الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الصَّدَقَةِ اخْتِلَافٌ (1).
بَابُ الْكَشْفِ عَنْ مَعَايِبِ رُوَاةِ الْحَدِيثِ وَنَقَلَةِ الْأَخْبَارِ وَقَوْلِ الْأَئِمَّةِ فِي ذَلِكَ
.
وَقَالَ مُحَمَّدٌ: سَمِعْتُ عَلِيَّ بْنَ شَقِيقٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ الْمُبَارَكِ يَقُولُ عَلَى رُؤُوسِ النَّاسِ: دَعُوا حَدِيثَ عَمْرِو بْنِ ثَابِتٍ (2) فَإِنَّهُ كَانَ يَسُبُّ السَّلَفَ.
- وَحَدَّثَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ النَّضْرِ بْنِ أَبِي النَّضْرِ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو النَّضْرِ هَاشِمُ بْنُ الْقَاسِمِ، حَدَّثَنَا أَبُو عَقِيلٍ صَاحِبُ بُهَيَّةَ قَالَ:«كُنْتُ جَالِسًا عِنْدَ الْقَاسِمِ بْنِ عُبَيْدِ اللهِ وَيَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، فَقَالَ يَحْيَى لِلْقَاسِمِ: يَا أَبَا مُحَمَّدٍ، إِنَّهُ قَبِيحٌ عَلَى مِثْلِكَ عَظِيمٌ أَنْ تُسْأَلَ عَنْ شَيْءٍ مِنْ أَمْرِ هَذَا الدِّينِ، فَلَا يُوجَدَ عِنْدَكَ مِنْهُ عِلْمٌ وَلَا فَرَجٌ، أَوْ عِلْمٌ وَلَا مَخْرَجٌ، فَقَالَ لَهُ الْقَاسِمُ: وَعَمَّ ذَاكَ؟ قَالَ: لِأَنَّكَ ابْنُ إِمَامَيْ هُدًى، ابْنُ أَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ (3)، قَالَ: يَقُولُ لَهُ الْقَاسِمُ: أَقْبَحُ مِنْ ذَاكَ عِنْدَ مَنْ عَقَلَ عَنِ اللهِ أَنْ أَقُولَ بِغَيْرِ عِلْمٍ، أَوْ آخُذَ عَنْ غَيْرِ ثِقَةٍ، قَالَ: فَسَكَتَ فَمَا أَجَابَهُ.»
- وَحَدَّثَنِي بِشْرُ بْنُ الْحَكَمِ الْعَبْدِيُّ قَالَ: سَمِعْتُ سُفْيَانَ بْنَ عُيَيْنَةَ يَقُولُ: أَخْبَرُونِي عَنْ أَبِي عَقِيلٍ صَاحِبِ بُهَيَّةَ «أَنَّ أَبْنَاءً (4) لِعَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ سَأَلُوهُ عَنْ شَيْءٍ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ فِيهِ عِلْمٌ، فَقَالَ لَهُ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ: وَاللهِ إِنِّي لَأُعْظِمُ
أَنْ يَكُونَ مِثْلُكَ وَأَنْتَ ابْنُ إِمَامَيِ الْهُدَى، يَعْنِي: عُمَرَ، وَابْنَ عُمَرَ تُسْأَلُ عَنْ أَمْرٍ لَيْسَ عِنْدَكَ فِيهِ عِلْمٌ، فَقَالَ: أَعْظَمُ مِنْ ذَلِكَ وَاللهِ عِنْدَ اللهِ، وَعِنْدَ مَنْ عَقَلَ عَنِ اللهِ أَنْ أَقُولَ بِغَيْرِ عِلْمٍ، أَوْ أُخْبِرَ عَنْ غَيْرِ ثِقَةٍ، قَالَ: وَشَهِدَهُمَا أَبُو عَقِيلٍ يَحْيَى بْنُ الْمُتَوَكِّلِ حِينَ قَالَا ذَلِكَ».
- وَحَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ أَبُو حَفْصٍ قَالَ: سَمِعْتُ يَحْيَى بْنَ سَعِيدٍ، قَالَ: سَأَلْتُ سُفْيَانَ
= مفازة للتفاؤل بسلامة سالكها، كما سمي اللديغ سليمًا وقوله:(تنقطع فيها أعناق المطي) أي تموت المطي قبل أن تجاوزها لفرط تباعد أطرافها، وهي استعارة حسنة لبيان بعد مابين الحجاج بن دينار وبين النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم، لأنَّ الحجاج بن دينار من تابعي التابعين، فأقل ما يكون بينه وبين النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم واسطتان: تابعي وصحابي، ولمن يتصل هو بالنبي صلى الله عليه وسلم قطعًا.
(1)
أي إن الصدقة تنفع الميت ويصل إليه ثوابها بلا خلاف بين المسلمين، وأما الصلاة والصَّوم فلا يحتج لهما بهذا الحديث، لعدم وروده عن طريق موثوق به.
(2)
ضعيف، رمي بالرفض: والروافض معروفون بسب السلف من الصحابة الكبار.
(3)
لأنه القاسم بن عبيد الله بن عبد الله بن عمر بن الخطاب، وأمه أم عبد الله بنت القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق رضي الله عنهما.
(4)
قوله: (ابنًا) وفي بعض النسخ (أبناء) بلفظ الجمع، والظاهر أن يكون ابنًا بلفظ المفرد، إذ المراد به القاسم بن عبيد الله بن عبد الله بن عمر المذكور في الرواية السابقة، وإليه يرجع ضمير المفعول في قوله "سألوه" ثم الضمير في قوله "عنده" وفي قوله "فقال له" وكذا ضمائر المفرد الآتية إلى آخر الحديث.
الثَّوْرِيَّ، وَشُعْبَةَ، وَمَالِكًا، وَابْنَ عُيَيْنَةَ عَنِ الرَّجُلِ لَا يَكُونُ ثَبْتًا فِي الْحَدِيثِ، فَيَأْتِينِي الرَّجُلُ فَيَسْأَلُنِي عَنْهُ؟ قَالُوا: أَخْبِرْ عَنْهُ أَنَّهُ لَيْسَ بِثَبْتٍ.
وَحَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ سَعِيدٍ، قَالَ: سَمِعْتُ النَّضْرَ يَقُولُ: سُئِلَ ابْنُ عَوْنٍ عَنْ حَدِيثٍ لِشَهْرٍ، وَهُوَ قَائِمٌ عَلَى أُسْكُفَّةِ الْبَابِ (1)، فَقَالَ: إِنَّ شَهْرًا نَزَكُوهُ، إِنَّ شَهْرًا نَزَكُوهُ (2) قَالَ مُسْلِمٌ رحمه الله يَقُولُ: أَخَذَتْهُ أَلْسِنَةُ النَّاسِ، تَكَلَّمُوا فِيهِ. وَحَدَّثَنِي حَجَّاجُ بْنُ الشَّاعِرِ، حَدَّثَنَا شَبَابَةُ قَالَ: قَالَ شُعْبَةُ: وَقَدْ لَقِيتُ شَهْرًا فَلَمْ أَعْتَدَّ بِهِ.
وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ قُهْزَاذَ، مِنْ أَهْلِ مَرْوَ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عَلِيُّ بْنُ حُسَيْنِ بْنِ وَاقِدٍ قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ الْمُبَارَكِ: قُلْتُ لِسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ: إِنَّ عَبَّادَ بْنَ كَثِيرٍ مَنْ تَعْرِفُ حَالَهُ، وَإِذَا حَدَّثَ جَاءَ بِأَمْرٍ عَظِيمٍ (3)، فَتَرَى أَنْ أَقُولَ لِلنَّاسِ: لَا تَأْخُذُوا عَنْهُ؟ قَالَ سُفْيَانُ: بَلَى، قَالَ عَبْدُ اللهِ: فَكُنْتُ إِذَا كُنْتُ فِي مَجْلِسٍ ذُكِرَ فِيهِ عَبَّادٌ أَثْنَيْتُ عَلَيْهِ فِي دِينِهِ، وَأَقُولُ: لَا تَأْخُذُوا عَنْهُ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ عُثْمَانَ قَالَ: قَالَ أَبِي: قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ الْمُبَارَكِ: انْتَهَيْتُ إِلَى شُعْبَةَ فَقَالَ: هَذَا عَبَّادُ بْنُ كَثِيرٍ فَاحْذَرُوهُ. وَحَدَّثَنِي الْفَضْلُ بْنُ سَهْلٍ قَالَ: سَأَلْتُ مُعَلًّى الرَّازِيَّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدٍ، الَّذِي رَوَى عَنْهُ عَبَّادٌ، فَأَخْبَرَنِي عَنْ عِيسَى بْنِ يُونُسَ، قَالَ: كُنْتُ عَلَى بَابِهِ وَسُفْيَانُ عِنْدَهُ، فَلَمَّا خَرَجَ سَأَلْتُهُ عَنْهُ، فَأَخْبَرَنِي أَنَّهُ كَذَّابٌ.
- وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي عَتَّابٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَفَّانُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ:«لَمْ نَرَ الصَّالِحِينَ فِي شَيْءٍ أَكْذَبَ مِنْهُمْ فِي الْحَدِيثِ» .
(1) قوله: (وهو قائم على أسكفة الباب) أي والحال أن ابن عون قائم على عتبة الباب، والأسكفة بضم فسكون فضم ثم فاء مشددة، هي العتبة السفلى التي توطأ.
(2)
قوله: (إن شهرًا نزكوه) بالنون والزاي، أي طعنوه بالنيزك، وهو الرمح القصير، يشير إلى شدة ما تكلموا فيه، وروى بعضهم "تركوه" بالتاء والراء، وهو تصحيف، والصحيح بالنون والزاي، وشهر هو ابن حوشب الأشعري الشامي مولى أسماء بنت يزيد بن السكن، صدوق كثير الإرسال والأوهام، مات سنة اثنتي عشرة ومائة، وقد اختلفوا فيه، فوثقه وقوى أمره كبار الأئمة مثل أحمد بن حنبل ويحيى بن معين وأحمد بن عبد الله العجلي وأبي زرعة والبخاري ويعقوب بن شيبة وصالح بن حمد، بينما تكلم فيه البعض بالجرح فقالوا: إنه أخذ خريطة من بيت المال، وقد حمله العلماء على محمل صحيح، وقال أبو حاتم بن حبان: إنه سرق من رفيقه في الحجِّ عيبة، وقد أنكر المحققون هذا على أبي حاتم، والله أعلم.
(3)
فإنه كما روي عن ابن المبارك نفسه أنه قال: ما أدري من رأيت أفضل من عباد بن كثير في ضروب الخير، فإذا جاء الحديث فليس منه في شيء، ولذلك جرحه الأئمة وطعنوه قال ابن معين: ليس بشيء، وقال البخاري: تركوه، وكان شعبة لا يستغفر له، وكان سفيان الثوري بمكة فمات عباد فلم يشهد سفيان جنازته.
قَالَ ابْنُ أَبِي عَتَّابٍ: فَلَقِيتُ أَنَا مُحَمَّدَ بْنَ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانَ، فَسَأَلْتُهُ عَنْهُ: فَقَالَ عَنْ أَبِيهِ: لَمْ تَرَ أَهْلَ الْخَيْرِ
فِي شَيْءٍ أَكْذَبَ مِنْهُمْ فِي الْحَدِيثِ، قَالَ مُسْلِمٌ: يَقُولُ: يَجْرِي الْكَذِبُ عَلَى لِسَانِهِمْ وَلَا يَتَعَمَّدُونَ الْكَذِبَ (1).
حَدَّثَنِي الْفَضْلُ بْنُ سَهْلٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، قَالَ: أَخْبَرَنِي خَلِيفَةُ بْنُ مُوسَى، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى غَالِبِ بْنِ عُبَيْدِ اللهِ، فَجَعَلَ يُمْلِي عَلَيَّ: حَدَّثَنِي مَكْحُولٌ، حَدَّثَنِي مَكْحُولٌ. فَأَخَذَهُ الْبَوْلُ (2) فَقَامَ فَنَظَرْتُ فِي الْكُرَّاسَةِ، فَإِذَا فِيهَا حَدَّثَنِي أَبَانُ، عَنْ أَنَسٍ، وَأَبَانُ، عَنْ فُلَانٍ، فَتَرَكْتُهُ وَقُمْتُ.
قَالَ: وَسَمِعْتُ الْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ الْحُلْوَانِيَّ يَقُولُ: رَأَيْتُ فِي كِتَابِ عَفَّانَ حَدِيثَ هِشَامٍ أَبِي الْمِقْدَامِ، حَدِيثَ (3) عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ. قَالَ هِشَامٌ: حَدَّثَنِي رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ: يَحْيَى بْنُ فُلَانٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ، قَالَ: قُلْتُ لِعَفَّانَ: إِنَّهُمْ يَقُولُونَ: هِشَامٌ سَمِعَهُ مِنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ، فَقَالَ: إِنَّمَا ابْتُلِيَ مِنْ قِبَلِ هَذَا الْحَدِيثِ، كَانَ يَقُولُ: حَدَّثَنِي يَحْيَى، عَنْ مُحَمَّدٍ، ثُمَّ ادَّعَى بَعْدُ أَنَّهُ سَمِعَهُ مِنْ مُحَمَّدٍ.
- حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ قُهْزَاذَ قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُثْمَانَ بْنِ جَبَلَةَ يَقُولُ: قُلْتُ لِعَبْدِ اللهِ بْنِ الْمُبَارَكِ: مَنْ هَذَا الرَّجُلُ الَّذِي رَوَيْتَ عَنْهُ حَدِيثَ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو: «يَوْمُ الْفِطْرِ يَوْمُ الْجَوَائِزِ» ؟ قَالَ: سُلَيْمَانُ بْنُ الْحَجَّاجِ، انْظُرْ مَا وَضَعْتَ (4) فِي يَدِكَ مِنْهُ.
قَالَ ابْنُ قُهْزَاذَ: وَسَمِعْتُ وَهْبَ بْنَ زَمْعَةَ يَذْكُرُ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ، قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللهِ - يَعْنِي: ابْنَ الْمُبَارَكِ -: رَأَيْتُ رَوْحَ بْنَ غُطَيْفٍ صَاحِبَ الدَّمِ قَدْرِ الدِّرْهَمِ (5)، وَجَلَسْتُ
(1) وذلك لكونهم لا يعرفون صناعة أهل الحديث ودقتهم في هذا الباب، فيقع الخطأ في رواياتهم وهم لا يعرفون، ويروون الكذب وهم لا يعلمون.
(2)
قوله: (فأخذه البول) أي أزعجه وضغطه فقام عن مكانه وذهب ليبول (فنظرت في الكراسة) وهي الصحيفة - أي مجموعة أوراق - التي كان يملي منها (فإذا فيها أبان عن أنس) بدل حدثني مكحول، ولذلك تركه.
(3)
قوله: (حديث عمر بن عبد العزيز) يجوز فيه الرفع والنصب، فالرفع على تقدير هو، أي حديث هشام أبي المقدام، هو حديث عمر بن عبد العزيز، والنصب على أنَّه بدل من قوله حديث هشام، أو على تقدير أعني.
(4)
قوله: (وضعت) بفتح التاء ويجوز ضمها، قال النووي: هو مدح وثناء على سليمان بن الحجاج، قلت: بل الأرجح أنه ذم وتحذير منه؛ لأنَّ الروايات مسوقة في ذم الضعفاء والتحذير منهم، فأي مناسية لسياق رواية في وسطها، في مدح ضعيف منهم والثناء عليه! ؟ بل إنه يعود على المقصود بالنقيض، وسليمان بن الحجاج قال عنه العقيلي: الغالب على حديثه الوهم، وقال الذهبي: شيخ للدراوردي لا يعرف، عداده في أهل الطائف.
(5)
قوله: (صاحب الدم قدر الدرهم) أي الذي روى حديث "تعاد الصلاة من قدر الدرهم" يعني من الدم، وهو حديث باطل لا أصل له، رواه روح هذا عن الزهري، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة مرفوعًا، وقوله:(كره حديثه) أي كراهية له.
إِلَيْهِ مَجْلِسًا، فَجَعَلْتُ أَسْتَحْيِي مِنْ أَصْحَابِي أَنْ يَرَوْنِي جَالِسًا مَعَهُ كُرْهَ حَدِيثِهِ.
حَدَّثَنِي ابْنُ قُهْزَاذَ، قَالَ: سَمِعْتُ وَهْبًا يَقُولُ عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ ابْنِ الْمُبَارَكِ قَالَ: بَقِيَّةُ صَدُوقُ اللِّسَانِ، وَلَكِنَّهُ يَأْخُذُ عَمَّنْ أَقْبَلَ وَأَدْبَرَ (1).
حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مُغِيرَةَ، عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ: حَدَّثَنِي الْحَارِثُ الْأَعْوَرُ الْهَمْدَانِيُّ، وَكَانَ كَذَّابًا. حَدَّثَنَا أَبُو عَامِرٍ عَبْدُ اللهِ بْنُ بَرَّادٍ الْأَشْعَرِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ مُفَضَّلٍ، عَنْ مُغِيرَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ الشَّعْبِيَّ يَقُولُ: حَدَّثَنِي الْحَارِثُ الْأَعْوَرُ، وَهُوَ يَشْهَدُ أَنَّهُ (2) أَحَدُ الْكَاذِبِينَ.
- حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مُغِيرَةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: قَالَ عَلْقَمَةُ: «قَرَأْتُ الْقُرْآنَ فِي سَنَتَيْنِ، فَقَالَ الْحَارِثُ:
الْقُرْآنُ هَيِّنٌ، الْوَحْيُ أَشَدُّ.» (3)
- وَحَدَّثَنِي حَجَّاجُ بْنُ الشَّاعِرِ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ -يَعْنِي: ابْنَ يُونُسَ -، حَدَّثَنَا زَائِدَةُ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ أَنَّ الْحَارِثَ قَالَ:«تَعَلَّمْتُ الْقُرْآنَ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ، وَالْوَحْيَ فِي سَنَتَيْنِ، أَوْ قَالَ: الْوَحْيَ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ، وَالْقُرْآنَ فِي سَنَتَيْنِ» وَحَدَّثَنِي حَجَّاجٌ قَالَ: حَدَّثَنِي أَحْمَدُ، وَهُوَ ابْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنَا زَائِدَةُ، عَنْ مَنْصُورٍ، وَالْمُغِيرَةِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ أَنَّ الْحَارِثَ اتُّهِمَ وَحَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ حَمْزَةَ الزَّيَّاتِ قَالَ: سَمِعَ مُرَّةُ الْهَمْدَانِيُّ مِنَ الْحَارِثِ شَيْئًا، فَقَالَ لَهُ: اقْعُدْ بِالْبَابِ، قَالَ: فَدَخَلَ مُرَّةُ وَأَخَذَ سَيْفَهُ، قَالَ: وَأَحَسَّ الْحَارِثُ بِالشَّرِّ، فَذَهَبَ.
وَحَدَّثَنِي عُبَيْدُ اللهِ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، - يَعْنِي: ابْنَ مَهْدِيٍّ -، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنِ ابْنِ عَوْنٍ قَالَ: قَالَ لَنَا إِبْرَاهِيمُ: إِيَّاكُمْ وَالْمُغِيرَةَ بْنَ سَعِيدٍ، وَأَبَا عَبْدِ الرَّحِيمِ فَإِنَّهُمَا كَذَّابَانِ.
حَدَّثَنَا أَبُو كَامِلٍ الْجَحْدَرِيُّ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، وَهُوَ ابْنُ زَيْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَاصِمٌ،
(1) قوله: (عمن أقبل وأدبر) أي من غير تمييز بين الثقات والضعفاء.
(2)
قوله: (وهو يشهد أنه) أي والشعبي يشهد أن الأعور أحد الكاذبين. فالشعبي عبر عن نفسه بصيغة الغائب، أو هو قول مستأنف لمغيرة بن مقسم الضبي، مولاهم، الكوفي الأعمي، الراوي عن الشعبي.
(3)
هذا وما جاء بعده مما أنكر على الحارث وأخذ عليه؛ لأنه فرق بين الوحي والقرآن بناء على قبيح مذهبه، وغلوه في التشيع، فإن الشيعة تزعم أن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم أوصى إلى علي رضي الله عنه بوحي من الله، وأسر إليه من الوحي وعلم الغيب ما لم يطلع عليه غيره، وأن ذلك كثير جدًّا.
قَالَ: كُنَّا نَأْتِي أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيَّ وَنَحْنُ غِلْمَةٌ أَيْفَاعٌ (1)، فَكَانَ يَقُولُ لَنَا: لَا تُجَالِسُوا الْقُصَّاصَ (2) غَيْرَ أَبِي الْأَحْوَصِ، وَإِيَّاكُمْ وَشَقِيقًا، قَالَ: وَكَانَ شَقِيقٌ هَذَا يَرَى رَأْيَ الْخَوَارِجِ، وَلَيْسَ بِأَبِي وَائِلٍ.
حَدَّثَنَا أَبُو غَسَّانَ مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو الرَّازِيُّ، قَالَ: سَمِعْتُ جَرِيرًا يَقُولُ: لَقِيتُ جَابِرَ بْنَ يَزِيدَ الْجُعْفِيَّ، فَلَمْ أَكْتُبْ عَنْهُ، كَانَ يُؤْمِنُ بِالرَّجْعَةِ (3) حَدَّثَنَا الْحَسَنُ الْحُلْوَانِيُّ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ، حَدَّثَنَا مِسْعَرٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا جَابِرُ بْنُ يَزِيدَ، قَبْلَ أَنْ يُحْدِثَ مَا أَحْدَثَ وَحَدَّثَنِي سَلَمَةُ بْنُ شَبِيبٍ، حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ (4)، قَالَ: كَانَ النَّاسُ يَحْمِلُونَ عَنْ جَابِرٍ قَبْلَ أَنْ يُظْهِرَ مَا أَظْهَرَ، فَلَمَّا أَظْهَرَ مَا أَظْهَرَ اتَّهَمَهُ النَّاسُ فِي حَدِيثِهِ، وَتَرَكَهُ بَعْضُ النَّاسِ، فَقِيلَ لَهُ: وَمَا أَظْهَرَ؟ قَالَ: الْإِيمَانَ بِالرَّجْعَةِ.
- وَحَدَّثَنَا حَسَنٌ الْحُلْوَانِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو يَحْيَى الْحِمَّانِيُّ، حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ، وَأَخُوهُ أَنَّهُمَا سَمِعَا الْجَرَّاحَ بْنَ مَلِيحٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ جَابِرًا يَقُولُ: عِنْدِي سَبْعُونَ أَلْفَ حَدِيثٍ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، كُلُّهَا (5).
- وَحَدَّثَنِي حَجَّاجُ بْنُ الشَّاعِرِ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ قَالَ: سَمِعْتُ زُهَيْرًا يَقُولُ: قَالَ
(1)(غلمة) جمع غلام و (أيفاع) جمع يافع، وهو من يكون في شرخ الشباب وأوائله.
(2)
(القصاص) جمع قاص وهو من يحترف الوعظ، فيأتي بغرائب القصص والأخبار عمومًا، ولا يصح منها إلَّا قليل، ولا يتورع عن هذه الغرائب إلَّا النادر القليل منهم.
(3)
قالوا: المراد بهذه الرجعة هو ما تزعمه الرافضة: أن عليًّا رضي الله عنه في السحاب فلا نخرج مع من يخرج من ولده، حتى ينادى من السماء أن اخرجوا معه، قلت: ولكن تفسير الرجعة في كتب الشيعة أشد وأنكى من هذا بكثير، وملخصه: أن المهدي قائم الزمان، يظهر ويبايع بمكة ويهدم مساجد أهل السنة هناك، ثم يقصد المدينة فيهدم المسجد النبوي لأنه من بناية أهل السنة، وكذلك بقية المساجد، وينبش قبور الشيخين أبي بكر وعمر، فيخرجهما حيين فيصلبهما على شجرة خضراء، فتيبس، ثم يخرج عائشة وحفصة فينتقم منهما، ثم يحيي أمراء أهل السنة وحواشيهم ثلاثة آلاف في ست مرات ويقتلهم، ثم ينزل في النجف فينادي في الجهات الأربع: إليّ عباد الله! فيخرج كلّ شيعي مات من زمن علي إلى ذلك الزمان، من قبره، ينفض التراب من ثوبه، حتى ينزل تحت رايته - وكان الله قد أنزل عليهم في جمادى الأولى مطرًا فكانت لحومهم وأجسادهم قد نبتت في قبورهم - فيرسلهم المهدي إلى الجهات الأربع، فيقتلون كلّ من في قلبه أن أبا بكر وعمر رضي الله عنهما كانا على الحق في خلافتهما، وهذا هو المراد بقوله صلى الله عليه وسلم:"يملأ الدنيا قسطًا كما ملئت جورًا" فهذا هو معنى الرجعة في أمهات كتب الشيعة، - انظر الخطوط العريضة - وأن من لَمْ يؤمن بهذه الرجعة فليس بشيعي، فلا أدري هل للرجعة معنيان عندهم، أم الذين فسروها بالمعنى الأول أخذوه من تفسير جابر لآية سورة يوسف:{فَلَنْ أَبْرَحَ الْأَرْضَ .... } الآية [يوسف: 80] كما سيأتي، بينما هو اعتقاد آخر فاسد غير الرجعة.
(4)
هو ابن عيينة الإمام المشهور.
(5)
وأبو جعفر لَمْ يسمع من النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، بل هو من موضوعات جابر الجعفي وأمثاله من الشيعة.
جَابِرٌ، أَوْ سَمِعْتُ
جَابِرًا يَقُولُ: إِنَّ عِنْدِي لَخَمْسِينَ أَلْفَ حَدِيثٍ، مَا حَدَّثْتُ مِنْهَا بِشَيْءٍ، قَالَ: ثُمَّ حَدَّثَ يَوْمًا بِحَدِيثٍ، فَقَالَ: هَذَا مِنَ الْخَمْسِينَ أَلْفًا.
- وَحَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ خَالِدٍ الْيَشْكُرِيُّ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا الْوَلِيدِ يَقُولُ: سَمِعْتُ سَلَّامَ بْنَ أَبِي مُطِيعٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ جَابِرًا الْجُعْفِيَّ يَقُولُ: عِنْدِي خَمْسُونَ أَلْفَ حَدِيثٍ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.
- وَحَدَّثَنِي سَلَمَةُ بْنُ شَبِيبٍ، حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ:«سَمِعْتُ رَجُلًا سَأَلَ جَابِرًا، عَنْ قَوْلِهِ عز وجل: {فَلَنْ أَبْرَحَ الأَرْضَ حَتَّى يَأْذَنَ لِي أَبِي أَوْ يَحْكُمَ اللهُ لِي وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ}، فَقَالَ جَابِرٌ: لَمْ يَجِئْ تَأْوِيلُ هَذِهِ، قَالَ سُفْيَانُ: وَكَذَبَ، فَقُلْنَا لِسُفْيَانَ: وَمَا أَرَادَ بِهَذَا؟ فَقَالَ: إِنَّ الرَّافِضَةَ تَقُولُ: إِنَّ عَلِيًّا فِي السَّحَابِ، فَلَا نَخْرُجُ مَعَ مَنْ خَرَجَ مِنْ وَلَدِهِ، حَتَّى يُنَادِيَ مُنَادٍ مِنَ السَّمَاءِ - يُرِيدُ عَلِيًّا أَنَّهُ يُنَادِي -: اخْرُجُوا مَعَ فُلَانٍ، يَقُولُ جَابِرٌ: فَذَا تَأْوِيلُ هَذِهِ الْآيَةِ، وَكَذَبَ، كَانَتْ فِي إِخْوَةِ يُوسُفَ صلى الله عليه وسلم» وَحَدَّثَنِي سَلَمَةُ، حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ: سَمِعْتُ جَابِرًا يُحَدِّثُ بِنَحْوٍ مِنْ ثَلَاثِينَ أَلْفَ حَدِيثٍ، مَا أَسْتَحِلُّ أَنْ أَذْكُرَ مِنْهَا شَيْئًا، وَأَنَّ لِي كَذَا وَكَذَا.
قَالَ مُسْلِمٌ: وَسَمِعْتُ أَبَا غَسَّانَ مُحَمَّدَ بْنَ عَمْرٍو الرَّازِيَّ قَالَ: سَأَلْتُ جَرِيرَ بْنَ عَبْدِ الْحَمِيدِ، فَقُلْتُ: الْحَارِثُ بْنُ حَصِيرَةَ لَقِيتَهُ؟ قَالَ: نَعَمْ، شَيْخٌ طَوِيلُ السُّكُوتِ، يُصِرُّ عَلَى أَمْرٍ عَظِيمٍ (1).
حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيُّ قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ قَالَ: ذَكَرَ أَيُّوبُ رَجُلًا يَوْمًا، فَقَالَ: لَمْ يَكُنْ بِمُسْتَقِيمِ اللِّسَانِ، وَذَكَرَ آخَرَ، فَقَالَ: هُوَ يَزِيدُ فِي الرَّقْمِ (2).
- حَدَّثَنِي حَجَّاجُ بْنُ الشَّاعِرِ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ قَالَ: قَالَ أَيُّوبُ: إِنَّ لِي جَارًا، ثُمَّ ذَكَرَ مِنْ فَضْلِهِ، وَلَوْ شَهِدَ عِنْدِي عَلَى تَمْرَتَيْنِ مَا رَأَيْتُ شَهَادَتَهُ جَائِزَةً.
وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، وَحَجَّاجُ بْنُ الشَّاعِرِ قَالَا: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ: قَالَ مَعْمَرٌ: مَا رَأَيْتُ أَيُّوبَ اغْتَابَ أَحَدًا قَطُّ إِلَّا عَبْدَ الْكَرِيمِ - يَعْنِي: أَبَا أُمَيَّةَ (3) -، فَإِنَّهُ ذَكَرَهُ،
(1) لعل ذلك قوله بالرجعة، قإنه كان يؤمن بها، وكان شيعيًّا محترقًا؟ من الخشبية المنسوبين إلى خشبة زيد بن علي التي صلب عليها، وكان له غلو في تفضيل أهل البيت، لا سيما فيما شجر بين الصحابة.
(2)
هو كناية عن الكذب، فقد جعله كالتاجر الذي يزيد في رقم السلعة، ويكذب فيها ليربح على الناس ويَغرهم بذلك الرقم، فيشترون عليه.
(3)
هو عبد الكريم بن أبي المخارق المعلم البصري نزيل مكة، ضعيف، مات سنة ست وعشرين ومائة.
فَقَالَ: رحمه الله، كَانَ غَيْرَ ثِقَةٍ، لَقَدْ سَأَلَنِي عَنْ حَدِيثٍ
لِعِكْرِمَةَ، ثُمَّ قَالَ: سَمِعْتُ عِكْرِمَةَ.
حَدَّثَنِي الْفَضْلُ بْنُ سَهْلٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا هَمَّامٌ قَالَ: قَدِمَ عَلَيْنَا أَبُو دَاوُدَ الْأَعْمَى، فَجَعَلَ يَقُولُ: حَدَّثَنَا الْبَرَاءُ، قَالَ: وَحَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ أَرْقَمَ، فَذَكَرْنَا ذَلِكَ لِقَتَادَةَ، فَقَالَ: كَذَبَ، مَا سَمِعَ (1) مِنْهُمْ، إِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ سَائِلًا يَتَكَفَّفُ النَّاسَ (2) زَمَنَ طَاعُونِ الْجَارِفِ (3) وَحَدَّثَنِي حَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الْحُلْوَانِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، أَخْبَرَنَا هَمَّامٌ قَالَ: دَخَلَ أَبُو دَاوُدَ الْأَعْمَى عَلَى قَتَادَةَ، فَلَمَّا قَامَ قَالُوا: إِنَّ هَذَا يَزْعُمُ أَنَّهُ لَقِيَ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ بَدْرِيًّا، فَقَالَ قَتَادَةُ: هَذَا كَانَ سَائِلًا قَبْلَ الْجَارِفِ، لَا يَعْرِضُ فِي شَيْءٍ مِنْ هَذَا (4)، وَلَا يَتَكَلَّمُ فِيهِ، فَوَاللهِ مَا حَدَّثَنَا الْحَسَنُ عَنْ بَدْرِيٍّ مُشَافَهَةً، وَلَا حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ عَنْ بَدْرِيٍّ مُشَافَهَةً، إِلَّا عَنْ سَعْدِ بْنِ مَالِكٍ (5).
حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ رَقَبَةَ أَنَّ أَبَا جَعْفَرٍ الْهَاشِمِيَّ الْمَدَنِيَّ كَانَ يَضَعُ أَحَادِيثَ كَلَامَ حَقٍّ، وَلَيْسَتْ مِنْ أَحَادِيثِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَكَانَ يَرْوِيهَا عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ الْحُلْوَانِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا نُعَيْمُ بْنُ حَمَّادٍ، قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُفْيَانَ (6): وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى قَالَ: حَدَّثَنَا نُعَيْمُ بْنُ حَمَّادٍ، حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ يُونُسَ بْنِ عُبَيْدٍ قَالَ: كَانَ عَمْرُو بْنُ عُبَيْدٍ يَكْذِبُ فِي الْحَدِيثِ.
- حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ، أَبُو حَفْصٍ، قَالَ: سَمِعْتُ مُعَاذَ بْنَ مُعَاذٍ يَقُولُ: قُلْتُ لِعَوْفِ بْنِ
(1) قوله: (منهم) أي البراء وزيد وغيرهما ممن زعم أنه روى عنه، فإنه زعم أنه رأى ثمانية عشر بدريا.
(2)
يتكفف الناس، أي يمد إليهم كفهم ويسألهم ما عندهم.
(3)
قوله: (طاعون الجارف) من إضافة الموصوف إلى صفته، وسمي جارفًا لكثرة من مات فيه من الناس، فكأن الطاعون اجترف الناس واكتسحهم موتًا، والطاعون وباء معروف، وهو غدة مؤلمة جدًّا تظهر مع لهب، ويسود ما حولها أو يخضر أو يحمر، وشرع لأجله الموت، وقلما يشفى من يبتلى به، واختلفوا في زمن طاعون الجارف، والأغلب أنه الذي وقع في سنة سبع وثمانين فإن قتادة ولد سنة إحدى وستين ومات سنة سبع عشرة ومائة.
(4)
أي لَمْ يكن له أيُّ شغل بالحديث.
(5)
مع أن الحسن وسعيد بن المسيب أكبر من أبي داود الأعمى سنًّا، وأشد اعتناءً بالحديث وملازمة أهله، والاجتهاد في الأخذ عن الصحابة من مبكر أسنانهما، فكيف يزعم أبو داود الأعمى أنه لقي ثمانية عشر بدريًّا، بينما الحسن لَمْ يرو عن بدري، وابن المسيب لَمْ يرو إلَّا عن واحد منهم، إن زعم أبي داود الأعمى كذب وبهتان مبين.
(6)
هو تلميذ الإمام مسلم الذي سمع منه الصحيح وروى عنه، وقد روى هو هذا الحديث عن طريق الإمام مسلم عن الحسن الحلواني، عن نعيم بن حماد، ثم روى عن محمد بن يحيى - مباشرة - عن نعيم بن حماد بغير واسطة الإمام مسلم - فحصل له علو بدرجة.
أَبِي جَمِيلَةَ: إِنَّ عَمْرَو بْنَ عُبَيْدٍ حَدَّثَنَا عَنِ الْحَسَنِ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: مَنْ حَمَلَ عَلَيْنَا السِّلَاحَ فَلَيْسَ مِنَّا، قَالَ: كَذَبَ وَاللهِ عَمْرٌو (1)، وَلَكِنَّهُ أَرَادَ أَنْ يَحُوزَهَا إِلَى قَوْلِهِ الْخَبِيثِ (2)، وَحَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ الْقَوَارِيرِيُّ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ قَالَ: كَانَ رَجُلٌ قَدْ لَزِمَ أَيُّوبَ وَسَمِعَ مِنْهُ، فَفَقَدَهُ أَيُّوبُ، فَقَالُوا: يَا أَبَا بَكْرٍ إِنَّهُ قَدْ لَزِمَ عَمْرَو بْنَ عُبَيْدٍ، قَالَ حَمَّادٌ: فَبَيْنَا أَنَا يَوْمًا مَعَ أَيُّوبَ، وَقَدْ بَكَّرْنَا (3) إِلَى السُّوقِ، فَاسْتَقْبَلَهُ الرَّجُلُ، فَسَلَّمَ عَلَيْهِ أَيُّوبُ وَسَأَلَهُ، ثُمَّ قَالَ لَهُ أَيُّوبُ:
بَلَغَنِي أَنَّكَ لَزِمْتَ ذَاكَ الرَّجُلَ، قَالَ حَمَّادٌ: سَمَّاهُ - يَعْنِي: عَمْرًا - قَالَ: نَعَمْ، يَا أَبَا بَكْرٍ إِنَّهُ يَجِيئُنَا بِأَشْيَاءَ غَرَائِبَ، قَالَ: يَقُولُ لَهُ أَيُّوبُ: إِنَّمَا نَفِرُّ، أَوْ نَفْرَقُ (4)، مِنْ تِلْكَ الْغَرَائِبِ.
- وَحَدَّثَنِي حَجَّاجُ بْنُ الشَّاعِرِ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ زَيْدٍ - يَعْنِي: حَمَّادًا -، قَالَ: قِيلَ لِأَيُّوبَ: إِنَّ عَمْرَو بْنَ عُبَيْدٍ رَوَى عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: لَا يُجْلَدُ السَّكْرَانُ مِنَ النَّبِيذِ، فَقَالَ: كَذَبَ، أَنَا سَمِعْتُ الْحَسَنَ يَقُولُ: يُجْلَدُ السَّكْرَانُ مِنَ النَّبِيذِ وَحَدَّثَنِي حَجَّاجٌ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، قَالَ: سَمِعْتُ سَلَّامَ بْنَ أَبِي مُطِيعٍ يَقُولُ: بَلَغَ أَيُّوبَ أَنِّي آتِي عَمْرًا، فَأَقْبَلَ عَلَيَّ يَوْمًا، فَقَالَ: أَرَأَيْتَ رَجُلًا لَا تَأْمَنُهُ عَلَى دِينِهِ، كَيْفَ تَأْمَنُهُ عَلَى الْحَدِيثِ؟ وَحَدَّثَنِي سَلَمَةُ بْنُ شَبِيبٍ، حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُوسَى يَقُولُ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عُبَيْدٍ قَبْلَ أَنْ يُحْدِثَ (5).
حَدَّثَنِي عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُعَاذٍ الْعَنْبَرِيُّ، حَدَّثَنَا أَبِي قَالَ: كَتَبْتُ إِلَى شُعْبَةَ أَسْأَلُهُ عَنْ أَبِي شَيْبَةَ قَاضِي وَاسِطَ، فَكَتَبَ إِلَيَّ: لَا تَكْتُبْ عَنْهُ شَيْئًا، وَمَزِّقْ كِتَابِي (6).
(1) إنما كذبه لأنه روى هذا عن الحسن، والحسن لَمْ يرو هذا الحديث فنسبته إليه كذب، وإلا فالحديث صحيح من طريق آخر.
(2)
لأنَّ عمرو بن عبيد كان قدريًّا معتزليًّا، فأراد أن يعضد بهذا الحديث مذهب المعتزلة وهو: أن مرتكب الكبيرة يخرج عن الإيمان ولا يدخل في الكفر، بل يكون في منزلة بين المنزلتين، ويخلد في النار، فأراد أن يستدل لمذهبهم هذا بقوله صلى الله عليه وسلم:"فليس منا" أي ليس من أهل الإيمان، مع أن المراد أنه ليس على طريقتنا وممن اهتدى بهدينا، واقتدى بعملنا، لا أنه ليس من أهل الإيمان إطلاقًا.
(3)
قوله: (وقد بكرنا إلى السوق) من التبكير، أي ذهبنا إليه في وقت مبكر.
(4)
قوله: (نفر) من الفرار (أو نفرق) بفتح الراء من الفرق، وهو الخوف، أي نخاف ونخشى من تلك الغرائب التي يأتي بها عمرو بن عبيد، خشية أن تكون كذبا فنقع في الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم.
(5)
قوله: (قبل أن يحدث) من الأحداث، أي قبل أن يبتدع ويصير معتزليًّا قدريًّا.
(6)
قوله: (مزق كتابي) بصيغة الأمر، وإنما أمره بتمزيق الكتاب مخافة أن يبلغ إلى أبي شيبة، فيناله منه أذى أو يترتب عليه مفسدة، وأبو شيبة هذا هو إبراهيم بن عثمان العبسي، الكوفي، مشهور بكنيته، متروك الحديث، =
وَحَدَّثَنَا الْحُلْوَانِيُّ قَالَ: سَمِعْتُ عَفَّانَ قَالَ: حَدَّثْتُ حَمَّادَ بْنَ سَلَمَةَ، عَنْ صَالِحٍ الْمُرِّيِّ بِحَدِيثٍ عَنْ ثَابِتٍ، فَقَالَ: كَذَبَ (1). وَحَدَّثْتُ هَمَّامًا، عَنْ صَالِحٍ الْمُرِّيِّ بِحَدِيثٍ، فَقَالَ: كَذَبَ.
- وَحَدَّثَنَا مَحْمُودُ بْنُ غَيْلَانَ، حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ قَالَ: قَالَ لِي شُعْبَةُ: ايتِ جَرِيرَ بْنَ حَازِمٍ فَقُلْ لَهُ: لَا يَحِلُّ لَكَ أَنْ تَرْوِيَ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عُمَارَةَ فَإِنَّهُ يَكْذِبُ، قَالَ أَبُو دَاوُدَ: قُلْتُ لِشُعْبَةَ: وَكَيْفَ ذَاكَ؟ فَقَالَ: حَدَّثَنَا عَنِ الْحَكَمِ بِأَشْيَاءَ لَمْ أَجِدْ لَهَا أَصْلًا، قَالَ: قُلْتُ لَهُ: بِأَيِّ شَيْءٍ؟ قَالَ: قُلْتُ لِلْحَكَمِ: أَصَلَّى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَلَى قَتْلَى أُحُدٍ؟ فَقَالَ: لَمْ يُصَلِّ عَلَيْهِمْ، فَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ عُمَارَةَ، عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ مِقْسَمٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ إِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم صَلَّى عَلَيْهِمْ وَدَفَنَهُمْ. قُلْتُ لِلْحَكَمِ: مَا تَقُولُ فِي أَوْلَادِ الزِّنَا؟ قَالَ: يُصَلَّى عَلَيْهِمْ، قُلْتُ: مِنْ حَدِيثِ مَنْ يُرْوَى؟ قَالَ: يُرْوَى عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ، فَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ عُمَارَةَ: حَدَّثَنَا الْحَكَمُ، عَنْ يَحْيَى بْنِ الْجَزَّارِ، عَنْ عَلِيٍّ (2).
وَحَدَّثَنَا الْحَسَنُ
الْحُلْوَانِيُّ قَالَ: سَمِعْتُ يَزِيدَ بْنَ هَارُونَ، وَذَكَرَ زِيَادَ بْنَ مَيْمُونٍ، فَقَالَ: حَلَفْتُ أَلَّا أَرْوِيَ عَنْهُ شَيْئًا، وَلَا عَنْ خَالِدِ بْنِ مَحْدُوجٍ، وَقَالَ: لَقِيتُ زِيَادَ بْنَ مَيْمُونٍ، فَسَأَلْتُهُ عَنْ حَدِيثٍ، فَحَدَّثَنِي بِهِ عَنْ بَكْرٍ الْمُزَنِيِّ، ثُمَّ عُدْتُ إِلَيْهِ، فَحَدَّثَنِي بِهِ عَنْ مُوَرِّقٍ، ثُمَّ عُدْتُ إِلَيْهِ، فَحَدَّثَنِي بِهِ عَنِ الْحَسَنِ، وَكَانَ يَنْسُبُهُمَا إِلَى الْكَذِبِ (3). قَالَ الْحُلْوَانِيُّ: سَمِعْتُ عَبْدَ الصَّمَدِ، وَذَكَرْتُ عِنْدَهُ زِيَادَ بْنَ مَيْمُونٍ، فَنَسَبَهُ إِلَى الْكَذِبِ وَحَدَّثَنَا مَحْمُودُ بْنُ غَيْلَانَ قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي دَاوُدَ الطَّيَالِسِيِّ: قَدْ أَكْثَرْتَ عَنْ عَبَّادِ بْنِ مَنْصُورٍ، فَمَا لَكَ لَمْ تَسْمَعْ مِنْهُ حَدِيثَ الْعَطَّارَةِ (4) الَّذِي رَوَى لَنَا النَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ؟ قَالَ لِيَ: اسْكُتْ، فَأَنَا لَقِيتُ زِيَادَ بْنَ مَيْمُونٍ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ (5) فَسَأَلْنَاهُ، فَقُلْنَا لَهُ: هَذِهِ
= متَّفقٌ على ضعفه. مات سنة 169 هـ.
(1)
قوله: (كذب) أي كذب صالح المري، وكان من كبار العباد الزهاد الصالحين، حسن الصوت بالقرآن، شديد الخوف من الله، كثير البكاء، لكن لَمْ يكن يتأهل لصناعة الحديث، فكان يجرى الكذب على لسانه وهو لا يشعر، سمي المري لأنَّ امرأة من مرّة أعتقته وأمه، واسم أبيه بشير وهو عربي.
(2)
يعني أن الحسن بن عمارة كذب، فروى هذا الحديث عن الحكم عن يحيى، عن علي، وإنما هو عن الحسن البصري من قوله.
(3)
قوله: (وكان ينسبهما إلى الكذب) أي إن يزيد بن هارون كان ينسب زياد بن ميمون وخالد بن محدوج إلى الكذب.
(4)
قوله: (حديث العطارة) قال النووي: قال القاضي عياض رحمه الله: هو حديث رواه زياد بن ميمون هذا عن أنس: أن امرأة يقال لها الحولاء عطارة كانت بالمدينة، فدخلت على عائشة رضي الله عنها وذكرت خبرها مع زوجها، وأن النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم ذكر لها في فضل الزوج، وهو حديث طويل غير صحيح، ذكره ابن وضاح بكماله.
(5)
قوله: (عبد الرَّحمن بن مهدي) بالرفع عطفًا على الضمير المرفوع في قوله "لقيت"، أي لقيت أنا وعبد الرَّحمن =
الْأَحَادِيثُ الَّتِي تَرْوِيهَا عَنْ أَنَسٍ؟ فَقَالَ: أَرَأَيْتُمَا رَجُلًا يُذْنِبُ فَيَتُوبُ، أَلَيْسَ يَتُوبُ اللهُ عَلَيْهِ؟ قَالَ: قُلْنَا: نَعَمْ، قَالَ: مَا سَمِعْتُ مِنْ أَنَسٍ، مِنْ ذَا قَلِيلًا وَلَا كَثِيرًا، إِنْ كَانَ لَا يَعْلَمُ النَّاسُ فَأَنْتُمَا لَا تَعْلَمَانِ (1) أَنِّي لَمْ أَلْقَ أَنَسًا، قَالَ أَبُو دَاوُدَ: فَبَلَغَنَا بَعْدُ أَنَّهُ يَرْوِي، فَأَتَيْنَاهُ أَنَا وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ فَقَالَ: أَتُوبُ، ثُمَّ كَانَ بَعْدُ يُحَدِّثُ، فَتَرَكْنَاهُ.
- حَدَّثَنَا حَسَنٌ الْحُلْوَانِيُّ قَالَ: سَمِعْتُ شَبَابَةَ قَالَ: كَانَ عَبْدُ الْقُدُّوسِ يُحَدِّثُنَا، فَيَقُولُ: سُوَيْدُ بْنُ عَقَلَةَ (2)، قَالَ شَبَابَةُ: وَسَمِعْتُ عَبْدَ الْقُدُّوسِ يَقُولُ: «نَهَى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يُتَّخَذَ الرَّوْحُ عَرْضًا» (3). قَالَ فَقِيلَ لَهُ: أَيُّ شَيْءٍ هَذَا؟ قَالَ: يَعْنِي: تُتَّخَذُ كُوَّةٌ فِي حَائِطٍ لِيَدْخُلَ عَلَيْهِ الرَّوْحُ.
قَالَ مُسْلِمٌ: وَسَمِعْتُ عُبَيْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ الْقَوَارِيرِيَّ يَقُولُ: سَمِعْتُ حَمَّادَ بْنَ زَيْدٍ يَقُولُ لِرَجُلٍ بَعْدَمَا جَلَسَ مَهْدِيُّ بْنُ هِلَالٍ بِأَيَّامٍ: مَا هَذِهِ الْعَيْنُ الْمَالِحَةُ (4) الَّتِي نَبَعَتْ قِبَلَكُمْ؟ قَالَ: نَعَمْ، يَا أَبَا إِسْمَاعِيلَ.
وَحَدَّثَنَا الْحَسَنُ الْحُلْوَانِيُّ قَالَ: سَمِعْتُ عَفَّانَ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَوَانَةَ قَالَ: مَا بَلَغَنِي عَنِ الْحَسَنِ حَدِيثٌ، إِلَّا أَتَيْتُ بِهِ أَبَانَ بْنَ أَبِي عَيَّاشٍ، فَقَرَأَهُ عَلَيَّ (5) وَحَدَّثَنَا سُوَيْدُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَنَا وَحَمْزَةُ الزَّيَّاتُ مِنْ أَبَانَ بْنِ أَبِي عَيَّاشٍ نَحْوًا مِنْ أَلْفِ حَدِيثٍ. قَالَ عَلِيٌّ: فَلَقِيتُ حَمْزَةَ، فَأَخْبَرَنِي أَنَّهُ رَأَى النَّبِيَّ
صلى الله عليه وسلم فِي الْمَنَامِ، فَعَرَضَ عَلَيْهِ مَا سَمِعَ مِنْ أَبَانَ، فَمَا عَرَفَ مِنْهَا إِلَّا شَيْئًا يَسِيرًا، خَمْسَةً أَوْ سِتَّةً.
= ابن مهدي زياد بن ميمون.
(1)
قوله: (فأنتما لا تعلمان) بتقدير همزة الاستفهام، أي أفأنتما لا تعلمان، ويكون استفهام تقرير.
(2)
قوله: (عقلة) بعين مهملة وقاف مثناة، بينما هو غفلة بغين معجمة وفاء موحدة، ففيه تصحيف ظاهر وخطأ بين.
(3)
قوله: (الروح عرضا) أي قرأ الروح بفتح الراء بمعنى النسيم، وعرضا بالعين المهملة وإسكان الراء، وهو تصحيف قبيح وخطأ صريح، وصوابه الروح بضم الراء، وغرضا بالغين المعجمة والراء المفتوحتين، ومعناه: نهى أن يتخذ الحيوان الذي فيه الروح غرضًا أي هدفًا يصبر ويرمى إليه بالنشاب وشبهه، ومقصود شبابة أن عبد القدوس كان غبيا مختل الضبط، يخطىء في الإسناد والمتن خطأ فاحشًا ثم كان يأتي لها بمعان عجيبة كما فعل هنا، فقد أخطأ في ضبط الحديث ثم فسره بقوله:"تتخذ كوة في حائط ليدخل عليه الروح" أي النسيم، يعني فلا يعتد بهذا الرجل.
(4)
قوله: (العين المالحة) طعن في مهدي بن هلال، وكناية عن ضعفه وجرحه، وقوله:(نعم) موافقة من ذلك الرجل على هذا الطعن والجرح، ومهدي بن هلال بصري متروك، متَّفقٌ على ضعفه.
(5)
كناية عن كون أبان بن أبي عياش كاذبًا في ذلك. وهو أبو إسماعيل العبدي متروك. مات في حدود 140 هـ.
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدَّارِمِيُّ، أَخْبَرَنَا زَكَرِيَّاءُ بْنُ عَدِيٍّ قَالَ: قَالَ لِي أَبُو إِسْحَاقَ الْفَزَارِيُّ: اكْتُبْ عَنْ بَقِيَّةَ مَا رَوَى عَنِ الْمَعْرُوفِينَ، وَلَا تَكْتُبْ عَنْهُ مَا رَوَى عَنْ غَيْرِ الْمَعْرُوفِينَ، وَلَا تَكْتُبْ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ مَا رَوَى عَنِ الْمَعْرُوفِينَ، وَلَا عَنْ غَيْرِهِمْ (1).
وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْحَنْظَلِيُّ، قَالَ: سَمِعْتُ بَعْضَ أَصْحَابِ عَبْدِ اللهِ قَالَ: قَالَ ابْنُ الْمُبَارَكِ: نِعْمَ الرَّجُلُ بَقِيَّةُ، لَوْلَا أَنَّهُ كَانَ يَكْنِي الْأَسَامِيَ وَيُسَمِّي الْكُنَى (2)، كَانَ دَهْرًا يُحَدِّثُنَا عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْوُحَاظِيِّ (3)، فَنَظَرْنَا فَإِذَا هُوَ ع بْدُ الْقُدُّوسِ وَحَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ الْأَزْدِيُّ قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّزَّاقِ يَقُولُ: مَا رَأَيْتُ ابْنَ الْمُبَارَكِ يُفْصِحُ بِقَوْلِهِ: كَذَّابٌ إِلَّا لِعَبْدِ الْقُدُّوسِ، فَإِنِّي سَمِعْتُهُ يَقُولُ لَهُ: كَذَّابٌ.
وَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدَّارِمِيُّ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا نُعَيْمٍ، وَذَكَرَ الْمُعَلَّى بْنَ عُرْفَانَ، فَقَالَ: قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو وَائِلٍ قَالَ: خَرَجَ عَلَيْنَا ابْنُ مَسْعُودٍ بِصِفِّينَ، فَقَالَ أَبُو نُعَيْمٍ: أَتُرَاهُ (4) بُعِثَ بَعْدَ الْمَوْتِ؟ .
حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ، وَحَسَنٌ الْحُلْوَانِيُّ كِلَاهُمَا، عَنْ عَفَّانَ بْنِ مُسْلِمٍ قَالَ: كُنَّا عِنْدَ إِسْمَاعِيلَ ابْنِ عُلَيَّةَ، فَحَدَّثَ رَجُلٌ عَنْ رَجُلٍ، فَقُلْتُ: إِنَّ هَذَا لَيْسَ بِثَبْتٍ. قَالَ: فَقَالَ الرَّجُلُ: اغْتَبْتَهُ! قَالَ إِسْمَاعِيلُ: مَا اغْتَابَهُ، وَلَكِنَّهُ حَكَمَ أَنَّهُ لَيْسَ بِثَبْتٍ.
وَحَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ الدَّارِمِيُّ، حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ عُمَرَ قَالَ: سَأَلْتُ مَالِكَ بْنَ أَنَسٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الَّذِي يَرْوِي عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، فَقَالَ: لَيْسَ بِثِقَةٍ. وَسَأَلْتُهُ عَنْ صَالِحٍ مَوْلَى التَّوْأَمَةِ؟ فَقَالَ: لَيْسَ بِثِقَةٍ. وَسَأَلْتُهُ عَنْ أَبِي الْحُوَيْرِثِ، فَقَالَ: لَيْسَ بِثِقَةٍ. وَسَأَلْتُهُ عَنْ شُعْبَةَ (5) الَّذِي رَوَى عَنْهُ ابْنُ أَبِي
(1) هذا رأي أبي إسحاق الفزاري في إسماعيل بن عياش، ولكنه ثقة عند جمهور الأئمة ولا سيما فيما يرويه عن أهل الشام، أما روايته عن أهل الحجاز فإن كتابه ضاع فخلط في حفظه عنهم. وأما بقية فصدوق كثير التدليس عن الضعفاء، فالقول فيه هو ما قاله أبو إسحاق الفزاري.
(2)
قوله: (يكني الأسامي ويسمي الكنى) يعني إذا روى عن إنسان معروف باسمه كناه ولم يسمه، وإذا روى عن راو معروف بكنيته سماه ولم يكنه، وهذا نوع من التدليس، وهو قبيح مذموم، فإنه يلبس أمره على الناس، ويوهم أن ذلك الراوي ليس بذلك الضعيف، فيخرجه عن حاله المعروفة بالجرح المتفق عليه وعلى تركه، إلى حالة الجهالة التي لا تؤثر عند جماعة من العلماء، بل يحتجون بصاحبها، وتقضي توقفًا عن الحكم بصحته أو ضعفه عند الآخرين، وقد يعتضد المجهول فيحتج به، أو يرجح به غيره، أو يستأنس به.
(3)
قوله: (الوحاظي) بضم الواو وفتحها وبتخفيف الحاء، نسبة إلى وحاظة بطن من حمير، وعبد القدوس هذا، هو ابن حبيب الشامي الكلاعي، أجمع أهل العلم على ترك حديثه كما تقدم.
(4)
قوله (أتراه) بضم التاء أي أتظنه، وذلك لأنَّ ابن مسعود توفي سنة اثنتين وثلاثين في خلافة عثمان رضي الله عنه وحرب صفين وقعت بعد ذلك بأربع سنوات في خلافة علي رضي الله عنه وفيه تكذيب من أبي نعيم للمعلى بن عرفان، وهو معروف بالضعف.
(5)
هو أبو عبد الله - وقيل: أبو يحيى - شعبة القرشي الهاشمي المدني مولى ابن عباس، ضعفه كثيرون، وقال =
ذِئْبٍ، فَقَالَ: لَيْسَ بِثِقَةٍ. وَسَأَلْتُهُ عَنْ حَرَامِ بْنِ عُثْمَانَ، فَقَالَ: لَيْسَ بِثِقَةٍ. وَسَأَلْتُ مَالِكًا عَنْ هَؤُلَاءِ الْخَمْسَةِ، فَقَالَ: لَيْسُوا بِثِقَةٍ فِي حَدِيثِهِمْ. وَسَأَلْتُهُ عَنْ رَجُلٍ آخَرَ نَسِيتُ اسْمَهُ، فَقَالَ: هَلْ رَأَيْتَهُ فِي كُتُبِي؟ قُلْتُ: لَا، قَالَ: لَوْ كَانَ ثِقَةً لَرَأَيْتَهُ فِي كُتُبِي.
وَحَدَّثَنِي الْفَضْلُ بْنُ سَهْلٍ قَالَ: حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ، حَدَّثَنَا
حَجَّاجٌ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ، عَنْ شُرَحْبِيلَ بْنِ سَعْدٍ، وَكَانَ مُتَّهَمًا.
وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ قُهْزَاذَ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا إِسْحَاقَ الطَّالْقَانِيَّ يَقُولُ: سَمِعْتُ ابْنَ الْمُبَارَكِ يَقُولُ: لَوْ خُيِّرْتُ بَيْنَ أَنْ أَدْخُلَ الْجَنَّةَ وَبَيْنَ أَنْ أَلْقَى عَبْدَ اللهِ بْنَ مُحَرَّرٍ، لَاخْتَرْتُ أَنْ أَلْقَاهُ ثُمَّ أَدْخُلَ الْجَنَّةَ، فَلَمَّا رَأَيْتُهُ، كَانَتْ بَعْرَةٌ أَحَبَّ إِلَيَّ مِنْهُ.
وَحَدَّثَنِي الْفَضْلُ بْنُ سَهْلٍ، حَدَّثَنَا وَلِيدُ بْنُ صَالِحٍ قَالَ: قَالَ عُبَيْدُ اللهِ بْنُ عَمْرٍو: قَالَ زَيْدٌ، - يَعْنِي: ابْنَ أَبِي أُنَيْسَةَ -: لَا تَأْخُذُوا عَنْ أَخِي (1) حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيُّ قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ السَّلَامِ الْوَابِصِيُّ قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ الرَّقِّيُّ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: كَانَ يَحْيَى بْنُ أَبِي أُنَيْسَةَ كَذَّابًا.
حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: حَدَّثَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ قَالَ: ذُكِرَ فَرْقَدٌ عِنْدَ أَيُّوبَ، فَقَالَ: إِنَّ فَرْقَدًا لَيْسَ صَاحِبَ حَدِيثٍ (2).
وَحَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ بِشْرٍ الْعَبْدِيُّ قَالَ: سَمِعْتُ يَحْيَى بْنَ سَعِيدٍ الْقَطَّانَ، ذُكِرَ عِنْدَهُ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ اللَّيْثِيُّ، فَضَعَّفَهُ جِدًّا، فَقِيلَ لِيَحْيَى: أَضْعَفُ مِنْ يَعْقُوبَ بْنِ عَطَاءٍ؟ قَالَ: نَعَمْ، ثُمَّ قَالَ: مَا كُنْتُ أُرَى أَنَّ أَحَدًا يَرْوِي عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ.
حَدَّثَنِي بِشْرُ بْنُ الْحَكَمِ قَالَ: سَمِعْتُ يَحْيَى بْنَ سَعِيدٍ الْقَطَّانَ ضَعَّفَ حَكِيمَ بْنَ جُبَيْرٍ وَعَبْدَ الْأَعْلَى، وَضَعَّفَ يَحْيَى مُوسَى بْنَ دِينَارٍ (3)، قَالَ: حَدِيثُهُ رِيحٌ. وَضَعَّفَ مُوسَى بْنَ
= أحمد بن حنبل ويحيى بن معين: ليس به بأس، وقال ابن عدي: لَمْ أجد له حديثًا منكرًا.
(1)
قوله: (أخى) هو يحيى بن أبي أنيسة الآتي ذكره في الرواية التالية.
(2)
فرقد، هو ابن يعقوب السبخي - منسوب إلى سبخة البصرة - أبو يعقوب التابعي، كان عابدًا صالحًا، ولكن لَمْ يكن من صنعة الحديث في شيء.
(3)
قوله: (ضعف يحيى بن موسى بن دينار) كذا وقع في النسخ "يحيى بن موسى" بزيادة بن، بين يحيى وموسى: وهو خطأ لا شك فيه، والصحيح "ضعف يحيى موسى بن دينار" يعني ضعف يحيى بن سعيد القطان، موسى بن دينار، فيحيى فاعل ضعف، وموسى بن دينار مفعوله.
دِهْقَانَ، وَعِيسَى بْنَ أَبِي عِيسَى الْمَدَنِيَّ. (1)
قَالَ: وَسَمِعْتُ الْحَسَنَ بْنَ عِيسَى يَقُولُ: قَالَ لِيَ ابْنُ الْمُبَارَكِ: إِذَا قَدِمْتَ عَلَى جَرِيرٍ فَاكْتُبْ عِلْمَهُ كُلَّهُ إِلَّا حَدِيثَ ثَلَاثَةٍ: لَا تَكْتُبْ حَدِيثَ عُبَيْدَةَ بْنِ مُعَتِّبٍ، وَالسَّرِيِّ بْنِ إِسْمَاعِيلَ، وَمُحَمَّدِ بْنِ سَالِمٍ. (2)
قَالَ مُسْلِمٌ: وَأَشْبَاهُ مَا ذَكَرْنَا مِنْ كَلَامِ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي مُتَّهَمِي رُوَاةِ الْحَدِيثِ، وَإِخْبَارِهِمْ عَنْ مَعَايِبِهِمْ كَثِيرٌ، يَطُولُ الْكِتَابُ بِذِكْرِهِ، عَلَى اسْتِقْصَائِهِ. وَفِيمَا ذَكَرْنَا كِفَايَةٌ لِمَنْ تَفَهَّمَ وَعَقَلَ مَذْهَبَ الْقَوْمِ فِيمَا قَالُوا مِنْ ذَلِكَ وَبَيَّنُوا، وَإِنَّمَا أَلْزَمُوا أَنْفُسَهُمُ الْكَشْفَ عَنْ مَعَايِبِ رُوَاةِ الْحَدِيثِ وَنَاقِلِي الْأَخْبَارِ، وَأَفْتَوْا
بِذَلِكَ حِينَ سُئِلُوا لِمَا فِيهِ مِنْ عَظِيمِ الْخَطَرِ إِذِ الْأَخْبَارُ فِي أَمْرِ الدِّينِ إِنَّمَا تَأْتِي بِتَحْلِيلٍ، أَوْ تَحْرِيمٍ، أَوْ أَمْرٍ، أَوْ نَهْيٍ، أَوْ تَرْغِيبٍ، أَوْ تَرْهِيبٍ، فَإِذَا كَانَ الرَّاوِي لَهَا لَيْسَ بِمَعْدِنٍ لِلصِّدْقِ وَالْأَمَانَةِ، ثُمَّ أَقْدَمَ عَلَى الرِّوَايَةِ عَنْهُ مَنْ قَدْ عَرَفَهُ، وَلَمْ يُبَيِّنْ مَا فِيهِ لِغَيْرِهِ، مِمَّنْ جَهِلَ مَعْرِفَتَهُ كَانَ آثِمًا بِفِعْلِهِ ذَلِكَ، غَاشًّا لِعَوَامِّ الْمُسْلِمِينَ إِذْ لَا يُؤْمَنُ عَلَى بَعْضِ مَنْ سَمِعَ تِلْكَ الْأَخْبَارَ أَنْ يَسْتَعْمِلَهَا، أَوْ يَسْتَعْمِلَ بَعْضَهَا، وَلَعَلَّهَا أَوْ أَكْثَرَهَا أَكَاذِيبُ، لَا أَصْلَ لَهَا، مَعَ أَنَّ الْأَخْبَارَ الصِّحَاحَ مِنْ رِوَايَةِ الثِّقَاتِ وَأَهْلِ الْقَنَاعَةِ (3) أَكْثَرُ مِنْ أَنْ يُضْطَرَّ إِلَى نَقْلِ مَنْ لَيْسَ بِثِقَةٍ وَلَا مَقْنَعٍ (4)، وَلَا أَحْسِبُ كَثِيرًا مِمَّنْ يُعَرِّجُ (5) مِنَ النَّاسِ عَلَى مَا وَصَفْنَا مِنْ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ الضِّعَافِ وَالْأَسَانِيدِ الْمَجْهُولَةِ، وَيَعْتَدُّ بِرِوَايَتِهَا بَعْدَ مَعْرِفَتِهِ بِمَا فِيهَا مِنَ التَّوَهُّنِ وَالضَّعْفِ، إِلَّا أَنَّ الَّذِي يَحْمِلُهُ عَلَى رِوَايَتِهَا وَالِاعْتِدَادِ بِهَا إِرَادَةُ التَّكَثُّرِ بِذَلِكَ عِنْدَ الْعَوَامِّ، وَلَأَنْ يُقَالَ: مَا أَكْثَرَ مَا جَمَعَ فُلَانٌ مِنَ الْحَدِيثِ، وَأَلَّفَ مِنَ الْعَدَدِ، وَمَنْ ذَهَبَ فِي الْعِلْمِ هَذَا الْمَذْهَبَ، وَسَلَكَ هَذَا الطَّرِيقَ، فَلَا نَصِيبَ لَهُ فِيهِ، وَكَانَ بِأَنْ يُسَمَّى جَاهِلًا أَوْلَى مِنْ أَنْ يُنْسَبَ إِلَى العِلْمٍ.
(1) هؤلاء كلهم متَّفقٌ على ضعفهم، وأشدهم ضعفًا حكيم بن جبير، كان متشيعًا غاليًا في التشيع، قيل لعبد الرَّحمن بن مهدي ولشعبه: لَمْ تركتما حديث حكيم؟ قالا: نخاف النار.
(2)
فهؤلاء الثلاثة كلهم ضعاف، أما عبيدة بن معتب - بكسر التاء المشددة - فكان ضعيفًا واختلط بأخرة، وهو أبو عبد الرحيم الضبي الكوفي الضرير، وأما السرى بن إسماعيل فهو متروك الحديث، وهو همداني كوفي ابن عم الشعبي، وأما محمد بن سالم فهو أيضًا ضعيف، كوفي همداني يكنى أبا سهل.
(3)
قوله: (أهل القناعة) بفتح القاف، أي الذين يقنع بحديثهم لكمال حفظهم وإتقانهم وعدالتهم.
(4)
قوله: (مقنع) بفتح الميم والنون، أي موضع قناعة واطمئنان.
(5)
من عرّج على الشيء - بتشديد الراء - أي أقام عليه ولبث به.
بَابُ مَا تَصِحُّ بِهِ رِوَايَةُ الرُّوَاةِ بَعْضِهِمْ عَنْ بَعْضٍ وَالتَّنْبِيهِ عَلَى مَنْ غَلِطَ فِي ذَلِكَ وَقَدْ تَكَلَّمَ بَعْضُ مُنْتَحِلِي الْحَدِيثِ (1) مِنْ أَهْلِ عَصْرِنَا فِي تَصْحِيحِ الْأَسَانِيدِ وَتَسْقِيمِهَا بِقَوْلٍ لَوْ ضَرَبْنَا (2) عَنْ حِكَايَتِهِ وَذِكْرِ فَسَادِهِ صَفْحًا، لَكَانَ رَأْيًا مَتِينًا وَمَذْهَبًا صَحِيحًا إِذِ الْإِعْرَاضُ عَنِ الْقَوْلِ الْمُطَّرَحِ أَحْرَى لِإِمَاتَتِهِ وَإِخْمَالِ (3) ذِكْرِ قَائِلِهِ، وَأَجْدَرُ أَنْ لَا يَكُونَ ذَلِكَ تَنْبِيهًا لِلْجُهَّالِ عَلَيْهِ، غَيْرَ أَنَّا لَمَّا تَخَوَّفْنَا مِنْ شُرُورِ الْعَوَاقِبِ وَاغْتِرَارِ الْجَهَلَةِ بِمُحْدَثَاتِ الْأُمُورِ، وَإِسْرَاعِهِمْ إِلَى اعْتِقَادِ خَطَإِ الْمُخْطِئِينَ، وَالْأَقْوَالِ السَّاقِطَةِ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ، رَأَيْنَا الْكَشْفَ عَنْ فَسَادِ قَوْلِهِ، وَرَدَّ مَقَالَتِهِ بِقَدْرِ مَا يَلِيقُ بِهَا مِنَ الرَّدِّ أَجْدَى (4) عَلَى الْأَنَامِ، وَأَحْمَدَ لِلْعَاقِبَةِ إِنْ شَاءَ اللهُ، وَزَعَمَ الْقَائِلُ الَّذِي افْتَتَحْنَا الْكَلَامَ عَلَى الْحِكَايَةِ عَنْ قَوْلِهِ، وَالْإِخْبَارِ عَنْ سُوءِ رَوِيَّتِهِ (5) أَنَّ كُلَّ إِسْنَادٍ لِحَدِيثٍ فِيهِ فُلَانٌ عَنْ فُلَانٍ، وَقَدْ أَحَاطَ الْعِلْمُ بِأَنَّهُمَا قَدْ كَانَا فِي عَصْرٍ وَاحِدٍ، وَجَائِزٌ أَنْ يَكُونَ الْحَدِيثُ الَّذِي رَوَى الرَّاوِي
عَمَّنْ رَوَى عَنْهُ قَدْ سَمِعَهُ مِنْهُ وَشَافَهَهُ بِهِ، غَيْرَ أَنَّهُ لَا نَعْلَمُ لَهُ مِنْهُ سَمَاعًا، وَلَمْ نَجِدْ فِي شَيْءٍ مِنَ الرِّوَايَاتِ أَنَّهُمَا الْتَقَيَا قَطُّ، أَوْ تَشَافَهَا بِحَدِيثٍ، أَنَّ الْحُجَّةَ لَا تَقُومُ عِنْدَهُ بِكُلِّ خَبَرٍ جَاءَ هَذَا الْمَجِيءَ، حَتَّى يَكُونَ عِنْدَهُ الْعِلْمُ بِأَنَّهُمَا قَدِ اجْتَمَعَا مِنْ دَهْرِهِمَا مَرَّةً فَصَاعِدًا، أَوْ تَشَافَهَا بِالْحَدِيثِ بَيْنَهُمَا، أَوْ يَرِدَ خَبَرٌ فِيهِ بَيَانُ اجْتِمَاعِهِمَا، وَتَلَاقِيهِمَا مَرَّةً مِنْ دَهْرِهِمَا، فَمَا فَوْقَهَا، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ عِلْمُ ذَلِكَ، وَلَمْ تَأْتِ رِوَايَةٌ صَحِيحَةٌ تُخْبِرُ أَنَّ هَذَا الرَّاوِيَ عَنْ صَاحِبِهِ قَدْ لَقِيَهُ مَرَّةً، وَسَمِعَ مِنْهُ شَيْئًا، لَمْ يَكُنْ فِي نَقْلِهِ الْخَبَرَ عَمَّنْ رَوَى عَنْهُ ذَلِكَ، وَالْأَمْرُ كَمَا وَصَفْنَا حُجَّةٌ، وَكَانَ الْخَبَرُ عِنْدَهُ مَوْقُوفًا، حَتَّى يَرِدَ عَلَيْهِ سَمَاعُهُ مِنْهُ لِشَيْءٍ مِنَ الْحَدِيثِ، قَلَّ أَوْ كَثُرَ، فِي رِوَايَةٍ مِثْلِ مَا وَرَدَ (6).
(1) قوله: (منتحلي الحديث) من الانتحال، وهو انتساب الرجل إلى ما ليس من أهله، أي بعض من ينتسب إلى علم الحديث وليس من أهله.
(2)
قوله: (ضربنا
…
صفحًا) أي كففنا وأعرضنا عن ذكره، قال تعالى:{أَفَنَضْرِبُ عَنْكُمُ الذِّكْرَ صَفْحًا أَنْ كُنْتُمْ قَوْمًا مُسْرِفِينَ} [الزخرف: 5].
(3)
قوله: (إخمال) أي إسقاطه ومحوه.
(4)
قوله: (أجدى على الأنام) أي أنفع للناس، وهو منصوب، مفعول ثان لقوله:"رأينا".
(5)
قوله: (رويته) بفتح الراء وكسر الواو وتشديد الياء، أي فكره ونظره.
(6)
حاصل هذا القول: أن الرجلين إذا كانا في زمن واحد، وروى أحدهما عن الآخر بالعنعنة، فإن ثبت لقاؤهما واجتماعهما، ولو مرّة واحدة، تحمل هذه العنعنة على الاتصال، وتقبل هذه الرواية، وإن لَمْ يثبت لقاؤهما واجتماعهما - حتى ولا مرّة واحدة - فإن مجرد كونهما في زمن واحد، ومجرد إمكان اللقاء بينهما لا يكفي لحمل هذه العنعنة على الاتصال، فيتوقف فيها.