الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تمهيد أوّل تعريف بهذا الكتاب وأهمّ ابحاثه
هذه تأملات علمية وأدبية سريعة في كتاب الله تعالى، أردت أن أوضح من ورائها بعض ما ينطوي عليه هذا الكتاب من روعة البيان وإعجازه، ومدى تأثيره في مختلف العلوم التي تزخر بها المكتبة العربية اليوم، مما لا بدّ للأديب ودارس العربية من الوقوف عليه.
وهي كما قلت، لا تزيد على أن تكون تأملات .. فلم أقصد منها استقصاء لبحث، ولا تحقيقا جامعا لفن، ولو قصدت إلى ذلك لضاقت بي السّبل واستعصى عليّ البحث، ولاحتاج الأمر إلى مجلدات واسعة عظيمة، وأنى لمثلي أن يأتي بتحقيق جامع لفنون هذا الكتاب المبين، أو أن يستقصي البحث في آدابه وبلاغته وعلومه؟! وإنما الذي قصدت إليه، هو أن أنال رشفة من بحر هذا البيان الإلهي، وقبضة من كنز علومه، أمتّع بهما الخاطر والنفس، وأسعد بهما الفكر والخيال.
وحسبي، وحسب القارئ، أن نقف من وراء ذلك وقفة المتأمل الخاشع عند شاطئ هذا اليم. نمتّع البصر فيما يعجز عن إدراك كنهه العقل، ونرهف السمع لهذا الذي سجد لبيانه البيان.
وكم من جمال تذوب تأثرا به النفس، ولا يحدّه الفكر والعقل. وكم من حقيقة جاثمة وراء حدود دلالة النطق والكلام، فلا يعبّر عنها إلا الحيرة الخاشعة ولا يتبيّنها سوى صادق الإحساس.
ثم إن هذا الكتاب الإلهي العظيم، ينطوي على علوم مختلفة هامة، تتعلق بمضمونه وتاريخ نزوله، كما ينطوي على صور رائعة من الجمال في تعبيره وأسلوبه وإنما يتعلق الغرض هنا بعرض سريع موجز لكلا الجانبين. إذ لا معنى لدراسة الأدب العربي بدون أيّ دراسة لينبوع هذا الأدب كله، وهو القرآن.
ولا قيمة لدراسة فنون العربية وعلومها بدون الرجوع إلى ميزان هذه العلوم ومعتمدها الأول ولا اعتبار لأدب أديب يترطن في تلاوة القرآن ولا يكاد يبين.
وهذا يعني أن الغرض إنما يتناول من ذلك كله، القدر الذي يخصّ العربية وعلومها وآدابها، أما ما يمتد من وراء ذلك إلى علوم الفقه وأصوله أو التفسير وعلم الكلام، فلا شأن لنا به في هذا المقام.
وهذه الحاجة المحدودة بهذا الشكل والقدر، هي التي ألجأتني إلى الكتابة في هذا الفن، رغم كثرة الشواغل والصوارف المختلفة. فقد رجعت إلى كل ما وقع تحت يدي من كتب هذا البحث مما ألّف قديما وحديثا، فما وجدت فيه شيئا يفي بحاجة من يقبل على دراسة الأدب العربي، وإن كان كلّ منها يقع موقعا من حاجته ويسدّ مسدّا فيها. فالبعض منها يتناول زاوية صغيرة محدودة من مجموع ما يتعلق به الغرض في هذا المقام، والبعض منها يطنب ويتوسع في أبحاث علوم القرآن حتى يتجاوز الأمر بالقارئ حدود العربية وآدابها إلى الإسلاميات وعلومها.
ولقد انتهى الضعف بطلاب العربية وعلومها في عصرنا إلى حدّ لا يكادون يستطيعون التعرّف فيه على شيء من هذه الكتب أو الأمّهات القديمة، ولا يكادون يملكون صبرا على قراءتها أو تصفحها، ويبدو أننا (ويا للأسف) لم ندرك بعد سرّ هذه الغاشية ولا علاجها.
فمن أجل كل ذلك اضطررت إلى أن أكتب بضع صفحات في هذا الفن، أتيمم فيها حاجة الأدب العربي وكفايته، واستهدف من ورائها أن يتذوق طلاب العربية هذا السموّ الرائع في البيان القرآني، تذوقا جيدا. فإنهم إذا تذوقوه طربوا له، وإذا طربوا له أقبلوا إليه قراءة وفهما، وإذا أقبلوا إليه بهذا
الشكل، استقامت ألسنتهم وتخلصت من عوج العاميّة ورطانتها وتذوقوا الأدب العربي في كل فروعه وجوانبه.
وتحقيقا لهذا الهدف، قسمت هذا الكتاب بعد المقدمة والتمهيد إلى ثلاثة أقسام:
(القسم الأول) ويتناول خلاصة لتاريخ القرآن وعلومه وهي تشمل:
1 -
القرآن: تعريفه وحقيقته.
2 -
نزول القرآن منجّما والحكمة من ذلك ..
3 -
أسباب النزول ..
4 -
كيفية جمع القرآن وكتابته.
5 -
رسم القرآن.
6 -
الأحرف السبعة: خلاصة جامعة عنها.
7 -
القراءات والقرّاء: لمحة دراسية عنها.
8 -
المكّي والمدني.
9 -
التفسير: نشأته وتطوره ومذاهبه.
10 -
المبهم والمتشابه في القرآن.
(القسم الثاني) ويتناول دراسة موجزة لمنهجه وأسلوبه، وتشمل هذه الدراسة الأبحاث التالية:
1"- أسلوب القرآن: نظرة عامة فيه، ثم دراسة لخصائصه.
2"- إعجاز القرآن: بيانه ودليله ووجوهه.
3"- موضوعات القرآن وطريقة عرضه لها: دراسة مختصرة سريعة.
4"- التصوير في القرآن: مظهره ووسائله.
5"- الأمثال في القرآن.
6"- القصة في القرآن: أغراضها ومنهجها.
7"- المنهج التربوي في القرآن.
8"- النزعة الإنسانية في القرآن.
9"- فلسفة القرآن عن الكون والإنسان والحياة.
10"- هل من الممكن ترجمة القرآن.
(القسم الثالث) ويتناول نماذج من النصوص القرآنية في بعض موضوعاته نتبعها بشرح أدبي مركّز، يكون تطبيقا للدراسات النظرية التي تناولها أبحاث القسم الثاني، ومثالا يحتذيه القارئ في شرح بقية آي الكتاب الكريم، مستعينا على ذلك بالرجوع إلى مختلف تفاسير الكتاب الكريم.
وأسأل الله ربّ العالمين، أن يوفّقنا لأن نجعل دراستنا للعربية خدمة لكتابه، ولا يتركنا ندرس كتابه خدمة للعربية، وأن يبصّر عقولنا بالحق، ويجبّب إلى قلوبنا اتّباعه والتمسك به. وحسبي الله ونعم الوكيل.