الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
صلاته لأنه متكلم بكلام وليس ذكرا وإن كان ما يؤديه ذكرا أو تنزيها لا تفسد صلاته لأن الذكر بأي لسان لا يفسد الصلاة لا لأن القراءة بترجمة القرآن جائزة فقد مضى القول بأن القراءة بالترجمة محظورة شرعا على كل حال.
توجيهات وتعليقات
جاء في كلام بعض الأئمة وأقطاب علماء الأمة ما أوقع بعض كبار الباحثين في اشتباه لذلك نرى إتماما للبحث وتمحيصا للحقيقة أن نسوق نماذج من هذا الكلام ثم نتبعها بما نعتقد توجيها لها أو تعليقا عليها.
1 -
كلمة للإمام الشافعي
جاء في كتاب الأم للشافعي رحمه الله تحت عنوان إمامة الأعجمي "ص 147 ج 1" ما نصه وإذا ائتموا به فإن أقاما معا أم القرآن ولحن أو نطق أحدهما بالأعجمية أو لسان أعجمي في شيء من القرآن غيرها أجزأته ومن خلفه صلاتهم إذا كان أراد القراءة لما نطق به من عجمة ولحن فإن أراد به كلاما غير القراءات فسدت صلاته اهـ.
قالوا في بيان مراد الشافعي من كلمته هذه ومراده أن الإمام والمؤتم إذا أحسسنا قراءة الفاتحة ثم لحن أو نطق أحدهما بلهجة أعجمية أو لغة أعجمية في شيء من القرآن غير الفاتحة لا تبطل صلاتهما والمراد من الأعجمية اللهجة ومن اللسان اللغة كما هو استعماله في هذه المواطن فهذا النص يدل على أن اللسان الأعجمي بعد قراءة المفروض عنده وهو الفاتحة لا يبطل الصلاة وهو موافق للحنفية في هذا اهـ.
ونقول توجيها لكلام الشافعي وتأييدا لما ذهبنا إليه قد أسلفنا الكلام في مذهب الحنفية فلا نعيده أما الذي ذكروه من أن هذا هو مراد الشافعي رحمه الله فمسلم بيد أنه يحتاج إلى تكملة لا بد منها وهي أن عدم بطلان الصلاة في هذه الصورة مشروط بأن تقصد القراءة أما إذا كان المقصود كلاما غير القراءة فإنها تبطل ثم إن منشأ عدم البطلان ليس هو جواز قراءة غير الفاتحة بالأعجمية كما فهموا إنما منشؤه أن هذه القراءة، بالأعجمية وقعت في غير ركن وفي غير واجب للصلاة لما هو مقرر في مذهب الشافعية من أن قراءة ما زاد على الفاتحة ليس واجبا في الصلاة بحال وهذا لا ينافي أن القرءاة بالأعجمية محرمة كما سبق في نصوص الشافعية بين يديك وكما عرف من كلام الشافعي نفسه وقد أسلفناه قريبا ولهذه المسألة نظائر منها الصلاة في الأرض المغصوبة فإنها محرمة ومع حرمتها فإنها صحيحة ويؤيد حرمة القرءاة بالأعجمية أن الشافعي في كلامه هنا قد سوى بين اللحن والقراءة بالأعجمية ونظمهما في سلك واحد مع ما هو معلوم من أن اللحن في القرآن حرام بإجماع المسلمين.
2 -
كلمة للمحقق الشاطبي
قال الشاطبي وهو من أعلام المالكية "في ص 44، 45 ج 2" من كتابه الموافقات تحت عنوان منع ترجمة القرآن ما نصه للغة العرب من حيث هي ألفاظ دالة على معان نظران أحدهما من جهة كونها ألفاظ وعبارات دالة على معان مطلقة وهي الدلالة الأصلية والثاني من جهة كونها ألفاظ وعبارات مقيدة دالة على معان خادمة وهي الدلالة التابعة فالجهة الأولى هي التي تشترك فيها الألسنة وإليها تنتهي مقاصد المتكلمين ولا تختص بأمة دون أخرى فإنه إذا حصل في الوجود فعل لزيد مثلا كالقيام ثم أراد كل صاحب لسان الإخبار عن زيد بالقيام تأتى له ما أراد من غير كلفة ومن هذه الجهة يمكن في لسان العرب الإخبار عن أقوال الأولين ممن ليسوا من أهل اللغة العربية وحكاية كلامهم ويتأتى في لسان العجم حكاية أقوال العرب والإخبار عنها وهذا إشكال
فيه وأما الجهة الثانية فهي التي يختص بها لسان العرب في تلك الحكاية وذلك الإخبار فإن كل خبر يقتضي في هذه الحالة أمورا خادمة لذلك الإخبار بحسب المخبر والمخبر عنه والمخبر به ونفس الإخبار في الحال والمساق ونوع الأسلوب من الإيضاح والإخفاء والإيجاز والإطناب وغير ذلك وبعد أن مثل الشاطبي لهذا بنحو ما مثلنا سابقا قال وبهذا النوع الثاني اختلفت العبارات وكثير من أقاصيص القرآن لأنه يأتي مساق القصة في بعض السور على وجه وفي بعضها على وجه آخر وفي ثالثة على وجه ثالث وهكذا ما تقرر فيه من الإخبار لا بحسب النوع الأول إلا إذا سكت عن بعض التفاصيل في بعض ونص عليه في بعض وذلك أيضا لوجه اقتضاه الحال والوقت وما كان ربك نسيا.
ثم قال إذا ثبت هذا فلا يمكن من اعتبر هذا الوجه الأخير أي الدلالة التابعة من الكلام أن يترجم كلاما العربي بكلام العجم فضلا عن أن يترجم القرآن وينقل إلى لسان غير عربي إلا مع فرض استواء اللسانين في استعمال ما تقدم تمثيله ونحوه فإذا ثبت ذلك في اللسان المنقول إليه مع لسان العرب أمكن أن يترجم أحدهما إلى الآخر وإثبات مثل هذا بوجه بين عسير.
وقد نفي ابن قتيبة إمكان الترجمة في القرآن يعني على هذا الوجه الثاني فأما على الوجه الأول فهو ممكن ومن جهته صح تفسير القرآن وبيان معناه للعامة ومن ليس له فهم يقوى على تحصيل معناه وكان ذلك جائزا باتفاق أهل الإسلام فصار هذا الاتفاق حجة في صحة الترجمة على المعنى الأصلي اهـ ما أردنا نقله بتصرف طفيف.
قالوا: هذا كلام مدلل وبحث موجه من عالم جليل محقق وأصولي نظار مدقق وهو ينطق بجواز ترجمة القرآن مع الدليل والبرهان.
ونحن نقول إن كلام الشاطبي صريح في أن الممكن هو نقل المعاني الأصلية للقرآن دون التابعة وعلى هذا بإطلاقه لفظ ترجمة القرآن على ما أدى تلك المعاني الأصلية وحدها إطلاق لغوي محض لا نخالف فيه بل ندعو إليه ونشجع عليه مع التحفظات التي بسطناها فيما سلف.
أما الترجمة العرفية وفيها يساق الحديث فإن الشاطبي لا يريدها قطعا ولا يذهب إلى القول بها لا في القرآن ولا في غير القرآن من النصوص الأدبية ولنا على ذلك أدلة خمسة نسوقها إليك.
أولها أنه قال في لغة الواثق تلك الكلمة الصريحة إذا ثبت فلا يمكن من اعتبر هذا الوجه الأخير أن يترجم كلاما من الكلام العربي بكلام العجم فضلا عن أن يترجم القرآن وينقل إلى لسان غير عربي.
ثانيها انه نقل في كلمته المذكورة عن ابن قتيبة أنه نفى إمكان الترجمة في القرآن على هذا الوجه الثاني ثم أقره على هذا النفي بهذا التوجيه.
ثالثها أنه مالكي المذهب والمالكية من أشد الناس تحرجا من الترجمة على ما علمت من نصوصهم السابقة.
رابعها أنه تردد أثناء بحثه في الترجمة ترددا يدل على أنه لم يقطع برأي يخالف مذهبه إنما هو مجرد بحث فحسب أما الحكم فمسلم على حد قولهم البحث وارد والحكم مسلم والدليل على تردده ما جاء في الجزء الثاني من كتابه الموافقات إذ يقول إذا ثبت أن للكلام من حيث دلالته على المعنى جهتين كان من الواجب أن ينظر في الوجه الذي تستفاد منه الأحكام هل يختص بجهة المعنى الأصلي أو يعم الجهتين أما استفادتها من الجهة الأولى فلا خلاف فيه وأما استفادتها من الجهة الثانية فهو محل تردد ولكل واحد من الطرفين وجهة من النظر ثم قال قد تبين تعارض الأدلة في المسألة وظهر
ان الأقوى من الجهتين جهة المانعين استفادة الأحكام منها لكن بقي فيها نظر آخر ربما إخال أن لها دلالة على معان زائدة على المعنى الأصلي هي آداب شرعية وتخلقات حسنه فيكون لها اعتبار في الشريعة فلا تكون الجهة الثانية خالية الدلالة جملة وعند ذلك يشكل القول بالمنع مطلقا اهـ مختصرا.
أرأيت هذا التردد كله ثم أرأيت كيف أخطأه التوفيق في أن يجزم كما جزمنا باستفادة أنواع الهدايات الإسلامية من جهة المعاني الثانوية للقرآن الكريم على نحو ما فصلناه تفصيلا ومثلنا له تمثيلا والكمال لله وحده.
خامسها أنه قال في الجزء الثاني من كتابه الموافقات أيضا "ص 42" إن القرآن أنزل بلسان العرب فطلب فهمه إنما يكون من هذا الطريق خاصة ثم قال فمن أراد تفهمه فمن جهة لسان العرب يفهمه ولا سبيل إلى تفهمه من غير هذه الجهة.
وذلك برهان يدل على أن ترجمة القرآن في نظره لا يمكن أن تفي بهداياته ومقاصده وأن طالب فهمه لا طريق له إلا أن ينتقل هو إلى القرآن ولغته فيدرسه على ضوء ما تقرر من قواعد هذه اللغة وأساليبها ولا سبيل إلى هذه الدراسة طبعا إلا بحذق هذه اللغة وعلومها.
3 -
كلمة لحجة الإسلام الغزالي
جاء في حديث المستصفى للغزالي "169 ج 1" ما نصه ويدل على جوازه أي جواز رواية الحديث بالمعنى للعالم الإجماع على جواز شرح الشرع للعجم بلسانهم فإذا جاز إبدال العربية بعجمية ترادفها فلأن يجوز إبدال عربية بعربية ترادفها وتساويها أولى وكذلك كان سفراء رسول الله صلى الله عليه وسلم في البلاد يبلغونهم أوامره بلغتهم وهذا لأنا نعلم ألا تعبد في اللفظ وإنما المقصود فهم المعنى وإيصاله إلى الخلق وليس بذلك كالتشهد والتكبير وما تعبد فيه باللفظ. اهـ.