الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
النار" فإنه لا يلزم أن يكون سابقا على الخبر الوارد بإيجاب الوضوء مما مست النار ولا يخلو وقوع هذا من حكمة عظيمة هي تخفيف الله من عباده بعد أن ابتلاهم بالتشديد.
قانون التعارض:
وعلى ذكر التعارض في هذا الباب نبين لك أن النصين المتعارضين إما أن يتفقا في أنهما قطعيان أو ظنيان وإما أن يختلفا فيكون أحدهما قطعيا والآخر ظنيا أما المختلفان فلا نسخ بينهما لأن القطعي أقوى من الظني فيؤخذ به وما كان اليقين ليترك بالظن وأما المتفقان فإن علم تأخر أحدهما بطريق من تلك الطرق الثلاث المعتمدة فهو الناسخ والآخر المنسوخ وإن لم يدل عليه واحد منها وجب التوقف وقيل يتخير الناظر بين العمل بهما.
هذا كله إذا لم يكن الجمع بين النصين بوجه من وجوه التخصيص والتأويل وإلا وجب الجمع لأن إعمال الدليلين أولى من إعمال دليل وإهدار آخر ولأن الأصل في الأحكام بقاؤها وعدم نسخها فلا ينبغي أن يترك استصحاب هذا الأصل إلا بدليل بين.
ما يتناوله النسخ
إن تعريف النسخ بأنه رفع حكم شرعي بدليل شرعي يفيد في وضوح أن النسخ لا يكون إلا في الأحكام وذلك موضع اتفاق بين القائلين بالنسخ لكن في خصوص ما كان من فروع العبادات والمعاملات أما غير هذه الفروع من العقائد وأمهات الأخلاق وأصول العبادات والمعاملات ومدلولات الأخبار المحضة فلا نسخ فيها على الرأي السديد الذي عليه جمهور العلماء.
أما العقائد فلأنها حقائق صحيحة ثابتة لا تقبل التغيير والتبديل فبدهي ألا يتعلق بها نسخ.
وأما أمهات الأخلاق فلأن حكمة الله في شرعها ومصلحة الناس في التخلق بها.
أمر ظاهر لا يتأثر بمرور الزمن ولا يختلف باختلاف الأشخاص والأمم حتى يتناولها النسخ بالتبديل والتغيير.
وأما أصول العبادات والمعاملات فلوضوح حاجة الخلق إليهما باستمرار لتزكية النفوس وتطهيرها ولتنظيم علاقة المخلوق بالخالق والخلق على أساسهما فلا يظهر وجه من وجوه الحكمة في رفعها بالنسخ.
وأما مدلولات الأخبار المحضة فلأن نسخها يؤدي إلى كذب الشارع في أحد خبريه الناسخ والمنسوخ وهو محال عقلا ونقلا أما عقلا فلأن الكذب نقص والنقص عليه تعالى محال وأما نقلا فمثل قوله سبحانه: {وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلاً} . {وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثاً} .
نعم إن نسخ لفظ الخبر دون مدلوله جائز بإجماع من قالوا بالنسخ ولذلك صورتان إحداهما أن تنزل الآية مخبرة عن شيء ثم تنسخ تلاوتها فقط والأخرى أن يأمرنا الشارع بالتحدث عن شيء ثم ينهانا أن نتحدث به.
وأما الخبر الذي ليس محضا بأن كان في معنى الإنشاء ودل على أمر أو نهي متصلين بأحكام فرعية عملية فلا نزاع في جواز نسخه والنسخ به لأن العبرة بالمعنى لا باللفظ.
مثال الخبر بمعنى الأمر قوله تعالى: {تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَباً} فإن معناه ازرعوا.
ومثال الخبر بمعنى النهي قوله سبحانه: {لزَّانِي لا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ} فإن معناه لا تنكحوا مشركة ولا زانية بفتح التاء ولا تنكحوهما بضم التاء لكن على بعض وجوه الاحتمالات دون بعض.
والفرق بين أصول العبادات والمعامالات وبين فروعها أن فروعها هي ما تعلق بالهيئات والأشكال والأمكنة والأزمنة والعدد أو هي كمياتها وكيفياتها وأما أصولها فيه ذوات العبادات والمعاملات بقطع النظر عن الكم والكيف.
واعلم أن ما قررناه هنا من قصر النسخ على ما كان من قبيل الأحكام الفرعية العلمية دون سواها هو الرأي السائد الذي ترتاح إليه النفس ويؤيده الدليل وقد في نازع في ذلك قوم لا وجه لهم فلنضرب عن كلامهم صفحا:
وليس كل خلاف جاء معتبرا
…
إلاخلاف له خط من النظر
ويتصل بما ذكرنا أن الأديان الإلهية لا تناسخ بينها فيما بيناه من الأمور التي لا يتناولها النسخ بل هي متحدة في العقائد وأمهات الأخلاق وأصول العبادات والمعاملات وفي صدق الأخبار المحضة فيها صدقا لا يقبل النسخ والنقض وإن شئت أدلة فهاك ما يأتي من القرآن الكريم: