الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حصن الصعب بغية اقتحامه فطارد اليهود حتى أدخلهم حصنهم الذي أغلقوا أبوابه.
ولكنه لقى من اليهود مقاومة عنيدة حالت بينه وبين اقتحام الحصن، فقد اقترب المسلمون من أسوار الحصن في هجوهم، ولكن اليهود أطلقوا عليهم سيولًا جارفة من سهامهم، كما قذفوهم من أسوار الحصن قذفًا شديدًا بالحجارة التي أعدُّوها لمثل ذلك الموقف .. فتراجع المسلمون عن الحصن أمام انهمار السهام والحجارة التي سلّطها عليهم المدافعون عن الحصن.
الهجوم اليهودى المعاكس مرة أخرى:
واغتنم اليهود فرصة تباعد المسلمين المهاجمين عن أسوار الحصن فشنّوا في الحال على المسلمين هجومًا معاكسًا ثانيًا كان أعنف من الهجوم الأول، حيث فتحوا أبواب حصنهم وحملوا على المسلمين حملة منكرة، ولكن المسلمين هذه المرة ثبتوا مع قائدهم (الحباب) وقابلوا هجوم اليهود بهجوم مضادّ آخر، فدارت أمام الحصن معركة طاحنة استمات فيها الفريقان وقد سقط في هذا القتال من المسلمين عدد من القتلى، ولكن النصر كان في النهاية لهم حيث تمكنوا من صدّ هجوم اليهود، فدحروهم حتى ولوَّا منهزمين فدخلوا حصنهم وأغلقوا على أنفسهم الأبواب.
قال المقريزى في كتابه (إمتاع الأسماع ص 317): ولما أقام المسلمون على حصن الصعب يومين عدا بهم الحباب بن المنذر في اليوم الثالث ومعه الراية فقاتلهم أشد قتال، وبكّر رسول الله صلى الله عليه وسلم فتراموا بالنبل، وقد ترّس المسلمون على رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم حملت اليهود حملة منكرة، فانكشف المسلمون حتى انتهوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو واقف قد نزل عن فرسه ومدعم (1) يمسك الفرس، وثبت الحباب برايته يراميهم على فرسه.
فندب رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس وحضّهم على الجهاد فأقبلوا حتى زحف بهم الحباب، واشتد الأمر فانهزمت اليهود وأغلقوا الحصن عليهم، ورموا على جدره بالحجارة رميًا كثيرًا، فتباعد عنهم المسلمون، ثم كرّوا
(1) مدعم: اسم أحد موالى النبي.
فخرجت اليهود وقاتلوا أشد قتال، فقتا ثلاثة من المسلمين ثم هزمهم الله تعالى.
قال الواقدي: حدثني خالد بن إلياس عن جعفر بن محمود في محمد عن محمد بن مسلمة قال: كنت فيمن ترّس عن النبي صلى الله عليه وسلم، فجعلت (عند اشتداد هجوم اليهود) أصيح بأصحابه: تراموا بالجحف! ففعلوا، فرمونا (أي اليهود) حتى ظننت أن لا يقلعوا، فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم رمى بسهم فما أخطأ رجلًا منهم، وتبسم إليّ رسول الله صلى الله عليه وسلم انفرجوا ودخلوا الحصن.
وحدّث الواقدي أيضًا عن جابر بن عبد الله الأنصاري أنه قال "يصف القتال العنيف أمام حصن الصعب بن معاذ": لما انتهينا إلى حصن الصعب بن معاذ وغزا بنا الحباب بن المنذر بن الجموح، ومعه راكنا وتبعه المسلمون، وقد أقمنا على حصن الصعب يومين نقاتلهم أشد القتال، فلما كان اليوم الثالث بكر رسول الله صلى الله عليه وسلم فخرج رجل من اليهود (من الحصن) كأنه الدقل (1) وخرج وعاديته (2) معه فرموا بالنبل ساعة سراعًا، وترّسنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمطرونا بالنبل، فكأن نبلهم الجراد، حتى ظننت أن لا يقلعوا، ثم حملوا حملة رجل واحد، فانهزم المسلمون حتى انتهوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو واقف، قد نزل عن فرسه، ومدعم (مولاه) يمسك فرسه، وثبّت الحباب رايتنا، والله ما يزال يراميهم على فرسه.
وندب رسول الله المسلمين وحضّهم على الجهاد ورغّبهم فيه، وأخبرهم أن الله قد وعده خيبر يغنّمه إياها، قال: فأقبل الناس جميعًا حتى عادوا إلى صاحب رايتهم، ثم زحف بهم الحباب، فلم يزل يدنو قليلًا قليلًا، وتراجع اليهود على أدبارها حتى لحَمَها الشر فانهزموا سراعًا ودخلوا الحصى وغلقّوا
(1) الدقل بفتح أوله وثانيه: سارية طويلة من خشب يمد ويربط عليها شراع السفينة، وقد شبه الفارس اليهودى بالدقل لطول جسمه.
(2)
العادية هم مشاة من الحرس يعدون أمام القائد وتلك عادة عند اليهود وبعض الأمم الأخرى كالأحباش، يتبعونها للتدليل على الأبهة والعظمة، حتى ولو لم يكونوا في حالة حرب، ترى هؤلاء المشاة يجرون أمام دابة القائد أو الحاكم.