الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
القتاد لأن طبيعة تأليف هذا الكتاب تأبى أن يكون لها نظير يحاكيه لا من لغته ولا من غير لغته وذلك هو معنى إعجازه البلاغي ومن أراد أن يتصور هذا اللون من ألوان إعجازه فلينتقل هو إلى هذا الكتاب ولغته فيتذوقه بها وبأساليبها ومن المحال أن ينتقل هذا الكتاب العزيز تاركا عرشه الذي بوأه الله إياه وهو عرش اللغة العربية وماذا يبقى للملك من عزة وسلطان إذا هو تخلى عن عرشه وملكه وهذا القرآن جعله الله ملك الكلام وتوجه بتاج الإعجاز واختار لغته العربية مظهرا لهذا الإعجاز والاعتزاز!: {وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} .
فوائد الترجمة بهذا المعنى
لترجمة القرآن بهذا المعنى فوائد كنا في غنى عن بيانها بما أشرنا إليه من أنها كالتفسير العربي الذي اتفق الجميع على جوازه بشرطه ولكن بعض الباحثين توقفوا في جواز هذه الترجمة كما توقفوا في جواز الترجمة بالمعنى الآتي مع بعد ما بينهما ثم تذرعوا بأنه لا فائدة ترجى منها وأثاروا شبهات حولها لهذا نبسط القول ببيان فوائد هذه الترجمة ثم بدفع الشبهات عنها أما فوائدها فنشرحها فيما يأتي:
الفائدة الأولى رفع النقاب عن جمال القرآن ومحاسنه لمن لم يستطع أن يراها بمنظار اللغة العربية من المسلمين الأعاجم وتيسير فهمه عليهم بهذا النوع من الترجمة ليزدادوا إيمانا مع إيمانهم ويعظم تقديرهم للقرآن ويشتد شوقهم إل يه فيهتدوا بهديه ويغترفوا من بحره ويستمتعوا بما حواه من نبل في المقاصد وقوة في الدلائل وسمو في التعاليم ووضوح وعمق في العقائد وطهر ورشد في العبادات ودفع قوى إلى مكارم الأخلاق وردع زاجر عن الرذائل والآثام وإصلاح معجز للفرد وللمجموع واختيار موفق لأحسن القصص وإخبار عن كثير من أنباء الغيب وكشف عن معجزات
أكرم الله بها رسوله وأمته إلى غير ذلك مما من شأنه أن يسمو بالنفوس الإنسانية ويملأ العالم حضارة صحيحة ومدنية.
وإنك لتستطيع أن ترى هذه الفائدة ماثلة بين عينيك إذا ما شاهدت أستاذا ممتازا يلقي درسا من دروس التفسير على العامة يجلي معاني القرآن لهم بمهارته ويتنزل إلى مستواهم فيخاطبهم ويتخير من المعاني أصحها وأمسها بحاجتهم ويعالج عند المناسبة ما يعرف من جهالتهم وشبهتهم والله لكأني بهذا المدرس اللبق وقد نفخ فيهم من روح القرآن فأحيا مواتهم وداوى أمراضهم وقادهم إلى النهضة وجعلهم يؤمنون بهذا الكتاب عن علم وذوق وشعور ووجدان بعد أن كانوا يؤمنون به إيمانا أشبه بالتقليد الأعمى أو بمحاكاة الصبيان.
ولقد دلتنا التجارب على أن كثيرا من هؤلاء الذين أحسوا جلال القرآن عن طريق تفسيره فكروا في حفظه واستظهاره ودراسة لغته وعلومه ليرتشفوا بأنفسهم من منهله الروي ويشبعوا نهمتهم من غذائه الهني ما دام هذا التفسير وغيره لا يحمل كل معاني الأصل وما دام ثواب الله يجزي على كل من نظر في الأصل أو تلا نفس ألفاظ الأصل.
الفائدة الثانية دفع الشبهات التي لفقها أعداء الإسلام وألصقوها بالقرآن وتفسيره كذبا وافتراء ثم ضللوا بها هؤلاء المسلمين الذين لا يحذقون اللسان العربي في شكل ترجمات مزعومة للقرآن أو مؤلفات علمية وتاريخية للطلاب أو دوائر معارف للقراء أو دروس ومحاضرات للجمهور أو صحف ومجلات للعامة والخاصة.
الفائدة الثالثة تنوير غير المسلمين من الأجانب في حقائق الإسلام وتعاليمه خصوصا في هذا العصر القائم على الدعايات وبين نيران هذه الحروب التي أوقدها أهل الملل والنحل الأخرى حتى ضل الحق أو كاد يضل في سواد الباطل وخفت صوت الإسلام أو كاد يخفت بين ضجيج غيره من المذاهب المتطرفة والأديان المنحرفة.
الفائدة الرابعة إزالة الحواجز والعواثير التي أقامها الخبثاء الماكرون للحيلولة بين الإسلام وعشاق الحق من الأمم الأجنبية وهذه الحواجز والعواثير ترتكز في الغالب على أكاذيب افتروها تارة على الإسلام وتارة أخرى على نبي الإسلام وكثيرا ما ينسبون هذه الأكاذيب إلى القرآن وتفاسيره وإلى تاريخ الرسول صلى الله عليه وسلم وسيرته ثم يدسونها فيما يزعمونه ترجمات للقرآن وفيما يقرأ الناس ويسمعون بالوسائل الأخرى فإذا نحن ترجمنا تفسير القرآن أو فسرنا القرآن بلغة أخرى مع العناية بشروط التفسير وشروط الترجمة ومع العناية التامة بدفع الشبهات والأباطيل الرائجة فيهم عند كل مناسبة تزلزلت بلا شك تلك القصور التي أقاموها من الخرافات والأباطيل وزالت العقبات من طريق طلاب الحق وعشاقه من كل قبيل.
وهاك كلمة يؤيدنا بها الكاتب الإنجليزي الشهير برناردشو إذ يقول لقد طبع رجال الكنيسة في القرون الوسطى دين الإسلام بطابع أسود حالك إما جهلا وإما تعصبا إنهم كانوا في الحقيقة مسوقين بعامل بغض محمد ودينه فعندهم أن محمدا كان عدوا للمسيح ولقد درست سيرة محمد الرجل العجيب وفي رأيي أنه بعيد جدا من أن يكون عدوا للمسيح إنما ينبغي أن يدعى منقذ البشرية الخ ما قال بمجلة ذي مسلم رفيوبلكنو الهند في جزء مارس سنة 1933.
الفائدة الخامسة براءة ذمتنا من واجب تبليغ القرآن بلفظه ومعناه فإن هذه الترجمة جمعت بين النص الكريم بلفظه ورسمه العربيين وبين معاني القرآن على ما فهمه المفسر وشرحه باللغة الأجنبية قال السيوطي وابن بطال والحافظ ابن حجر وغيرهم من العلماء إن الوحي يجب تبليغه ولكنه قسمان قسم تبليغه بنظمه ومعناه وجوبا وهو القرآن وقسم يصح أن يبلغ بمعناه دون لفظه وهو ما عدا القرآن وبذلك يتم التبليغ.