الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ش -
التفسير الإشاري
هو تأويل القرآن بغير ظاهره لإشارة خفية تظهر لأرباب السلوك والتصوف ويمكن الجمع بينها وبين الظاهر والمراد أيضا.
وقد اختلف العلماء في التفسير المذكور فمنهم من أجازه ومنهم من منعه وإليك شيئا من أقوال العلماء لتعرف وجه الحق في ذلك:
قال الزركشي في البرهان كلام الصوفية في تفسير القرآن قيل إنه ليس بتفسير وإنما هو معان ومواجيد يجدونها عند التلاوة كقول بعضهم في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ} إن المراد النفس يريدون أن علة الأمر بقتال من يلينا هي القرب وأقرب شيء إلى الإنسان نفسه.
وقال ابن الصلاح في فتاويه: وجدت عن الإمام أبي الحسن الواحدي المفسر أنه قال صنف أبو عبد الرحمن السلمي حقائق في التفسير فإن كان قد اعتقد أن ذلك تفسير فقد كفر قال ابن الصلاح وأنا أقول الظن بمن يوثق به منهم إذا قال شيئا من ذلك أنه لم يذكره تفسيرا ولا ذهب به مذهب الشرح للكلمة فإنه لو كان كذلك كانوا قد سلكوا مسلك الباطنية وإنما ذلك منهم تنظير لما ورد به القرآن فإن النظير يذكر بالنظير ومع ذلك فيا ليتهم لم يتساهلوا بمثل ذلك لما فيه من الإبهام والالتباس.
وقال النسفي في عقائده النصوص على ظواهرها والعدول عنها إلى معان يدعيها أهل البطل إلحاد اهـ قال التفتازاني في شرحه سميت الملاحدة باطنية لادعائهم أن النصوص ليست على ظاهرها بل لها معان لا يعرفها إلا المعلم وقصدهم بذلك نفي الشريعة
بالكلية قال وأما ما يذهب إليه بعض المحققين من أن النصوص على ظواهرها ومع ذلك ففيها إشارات خفية إلى دقائق تنكشف لأرباب السلوك يمكن التوفيق بينها وبين الظواهر المرادة فهو من كمال الإيمان ومحض العرفان.
ومن هنا يعلم الفرق بين تفسير الصوفية المسمى بالتفسير الإشاري وبين تفسير الباطنية الملاحدة فالصوفية لا يمنعون إرادة الظاهر بل يحضون عليه ويقولون لا بد منه أولا إذ من ادعى فهم أسرار القرآن ولم يحكم الظاهر كمن ادعى بلوغ سطح البيت قبل أن يجاوز الباب.
وأما الباطنية فإنهم يقولون: إن الظاهر غير مراد أصلا وإنما المراد الباطن وقصدهم نفي الشريعة.
ونقل السيوطي في الإتقان عن ابن عطاء الله في لطائف المنن ما نصه اعلم أن تفسير هذه الطائفة لكلام الله وكلام رسوله بالمعاني الغريبة ليس إحالة للظاهر عن ظاهره ولكن ظاهر الآية مفهوم منه ما جاءت الآية له ودلت عليه في عرف اللسان ولهم أفهام باطنة تفهم عند الآية والحديث لمن فتح الله قلبه وقد جاء في الحديث لكل آية ظهر وبطن فلا يصدنك عن تلقي هذه المعاني منهم أن يقول لك ذو جدل ومعارضة هذا إحالة لكلام الله وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم فليس ذلك بإحالة وإنما يكون إحالة لو قالوا لا معنى للآية إلا هذا وهم يقولون ذلك بل يقررون الظواهر على ظواهرها مرادا بها موضوعاتها ويفهمون عن الله ما ألهمهم اهـ.
ملحوظة:
لعل من المناسب هنا أن نسوق إليك عبارة عن السيوطي في بيان معنى ظهر الآية وبطنها وحد الحرف ومطلع الحد قال نور الله ضريحة فإن قلت فقد قال الفريابي حدثنا سفيان عن يونس بن عبيد عن الحسن قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
لكل آية ظهر وبطن ولكل حرف حد ولكل حد مطلع قلت أما الظهر والبطن ففي معناه أوجه:
أحدها أنك إذا بحثت عن باطنها وقسته على ظاهرها وقفت على معناها.
الثاني أنه ما من آية إلا عمل بها قوم ولها قوم سيعلمون بها كما قال ابن مسعود.
الثالث أن ظاهرها لفظها وباطنها تأويلها.
الرابع قال أبو عبيدة وهو أشبهها بالصواب إن القصص التي قصها الله تعالى عن الأمم الماضية وما عاقبهم به ظاهرها الإخبار بهلاك الأولين وحديث حدث به عن قوم وباطنها وعظ الآخرين وتحذيرهم أن يفعلوا كفعلهم فيحل بهم مثل ما حل بهم.
وحكى ابن النقيب قولا خامسا أن ظهرها ما ظهر من معانيها لأهل العلم بالظاهر وبطنها ما تضمنته من الأسرار التي أطلع الله عليها أرباب الحقائق.
ومعنى قوله ولكل حرف حد أي منتهى فيما أراد الله من معناه وقيل لكل حكم مقدار من الثواب والعقاب.
ومعنى قوله ولكل حد مطلع لكل غاية من المعاني والأحكام مطلع يتوصل به إلى معرفته ويوقف على المراد به وقيل كل ما يستحق من الثواب والعقاب يطلع عليه في الآخرة عند المجازاة وقال بعضهم الظاهر التلاوة والباطن الفهم والحد أحكام الحلال والحرام والمطلع الإشراف على الوعد والوعيد. قلت يؤيد هذا ما أخرجه ابن أبي حاتم من طريق الضحاك عن ابن عباس قال إن القرآن ذو شجون وفنون وظهور وبطون لا تنقضي عجائبه ولا تبلغ غايته فمن أوغل فيه برفق نجا ومن أوغل فيه بعنف هوى أخبار وأمثال وحلال وحرام وناسخ ومنسوخ ومحكم ومتشابه وظهر وبطن فظهره التلاوة وبطنه التأويل
فجالسوا به العلماء وجانبوا به السفهاء اهـ غير أن الوجه الأول الذي نقله السيوطي في معنى الظهر والبطن ليس بواضح وإذا التمسنا له بعض الاحتمالات تشابه أو اتحد بما بعده من الأقوال والقول الخامس متحد كذلك مع الثالث أو قريب منه فتأمل.
شروط قبول التفسير الإشاري:
مما تقدم يعلم أن التفسير الإشاري لا يكون مقبولا إلا بشروط خمسة وهي:
ألا يتنافى وما يظهر من معنى النظم الكريم.
ألا يدعى أنه المراد وحده دون الظاهر.
ألا يكون تأويلا بعيدا سخيفا كتفسير بعضهم قوله تعالى: {وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} بجعل كلمة {لَمَعَ} ماضيا وكلمة {الْمُحْسِنِينَ} مفعوله.
ألا يكون له معارض شرعي أو عقلي.
أن يكون له شاهد شرعي يؤيده.
كذلك اشترطوا بيد أن هذه الشروط متداخلة فيمكن الاستغناء بالأول عن الثالث وبالخامس عن الرابع ويحسن ملاحظة شرطين بدلهما أحدهما بيان المعنى الموضوع له اللفظ الكريم أولا ثانيهما ألا يكون من وراء هذا التفسير الإشاري تشويش على المفسر له وسيأتيك في نصيحتي وفي كلام الغزالي ما يقرر هذين الشرطين.
ثم إن هذه شروط لقبوله بمعنى عدم رفضه فحسب وليست شروطا لوجوب اتباعه والأخذ به ذلك لأنه لا يتنافى وظاهر القرآن ثم إن له شاهدا يعضده من الشرع وكل ما كان كذلك لا يرفض وإنما لم يجب الأخذ به لأن النظم الكريم لم يوضع للدلالة عليه بل هو من قبيل الإلهامات التي تلوح لأصحابها غير منضبطة بلغة ولا مقيدة بقوانين.
أهم كتب التفسير الإشاري
وأهم كتب التفسير الإشاري أربعة تفسير النيسابوري وتفسير الألوسي وتفسير التستري وتفسير محيي الدين بن عربي.
1 -
أما تفسير النيسابوري فقد تقدم الكلام عليه وبقي أن نذكر لك عنه أنه بعد أن يوفي الكلام على ظاهر معنى الآية أو الآيات يقول قال أهل الإشارة أو يقول التأويل ثم يسوق المعنى الإشاري لتلك الآية أو الآيات تحت هذا العنوان مثال ذلك أنه قال بعد التفسير الظاهر لقوله تعالى: {وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً} الآيات قال ما نصه التأويل ذبح البقرة إشارة إلى ذبح النفس البهيمية فإن في ذبحها حياة القلب الروحاني وهو الجهاد الأكبر موتوا قبل أن تموتوا.
اقتلوني يا ثقاتي
…
إن في قتلي حياتي
وحياتي في مماتي
…
ومماتي في حياتي
مت بالإرادة تحي بالطبيعة وقال بعضهم مت بالطبيعة تحي بالحقيقة ما هي إنها بقرة نفس تصلح للذبح بسيف الصدق {لا فَارِضٌ} في سن الشيخوخة فيعجز عن وظائف سلوك الطريق لضعف القوى البدنية كما قيل الصوفي بعد الأربعين بارد {وَلا بِكْرٌ} في سن شرخ الشباب يستهويه سكره عوان بين ذلك لقوله تعالى: {حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً} . {بَقَرَةٌ صَفْرَاءُ} إشارة إلى صفرة وجوه أصحاب الرياضات {فَاقِعٌ لَوْنُهَا} يريد أنها صفرة زين لا صفرة شين فإنها سيما الصالحين {لا ذَلُولٌ تُثِيرُ الْأَرْضَ} لا تحتمل ذلة الطمع ولا تثير بآلة الحرص أرض الدنيا لطلب زخارفها ومشتهياتها {وَلا تَسْقِي الْحَرْثَ} ولا يسقى حرث الدنيا بماء وجهه عند الخلق وبماء وجاهته عند الخالق فيذهب ماؤه عند الحق وعند الخلق {مُسَلَّمَةٌ} من آفات صفاتها ليس فيها علامة طلب غير الله {وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ} بمقتضى الطبيعة
لولا فضل الله وحسن توفيقه:
{وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْساً} يعني القلب {فَادَّارَأْتُمْ} فاختلفتم أنه كان من الشيطان أم من الدنيا أم من النفس {الأمارة فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا} ضرب لسان البقرة المذبوحة بسكين الصدق على قتيل القلب بمداومة الذكر فحيي بإذن الله وقال {إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ} .
{وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهَارُ} مراتب القلب في القسوة مختلفة فالتي يتفجر منها الأنهار قلوب يظهر عليها لغليان أنوار الروح بترك اللذات والشهوات بعض الأشياء المشبهة بخرف العادات كما يكون لبعض الرهبان والهنود والتي تشقق فيخرج منها الماء هي التي يظهر عليها في بعض الأوقات عند انخراق الحجب البشرية من أنوار الروح فيريه بعض الآيات والمعاني المعقولة كما يكون لبعض الحكماء والتي تهبط من خشية الله ما يكون لبعض أهل الأديان والملل من قبول عكس أنوار الروح من وراء الحجب فيقع فيها الخوف والخشية.
وهذه المراتب مشتركة بين المسلمين وغيرهم والفرق أنها في المسلمين مؤيدة بنور الإيمان فيزيدون في قربهم وقلوبهم ودرجاتهم ولغيرهم ليست مؤيدة بالإيمان فيزيدوا في غرورهم وعجبهم وبعدهم واستدراجهم والمسلمون مختصون بكرامات وفراسات تظهر لهم من تجلي أنوار الحق ورؤية برهانه.
فإراءة الآيات للخواص {سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ} . {وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} لكن إراءة البرهان لأخص الخواص كما جاء في حق يوسف {لَوْلا أَنْ رَأى بُرْهَانَ رَبِّهِ} .
سئل الحسن بن منصور عن البرهان فقال واردات ترد على القلوب فتعجز القلوب عن تكذيبها والله أعلم اهـ.
مثال ثان قال النيسابوري أيضا بعد تفسير قوله تعالى: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ} ما نصه التأويل مساجد الله التي يذكر فيها اسمه عند أهل النظر النفس والقلب والروح والسر والخفي وهو سر السر وذكر كل مسجد منها مناسب لذلك المسجد فذكر مسجد النفس الطاعات والعبادات ومنع الذكر فيه بترك الحسنات وملازمة السيئات وذكر مسجد القلب التوحيد والمعرفة ومنع الذكر فيه بالتمسك بالشبهات والتعلق بالشهوات فإن القلوب المعلقة بالشهوات عقولها عني محجوبة وذكر مسجد الروح بالشوق والمحبة ومنع الذكر فيه بالحظوظ والمسكنات وذكر مسجد السر المراقبة والشهود ومنع الذكر فيه بالركون إلى الكرامات وذكر مسجد الخفي وهو سر السر بذل الوجود وترك الموجود ومنع الذكر فيه بالالتفات إلى المشاهدات والمكاشفات الخ ما قال
2 -
وأما تفسير الألوسي فاسمه روح المعاني ومؤلفه العلامة المحقق شهاب الدين السيد محمد الألوسي البغدادي مفتي بغداد المتوفي سنة 1270 سبعين ومائتين وألف وهذا التفسير من أجل التفاسير وأوسعها وأجمعها نظم فيه روايات السلف بجانب آراء الخلف المقبولة وألف فيه بين ما يفهم بطريق العبارة وما يفهم بطريق الإشارة رحمه الله وتجاوز عنه.
ومما قاله في التفسير الإشاري بعد أن فسر قوله تعالى: {وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ} إلى آخر الآيات بعدها قال ما نصه:
ومن مقام الإشارة في الآيات وإذا قلتم يا موسى القلب لن نؤمن الإيمان الحقيقي حتى نصل إلى مقام المشاهدة والعيان فأخذتكم صاعقة الموت الذي هو الفناء في التجلي الذاتي وأنتم تراقبون أو تشاهدون ثم بعثناكم بالحياة الحقيقة والبقاء بعد الفناء
لكي تشكروا نعمة التوحيد والوصول بالسلوك في الله عز وجل وظللنا عليكم غمام تجلي الصفات لكونها حجبت شمس الذات الخ ما قال.
مثال ثان قال بعد تفسير قوله تعالى: {وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} خذوا ما ءاتينكم بقوة واذكروا ما فيه لعلكم تتقون قال ما نصه.
وإذ أخذنا ميثاقكم المأخوذ بدلائل العقل بتوحيد الأفعال والصفات ورفعنا فوقكم طور الدماغ للتمكن من فهم المعاني وقبولها أو أشار سبحانه بالطور إلى موسى القلب وبرفعه إلى علوه واستيلائه في جو الإرشاد والشرائع لكي تتقوا الشرك والجهل والفسق ثم أعرضتم بإقبالكم إلى الجهة السفلية بعد ذلك فلولا حكمة الله بإمهاله وحكمه بإفضاله لعاجلتكم العقوبة ولحل بكم عظيم المصيبة.
إلى الله يدعى بالبراهين من أبى
…
فإن لم يجب بادته بيض الصوارم
فهذه الإشارة إنما يعرفها ذو الوجد والمشاهدة وهي لأصحابها رياض يانعة وأنوار لامعة اهـ.
3 -
تفسير التستري هو أبو محمد سهل بن عبد الله التستري المتوفي سنة 383 ثلاث وثمانين وثلثمائة وتفسيره هذا لم يستوعب كل الآيات وإن استوعب السور وقد سلك في مسلك الصوفية مع موافقته لأهل الظاهر وإليك نموذجا منه إذ يقول في تفسير البسملة ما نصه:
الباء بهاء الله عز وجل والسين سناء الله عز وجل والميم مجد الله عز وجل والله هو الاسم الأعظم الذي حوى الأسماء كلها وبين الألف واللام
منه حرف مكنى غيب إلى غيب وسر من سر إلى سر وحقيقة من حقيقة إلى حقيقة لا ينال فهمه إلا الطاهر من الأدناس الآخذ من الحلال قواما ضرورة الإيمان.
والرحمن اسم فيه خاصة من الحرف المكنى بين الألف واللام والرحيم هو العاطف على عباده بالرزق في الفرع والابتداء في الأصل رحمة لسابق علمه القديم قال أبو بكر أي بنسيم روح الله اخترع من ملكه ما شاء رحمة لأنه رحيم وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه الرحمن الرحيم اسمان رقيقان أحدهما أرق من الآخر فنفى الله بهما القنوط عن المؤمنين من عباده اهـ.
ومن تفسيره بما هو قريب من المعنى الظاهر قوله في تفسير الآية الكريمة.
{وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى} الخ ما نصه:
أفكان شاكا في إيمانه حتى سأل ربه أن يريه آية معجزة ليصح معها إيمانه فقال سهل لم يكن سؤاله ذلك عن شك وإنما كان طالبا زيادة اليقين يقينا في قدرة الله وتمكينا في خلقه ألا تراه كيف قال: {أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى} فلو كان شاكا لم يجب ببلى ولو علم الله منه الشك وهو أخبر ببلى وستر الشك لكشف الله ذلك إذ كان مثله مما لا يخفى اهـ.
وهذا الكتاب صغير الحجم غير أنه غزير المادة في موضوعه مشتمل على كثير من علاج الشبهات ودفع الإشكالات يقع في نحو من 314 أربع عشرة وثلاثمائة صفحة وهو مطبوع بمصر.
4 -
تفسير ابن عربي هو عبد الله محمد بن علي بن محمد بن أحمد بن عبد الله محيي الدين بن عربي الحاتمي الصوفي الفقيه المحدث ولد بمرسية سنة 560 ستين وخمسمائة وتوفي في دمشق سنة 638 ثمان وثلاثين وستمائة.
ومن مصنفاته كتاب الجمع والتفصيل في إبداء معاني التنزيل ومنها إيجاز البيان في الترجمة عن القرآن وقد طبع تفسيره في جزأين بالمطبعة الأميرية سنة 1287 سبع وثمانين ومائتين بعد الالف وقد قال في خطبته ما نصه:
قد تذكرت خبرا قد أتاني فازدهاني مما وراء المقاصد والأماني قول النبي الأمي الصادق عليه أفضل الصلوات من كل صامت وناطق: "ما من القرآن آية إلا ولها ظهر وبطن ولكل حرف حد ولكل حد مطلع" وفهمت منه أن الظهر هو التفسير والبطن هو التأويل والحد ما يتناهى إليه المفهوم من معنى الكلام والمطلع ما يصعد إليه منه فيطلع على شهود الملك العلام.
وقد نقل عن الإمام المحقق السابق جعفر بن محمد الصادق عليه السلام أنه قال: لقد تجلى الله تعالى لعباده في كلامه ولكن لا يبصرون. وروى عنه عليه السلام أنه خر مغشيا عليه وهو في الصلاة فسئل عن ذلك فقال: "ما زلت أردد الآية حتى سمعتها من المتكلم بها".
قال: فرأيت أن أعلق بعض ما يسنح لي في الأوقات من أسرار حقائق البطون وأنوار شوارق الكائنات دون ما يتعلق بالظواهر والحدود فإنها قد عين لها حد محدود وقد قيل من فسر القرآن برأيه فقد كفر وأما التأويل فلا يبقى ولا يذر فإنه باختلاف أحوال المستمع وأوقاته في مراتب سلوكه وتفاوت درجاته كلما ترقى عن مقام انفتح له باب فهم جديد واطلع به على لطيف معنى عتيد إلى أن قال وكل ما لا يقبل التأويل عندي أو لا يحتاج إليه فما أوردته أصلا الخ اهـ.
ومن تفسيره الإشاري لقول الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً} ما نصه:
{إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً} هي النفس الحيوانية وذبحها قمع هواها الذي هو حياتها ومنبعها من الأفعال الخاصة بها بشفرة سكين الرياضة وقال في تفسير آية {وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ عَاصِفَةً} إلى قوله: {وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ} من سورة الأنبياء قال ما نصه:
{وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ} أي سخرنا لسليمان العقل العملي والمتمكن على عرش النفس في الصدر ريح الهوى {عَاصِفَةً} في هبوبها {تَجْرِي بِأَمْرِهِ} مطيعة له {إِلَى الْأَرْضِ} أرض البدن المتدرب بالطاعة والأدب {الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا} بتمييز الأخلاق والملكات الفاضلة والأعمال الصالحة {وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ} من أسباب الكمال {عَالِمِينَ} {وَمِنَ الشَّيَاطِينِ} شياطين الوهم والتخييل {مَنْ يَغُوصُونَ لَهُ} في بحر الهيولي الجثمانية ويستخرجون درر المعاني الجزئية {وَيَعْمَلُونَ عَمَلاً دُونَ ذَلِكَ} من التركيب والتفصيل والمصنوعات وتهييج الدواعي المكسوبات وأمثالها {وَكُنَّا لَهُمْ حَافِظِينَ} عن الزيغ والخطأ والتسويل الباطل والكذب {وَأَيُّوبَ} النفس المطمئنة الممتحنة بأنواع البلاء في الرياضة البالغة كمال الزكاء في المجاهدة {إِذْ نَادَى رَبَّهُ} ند شدة الك رب في الجد وبلوغ الطاقة والوسع في الجهد {أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ} من الضعف والانكسار والعجز {وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} بالتوسعة والروح {فَاسْتَجَبْنَا لَهُ} بروح الأحوال عن كد الأعمال عند كمال الطمأنينة ونزول السكينة {فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ} من ضر الرياضة بنور الهداية ونفسنا عنه ظلمة الكرب بإشراق نور القلب {وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ} القوى النفسية التي ملكناها وأمتناها بالرياضة بإحيائها بالحياة الحقيقة {وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ} من إمداد القوى الروحانية وأنوار الصفات القلبية ووفرنا عليهم أسباب الفضائل الخلقية وأحوال العلوم النافعة الجزئية {رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ} اهـ.