الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وهذا السياق من ابن إسحاق، يدل على أن المسلمين لم يستولوا على حصن (القموص) وهو من حصون الشطر الثاني - إلا بعد مقاومة عنيفة أبداها اليهود وفقدوا خلالها عددًا كبيرًا من القتلى. وجاء في السيرة الحلبية ج 2 ص 166، أن الذي تولى فتح حصن القموص علي بن أبي طالب، وقال: إن من هذا الحصن سبيت صفية بنت حيى بن أخطب، كما قال ابن حجر. وقد سبق تحقيق المقام في ذلك. وقول صاحب السيرة الحلبية هذا، يؤيد ما ذكره ابن إسحاق من أنا حصن (القموص) اقتحمه المسلمون وفتحوه بقوة السلاح.
أما الحصنان (الوطيح والسلالم) فيتفق ابن إسحاق مع باقي المؤرخين في أن اليهود المعتصمين بهما استسلموا بعد الحصار الشديد وبعد أن أيقنوا بالهلكة (1).
غير أن هناك ما ينبغي الإِشارة إليه هنا، وهو أن هناك نقصًا في سرد ابن إسحاق لحوادث فتح حصون خيبر، فقد قال عند ابتدائه لوصف فتح خيبر، وتدنى رسول الله صلى الله عليه وسلم الأموال يأخذها مالًا مالا، ويفتتحها حصنًا حصنًا، فكان أول حصونهم افتتح حصن ناعم، ثم القموص (2).
فهو كما نرى لم يذكر من حصون النطاة والشق الخمسة سوى حصن ناعم، كما أن سياقه هذا يوهم بأن حصن (القموص) هو من حصون النطاة أو الشق في الشطر الأول من خيبر، بينما الذي عليه جمهرة المؤرخين أنه من حصون الشطر الثاني من خيبر، في الكتيبة.
قول الواقدي:
أما الواقدي (وهو الند لابن إسحاق في المغازي) فقد ذكر في كتابه (المغازي)(3):
أن اليهود بعد أن فقدوا الشطر الأول من خيبر انهزموا وتحولوا إلى الشطر
(1) سيرة ابن هشام ج 2 ص 337.
(2)
سيرة ابن هشام ج 2 ص 330.
(3)
ج 2 ص 670 نشر جامعة أكسفورد بتحقيق الدكتور مارسدن جونس.
الثاني واعتصموا مع يهود هذا الشطر بحصونهم الثلاثة (الوطيح والسلالم والقموص) واستعدوا للمقاومة، وظلوا يقاومون ممتنعين بحصونهم حتى ضرّسهم الحصار فاستسلموا، وهنا يختلف الإِمام الواقدي مع الإمام ابن إسحاق، فبينا يذكر ابن إسحاق أن المسلمين افتتحوا حصن (القموص) بقوة السلاح والحصنين الآخرين (الوطيح والسلالم) عن طريق المفاوضة، يذكر الواقدي أن جميع الحصون الثلاثة سلّمها اليهود للمسلمين عن طريق المفاوضة وأن المسلمين لم يقتحموا بقوة السلاح أي حصن من هذه الحصون وإنما فتحت بالرعب الذي قذفه الله في قلوب اليهود بعد الحصار الذي دام 14 يومًا. فقد قال الواقدي:(ثم تحول رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الكتيبة (1) والوطيح وسلالم (حصن ابن أبي الحقيق الذي كانوا فيه)، فتحصنوا فيه أشد التحصن وجاءهم كل فلّ (2) كان قد انهزم من النطاة والشق، فتحصنوا معهم في القموص (وهو في الكتيبة) وكان حصنًا منيعًا، وفي الوطيح وسلالم، وجعلوا لا يطلعون من حصونهم مغلقين عليهم حتى همّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ينصب المنجنيق عليهم لما رأى من تغليقهم، وأنه لا يبرز منهم بارز، فلمَّا أيقنوا بالهلكة - وقد حصرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعة عشر يومًا سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلح. قال أبو عبد الله: قلت: لإِبراهيم بن جعفر: وجد في الكتيبة خمسمائة قوس عربية.
وقال: أخبرني أبي عمّن رأى كنانة بن أبي الحقيق يرمى بثلاثة أسهم في ثلاثمائة - فيدخلها في هدف شبرًا في شبر، فما هو إلا أن قيل: هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أقبل من الشق في أصحابه - وقد تهيأ أهل القموص وقاموا على باب الحصن بالنبل، فنهض كنانة إلى قوسه فما قدر أن يوترها من الرعدة، وأومأ إلى أهل الحصون: لا ترموا! وانقمع، فما رُئِي منهم
(1) الكتيبة: أحد أودية خيبر (نهاية الأرب ج 17 ص 263، وهو واد خصب به وحده أربعون ألف نخلة.
(2)
الفل (بفتح الفاء) بقايا القوم المنهزمين .. يقال رجل فل، وقوم، فل (الصحاح ص 1793).