المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌مقارنة بين الجيشين المسلم واليهودى: - من معارك الإسلام الفاصلة = موسوعة الغزوات الكبرى - جـ ٦

[محمد بن أحمد باشميل]

فهرس الكتاب

- ‌ 6 -غَزْوَةُ خَيْبَر

- ‌مقدمة الكتاب بقلم الكولونيل عبد الله التل

- ‌تمهيد المؤلف

- ‌موجز عن تاريخ اليهود في خيبر

- ‌جغرافية خيبر:

- ‌متى جاء اليهود إلى خيبر:

- ‌اليهود عنصر دخيل في الجزيرة:

- ‌شجاعة يهود خيبر وقوة وحدتهم:

- ‌حياد يهود خيبر:

- ‌موقف خيبر عند ظهور الإسلام:

- ‌التحول الخطير في موقف خيبر:

- ‌وكر للتآمر على المسلمين:

- ‌لمحة من تاريخ بني النضير:

- ‌أعداء النبي صلى الله عليه وسلم رقم

- ‌التآمر على حياة النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌إجلاء بني النضير إلى خيبر:

- ‌بنو النضير في خيبر:

- ‌أخطر وكر للتآمر على الإسلام:

- ‌خفض الأرض ورفعها:

- ‌خيبر قاعدة للعدوان:

- ‌قيادية بني النضير:

- ‌لو اتعظ اليهود

- ‌هل فكر اليهود في غزو المدينة

- ‌لماذا أحجم اليهود عن غزو المدينة

- ‌خيبر. . وغزوة الأحزاب:

- ‌مشروع الغزو الخطير:

- ‌خيبر تحزب الأحزاب ضد النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌أعضاء وفد التحزيب:

- ‌نجاح وفد العدوان في مهمته:

- ‌وفد اليهود التحزيبي في نجد:

- ‌الترحيب بالوفد اليهودى في نجد:

- ‌مساومة أثناء المفاوضة:

- ‌آخر حلقة في سلسلة الإجرام اليهودي:

- ‌اليهود في خيبر بعد فتحها:

- ‌إجلاء اليهود في عهد الفاروق:

- ‌استخدام اليهود لبعض النصارى في اغتيال المسلمين:

- ‌الخليفة يأمر بجلاء اليهود:

- ‌تعويض يهود فدك عند الجلاء:

- ‌الفصل الثاني

- ‌وعد الله المسلمين بفتح خيبر

- ‌ابتهاج المسلمين بغزو خيبر:

- ‌عدم قبول تجنيد المخلفين:

- ‌النساء في الجيش:

- ‌نموذج من الديمقراطية الصحيحة:

- ‌إحراج اليهود للمسلمين:

- ‌وقفة للتدبر والإمعان:

- ‌يهود المدينة والتجسس على المسلمين:

- ‌عدم التورية في غزوة خيبر:

- ‌المنافقون طابور اليهود الخامس:

- ‌الرتل الخامس وبنو النضير:

- ‌رأس النفاق يشعر اليهود بغزو المسلمين:

- ‌استعداد اليهود للمواجهة:

- ‌اختلاف قادة اليهود في وضع الخطط:

- ‌فكرة غزو المدينة:

- ‌خيبر تستنجد بأعراب نجد:

- ‌مرابطة الأعراب مع اليهود في خيبر:

- ‌رفض بني مرة أن ينجدوا اليهود:

- ‌الحارث بن عوف ينصح عيينة بن حصن:

- ‌تحرك الجيش النبوى نحو خيبر:

- ‌نائب النبي على المدينة:

- ‌مدى قوة المسلمين:

- ‌سلاح الاستكشاف:

- ‌أدلاء الجيش:

- ‌طريق الجيش إلى خيبر:

- ‌إلقاء القبض على جاسوس:

- ‌نموذج من الانضباط العسكري الشديد:

- ‌النبي وخط الرجعة:

- ‌النبيّ يطلب من غطفان عدم مناصرة اليهود:

- ‌النبي يفاوض غطفان لتخلى بينه وبين اليهود:

- ‌تأزم الموقف لدى المسلمين:

- ‌الانتصار بالرعب:

- ‌بشائر النصر قبل الاشتباك:

- ‌غطفان ترجع هاربة إلى بلادها قبل نشوب القتال:

- ‌الفصل الثالث

- ‌وصول المسلمين إلى خيبر:

- ‌أربعوا على أنفسكم:

- ‌دعاء النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌مفاجأة اليهود:

- ‌لا تمنوا لقاء العدو:

- ‌كيف بدأ القتال:

- ‌عدم التناسق في وصف المؤرخين للمعركة:

- ‌دعوة اليهود إلى الإِسلام .. وعدم ذكر الجزية:

- ‌لماذا لم يطالبوا بالجزية:

- ‌بدء المعركة:

- ‌تنظيم القيادات وتوزيع الرايات:

- ‌العلم النبوي:

- ‌أربع رايات للمهاجرين والأنصار:

- ‌الحراسة:

- ‌اجتياح مزارع اليهود .. وحرق بعض النخيل:

- ‌مهمة صعبة للغاية:

- ‌كيف بدأ الهجوم:

- ‌معسكر المسلمين الأول:

- ‌خمسون جريحًا وشهيد واحد:

- ‌محمود بن مسلمة أول شهيد في خيبر:

- ‌تغيير مقر قيادة النبي:

- ‌استمرار القتال حتى المساء:

- ‌تحوّل المسلمين إلى وادي الرجيع:

- ‌عثمان بن عفان قائد المعسكر:

- ‌شدة الانضباط العسكري عند المسلمين:

- ‌بساطة الإسلام ويسره:

- ‌درس في الأمانة:

- ‌حصن ناعم أقوى حصون النطاة:

- ‌تشديد الحصار على حصن ناعم:

- ‌قتل مرحب وافتتاح حصنه:

- ‌مقتل عامر بن الأكوع:

- ‌من الذي قتل مرحب

- ‌رواية البيهقي وغيره:

- ‌الزبير يقتل ياسر أخا مرحب:

- ‌مصرع القائد اليهودى الرابع:

- ‌استيلاء المسلمين على حصن ناعم:

- ‌تفصيلات الواقدي لفتح حصن ناعم:

- ‌سعد بن عبادة الجريح:

- ‌اليهودي الذي طلب الأمان فأعطيه:

- ‌الوفاء لليهودى بالعهد:

- ‌عدد الخسائر:

- ‌الغنائم والمعدات:

- ‌فتح حصن الصعب

- ‌محاصرة حصن الصعب:

- ‌النبي يعطي الراية الحباب بن المنذر:

- ‌المجاعة في بعض وحدات الجيش:

- ‌النهي عن لحم الحمر الأهلية:

- ‌عدد المدافعين عن حصن الصعب:

- ‌المبارزة أمام الحصن:

- ‌معركة التراشق بالسهام:

- ‌هجوم اليهود المضاد:

- ‌الهجوم اليهودى المعاكس مرة أخرى:

- ‌مصرع سلَّام بن مشكم:

- ‌انهزام اليهود وفتح الحصن:

- ‌معدات ثقيلة وأسلحة يستولى عليها المسلمون في حصن الصعب:

- ‌آداب حربية نبوية:

- ‌إراقة الخمر وكسر آنيتها:

- ‌رجحان كفة المسلمين:

- ‌فرقة تطهر منطقة النطاة:

- ‌فتح قلعة الزبير

- ‌صعوبة اقتحام الحصن:

- ‌إجبار اليهود على القتال خارج الحصن:

- ‌إجبار اليهود على القتال:

- ‌خسائر المسلمين:

- ‌فتح حصن أبي

- ‌تحويل المعسكر النبوى إلى مكانه الأول:

- ‌انتقال اليهود إلى حصون الشق:

- ‌ضرب الحصار على القلعة:

- ‌شراسة اليهود في المقاومة:

- ‌اليهود يفتحون أبواب القلعة للمبارزة:

- ‌مصرع قائدين يهوديين:

- ‌إحجام اليهود عن المبارزة وافتتاح القلعة:

- ‌فتح حصن النزار

- ‌أمنع حصن في خيبر:

- ‌النساء والذرية في حصن النزار:

- ‌ضرب الحصار على حصن النزار:

- ‌إخلاء جميع حصون الشق ما عدا (النزار):

- ‌الهجوم على حصن النزار:

- ‌مقاومة اليهود العنيفة:

- ‌النبي يُجرح بنبال اليهود:

- ‌نصب المنجنيق على الحصن:

- ‌قصة تحتاج إلى تمحيص:

- ‌حصن النزار آخر حصن كان فيه قتال:

- ‌كيف صارت صفية اليهودية أما للمؤمنين:

- ‌القمر في حجر صفية:

- ‌كيف تزوج النبي صفيّة

- ‌تخيير النبي صفية بين الإسلام والرجوع إلى أهلها اليهود:

- ‌تفنيد تهمة خبيثة:

- ‌أكرموا عزيز قوم ذل:

- ‌الفصل الرابع

- ‌لقد تمت للجيش الإِسلامي السيطرة:

- ‌الزحف على الشطر الثاني من خيبر:

- ‌هل فتح الشطر الثاني من خيبر؛ صلحًا أم عنوة

- ‌استسلام الشطر الثاني من خيبر بعد القتال:

- ‌القول الفصل:

- ‌دروس في النزاهة والعفة:

- ‌نموذج نادر في صدق الجهاد لله:

- ‌إشراك غائبين في الغنيمة:

- ‌إشراك عشرة من اليهود في العنيمة:

- ‌غطفان تنجد اليهود ولكن

- ‌غطفان تطلب من النبي قسمًا من الغنيمة:

- ‌عيينة بن حصن يتحسر على اليهود:

- ‌كيف استسلم يهود الشطر الثاني من خيبر:

- ‌رأي ابن إسحاق:

- ‌قول الواقدي:

- ‌طلب اليهود المفاوضة للتسليم:

- ‌الاستسلام النهائى:

- ‌حقن الدماء والأعفاء من السبي فقط:

- ‌تسامح القائد الأعلى النبي:

- ‌بنود اتفاقية التسليم:

- ‌نهاية الاستعمار اليهودى:

- ‌ما أشبه الليلة بالبارحة:

- ‌الغنائم في خيبر:

- ‌الغنائم غير الحربية:

- ‌خيبر أغنى منطقة زراعية في الحجاز:

- ‌النبي يعيد التوراة لليهود:

- ‌كيف سمح النبي لليهود بالبقاء في خيبر

- ‌السماح لليهود بالإِقامة في خيبر:

- ‌اليهود في حماية المسلمين:

- ‌النبي يحذر من الاعتداء على أموال اليهود:

- ‌محاولة اغتيال النبي في خيبر:

- ‌دور المرأة في معركة خيبر:

- ‌الأصل جواز خروج النساء للجهاد:

- ‌قتلى الفريقين في المعركة:

- ‌عدد شهداء المهاجرين

- ‌شهداء الأنصار

- ‌عدد قتلى اليهود:

- ‌قدوم مهاجري الحبشة إلى خيبر:

- ‌فرح النبي بقدوم جعفر:

- ‌فتح فدك، وتيماء، ووادي القرى:

- ‌استسلام يهود فدك:

- ‌كيف صالح النبي يهود فدك:

- ‌فتح وادي القرى:

- ‌اليهود يبدأون القتال:

- ‌تعبئة المسلمين للقتال:

- ‌دعوة اليهود إلى الإِسلام:

- ‌رفض اليهود الدعوة ومسارعتهم للحرب:

- ‌استسلام اليهود:

- ‌إبقاء اليهود في وادي القرى:

- ‌يهود تيماء يدفعون الجزية:

- ‌محاولة قبيلة فزارة:

- ‌فزارة تحاول اعتراض النبي فيتحداها:

- ‌قصة الرهان الشيقة في مكة:

- ‌الجدل والرهان حول نتائج المعركة:

- ‌الرهان بمائة ناقة:

- ‌قصة الحجاج بن علاط:

- ‌نظرة وتحليل

- ‌مقارنة بين الجيشين المسلم واليهودى:

- ‌دروس في معركة خيبر:

- ‌خرافة التفوق التكنولوجى:

- ‌أهم مراجع هذا الكتاب

الفصل: ‌مقارنة بين الجيشين المسلم واليهودى:

‌نظرة وتحليل

‌مقارنة بين الجيشين المسلم واليهودى:

إذا كانت معركة الأحزاب من وجهة النظر المصيرية هي أهم وأخطر معركة خاضها المسلمون في العهد النبوى .. لأن الغزو كان يستهدف الكيان الإِسلامي واقتلاعه من الجذور .. فاعتبر نجاح المسلمين في صد عدوان الأحزاب (بالنسبة لحماية الكيان من الانهيار) أعظم نصر يحققه المسلمون. لأن به رسخ الكيان الإِسلامي وضرب بجذوره بعيدًا في أعماق الوجود. بعد أن كان يهتز في مهب العاصفة مائلًا نحو العدم

إذا كان انتصار المسلمين في معركة الأحزاب هكذا كانت منزلته فإن انتصارهم على اليهود في معركة خيبر، هو (في حساب المقاييس الحربية) أعظم من أيّ انتصار حققه المسلمون في العهد النبوى.

فالمسلمون في معركة الأحزاب إذا كانوا قد انتصروا بعد العدوان. فإنهم فعلوا ذلك وهم يمتازون على ما كانوا عليه في معركة خيبر بما يلي:

1 -

كانوا يحتمون وراء خندق طويل واسع عميق. ومثل هذا الخندق الذي حُفِرَ في أهمّ الواقع الصالحة لعبور جيوش الأحزاب، يعتبر (بين خطط الدفاع الحربية) أكبر عامل من عوامل الصمود، وأخطر عائق يواجهه العدو ذو القوات الكثيفة الغامرة الذي وضع خطته على أساس

ص: 213

القيام بحرب خاطفة تقوم بها أكثرية ساحقة ضد قلة قليلة كما هي خطة قادة عدوان الأحزاب الثلاثى الفاشل .. فقد اعترف قادة جيوش الأحزاب أن أكبر سبب مادى أحبط خططهم لاحتلال المدينة هو الخندق الذي فوجئوا به حتى قالوا -هم يقفون على مشارفه مدهوشين-: "مكيدة والله ما كان العرب يعرفونها".

2 -

كانت قوات الأحزاب هي المهاجمة .. وكان المسلمون هم المدافعين .. وعادةً يكون المهاجم أكثر كُلْفة .. أما المدافع المتحصن فتكون كُلْفته أقل بكثير من كلفة المهاجم. حتى وإن كانت قواته أقل من قوات المهاجم .. هذا شيء معروف في حساب الموازين الحربية في كل عصر وزمان.

3 -

ومع كون الأحزاب هم المهاجمين فقد كانت نسبة قوات أعدائهم المسلمين المدافعين إلى قواتهم واحدًا لعشرة. بينما كانت نسبتهم إلى اليهود في خيبر واحدًا لخمسة عشر.

4 -

كانت قوات الأحزاب الغازية لفيفًا من الأعراب أكثر هم مرتزقة، ليسوا في مقام الدفاع عن النفس والأهل والولد. كما أنه ليس لهم باعث عقائدى حتى يستبسلوا في القتال. وإنما جاؤوا وشاركوا في هذا الغزو ليحصلوا على المغنم دون أن يتعرَّضوا لأى مغنم يذكر. لذلك رأوا أن ما سيحصلون عليه من غنائم - فيما لو اقتحموا الخندق عنوةً واحتلوا المدينة - لن يساوى شيئًا بالنسبة لما سيفقدون من القتلى بسيوف المسلمين على مشارف الخندق قبل أن يقتحموه. تقاعسوا عن الهجوم على المدينة واكتفوا من الغنيمة بالإِياب.

5 -

أمَّا المسلمون الذين يربضون وراء الخندق. فقد كانوا في قتالهم ينطلقون من مفهوم عقائدى، وهو ما يسمَّى بلغة هذا العصر (بالأيديولوجية) .. فقد كانوا يدافعون (بالإضافة إلى الدفاع عن الحرمات والأعراض والأموال والأرواح) عن كيان وليد .. قيامه وبقاؤه، أعزّ عليهم (في قرارة أنفسهم) من أرواحهم وأبنائهم وأموالهم وهو كيان الإِسلام .. ولذلك (مع احتمائهم بالخندق الحصين) قاتلوا الغزاة بشراسة

ص: 214

وضراوة أبطلت عامل التفوّق العددى الذي كانت قوات الأحزاب تمتاز به.

أمَّا الحالة في معركة خيبر فقد كانت عكسًا، حيث لم يكن هناك (من وجهة النظر العسكرية المجرّدة) أي عامل مادى يتفوق به المسلمون على اليهود. بل كان يبدو واضحًا أن اليهود في خيبر كانوا في وضع حربى ممتاز، يمكن القول معه - وحسب المقاييس العسكرية المادية المجرّدة - أن لديهم كل العوامل والأسباب التي يحتاجونها للانتصار على المسلمين. وأهم هذه العوامل والأسباب هي:

1 -

التفوّق العددى .. فقد كان عدد قوات اليهود عشرة آلاف مقاتل، يساندهم حوالي خمسة آلاف من حلفائهم غطفان ظلوا لهم كالاحتياطى ضد المسلمين حتى انتهت معركة خيبر، بل وحاولوا ضرب المسلمين من الخلف لحساب حلفائهم اليهود.

2 -

إزاء هذا العدد الهائل، كانت قوات المسلمين لا تزيد على ألف وأربعمائة مقاتل .. وهذا يعني أن نسبة المسلمين لليهود وحلفائهم في هذه المعركة، أحد لخمسة عشر. وهو تفوّق عددى هائل لا يشك عسكرى خبير- يتوقع نتائج المعارك حسب المقاييس المعتادة - في أن الانتصار الحاسم سيكون لليهود على المسلمين.

3 -

التفوّق الساحق في العتاد والسلاح .. فقد كان اليهود مع كثرتهم العددية الغامرة يتفوقون على المسلمين في ذلك تفوّقًا ساحقًا. حيث كان اليهود على غاية من جودة التسليح واستكمال عدة الحرب الدفاعية والهجومية .. وذلك لما تحت أيديهم من ثروات هائلة تمكنّهم من الحصول على أي نوج من أنواع السلاح والعتاد.

4 -

الاستراتيجية المتازة التي كان يتمتع بها المحارب اليهودى في خيبر .. فقد كان اليهود - مع تفوّقهم العددى الساحق - ووفرة العتاد لديهم وجودة التسليح بينهم - متحصنين داخل حصون وقلاع كبيرة منيعة، بنيت على قمم جبال وتلال حسب تحطيط حربى مدروس، بحيث يكاد يكون من المستحيل الإِقدام على مهاجمتها فضلًا عن اقتحامها وافتتاحها لأن هذه

ص: 215

القلاع والحصون تقع في مرتفعات عالية وبها أبراج يكشف المرابطون فيها كلّ ما حواليها ويتمكنون بسهولة من أن يصبّوا سهامهم القاتلة على كل من يقترب منها.

5 -

وفرة المواد الغذائية .. فقد خزن اليهود في قلاعهم وحصونهم (استعدادًا للقتال) كميات هائلة من المواد الغذائية المختلفة، تكفى تموينهم عدة سنوات، كما دلّ على ذلك إحصاء الغنائم التي غنمها المسلمون عند استيلائهم على هذه الحصون والقلاع. أما الماء فقد كان متوفرًا في جميع الحصون والقلاع بصفة دائمة، الأمر الذي يمكنهم من الاستمرار في القتال سنوات عديدة.

6 -

الشجاعة .. كان يهود خيبر (وهذا يعترف لهم به التاريخ) أشجع يهود الجزيرة العربية على الإِطلاق .. فلم تكن الشجاعة تنقصهم وهم يحاربون المسلمين .. أثبت ذلك سير المعارك الضارية التى خاضوها وهم يدافعون عن حصونهم وقلاعهم حيث يمكن القول: أنهم لم يتخلّوا للمسلمين عن حصن أو قلعة إلا بعد أن دافعوا دفاعًا شرسًا عن كل شبر نها .. وخاصة قلاع وحصون الشطر الأول من مدينة خيبر .. ولا أدلَّ على هذه الحقيقة من أن جميع قادتهم - مثل مرحب وياسر وأسير والحارث وعامر - قتلوا وبأيديهم السيوف في ساحة الوغى.

7 -

الدفاع عن الدين .. كان لليهود دين عريق في القدم .. وهو وإن كان دينًا مدخولًا أصابه الشيء الكثير من التحريف والتبديل .. إلا أنهم ظلّوا متمسكين به ومتعصبّين له إلى درجة أنهم يفضّلون التضحية بكل شيء على التخلى عنه ومفارقته .. وتعصب اليهود الشديد لدينهم، يؤكده واقعهم المشهود في كل عمر وزمان .. وزاد اليهود تعصبًا لدينهم أنه دين عنصرى يعتبر بني إسرائيل وحدهم شعب الله المختار. وهو أمر يجعلهم لا يحتملون وجود أي دين إلى جانب دينهم.

فيهود خيبر إذن لهم عقيدة يتعصبون لها أشد التعصب .. وانطلاق المحارب من مفهوم عميدة راسخة (حتى وإن كانت غير صحيحة) يجعله شديد العناد والضراوة في قتاله، وخاصة إذا توهّم أن خطرًا يهدد دينه

ص: 216

وعقيدته .. وهذا هو الذي فعله محاربو اليهود في خيبر.

8 -

عامل الحفاظ على المال والزوجة والولد والجاه والسلطان .. فقد كان يهود خيبر يقاتلون وبينهم نساؤهم وأطفالهم وهم أعز ما يحافظ عليه الإِنسان .. كذلك كان اليهود ذوي ثروات طائلة وأموال عظيمة منقولة وغير منقولة .. كما أنهم ذوي عزة وسلطان مطلقين في منطقة خيبر لا ينازعهم فيها منازع .. وكل هذه الأمور العزيزة لديهم يعلمون حق العلم أنهم (بموجب شرعة الحرب العمول بها عالميًا في ذلك العصر) سيفقدونها إذا ما تغلَّب عليهم المسلمون واحتلوا مدينتهم .. لهذا كان من البدهى أن يكون قتال اليهود (تحت تأثير عوامل الحفاظ على كل هذه الأمور) قتالًا عنيدًا شرسًا لا هوادة فيه ولا تساهل .. وهو أمر يجعل وجعل (بالفعل) مهمة المسلمين المهاجمين شاقة إلى أبعد الحدود حيث واجه الجيش الإِسلامي من يهود خيبر نوعًا من القتال لم يشهد مثله في الضراوة والشراسة في أية معركة خاضها مع الأعداء في العهد النبوى، اللهم إلا معركة حنين.

9 -

كان الجيش الإِسلامي هو المهاجم .. وكان الجيش اليهودى هو الدافع. ومن المعلوم (عسكريًا) أن مهمة المهاجم هي أشق من مهمة الدافع. كما يتوجب - بدهيًا - على من يريد القيام بهجوم في حرب شاملة أن تكون قواته أكثر عددًا من قوات عدوه. وإذا علمنا أن اليهود يتحصنون خلف أسوار وأبراج وحصون وقلاع منيعة وأن عددهم عشرة آلاف مقاتل وأن عدد المسلمين المهاجمين لا يزيد على ألف وأربعمائة مقاتل أدركنا مدى الصعوبة العظيمة التي واجهها الجيش الإِسلامي وهو يهاجم اليهود في حصونهم وقلاعهم.

وأمام كل هذا التفوق الشامل لدى اليهود في العدد والعتاد والسلاح والاستراتيجية والتمتع بالمواقع الدفاعية الحصينة الممتازة. وتوفر كل العوامل المادية التي يحتاجونها لتحقيق النصر على المسلمين. كان المسلمون ينقصهم كل شيء مادى.

ص: 217

فقد كان الجيش الإِسلامي - بالإِضافة إلى قلة عدده - ليس لديه أية أسلحة وقائية كبيرة كالدروع الضخمة، وهي صفائح كبيرة من الحديد تبلغ عدة أمتار وتسمى في ذلك العصر بـ (الدبابات) لأن الجنود يحتمون بها ويدبون خلفها وهم يهاجمون القلاع والحصون.

بل إن أغلبية الجيش النبوى ليس لديهم الدروع العادية التي يلبسها المحارب العادى ساعة القتال حيث كان أكثرهم حاسرًا. وكانوا مع ذلك يقومون بالهجوم وهم مكشوفون أمام حصون اليهود وقلاعهما.

كذلك ليس لدى الجيش النبوى الصغير أي شيء من الأسلحة التدميرية الثقيلة التي لا بد من توفّرها لدى من يريد مهاجمة مثل حصون اليهود في خيبر .. كالمنجنيقات القاذفات بالنار والراجمات بما يخرّب الحصون. وهي أسلحة معروفة في ذلك العصر وخاصة لدى الرومان والفرس. وكان لدى اليهود أنفسهم كميات منها استولى عليها الجيش الإِسلامي، ثم استخدموها لضرب بعض الحصون التي كانت آخر ما فتح في خيبر.

وهكذا فقد كان كل شيء (حسب المقاييس المادية والتقديرات العسكرية المجرّدة) يشير إلى أن يهود خيبر سيتمكنون - بكل سهولة - من دحر المسلمين والتغلب عليهم، عندما يقومون بالهجوم.

لأن كل الأسباب والوسائل المادية وغير المادية التي يحتاجها المحارب أحصسب النصر كانت متوفرة (تمامًا) لدى هؤلاء اليهود.

ولكن الذي حدث هو العكس وهو انتصار المسلمين القلة القليلة التي ينقصها كل شيء مادى علي الكثرة اليهودية الغامرة التي توفرت لديها كل الإِمكانات المادية لكسب النصر.

فكان ذلك مفاجأة مذهلة أبطلت المقاييس العسكرية التقليدية. وأثبتت (عمليًّا) أن القوة الحربية (مهما عظمت) ليست وحدها كافية لسب الصر في المعارك.

كما أثبتت انتصار المسلمين على اليهود في خيبر أن النقص في السلاح والعتاد، والقلة في عدد الرجال لا يكونان - دائما وفي كل الأحوال -

ص: 218