الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عَبْر صراعاتهم المسلحة مع الفئات اليهودية وغير اليهودية في جزيرة العرب في العهد النبوى.
وهذا دليل عملي قائم يؤكد أن التفوق الساحق في العدد ووفرة السلاح وجودة التسليح والعلوم الحربية (التكنولوجيا) ليس وحده الذي يضمن النصر في المعارك، وإنما الذي يضمن ذلك ويحققه هو (في الدرجة الأولى) رسوخ العقيدة الصادقة في نفس المحارب والسير في دروب الكفاح على هدى نورها والتسلح بها قبل حشد الرجال وتكديس السلاح الذي لا قيمة حربية له إذا لم تحمله يد يحرّكها قلب ملئ بالإِيمان بالله تعالى. هذا بالنسبة لنا نحن المنتسبين إلى الإِسلام:{إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} {وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالكُمْ} . "ومن طلب العزة بغير الإِسلام أذله الله"(1).
فانتصار ألف وأربعمائة من المسلمين على عشرة آلاف مقاتل من اليهود في خيبر إنما عامله الأول رسوخ عقيدة الإِسلام في نفس المحارب المسلم إلى درجة كان من أثر رسوخها وزخمها أن يرفض بعض الجند في الجيش النبوى المحارب حظه في الغنيمة (بعد النصر) ليكون جهاده جهادًا مثاليًا خالصًا لوجه الله تعالى كما فصلناه في هذا الكتاب.
فلولا عامل العقيدة السليمة لا تمكن المسلمون من التغلب على اليهود لأن كل مقوّمات النصر (من وجهة النظر العسكرية المجرّدة) متوفرة لدى اليهود حيث كان هؤلاء اليهود يتفوّقون على المسلمين في كل شيء تفوقًا ساحقًا.
خرافة التفوق التكنولوجى:
إن انتصار المسلمين على اليهود في خيبر هو دليل حي على بطلان خرافة معزوفة القول: إن سبب انتصار اليهود علينا في حرب الأيام الستة في حزيران سنة 1967 م هو تفوّق اليهود في التكنولوجيا، خرافة وأية خرافة هذا القول.
لقد كان المحاربون اليهود في معارك خيبر يتفوقون على أجدادنا المسلمين
(1) من أقوال الخليفة الفاروق المأثورة.
في كل شيء مادى يحتاجه المحارب لكسب النصر، بما في ذلك ما يسمونه اليوم بـ (التكنولوجيا) حيث كان لدى يهود خيبر من الوسائل الحربية الفنية للدفاع والهجوم ما ليس لدى المسلمين منه شيء، ومع ذلك فقد هزم أولئك اليهود هزيمة ساحقة. بينما انتصر البهود علينا في حرب حزيران، وأنزلوا بنا تلك الهزيمة المخزية مع تفوقنا الساحق عليهم، في العدد ووفرة السلاح، وكل شيء مادى يحتاجه المحارب لكسب النصر.
وعليه؛ فإنه لا يمكن لعاقل منصف قبول دعوى التفوق التكنولوجى لدى اليهود، تفسير مبرر لهزيمتنا الفاضحة، وإنما التفسير الصحيح لأسباب هذه الهزيمة هو أن الإِسلام (كدين ودولة وخلق ومعاملة ومهذِّب وحافز شريف كان غائبًا كليًّا عن المعركة حيث حرصت جهات مخصوصة على إخماد صوته ومحو أيّ أثر له في نفوس المحاربين منذ الحشد لهذه المعركة - طوال عشرين عامًا - وحتى نهايتها الفاضحة الخزية. في حين أُفسِحَ المجال لشعارات مذاهب ومبادئ دخيلة مستوردة هي والإِسلام على طرفى نقيض لتحل محل الإِسلام في التوجيه المعنوى والإِعداد التربوى بين المحاربين طوال كل هذه المدة، الأمر الذي صنع الهزيمة لنا على النحو الفاضح الذي لم يشهد مثله تاريخ الأمة العربية والإِسلامية في جميع العصور.
ولا شك أن ما أصابنا إنما هو بمثابة انتقام من الله وتذكير لكى نعود إلى جادة الإسلام الذي بمعاداته ومحاربة تعاليمه والاستهزاء بها لا يمكن أن يتم لنا النصر على اليهود حتى ولو خضنا معهم ألف معركة.
ولعل أقبح ما سمعنا في دنيا الدجل والمغالطة والافتراء ما يردده عملاء الشيوعية في بلاد العرب من أن هزيمة الخامس من حزيران إنما يتمثل في تمسك العرب ببقايا الأيديولوجية الغيبية (الدين)، وأن العرب إذا، ما أرادو تحقيق نصر حاسم على إسرائيل فإن عليهم (أولًا) أن يقطعوا كل صلة تصلهم بالماضى بما في ذلك الدين، ليبنوا حاضرهم على الواقع التقدمي المستمد من تعاليم ماركس ولينين (1) لأن اتباع هذه التعاليم (بزعمهم) هو
(1) انظر كتاب (من النكسة إلى الثورة) للدكتور نديم البيطار، وكتاب نقد الفكر الدينى لمؤلفه جلال العظم.
الكفيل بتحقيق النصر الساحق على اليهود.
ولست أدرى كيف يتم للعرب النصر على اليهود باتباع تعاليم هي من صنع اليهود أنفسهم، ابتدعوها وعملوا بدهاء وخبث على نشرها لتخريب المجتمعات، بينما صانوا أنفسهم عن مزالق اتباعها .. وهل الماركسية التي وفدت على بلاد العرب في أقنعة مختلفة إلا مِن اختراع الصهيونية؟ ؟ أليس كارل ماركس يهودى لحمًا ودمًا وأما وأبًا وصهيوني فكرًا ومعتقدًا؟ . فكيف إذن يريد منا هؤلاء المفكرون العملاء أن نسير على هدى تعاليم يهودية لنتصر على اليهود. إن هؤلاء الشيوعيين العرب، لو أنصفوا لرأوا أن العكس هو الصحيح، وهو أنه ليس من سبب لهزيمة الخامس من حزيران سوى الحجر على الإِسلام وقطع الصلة بينه وبين جيل العشرين سنة لتحل محله في مختلف القيادات الفكرية والتربوية وفي جميع قطاعات الجماهير من سياسية وعسكرية واقتصادية واجتماعية نفس التعاليم الماركسية التي أغرقت روافدها (تحت مختلف الشعارات) أكثر أقطار العالم العربي، إلى درجة أنه عندما نشبت حرب الأيام الستة لم يكن أي وجود للأيديولوجية الغيبية (العقيدة الإِسلامية كما هي) في أي قطاع من قطاعات الدولة العسكرية أو السياسية أو التربوية، في أكثر البلاد العربية. وإنما الوجود والسلطان والنفوذ والسيادة والقيادة في جميع هذه القطاعات للأيديولوجية الماركسية أو مشتقاتها.
ومن هنا يتضح أن السبب في هزيمة الخامس من حزيران ليس التمسك بالعقيدة الإِسلامية (كما يزعم سماسرة الشيوعية في بلادنا) هذا التمسك الذي لا وجود له بين مختلف القطاعات في الأقطار المعنية إياها، وإنما السبب هو الاعتصام بالأيديولوجية الماركسية على حساب نبذ العقيدة الإِسلامية، هذا الاعتصام الذي بلغ من الشدة إلى درجة اعتُبرَ معها الجهر بالأيديولوجية الإِسلامية والدعوة إلى العمل بموجبها (في بعض الأقطار) جريمة تستحق عقوبة الموت، وقد لاقى رجال حتفهم على أعواد المشانق في البلاد العربية لاتهامهم بأنهم ممن يدعون إلى العمل في بلادهم المسلمة بالأيديولوجية الإِسلامية.
فما بعد هذا يحق لهؤلاء المفكرين من السماسرة اليساريين (عملاء
الشيوعية في بلاد العرب) القول أن سبب هزيمة الخامس من حزيران هو التمسك بالأيديولوجية الإِسلامية؟ {كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إلا كَذِبًا} .
لقد تركت الجماهير العربية (أكثرها عن طواعية واختيار وقليل منها عن كراهية) قيادها لخصوم الأيديولوجية الإِسلامية المبشرين بالأيديولوجية الماركسية طوال عشرين عامًا، فماذا كانت النتيجة؟ ؟ كانت النتيجة قيام خصوم العقيدة الإِسلامية هؤلاء بصبع أشنع هزيمة عرفها العرب في تاريخهم ولم يحدث ذلك في ظل التمسك بالأيديولوجية الغيبية (عقيدة الإِسلام).
حتى يحمل الفكرون من عملاء الشيوعية، هذه العقيدة مسؤولية هزيمتهم هذه. وإنما حدث في ظل الاعتصام بالعقيدة الماركسية نفسهما.
فلا أظن عاقلًا يستطيع القول: إن القيادات المسؤولة عن هزيمة الخامس من حزيران كانت تنطلق (في حربها وسلمها وسلوكها الخاص والعام وأساليبا التربوية والتوجيهية بين محكوميها) من مفهوم العقيدة الإسلامية.
وإنما كانت - ولا زالت - تنطلق في كل ذلك من مفهوم عقيدة ماركس ولينين .. فصحَّ يقينًا أن الهزيمة إنما نزلت بهم في غياب الإِسلام عن المعركة غيابًا كليًّا .. وفي حضور العقيدة اليسارية المنبثقة من الفلسفة الماركسية التي كانت ولا زالت هي الرائد والموجِّه لهذه القيادات في السلم والحرب والسياسة والاقتصاد والتربية والتوجيه.
فلا معنى (إذن) لدعوة المفكرين اليساريين إلى أن ينسلخ الذين صنعوا هزيمة الخامس من حزيران عن الأيديولوجية الإِسلامية. إذ أن انسلاخهم عن هذه الأيديولوجية كان تامًّا قبل أن يخوضوا حرب الخامس من حزيران.
ولا معنى كذلك للقول أيضًا بأن الانسلاخ عن العقيدة الإِسلامية واستبدالها بالعقيدة الماركسية سيضمن النصر المؤزر للعرب على اليهود في المعركة القادمة .. إذ لو كان ذلك صحيحًا لتم النصر على اليهود في حرب حزيران لليساريين العرب الذين تمثل جيوشهم أقوى قوة ضاربة في الشرق
الأوسط لأنه لم يكن لهؤلاء اليساريين (ومنذ عشرين عامًا) أي ارتباط بالعقيدة الإسلامية في أي مجال عن مجالات الحياة والسلوك الخاص والعام. وإنما ارتباطهم طيلة هذه المدة وحتى اليوم (فكرًا وعقيدة وسلوكًا) كان بالعقيدة الماركسية فحسب.
ولو أنصف هؤلاء المفكرون؛ لدعوا إلى نبذ الماركسية وردم روافد الشعارات المنبثقة منها، في العالم العربي. لأن التجربة العملية أثبتت (على محك معركة حزيران) إفلاس هذه الشعارات حيث كان الالتزام بها (لا بالإِسلام) السبب الأول في تمزيق الأمة العربية وتفجير براكين الحقد والبغضاء بين مختلف طبقاتها. وبالتالى كان السبب المباشر في ضياع شرف وهيبة وكرامة الأمة العربية والإِسلامية على يد اليهود يوم أنزلوا بنا تلك الهزيمة الفاضحة التي ما كانت لتنزل بنا (والله) لو أن العرب تمسكوا بالإِسلام تمسكًا حقيقيًّا، وجعلوا عقيدته السامية - لا العقيدة الماركسية الفاسدة - منطلقها إلى المعركة.
اللهم ألهم قادتنا الرشد والسداد من كانوا وأينما كانوا ليعودوا إلى المنبع الصافى؛ منبع الإِسلام فينهلوا وشعوبهم منه كما نهل محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه فتم لهم العزة والنصر على أعدائهم في كل موطن رغم قلتهم وكثرة أعدائهم.