الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والانحراف في العقيدة وقد سلك في تفسيره مفاتيح الغيب المشهور بتفسير الفخر مسلك الحكماء الإلهيين فصاغ أدلته في مباحث الإلهيات على نمط استدلالاتهم العقلية ولكن مع تهذيبها بما يوافق أصول أهل السنة وكذلك تعرض لشبههم بالنقض والتفنيد في كثير من المواضع.
كما أنه سلك طريقة الطبيعيين في الكونيات فتكلم في الأفلاك والأبراج وفي السماء والأرض وفي الحيوان والنبات وفي أجزاء الإنسان وغير ذلك مما جر إليه الاستدلال على وجود الله جل جلاله غفر الله له وشكر صنيعه والله خير الشاكرين.
خ -
مزج العلوم الأدبية والكونية
وغيرها بالتفسير وسبب ذلك وأثره
القرآن كتاب هداية وإعجاز وهدايته وإعجازه يصورهما المفسر ويشرحهما في تفسيره على قدر ما فيه من استعداد ومقدرة وعلى قدر ما عند الناس من علوم ومعارف وأفكار.
ولقد مرت على القرآن الكريم منذ نزوله إلى الآن عصور وقرون وأمم وأجيال والقرآن كما كان وكما سيبقى كتاب ينشر نور الهداية ويرفع لواء الإعجاز وكان الذين شوفهوا به لأول مرة عربا اكتملت فيهم خصائص العروبة وإن كانوا مع ذلك أميين لا إلمام لهم بالقراءة والكتابة ولا شأن لهم بعلوم تدرس ولا بكتب تقرأ.
لهذا وذاك كان فهمهم لهداية هذا الكتاب وإعجازه وتصويرهم لهما بالتفسير والبيان من الأمور الهينة السهلة الجارية على الفطرة والبساطة لا يحتاجون في ذلك إلى اصطلاحات فنية ولا إلى قواعد نحوية وبلاغية ولا إلى نظريات علمية.
أما إعجازه فكان معروفا لهم بمحض السليقة العربية السليمة والذوق البلاغي الرقيق وأما هدايته فكانوا يفهمونها كذلك بعقولهم الصافية وذكائهم الموهوب ولغتهم العربية الفصحى التي نزل بها القرآن.
وإذا استعانوا فبالنظر في كتاب الكون وآيات الله في الآفاق وبما خلق الله فيهم وحولهم من عجائب السماوات والأرض ثم بما يسمعون من بيان رسول الله صلى الله عليه وسلم.
مضى الأمر على ذلك مدة ثم جاء نصر الله والفتح ووطأت الأرض أكنافها للمسلمين وأظلت راية الإسلام أمما وشعوبا لم تكن تعرف العربية ولكنها كانت على ثقافة في العلوم والفنون والفلسفة وقد اختلطت هذه الأمم المفتوحة بتلك الأمم الفاتحة فكان من نتائج هذا الاتصال مع امتداد الزمان أمران.
أحدهما أن فسدت اللغة العربية وأصبح الجميع بحاجة إلى ضوابط تضبطها وتضمن سلامتها وتعصم الناس من الخطأ في فهم الكتاب والسنة فنشأت بسبب ذلك العلوم الأدبية أو علوم اللغة العربية.
ثانيهما أن ترجمت علوم هذه الأمم الداخلة في الإسلام وهذبت ونقحت وذاعت ثقافتها بين المسلمين على اختلاف أجناسهم فكان من مقتضيات الحكمة التوفيق بينها وبين القرآن من ناحية وفهم القرآن في ضوئها من ناحية أخرى وإنما كان ذلك من مقتضيات الحكمة لأن الإسلام ليس عدوا للعلم كما يزعم الأفاكون بل هو صديق العلم وحليفه إن لم نقل كأنه هو!.
بهذه الأسباب بدأت العلوم الأدبية والعلوم الكونية تتدخل في تفسير القرآن وتمتزج به على اعتبار أن هدايته وإعجازه لا يفهمان فهما صحيحا كاملا بالنسبة إليهم إلا عن طريق هذه العلوم والمعارف.
أما علوم اللغة والأدب فلأن بها يعرف ضبط الكلمات أبنيتها وهيئاتها وأواخرها ومدلولات الألفاظ على اختلاف أنواعها والإحاطة بمعاني التراكيب والتمييز بين
العالي والنازل من الأساليب ولا ريب أن إدراك معاني القرآن وذوق بلاغته وإعجازه لا يتأتي لغير العرب الخلص إلا عن هذا الطريق.
وأما العلوم الكونية فلأن الله تعالى دعا الناس كثيرا أن ينظروا في هذا الكون وحضهم بقوة أن يقرؤوا صحيفة هذا الوجود ليصلوا من الكون إلى مكونه وليستدلوا بالوجود على موجده ولينتفعوا أبلغ انتفاع بتلك القوى العظيمة التي خلقها لأجلهم وسخرها لنفعهم قال تعالى في سورة الجاثية: {اللَّهُ الَّذِي سَخَّرَ لَكُمُ الْبَحْرَ لِتَجْرِيَ الْفُلْكُ فِيهِ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مِنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} .
فلا عجب إذا فهموا تلك الألفاظ الكونية التي في القرآن على النحو الذي هداهم إليه العلم والثقافة التي تثقفوها في علوم الكون.
ومعلوم أن المفسر لا يفسر لنفسه إنما يفسر للناس فكان من الواجب أن يساير أفكارهم ويشرح ألفاظ القرآن في الظواهر الطبيعية والعلمية وسنن الله الكونية وقوانين الاجتماع والسياسة وقواعد الاقتصاد والأخلاق وسائر التشريعات الشخصية والمدنية والجنائية والحربية، نقول يجب على المفسر أن يشرح ألفاظ القرآن في ذلك كله وفيما يشبهه بالطريقة العلمية المألوفة لهم وبالأفكار الغالبة عليهم الملائمة لأذواقهم وإلا فما بلغ رسالته ولا أدى أمانته وكيف يخاطب العالم بغير ما يفهمون ويدخل إليهم من غير الباب الذي يدخلون.
هذه هي الأسباب التي جعلت التفسير يمتزج بالعلوم الأدبية والكونية وغيرها وجعلت العلوم الأدبية والكونية تحتل مكانها في كتب التفسير وإن كان هذا الامتزاج يختلف
ضعفا وقوة وقلة وكثرة وتوفيقا وخذلانا باختلاف مواهب المفسرين واستعداد الجمهور وتقدم الزمان وتأخره في هذه العلوم.
فتفاسير الزجاج وأبي حبان وأضرابهما مليئة بالمباحث النحوية وتفاسير الزمخشري وأبي السعود وأشباههما مليئة بالمباحث البلاغية وتفسير الخازن ومن لف لفه مليء بالأخبار والقصص وتفسير الجواهر للعلامة المرحوم الشيخ طنطاوي جوهري مليء بالعلوم الكونية وهو تفسير حديث يشتمل كما قال صاحبه على عجائب بدائع المكونات وغرائب الآيات الباهرات يقع في خمسة وعشرين مجلدا وقد تم طبعه بمصر عام 1352 اثنين وخمسين وثلاثمائة وألف للهجرة رحم الله مؤلفه وجزاه خيرا.
آثار هذا الامتزاج:
أما آثار امتزاج العلوم الأدبية بالتفسير فيمكن تلخيصها فيما يأتي:
1 -
بيان معاني القرآن وهداياته.
2 -
إظهار فصاحة القرآن وبلاغته.
3 -
الدلالة على وجوه إعجاز القرآن من ناحية الأسلوب والبيان.
وأما آثار امتزاج العلوم الكونية بالتفسير فيمكن تلخيصها فيما يلي:
1 -
مسايرة أفكار الناس ومعارفهم وتفسير القرآن لهم تفسيرا يشبع حاجتهم من الثقافة الكونية.
2 -
إدراك وجوه جديدة للإعجاز في القرآن من ناحية ما يحويه أو يرمز إليه من علوم الكون والاجتماع.
3 -
دفع مزاعم القائلين بأن هناك عداوة بين العلم والدين.
4 -
استمالة غير المسلمين إلى الإسلام من هذا الطريق العلمي الذي يخضعون له دون سواه في هذه الأيام.
5 -
الحث على الانتفاع بقوى الكون ومواهبه.
6 -
امتلاء النفس إيمانا بعظمة الله وقدرته حينما يقف الإنسان في تفسير كلام الله على خواص الأشياء ودقائق المخلوقات حسب ما تصورها علوم الكون.
هذا وإن لامتزاج العلوم الكونية والأدبية بالتفسير آثارا أخرى مشتركة بينهما نجملها فيما يأتي:
1 -
زيادة الثقة بالقرآن وعروبته ومعارفه وإعجازه.
2 -
والإيمان بأنه كتاب غني بكل ما يحتاج إليه البشر من ألوان السعادة.
3 -
والإيمان بأنه كتاب الساعة ودستور الناس إلى يوم القيامة يصلح لكل زمان ومكان ولا يستغني عن كنوزه وذخائره إنسان.
شروط لا بد منها:
تلك الآثار الجليلة التي ألمعنا إليها لا تتحقق جلالتها إلا إذا روعيت فيها الأمور الآتية:
1 -
ألا تطغى تلك المباحث عن المقصود الأول من القرآن وهو الهداية والإعجاز أما إن أسرف المفسر واشتغل بتفريعات العلوم الأدبية ونظريات الفنون الكونية فقد انعكست الآية ولم يعد التفسير تفسيرا بل يكون أشبه بكتب العلوم والفنون منه بكتب التفسير كما قال بعض العلماء الظرفاء يصف تفسيرا مشهورا بالاستطراد والتطويل والضرب في كثير من العلوم قال لقد حوى هذا التفسير كل شيء إلا التفسير.
2 -
أن يلاحظ في امتزاج التفسير بتلك العلوم ما يلائم العصر ويوائم الوسط
لأن تلك الأبحاث الكونية والأدبية قد تكون ضرورية ومفيدة أيما فائدة إذا شرح بها القرآن في عصر من عصور الثقافة أو لجمهور من المفتونين بالمادة وعلوم الكون أو لطائفة من المتأدبين المشغوفين بفنون البلاغة في القول بينما تكون هذه الأبحاث نفسها نكبة وفتنة إذا شرح بها القرآن في عصر من عصور الجهالة أو لفئة أخرى من فئات الناس وما من أحد يخاطب قوما بغير ما تسعه عقولهم إلا كان فتنة عليهم.
3 -
أن تذكر تلك الأبحاث على وجه يدفع المسلمين إلى النهضة ويلفتهم إلى جلال القرآن ويحركهم إلى الانتفاع بقوى هذا الكون العظيم الذي سخره الله لنا انتفاعا بعيد لأمة الإسلام نهضتها ومجدها.
وهاك نموذجا على سبيل التمثيل وإن أسرف في هذا السبيل إسرافا أنساه نفس التفسير والتأويل.
قال العلامة المرحوم الشيخ طنطاوي جوهري في كتابه القرآن والعلوم العصرية ما نصه:
قال الله تعالى: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْأَنْهَارَ وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا إِنَّ الْأِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ} عبر الله تعالى بكاف الخطاب ست مرات فجعل الماء لنا وتسخير الشمس والقمر لنا وتسخير الليل والنهار لنا وقد آتانا من كل ما سألناه في ضمائرنا وما تمنته نفوسنا.
فهل هذا الخطاب استثنى منه المسلمون فهل جعل الله الثمرات في الأرض خاصة بغير المسلمين أم الخطاب عام وهل الفلك التي تجري في البحر ما بين آسيا وإفريقيا وأوروبة في المحيط الهندي والهادي والبحر الأحمر وبحر الظلمات بين أوروبة وأمريكا هل هذه
السفن خاصة بالإفرنج وكيف نام المسلمون عن علوم التجارة فأصبحت بأيدي غيرهم من الفرنجة وأهل أمريكا وهم صفر اليدين فالسفن التي تمخر عباب الأنهار والبحار في سائر أنحاء كرتنا الأرضية بيد الفرنجة وهم هم الذي يدرسون علوم المعادن والكهرباء والبخار والتلغراف البرق الذي له سلك والبرق الذي بلا سلك أليس من العار عليكم أيها المسلمون أن تكونوا 350 مليونا1 ولا سفن لكم في البحار كما لغيركم وقد خاطبكم الله تعالى فقال: {وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ} على قواعد علمية بعد معرفة صناعة الحديد لبنائها والخشب لتكميلها والبخار لتسييرها والكهرباء والمغناطيس لمعرفة الأخبار فيها وقراءة علم الفلك والكواكب السيارة والثابتة للاهتداء بها في طرق البحار ودرس علوم البحار وطرقها ومناطقها وما فيها من مسالك حتى لا تضل السفن سواء السبيل فتغرق ويهلك ما فيها وبعد دراسة علوم السحب والرياح والعواصف حتى يلبس الربان لكل حال لبوسها وينهج النهج الذي ينجي السفينة ثم قال {وَسَخَّرَ لَكُمُ الْأَنْهَارَ} ولا جرم أن الأنهار تسقي الزروع ولها في جريانها قوة تستخرج منها الكهرباء فتغني عن الفحم والبترول والمسلمون في بقاع الأرض غافلون عن أنهارهم وتكاد تصبح بيد غيرهم {وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ} والليل والشمس والقمر لها حساب دقيق لا يهتدى إليه إلا بعلم الحساب والهندسة والجبر ثم الفلك فلا تطلع الشمس ولا تغرب ولا يشرق النجم ولا يغرب ولا يطلع سيار ولا يأفل إلا بمواعيد موقوتة لا تنقص ثانية بل كل ذلك بمقدار ولو حرم البشر ذلك يوما واحدا لاختل أمر حياتهم فها هي سفن البحار وقطرات اليابسة كلها تسير بحساب الشمس والكواكب ولو أغفل الناس بعض ذلك لاختلت مواعيدهم،
1 جاء في بعض الصادر الموثوق بها أن عدد المسلمين يزيد الآن كثيرا على أربعمائة مليون.