الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
خمسون جريحًا وشهيد واحد:
وقد تكبد المسلمون في اليوم الأول من القتال (أمام حصن مرحب .. ناعم) خسائر لا يستهان بها، إذ أصيب منهم خمسون رجلًا بجراح نتيجة تعرضّهم لنبال اليهود التي كانوا يصبونها عليهم من أبراج الحصن (1)، وقد نقل هؤلاء الجرحى جميعًا في اليوم التالي إلى وادي الرجيع للمعالجة في مركز الإسعاف هناك بعد أن حول النبي صلى الله عليه وسلم مقر قيادته إلى هذا الوادي بمشورة الحباب بن المنذر (2) كما سيأتي تفصيله إن شاء الله.
محمود بن مسلمة أول شهيد في خيبر:
كما أنه في اليوم الأول هذا قتل محمود بن مسلمة أخو محمد بن مسلمة الأنصاري، فكان أول شهيد يخرّ صريعًا في معركة خيبر.
ولم يقتل محمود بن مسلمة في المعركة، وإنما قتل غيلة وهو يتفيَّأ ظلال أحد الأبنية التابعة لحصن ناعم التي ما كان يظن أن بها أحدًا من المقاتلين اليهود.
فقد انحاز محمود (بعد أن قاتل قتال الأبطال وكان ذلك اليوم صائفًا شديد الحر) انحاز إلى ذلك الظل ليستريح قليلًا فألقى عليه مرحب اليهودى حجر رحى، فأصابت رأسه فتحطمت عليه البيضة حتى سقطت جلدة جبينه على وجهه، فجئ به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فرد الجلدة كما كانت ثم عصب رأسه (3)، وبعدها نُقل إلى مركز الإسعاف فظل تحت العلاج في وادي الرجيع ثلاثة أيام حتى فارق الحياة.
تغيير مقر قيادة النبي:
وفي هذا اليوم (اليوم الأول من القتال) الذي لاقى فيه المسلمون
(1) مغازى الواقدي ج 2 ص 646.
(2)
الحباب بن المنذر هو الخبير العسكري المشهور الذي (تبعًا لمشورته) غير النبي صلى الله عليه وسلم في بدر مقر قيادته وعسكر بدلًا منه في المكان الذي دارت فيه المعركة، انظر ترجمة الحباب في كتابنا (غزوة بدر الكبرى).
(3)
مغازى الواقدي ج 2 ص 645.
مصاعب شديدة ومنوا بخسائر لا يستهان بها، لاحظ أحد القادة الكبار من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم من الأنصار (وهو الحباب بن المنذر)، لاحظ أن المكان الذي اتخذه النبي صلى الله عليه وسلم مقرًّا لقيادته غير صالح من الناحية (الاستراتيجية) فأشار على النبي صلى الله عليه وسلم لذلك بأن يتحول منه ويختار مكانًا غيره صالحًا لأن يكون مقرًا لقيادته.
فقد تفقد الحباب المكان فوجد أن حصون النطاة المراد مهاجمتها تقع على مرتفعات عالية، ووجد أن معسكر المسلمين مكشوف تمامًا أمام تلك الحصون (ومنها حصن ناعم) ولحظ أن نبال اليهود المصوّبة من الحصون تخالط المسلمين داخل معسكرهم، الأمر الذي جعل خمسين من المسلمين يصابون بجراح مختلفة. كما لاحظ أن معسكر الجيش يقع في منطقة موبوءة حيث النخيل ونزّ الماء (1)، فقد ذكر المؤرخون أن الحباب بن المنذر جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم في اليوم الأول من القتال (وهو يهاجم حصن ناعم) فقال: يا رسول الله إنك نزلت منزلك هذا، فإن كان عن أمر أُمرت به فلا نتكلمَّ فيه، وإن كان الرأي تكلمنا.
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: بل هو الرأي. فقال الحباب: يا رسول الله دنوت من الحصن ونزلت بين ظهرى النخل والنزّ مع أن أهل النطاة لي بهم معرفة، ليس قوم أبعد مدى سهم فهم ولا أعدل رمية فهم (أي أنهم مهرة في تصويب الرمي) وهم مرتفعون علينا، وهو أسرع لانحطاط نبلهم، مع أنى لا آمن من بياتهم (أي هجومهم في الليل)، يدخلون في خَمَر (2) النخل، تحوَّل يا رسول الله إلى موضع برئ من النّز ومن الوباء، نجعل الحرّة بيننا وبينهم، حتى لا ينالنا نبلهم.
فاستصوب النبي صلى الله عليه وسلم رأى الحباب بن المنذر قائلًا: لقد أشرت بالرأى، إذا أمسينا تحوّلنا (3).
(1) النز: ما يتحلب من الأرض من الماء، قاله في الصحاح.
(2)
الخمر بفتح أوله وثانيه: كل ما سترك من شجر أو غيره (النهاية في غريب الحديث ج 1 ص 320).
(3)
انظر السيرة الحلبية ج 2 ص 158 ومغازى الواقدي ج 2 ص 643.