الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بجيشهم من المدينة إذ وصلت إلى خيبر عدة كتائب من جيوش غطفان وبنى أسد بقيادة طليحة بن خويلد الأسدي وعيينة بن حصن وحذيفة بن بدر الفزاريين فرابطت هذه القوات مع اليهود داخل قلاعهم وحصونهم (1).
وأما البند الثاني من الاتفاقية فقد شرع الوثنيون في تنفيذه، إذ لم يكد النبي صلى الله عليه وسلم يصل بقواته إلى ضواحي خيبر حتى تحركت من خلفهم أربعة آلاف مقاتل من غطفان بقصد الالتفاف على المسلمين لقطع خط الرجعة عليهم وجعلهم بين نارين (2).
ولا شك أن هذا قد أوقع المسلمين في موقف حرج، وخاصة إذا أخذنا بعين الاعتبار أن قوة المسلمين الغازية لا تزيد على ألف وأربعمائة مقاتل يقابلها للأعداء أحد عشر ألف مقاتل هي في انتظارهم داخل الحصون والقلاع في خيبر وأربعة آلاف مقاتل بدأت في التحرك لتقطع خط رجعتهم من الخلف. . بل وتهاجمهم قبل أن يبدأوا (هم) الهجوم على اليهود.
فقد روى ابن إسحاق أن غطفان (وفق الخطة المتفق عليها بينه وبين اليهود) لما علموا أن النبي صلى الله عليه وسلم قد تحرك نحو خيبر خرجوا ليظاهروا اليهود عليه وتحركت قواتهم لضرب الجيش النبوى من الخلف واستمرت في تحركها يومًا وليلة (3).
وحين يتصور الخبير بشؤون الحرب وقوع ألف وأربعمائة محارب بين خمسة عشر ألف مقاتل يحيطون بهم من كل جانب، يدرك مدى الخطورة التي كانت عليها تلك القوة المسلمة القليلة العدد التي هي في حالة أشبه ما تكون بالتطويق.
النبي يفاوض غطفان لتخلى بينه وبين اليهود:
ونظرًا للموقف الخطير الذي صارت إليه القوات الإسلامية الغازية قبل بدئها الهجوم على خيبر، فقد قام النبي صلى الله عليه وسلم كقائد عَسكرى مسؤول-
(1) مختصر مغازى الواقدي ص 312.
(2)
سيرة ابن هشام ج 2 ص 330 والسيرة الحلبية ج 2 ص 175.
(3)
مختصر مغازى الواقدي ص 312.
بالاتصال بقادة قبائل غطفان ونصحهم بأن يلتزموا جانب الحياد في الصراع الذي سيدور بينه وبين خيبر، وأبلغهم (مؤكدًا لهم) بأن الله سيفتح عليه خيبر لا محالة، لأنه وعده بذلك، ووعده لن يخلفه. .
فقد بعث إلى غطفان وبنى أسد رسالة قال فيها: "أن خلوا بيني وبين القوم (يعني اليهود)، فإن الله قد وعدنى أن يفتحها لي"(أي خيبر).
ويقول المؤرخون أن النبي صلى الله عليه وسلم ليجنب جيشه خطر مؤازرة قبائل غطفان وأسد لليهود ضده أبلغ رؤساء هذه القبائل بأنه على استعداد بأن تكون خيبر لهم إن هم أسلموا وخلّوا بينه وبين هؤلاء اليهود، وبعض المؤرخين ذكر أنه لم يشترط إسلامهم، بل طلب منهم التزام جانب الحياد فلا يعينوا اليهود عليهم، على أن يعطيهم مقابل ذلك نصف ثمار خيبر بعد فتحها (1).
ولا يستبعد أن يكون النبي القائد صلى الله عليه وسلم في سبيل تجنيب جيشه شر مقاتلة هذه القبائل الوثنية الضاربة- قد نقدم إلى زعمائها بكلا العرضين الآخر بعد الأول.
إلا أن رؤساء هذه القبائل (على أي حال) قد ركبهم الغرور حين رأوا تلك القوات الضاربة منهم ومن حلفائهم اليهود. . خمسة عشر ألف مقاتل على وشك الإحاطة بألف وأربعمائة من المسلمين بعيدين عن حاضرتهم المدينة. . فظنوا أنهم الغالبون لا محالة وأنها ستكون حرب أحزاب ظافرة مظفرة ضد المسلمين لا كحرب الأحزاب الأولى التي اشتركت فيها قريش وقريظة حول أسوار المدينة في السنة الرابعة من الهجرة والتي كانت نتيجتها الفشل.
لذلك رفض رؤساء هذه القبائل كل العروض النبوية وأبوا أن يلتزموا جانب الحياد، فأبلغوا النبي صلى الله عليه وسلم أنهم لن يتخلوا عن حلفائهم اليهود وأنهم سيقاتلونه إلى جانبهم (2).
(1) السيرة الحلبية ج 2 ص 175.
(2)
البداية والنهاية ج 4 ص 181 ومختصر الواقدي ص 312 والسيرة الحلبية 2 ص 175.
وذكر الإمام الواقدي في كتابه المغازي (ج 2 ص 650 تحقيق الدكتور مارسدن جونس، نشر جامعة أكسفورد): أن النبي صلى الله عليه وسلم لما علم بمظاهرة غطفان اليهود عليه ومدَّهم بكتائب مسلحة ضد المسلمين، بعث صلى الله عليه وسلم بسيد الخزرج سعد بن عبادة إلى قائد غطفان عيينة بن حصن (وكان في حصن مرحب وقتئذ ينسق مع اليهود على ما يظهر).
ولما علم عيينة أن سعدًا مبعوث إليه من النبي صلى الله عليه وسلم أراد أن يدخله الحصن، فاعترض على ذلك القائد اليهودى مرحب قائلا: لا تدخله فيرى خلل حصننا ويعرف نواحيه التي يؤتى منها، ولكن تخرج إليه، فقال عيينة: لقد أحببت أن يدخل فيرى حصانته ويرى عددًا كثيرًا، فأبى مرحب أن يدخله.
فخرج عيينة واجتمع بسعد عند باب الحصن، فأبلغ سعد عيينة رسالة رسول الله صلى الله عليه وسلم قائلًا: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أرسلنى إليك يقول: إن الله قد وعدنى خيبر فارجعوا وكفُّوا، فإن ظهرنا عليها فلكم تمر خيبر سنة، فقال عيينة: إنا والله ما كنا نسلّم حلفاءنا لشئ، وإنا لنعلم ما لك ولمن معك بما ها هنا طاقة هؤلاء (يعني اليهود) قوم أهل حصون منيعة، ورجال عددهم كثير، وسلاح، إن أقمت هلكت ومن معك، وإن أردت القتال عجَّلوا عليك بالرجال والسلاح، ولا والله، ما هؤلاء كقريش، قوم ساروا إليك، إن أصابوا منك غرّة، فذاك الذي أرادوا وإلا انصرفوا، وهؤلاء يماكرونك الحرب ويطاولونك حتى تملّهم.
هذه هي الرسالة التي طلب عيينة بن حصن من سعد بن عبادة أن يبلغها النبي صلى الله عليه وسلم ردًّا على رسالته الآنفة الذكر.
غير أن سعدًا قبل أن يعود إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال لعيينة بن حصن: اشهد ليحضرنك في حصنك (1) هذا حتى تطلب الذي كنا عرضنا
(1) أكثر الروايات تشير إلى أن قوات غطفان الرئيسية (التي جاءت مددًا لليهود والبالغ عددها أربعة آلاف مقاتل لم يدخلها عيينة بن حصن في حصون اليهود، لأنها عادت إلى بلادها بعد أن قطعت مرحلة فقط كما صرح بذلك ابن إسحاق، وعليه يمكن القول أن وجود عيينة بن حصن في قلعة مرحب إنما كان للتفاوض والتنسيق وتفقد القوات الرمزية الغطفانية التي ترابط مع اليهود في حصونهم بقيادة حذيفة بن بدر.