الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
آداب حربية نبوية:
وعندما استولى المسلمون على حصن ابن معاذ نادى منادى النبي القائد صلى الله عليه وسلم بمنع أخذ أي شيء من الغنائم قبل قسمتها ما عدا الضرورى الذي يحتاجه الإِنسان لحينه فقال: (كلوا واعلفوا ولا تحتملوا -يعني لا تخرجوا به إلى بلادكم- فأخذوا من ذلك الحصن طعامهم وعلف دوابهم، ولم يمنع أحد من شيء، ولم يخمّس (1) ثم نقلت الغنائم والأسلاب إلى معسكر الجيش النبوى.
إراقة الخمر وكسر آنيتها:
وقد وجد المسلمون في حصن الصعب ضمن متروكات اليهود المنهزمين كميات كبيرة من الخمر المعتَّق فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بكسر آنيتها وإراقتها.
وضرب رجل من الجند المسلمين من هذه الخمر يقال له: "عبد الله الخمَّار" فخفقه رسول الله صلى الله عليه وسلم بنعليه وأمر من حضروه فخفقوه بنعالهم (2).
لا تلعنه:
وقد لعن عمر بن الخطاب هذا الرجل لشربه الخمر فقال النبي صلى الله عليه وسلم لا تلعنه - فإنه يحب الله ورسوله.
ثم راح عبد الله كأنه أحدهم فجلس معهم.
كما وجد الجيش في حصن الصعب آنية من نحاس وفخار كانت يهود تأكل فيها وتشرب فقال النبي صلى الله عليه وسلم: اغسلوها واطبخوا وكلوا فيها، واشربوا (3).
وقد وصف الواقدي معركة حصن الصعب فقال: (فيما رواه عن أبي سبرة أحد الذين شهدوا فتح خيبر): ثم حمل صاحب رايتنا، وحملنا معه، وأدخلنا اليهود الحصن وتبعناهم في جوفه فلما دخلنا عليهم الحصن، فكأنهم
(1) إمتاع الأسماع ص 318.
(2)
الخفق: هو الضرب الخفيف بالسوط أو النعل أو العصا.
(3)
إمتاع الأسماع ص 319.
غنم، فقتلنا من أشرف لنا (1)، وأسرنا منهم، وهربوا في كل وجه يركبون الحرّة (2) يريدون حصن قلعة الزبير، وجعلنا ندعهم يهربون (أي أن عسكر الإِسلام لم يتعقبّوا اليهود المنهزمِين من الحصن)، وصعد المسلمون على جدره، فكبّروا عليه تكبيرًا كثيرًا، ففتتنا أعضاد اليهود بالتكبير، لقد رأيت فتيان أسلم وغفار فوق الحصن يكبِّرون، فوجدنا والله من الأطعمة ما لم نظن أنه هناك، من الشعير والتمر والسمن والعسل والزيت والودك.
ونادى منادى رسول الله صلى الله عليه وسلم: كلوا واعلفوا ولا تحتملوا، يقول: لا تخرجوا به إلى بلادكم، فكان المسلمون يأخذون من ذلك الحصن مقامهم، طعامهم وعلف دوابهم، لا يُمْنَعُ أحد أن يأخذ حاجته، ولا يُخَمَّس الطعام، ووجدوا فيه من البز والآنية، ووجدوا خوابى السكر (3)، فأمروا فكسروها، فكانوا يكسرونها حتى سال السكر في الحصن، والخوالى (4) كبار لا يطاق حملها، وكان أبو ثعلبة الخشني (5) يقول: وجدنا فيه آنية من نحاس وفخار، كانت اليهود تأكل فيها وتشرب، فسألنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: اغسلوها واطبخوا فيها واشربوا، وقال أسخنوا فيها الماء (6) ثم اطبخوا بعد .. وكلوا واشربوا، وأخرجنا منه غنمًا كثيرًا، وبقرًا وحُمرًا، أخرجنا منه آلات كثيرة للحرب، ومنجنيقًا ودبابات وعدّة، فنعلم أنهم كانوا يظنون أن الحصار يكون دهرًا، فجعل الله خزيهم.
وحدّثني عبد الحميد بن جعفر، عن أبيه، قال: لقد خرج من أطم (7) من حصن الصعب بن معاذ من البز عشرون عكمًا محزومة من غليظ متاع اليمن، وألف وخمسمائة قطيفة، يقال قدم كل رجل بقطيفة على أهله، ووجد عشرة أحمال خشب، فأمر به فأخرج من الحصن ثم أحرق،
(1) أشرف الشيء: برز وظهر.
(2)
الحرة: هي الأرض ذات الحجارة السوداء التي كأن رؤوسها أطراف سكاكين.
(3)
السكر (بفتح السين والكاف): هو الخمر بمختلف أنواعه.
(4)
الخوابى جمع خابية: جرار تصنع لتعتيق الخمر فيها.
(5)
و (6) تسخين الماء في الأواني مفيد من الناحية الطبية لأن الغليان يقتل جميع الميكروبات الضارة، ومن هنا أمر صلى الله عليه وسلم تسخين الماء في الأوانى قبل الأكل والشرب فيها خشية أن تكون موبوءة.
(7)
أطم الحصن (بضم أوله وثانيه): أعلاه.
فمكث أيامًا يخترق، وخوابي سكر (بفتح أوله وثانيه) كسرت وزقاق خمر (1) فأهريقت وعمد يومئذ رجل من المسلمين فشرب من الخمر، فرفع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فكره حين رفع إليه، فخفقه بنعليه (2)، ومن حضره، فخفقوه بنعالهم، وكان يقال له: عبد الله الخمار، وكان رجلًا، لا يصبر كل الشراب، قد ضربه رسول الله صلى الله عليه وسلم مرارًا، فقال عمر بن الخطاب: اللهم العنه! ما أكثر ما يضرب! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تفعل يا عمر، فإنه يحب الله ورسوله، ثم راح عبد الله فجلس معهم كأنه أحدهم.
وقالت أم عمارة (3)(وكانت ممن حضر خيبر): لقد وجدنا في حصن الصعب بن معاذ من الطعام، ما كنت أظن أنه لا يكون بخيبر، جعل المسلمون يأكلون مقامهم شهرًا وأكثر، من ذلك الحصن، فيعلفون دوابهم، ما يمنَعُ أحد منهم، ولم يكن فيه خمس وأخرج من البزوز شيء كثير يباع في المقسم، ووجد فيه خرز من خرز اليهود، فقيل لها: فمن الذي يشترى ذلك في المقسم؟ قالت: المسلمون واليهود الذين كانوا في الكتيبة فآمنوا، ومن حضر من الأعراب، فكل هؤلاء يشترى، فأما من يشترى من المسلمين، فإنما يحاسب به من المغنم.
وقال الواقدي أيضًا: لما نظر عُيينة بن حصن، إلى حصن الصعب بن معاذ، والمسلمون ينقلون منه الطعام والعلف والبز قال: ما أحد يعلف لنا دوابنا ويطعمنا من هذا الطعام، فقد كان أهله كرامًا فشتمه المسلمون (4) وقالوا: لك الذي جعل لك رسول الله صلى الله عليه وسلم، ذو الرقيبة (5) فأسكت.
(1) الزقاق: جمع زق وهي أوعية الخمر خاصة.
(2)
خفقه بالسيف ونحوه: ضربه ضربًا خفيفًا.
(3)
أم عمارة، اسمها نسيبة بنت كعب كانت لها أدوار بارزة في الدفاع عن رسول الله يوم أحد، انظر ترجمتها في كتابنا (غزوة أحد).
(4)
أشرنا فيما مضى إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم عرض على عيينة بن حصن (قبل الهجوم) نصف ثمار خيبر شريطة أن يلتزم وغطفان قومه جانب الحياد، غير أن عيينة رفض هذا العرض، وأصر على مساندة يهود خيبر فتحرك بأربعة آلاف مقاتل من حيفاء في نجد لمناصرة الهود، ولكنه وصل متأخرًا حيث وجد المسلمون قد استولوا على خيبر، فأكلت قلبه الحسرة.
(5)
ذو الرقيبة: جبل مطل على خيبر، وكان ذكر إعطائه لعيينة سخرية به.