الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ح -
ضعف الرواية بالمأثور وأسبابه
علمنا أن الرواية بالمأثور تتناول ما كان تفسيرا للقرآن بالقرآن وما كان تفسيرا للقرآن بالسنة وما كان تفسيرا للقرآن بالموقوف على الصحابة أو التابعين على رأي.
أما تفسير بعض القرآن ببعض وتفسير القرآن بالسنة الصحيحة المرفوعة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فلا خلاف في وجاهته وقبوله وأما تفسير القرآن بما يعزى إلى الصحابة والتابعين فإنه يتطرق إليه الضعف من وجوه:
أولها ما دسه أعداء الإسلام مثل زنادقة اليهود والفرس فقد أرادوا هدم هذا الدين المتين عن طريق الدس والوضع حينما أعيتهم الحيل في النيل منه عن طريق الحرب والقوة وعن طريق الدليل والحجة.
ثانيها ما لفقه أصحاب المذاهب المتطرفة ترويجا لتطرفهم كشيعة علي المتطرفين الذين نسبوا إليه ما هو منه بريء وكالمتزلفين الذين حطبوا في حبل العباسيين فنسبوا إلى ابن عباس ما لم تصح نسبته إليه تملقا لهم واستدرارا لدنياهم.
ثالثها اختلاط الصحيح بغير الصحيح ونقل كثير من الأقوال المعزوة إلى الصحابة أو التابعين من غير إسناد ولا تحر مما أدى إلى التباس الحق بالباطل زد على ذلك أن من يرى رأيا يعتمده دون أن يذكر له سندا ثم يجيء من بعده فينقله على اعتبار أن له أصلا ولا يكلف نفسه البحث عن أصل الرواية ولا من يرجع إليه هذا القول.
رابعها أن تلك الروايات مليئة بالإسرائيليات ومنها كثير من الخرافات التي يقوم الدليل على بطلانها ومنها ما يتعلق بأمور العقائد التي لا يجوز الأخذ فيها بالظن ولا برواية
الآحاد بل لا بد من دليل قاطع فيها كالروايات التي تتحدث عن أشراط الساعة وأهوال القيامة وأحوال الآخرة تذكر على أنها اعتقاديات في الإسلام.
خامسها أن ما نقل نقلا صحيحا عن الكتب السابقة التي عند أهل الكتاب كالتوارة والإنجيل أمرنا الرسول صلى الله عليه وسلم أن نتوقف فيه فلا نصدقهم لاحتمال أنه مما حرفوا في تلك الكتب ولا نكذبهم لاحتمال أنه مما حفظوه منها فقد قال تعالى فيهم:إنهم {أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتَابِ} .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: والاختلاف في التفسير على نوعين منه ما مستنده النقل فقط ومنه ما يعلم بغير ذلك والمنقول إما عن المعصوم أو غيره ومنه ما يمكن معرفة الصحيح منه من غيره ومنه ما لا يمكن ذلك وهذا القسم أي الذي لا يمكن معرفة صحيحه من ضعيفه عامته ما لا فائدة فيه ولا حاجة بنا إلى معرفته وذلك كاختلافهم في لون كلب أهل الكهف واسمه وفي البعض الذي ضرب به القتيل من البقرة وفي قدر سفينة نوح وخشبها وفي اسم الغلام الذي قتله الخضر ونحو ذلك فهذه الأمور طريقة العلم بها النقل فما كان منها منقولا نقلا صحيحا عن النبي صلى الله عليه وسلم قبل وما لا بأن نقل عن أهل الكتاب ككعب ووهب وقف عن تصديقه وتكذيبه لقوله إذا حدثكم أهل الكتاب فلا تصدقوهم ولا تكذبوهم وكذا ما نقل عن بعض التابعين وإن لم يذكر أنه أخذه عن أهل الكتاب فمتى اختلف التابعون لم يكن بعض أقوالهم حجة على بعض وما نقل عن الصحابة نقلا صحيحا فالنفس إليه أسكن مما ينقل عن التابعين لأن احتمال أن يكون سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم أو من بعض من سمعه منه أقوى ولأن نقل الصحابة عن أهل الكتاب أقل من نقل التابعين ومع جزم الصحابي بما يقوله كيف يقال إنه أخذه عن أهل الكتاب وقد نهوا عن تصديقهم.
وأما القسم الذي يمكن معرفة الصحيح منه فهذا موجود كثيرا ولله الحمد
وإن قال الإمام أحمد ثلاثة ليس لها أصل التفسير والملاحم والمغازي وذلك لأن الغالب عليها المراسيل.
وأما ما يعلم بالاستدلال لا بالنقل فهذا أكثر ما فيه الخطأ من جهتين حدثتا بعد تفسير الصحابة والتابعين وتابعيهم بإحسان
…
ثم ذكر الجهتين اللتين هما مثار الخطأ فقال إحداهما حمل ألفاظ القرآن على معان اعتقدوها لتأييدها به والثانية التفسير بمجرد دلالة اللغة العربية من غير مراعاة المتكلم بالقرآن وهو الله عز وجل والمنزل عليه والمخاطب به اهـ أردنا نقله بتصرف قليل.
قال بعضهم هذا وإن كلام ابن تيمية لا ينقض قول الإمام أحمد فإنه لم يعن به أنه لا يوجد في تلك الثلاثة رواية صحيحة ألبتة وإنما يعني أن أكثرها لا يصح له سند متصل وما صح سنده إلى بعض الصحابة يقل فيه المرفوع الذي يحتج به.
إلى أن قال: ثم إن أكثر ما روي في التفسير المأثور أو كثيره حجاب على القرآن وشاغل لتاليه عن مقاصده العالية المزكية للأنفس المنورة للعقول فالمفضلون للتفسير المأثور لهم شاغل عن مقاصد القرآن بكثرة الروايات التي لا قيمة لها سندا ولا موضوعا اهـ ما أردنا نقله.
وكلمة الإنصاف في هذا الموضوع أن التفسير بالمأثور نوعان أحدهما ما توافرت الأدلة على صحته وقبوله وهذا لا يليق بأحد رده ولا يجوز إهماله وإغفاله ولا يجمل أن نعتبره من الصوارف عن هدي القرآن بل هو على العكس عامل من أقوى العوامل على الاهتداء بالقرآن.
ثانيهما ما لم يصح لسبب من الأسباب الآنفة أو غيرها وهذا يجب رده لا يجوز قبوله ولا الاشتغال به اللهم إلا لتمحيصه والتنبيه إلى ضلاله وخطئه حتى لا يغتر به أحد ولا يزال كثير من أيقاظ المفسرين كابن كثير يتحرون الصحة فيما ينقلون ويزيفون ما هو باطل أو ضعيف ولا يحابون ولا يجبنون.
ولعل الذين أطلقوا القول في رد المأثور إنما أرادوا المبالغة كما علمت في توجيه كلمة الإمام أحمد بن حنبل وعذرهم أن الصحيح منه قليل نادر ونزر يسير حتى لقد قال الإمام الشافعي رضي الله عنه لم يثبت عن ابن عباس في التفسير إلا شبيه بمائة حديث أي مع كثرة ما روي عنه وقد أشار ابن خلدون إلى أن العرب لم يكونوا أهل كتاب ولا علم وإنما غلبت عليهم البداوة والأمية وإذا تشوفوا إلى معرفة شيء مما تتشوف إليه النفوس البشرية في أسباب المكونات وبدء الخليقة وأسرار الوجود فإنما يسألون عنه أهل الكتاب قبلهم ويستفيدون منهم إلى أن قال وهؤلاء مثل كعب الأحبار ووهب بن منبه وعبد الله بن سلام فامتلأت التفاسير من المنقولات عنهم وتلقيت بالقبول لما كان لهم من المكانة السامية ولكن الراسخين في العلم قد تحروا الصحة وزيفوا ما لم تتوافر أدلة صحته اهـ بتصرف.
ملحوظة:
إياك أن تفهم هنا من عبارة ابن خلدون أو ابن تيمية أو غيرهما ما يجعلك تخوض مع الخائضين في هؤلاء الأعلام الثلاثة عبد الله بن سلام ووهب بن منبه وكعب الأحبار فقد ضل بعض الأدباء والمؤرخين من كبار الكتاب في هذا العصر حين زعموا ذلك حتى لقد سلكوا عبد الله بن سلام الصحابي الجليل في سلك واحد مع عبد الله بن سبأ اليهودي الخبيث الذي تظاهر بالإسلام ثم كاد له شر الكيد فتشيع لعلي وزعم أن الله حل فيه وطعن على عثمان وأظهر الرفض عند حكم الحكمين بصفين ودعا الناس إلى ضلاله الأثيم حتى نفي مرارا.
والحقيقة أن ثلاثتنا هؤلاء عدول ثقات:
أما ابن سلام فحسبك أنه صحابي من خيرة الصحابة ومن المبشرين بالجنة يروي الترمذي عن معاذ رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إنه
عاشر عشرة في الجنة" وفيه نزلت آية: {وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرائيلَ عَلَى مِثْلِهِ} وآية: {عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ} على ما جاء في بعض الروايات.
وأما وهب بن منبه فقد كان تابعا ثقة واسع العلم روى عن أبي هريرة كثيرا وله حديث في الصحيحين عن أخيه همام بلغ من تنسكه وصلاحه أنه لبث عشرين سنة يصلي الفجر بوضوء العشاء رضي الله عنه.
وأما كعب فقد كان تابعا جليلا أسلم في خلافة أبي بكر وناهيك أن الصحابة أخذوا عنه كما أخذ هو عن الصحابة وروى عنه جماعة من التابعين مرسلا وله شيء في صحيح البخاري وغيره.
ولكن يجب أن نفرق في هذا المقام بين ما يصح أن يقال فيهم وما يصح أن ينقل عنهم فأما ما يصح أن يقال فيهم فهو الثقة والتقدير على نحو ما ألمعناه وأما الذي ينقل عنهم فمنه الصحيح وغير الصحيح لكن عدم صحة ما لم يصح لا يعلل باتهامهم وجرحهم فقد علمت من هم إنما يعلل بأحد أمرين:
أولهما رجال السند الذين ينقلون عنهم فقد يكون بينهم متهم في عدالته أو ضبطه ولهذا يجب النظر في سلسلة الرواة عنهم رجلا رجلا ولدينا من كتب الجرح والتعديل ما يفي بهذه الغاية ولا يكفي الاعتماد على ذكر السند في كتاب كبير كتفسير ابن جرير فقد يذكر ابن جرير أو غيره أشياء غير صحيحة ويسوق أسانيدها ثم لا يبين المجروح من رجال السند ولا المعدل فيهم وعذرة في ذلك أن أحوال الرجال كانت معروفة لأهل ذلك الزمان فيستطيعون أن يحكموا في ضوء هذه المعرفة بقبول الخبر أو برده أما نحن في هذا الزمان المتأخر فقد أهملنا هذا الميزان ولم نعن بمعرفة حال الأسانيد والرجال فاللوم علينا لا على أولئك الأعلام ولا معدى لنا عن الاسترشاد بكتب الجرح والتعديل في هذا المقام.
الأمر الثاني أن يكون أولئك الثلاثة قد رووا ما رووه على أنه مما كان في