الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَهِيَ أَسَانِيدُ عِنْدَ ذَوِي الْمَعْرِفَةِ بِالْأَخْبَارِ وَالرِّوَايَاتِ مِنْ صِحَاحِ الْأَسَانِيدِ لَا نَعْلَمُهُمْ وَهَّنُوا مِنْهَا شَيْئًا قَطُّ، وَلَا الْتَمَسُوا فِيهَا سَمَاعَ بَعْضِهِمْ مِنْ بَعْضٍ إِذِ السَّمَاعُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مُمْكِنٌ مِنْ صَاحِبِهِ غَيْرُ مُسْتَنْكَرٍ لِكَوْنِهِمْ جَمِيعًا كَانُوا فِي الْعَصْرِ الَّذِي اتَّفَقُوا فِيهِ، وَكَانَ هَذَا الْقَوْلُ الَّذِي أَحْدَثَهُ الْقَائِلُ الَّذِي حَكَيْنَاهُ فِي تَوْهِينِ الْحَدِيثِ بِالْعِلَّةِ الَّتِي وَصَفَ أَقَلَّ مِنْ أَنْ يُعَرَّجَ عَلَيْهِ، وَيُثَارَ ذِكْرُهُ إِذْ كَانَ قَوْلًا مُحْدَثًا وَكَلَامًا خَلْفًا لَمْ يَقُلْهُ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ سَلَفَ، وَيَسْتَنْكِرُهُ مَنْ بَعْدَهُمْ خَلَفَ، فَلَا حَاجَةَ بِنَا فِي رَدِّهِ بِأَكْثَرَ مِمَّا شَرَحْنَا، إِذْ كَانَ قَدْرُ الْمَقَالَةِ وَقَائِلِهَا الْقَدْرَ الَّذِي وَصَفْنَاهُ، وَاللهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى دَفْعِ مَا خَالَفَ مَذْهَبَ الْعُلَمَاءِ، وَعَلَيْهِ التُّكْلَانُ.
كِتَابُ الْإِيمَانِ
.
قَالَ أَبُو الْحُسَيْنِ مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ الْقُشَيْرِيُّ رحمه الله بِعَوْنِ اللهِ نَبْتَدِئُ، وَإِيَّاهُ نَسْتَكْفِي، وَمَا تَوْفِيقُنَا إِلَّا بِاللهِ جل جلاله.
(8)
حَدَّثَنِي أَبُو خَيْثَمَةَ زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ كَهْمَسٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَعْمَرَ، (ح) وَحَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُعَاذٍ الْعَنْبَرِيُّ، وَهَذَا حَدِيثُهُ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا كَهْمَسٌ، عَنِ ابْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَعْمَرَ قَالَ: «كَانَ أَوَّلَ مَنْ قَالَ فِي الْقَدَرِ بِالْبَصْرَةِ مَعْبَدٌ الْجُهَنِيُّ، فَانْطَلَقْتُ أَنَا وَحُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحِمْيَرِيُّ حَاجَّيْنِ أَوْ مُعْتَمِرَيْنِ، فَقُلْنَا: لَوْ لَقِينَا أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَسَأَلْنَاهُ عَمَّا يَقُولُ هَؤُلَاءِ فِي الْقَدَرِ، فَوُفِّقَ
(1) قوله: (خلفًا) بإسكان اللام أي فاسدًا ساقطًا.
(*)(كتاب الإيمان) الإيمان عند السلف - مالك والشافعي وأحمد بن حنبل وغيرهم من فقهاء المحدثين - هو اعتقاد بالقلب - أي تصديق النبي صلى الله عليه وسلم فيما علم مجيئه به بالضرورة - ونطق باللسان وعمل بالأركان، وبه قالت المعتزلة والخوارج، إلا أن السلف قالوا بفسق مرتكبي الكبيرة، والمعتزلة والخوارج أخرجوه من دائرة الإيمان وقالوا بخلوده في النار، وقد أدخلته الخوارج في الكفر، وأثبتت له المعتزلة منزلة بين الإيمان والكفر، وقالت الحنفية إن الإيمان هو مجرد التصديق، أما الإقرار فمنهم من جعله شرطًا لإجراء الأحكام، ومنهم من جعله ركنا زائدًا، وأما الأعمال فقد أخروها وأخرجوها عن مسمى الإيمان، ولذلك سموا بالمرجئة.
1 -
قوله: (أول من قال في القدر) أي تكلم بنفيه وإنكاره، والقدر بفتح الدال وتسكن، هو علم الله تعالى الأشياء قبل كونها، وتقديره وكتابته لها قبل خلقها، و (معبد الجهني) هو معبد بن خالد الجهني نزل محلة جهينة بالبصرة فنسب إليهم، كان يجالس الحسن ثم تكلم في القدر، فسلك أهل البصرة بعده مسلكه لما رأوا عمرو بن عبيد ينتحله، قتله الحجاج صبرا وقوله:(وفق لنا) مبني للمفعول من التوفيق، أي جاء توفيق الله لنا بلقاء عبد الله بن عمر =
لَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ دَاخِلًا الْمَسْجِدَ، فَاكْتَنَفْتُهُ أَنَا وَصَاحِبِي، أَحَدُنَا عَنْ يَمِينِهِ، وَالْآخَرُ عَنْ شِمَالِهِ، فَظَنَنْتُ أَنَّ صَاحِبِي سَيَكِلُ الْكَلَامَ إِلَيَّ، فَقُلْتُ: أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ، إِنَّهُ قَدْ ظَهَرَ قِبَلَنَا نَاسٌ يَقْرَؤُونَ الْقُرْآنَ، وَيَتَقَفَّرُونَ الْعِلْمَ، وَذَكَرَ مِنْ شَأْنِهِمْ، وَأَنَّهُمْ يَزْعُمُونَ أَنْ لَا قَدَرَ، وَأَنَّ الْأَمْرَ أُنُفٌ، قَالَ: فَإِذَا لَقِيتَ أُولَئِكَ فَأَخْبِرْهُمْ أَنِّي بَرِيءٌ مِنْهُمْ، وَأَنَّهُمْ بُرَآءُ مِنِّي، وَالَّذِي يَحْلِفُ بِهِ عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ لَوْ أَنَّ لِأَحَدِهِمْ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا فَأَنْفَقَهُ، مَا قَبِلَ اللهُ مِنْهُ حَتَّى يُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ ثُمَّ قَالَ: حَدَّثَنِي
أَبِي عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ قَالَ: بَيْنَمَا نَحْنُ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم ذَاتَ يَوْمٍ إِذْ طَلَعَ عَلَيْنَا رَجُلٌ شَدِيدُ بَيَاضِ الثِّيَابِ، شَدِيدُ سَوَادِ الشَّعَرِ، لَا يُرَى عَلَيْهِ أَثَرُ السَّفَرِ، وَلَا يَعْرِفُهُ مِنَّا أَحَدٌ، حَتَّى جَلَسَ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَأَسْنَدَ رُكْبَتَيْهِ إِلَى رُكْبَتَيْهِ، وَوَضَعَ كَفَّيْهِ عَلَى فَخِذَيْهِ، وَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، أَخْبِرْنِي عَنِ الْإِسْلَامِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: الْإِسْلَامُ أَنْ تَشْهَدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ، وَتُقِيمَ الصَّلَاةَ، وَتُؤْتِيَ الزَّكَاةَ، وَتَصُومَ رَمَضَانَ، وَتَحُجَّ الْبَيْتَ إِنِ اسْتَطَعْتَ إِلَيْهِ سَبِيلًا، قَالَ: صَدَقْتَ، قَالَ: فَعَجِبْنَا لَهُ، يَسْأَلُهُ وَيُصَدِّقُهُ، قَالَ: فَأَخْبِرْنِي عَنِ الْإِيمَانِ، قَالَ: أَنْ تُؤْمِنَ بِاللهِ، وَمَلَائِكَتِهِ، وَكُتُبِهِ، وَرُسُلِهِ، وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، وَتُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ، خَيْرِهِ وَشَرِّهِ، قَالَ: صَدَقْتَ، قَالَ: فَأَخْبِرْنِي عَنِ الْإِحْسَانِ، قَالَ: أَنْ تَعْبُدَ اللهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ، قَالَ: فَأَخْبِرْنِي عَنِ السَّاعَةِ، قَالَ: مَا الْمَسْؤُولُ عَنْهَا بِأَعْلَمَ مِنَ السَّائِلِ، قَالَ: فَأَخْبِرْنِي عَنْ أَمَارَتِهَا، قَالَ: أَنْ تَلِدَ الْأَمَةُ رَبَّتَهَا، وَأَنْ تَرَى الْحُفَاةَ الْعُرَاةَ الْعَالَةَ رِعَاءَ الشَّاءِ يَتَطَاوَلُونَ فِي الْبُنْيَانِ، قَالَ: ثُمَّ انْطَلَقَ، فَلَبِثْتُ مَلِيًّا ثُمَّ قَالَ لِي: يَا عُمَرُ، أَتَدْرِي مَنِ السَّائِلُ؟ قُلْتُ: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: فَإِنَّهُ
= وقدر دخوله المسجد مع دخولنا فيه. وقوله: (فاكتنفته أنا وصاحبي) أي أحطنا به من جانبيه وصرنا في ناحيتيه.
وقوله: (يتقفرون العلم) بتقديم القاف على الفاء، أي يتتبعونه ويبحثون عنه. قوله:(وأن الأمر أنف) بضم الهمزة والنون أي مستأنف لم يسبق به قدر ولا علم من الله تعالى، وإنما يعلمه بعد وقوعه، وهذا قول غلاة القدرية وليس قول جميعهم. وقوله:(ووضع كفيه على فخذيه) أي على فخذي النبي صلى الله عليه وسلم، وذلك إظهارًا لجفوة البدو والأعراب، وزيادة في التعمية والإخفاء. قوله:(فعجبنا له يسأله ويصدقه) لأن السؤال علامة الجهل، والتصديق علامة العلم، فإن كان جاهلًا لا يصدق وإن كان عالمًا لا يسأل، فكان سؤاله ثم تصديقه مثار التعجب. قوله:(فأخبرني عن أماراتها) وفي نسخة (أمارتها) بفتح الهمزة أي علامتها، وجاء "أماراتها" بصيغة الجمع أيضًا.
قوله: (أن تلد الأمة ربتها) إشارة إلى انقلاب الأحوال بحيث تصير البنات بمنزلة المالكة، يفرضن أوامرهن ونواهيهن ورغباتهن على أمهاتهن كيفما يشأن، وتصير الأمهات بمنزلة المملوكة، يلتزمن بما تأمر وتنهى بناتهن. وقد عم هذا الداء العضال في هذا الزمان. وأما قوله:(وأن ترى الحفاة العراة العالة رعاء الشاء يتطاولون في البنيان) فالحفاة جمع حافٍ وهو من يمشي بلا خف ولا نعل، والعراة جمع عار وهو من لا يكون على جسده ثوب، والعالة جمع عائل وهو الفقير، والرعآء بكسر الراء وبالمد جمع راع، وهو من يرعى المواشي، والشاء جمع شاة وهي المعز، ويتطاولون أي يتباهون ويتفاخرون، وفيه إشارة إلى كثرة المال وانقلاب أحوال الدنيا بحيث إن القوم الذين كانوا يعيشون حفاة عراة لشدة فقرهم وحاجتهم، ولم يكن لهم عمل إلا رعي الشاء تكثر أموالهم حتى أنهم يتباهون في =