراءة والأقراء من الصحابة عدد كبير، في مقدمتهم:
عثمان بن عفان، وعلي بن أبي طالب، وأبيّ بن كعب، وزيد بن ثابت، وعبد الله بن مسعود، وأبو الدرداء، وأبو موسى الأشعري، فعنهم أخذ كثير من الصحابة والتابعين في الأمصار، وقد اشتهر كل واحد منهم بوجه من أوجه القراءة اختاره ولازمه وأقرأه الناس، فكان يقال: هذه قراءة عبد الله، وهذه
قراءة أبيّ، وهذه قراءة زيد
…
إلخ، والكلّ موقن أن سائر الوجوه الأخرى مما! يأخذ نفسه به ثابت ومنقول عن رسول الله صلى الله عليه وسلم (1).
وقد ظلّ الأمر هكذا إلى أواسط عهد التابعين: يتلقى الناس القرآن بطريقي الكتابة والمشافهة معا، ويتلقون من الصحابة الأوجه المختلفة من القراءات الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيقرأ كلّ بالقراءة التي يريدها مما تلقاه بالطريق الثابت الصحيح.
وفي أواخر عهد التابعين، انتبه كثير من علماء القرآن إلى ما أخذ يتسلل إلى الناس من اضطراب السلائق ومظاهر العجمة وبوادر اللحن، كما أوضحنا فيما سبق، فتجرد قوم منهم ونهضوا بأمر القراءات يضبطونها ويحصرونها ويعنون بأسانيدها، كما فعلوا مثل ذلك بالحديث وعلم التفسير.
وقد اشتهر ممّن نهض بذلك أئمة سبعة حازوا ثقة العلماء والقرّاء في مختلف الأمصار، وإليهم تنسب القراءات السبع اليوم.
وهم: أبو عمرو بن العلاء (ت: 154) وعبد الله بن كثير (ت: 120) وعبد الله بن عامر اليحصبي (ت: 118) وعاصم بن بهدلة الأسدي (ت: 128) وحمزة بن حبيب الزيات (ت: 156) ونافع بن نعيم (ت: 169) وعلي بن حمزة الكسائي (ت: 189).
وليس انحصار الأئمة الذين اعتمدوا إذ ذاك في ضبط القراءات في السبع، دليلا على أن القراءات المتعددة فيما تعددت القراءة فيه من ألفاظ القرآن- لا تزيد على سبع
قراءات. بل القراءات والأوجه التي قرأ بها النبي عليه الصلاة والسلام وتابعه فيها الصحابة ليست محصورة في سبع ولا في عشر كما قد علمت.
ولكن سبب اشتهار هؤلاء السبعة دون غيرهم- كما يقول أبو محمد مكّي وغيره- أن عثمان رضي الله عنه، كتب المصاحف ووجّهها إلى الأمصار، وكان
(1) انظر الإتقان للسيوطي: 1 - 83، والبرهان للزركشي: 1! 320.