الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وإنما ضم الأبناء والنساء وإن كان المباهلة مختصة به وبمن يكذبه لأن ذلك آكد في الدلالة على ثقته بحالة واستيفائه بصدقه حتى جرؤ على تعريض أعزته وأفلاذ كبده لذلك ولم يقتصر على تعريض نفسه له وعلى ثقته بكذب خصمه حتى يهلك خصمه مع أحبته وأعزته إن تمت المباهلة وخص الأبناء والنساء لأنهم أعز الأهل وألصقهم بالقلوب وقدمهم في الذكر على الأنفس لينبه على قرب مكانهم ومنزلتهم وفيه دليل على صحة نبوة النبي صلى الله عليه وسلم لأنه لو لم يرو أحد من موافق أو مخالف أنهم أجابوا إلى ذلك اهـ من تفسير النسفي.
ونقول: أليس هذا دليلا ماديا على أن القرآن كلام القادر على إنزال اللعنة وإهلاك الكاذب ثم أليس قبول محمد لهذه المبالهة مع امتناع أعدائه دليلا على أن صدقه في نبوته كان أمرا معروفا مقررا حتى في نفوس مخالفيه من أهل الكتاب وإلا فلماذا نكصوا على أعقابهم ولاذوا بالفرار من المباهلة تأمل كلمة العاقب وأسقف نجران في الرواية الآنفة لكنه الحقد والكبرياء أكلا قلوبهم فحسدوه أن آتاه الله النبوة دونهم مع أنه أمي وهم أهل كتاب وكبر عليهم أن يؤمنوا به ويدينوا له فتضيع رياستهم وتنحط منزلتهم في نفوس العامة والحسد والكبر من الحجب الكثيفة التي تحول بين المرء وسعادته فالحسود لا يسود والمتكبر مخذول لا يسترشد ولا يتوب؛ {سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لا يُؤْمِنُوا بِهَا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآياتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ} معاذا بك اللهم من مقتك وغضبك ومن كل ما يؤدي إلى مقتك وغضبك آمين.
الوجه الثاني عشر: عجز الرسول عن الإتيان ببدل له
وذلك أن أعداء الإسلام طلبوا النبي صلى الله عليه وسلم أن يأتي بقرآن غير هذا القرآن أو أن
يبدله فلم يفعل وما ذاك إلا لأن القرآن ليس كلامه بل هو خارج عن طوقه آت من فوقه ولو كان كلامه لاستطاع أن يأتي بغيره وأن يبدله حين اقترحوا عليه وحينئذ يكتسب أنصارا إلى أنصاره ويضم أعوانا إلى أعوانه ويكون ذلك أروج لدعوته التي يحرص على نجاحها لكنه أعلن عجزه عن إجابة هذه المقترحات وأبدى مخاوفه إن هو أقدم على هذا الذي سألوه وتنصل من نسبة القرآن إليه مع أنه الفخر كل الفخر وألقمهم حجرا في أفواههم بتلك الحجة التي أقامها عليهم وهي أنه نشأ فيهم لا يعرف ولا يعرفون عنه ذلك الذي جاء به وهو القرآن.
اقرأ - إن شئت - هاتين الآيتين في سورة يونس: {قَالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ ، قُلْ لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلا أَدْرَاكُمْ بِهِ فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُراً مِنْ قَبْلِهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ} والمعنى أن القرآن فوق طاقتي وليس من مقدوري وما أنا إلا ناقل له أتبع ما يوحى إلي منه وإني أخاف سطوة صاحب هذا الكتاب إذا أنا تلاعبت بنصوصه أو غيرت فيه فالقرآن كلامه ولو أراد ألا أكون رسولا بينه وبينكم ما كانت لي حيلة إلى أن أتلو هذا الكتاب عليكم وتأخذوه عني فقد نشأت بينكم ومكثت أكثر من أربعين سنة قبل نزوله - وهو عمر طويل - وأنتم لا تعرفون مني هذا الاستعداد الأعلى ولا تسمعون مني مطلقا مثل هذا الكلام المعجز ولم تأخذوا علي قط أني كذبت مرة على عبد من عباد الله فكيف أكذب على الله بعد هذا العمر الطويل {أَفَلا تَعْقِلُونَ} يا لها كلمة فيها من لذعة التعنيف والتخجيل بمقدار ما فيها من لفت النظر إلى قوة الدليل!!