الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَابُ صَلَاةِ الْخَوْفِ
(839)
حَدَّثَنَا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَالِمٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ:«صَلَّى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم صَلَاةَ الْخَوْفِ بِإِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ رَكْعَةً، وَالطَّائِفَةُ الْأُخْرَى مُوَاجِهَةُ الْعَدُوِّ. ثُمَّ انْصَرَفُوا وَقَامُوا فِي مَقَامِ أَصْحَابِهِمْ مُقْبِلِينَ عَلَى الْعَدُوِّ، وَجَاءَ أُولَئِكَ ثُمَّ صَلَّى بِهِمُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم رَكْعَةً. ثُمَّ سَلَّمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ قَضَى هَؤُلَاءِ رَكْعَةً وَهَؤُلَاءِ رَكْعَةً» .
(000)
وَحَدَّثَنِيهِ أَبُو الرَّبِيعِ الزَّهْرَانِيُّ، حَدَّثَنَا فُلَيْحٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ كَانَ يُحَدِّثُ عَنْ صَلَاةِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي الْخَوْفِ وَيَقُولُ: صَلَّيْتُهَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِهَذَا الْمَعْنَى.
(000)
وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: «صَلَّى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم صَلَاةَ الْخَوْفِ فِي بَعْضِ أَيَّامِهِ، فَقَامَتْ طَائِفَةٌ مَعَهُ وَطَائِفَةٌ بِإِزَاءِ الْعَدُوِّ فَصَلَّى بِالَّذِينَ مَعَهُ رَكْعَةً. ثُمَّ ذَهَبُوا وَجَاءَ الْآخَرُونَ فَصَلَّى بِهِمْ رَكْعَةً، ثُمَّ قَضَتِ الطَّائِفَتَانِ رَكْعَةً رَكْعَةً. قَالَ: وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: فَإِذَا كَانَ
305 - ذكر الإمام مسلم رحمه الله هنا عدة أحاديث تشتمل على عدة أنواع من صلاة الخوف صلاها النبي صلى الله عليه وسلم في مواطن مختلفة. وقد روى أبو داود وغيره وجوهًا أخرى لصلاة الخوف عدا ما رواه الإمام مسلم، وقد أبلغوا مجموع هذه الوجوه إلى ستة عشر وجهًا أو أكثر. قال ابن حزم: صح فيها أربعة عشر وجهًا، وبينها في جزء مفرد. وقال ابن العربي في القبس: جاء فيها روايات كثيرة أصحها ست عشرة رواية مختلفة ولم يبينها، وقال النووي نحوه ولم يبينها أيضًا، وقد بينها العراقي في شرح الترمذي، وزاد وجهًا آخر فصارت سبعة عشر وجهًا، لكن قال: يمكن أن تتداخل. وقال ابن القيم: أصولها ست صفات بلغها بعضهم أكثر، وهؤلاء كلما رأوا اختلاف الرواة في قصة جعلوا ذلك وجهًا من فعل النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما هو من اختلاف الرواة. قال الحافظ: وهذا هو المعتمد، وإليه أشار شيخنا (العراقي) بقوله: يمكن أن تتداخل. اهـ وقد اختار بعض الأئمة بعض الوجوه وفضلوه على وجوه أخرى، والمختار أن هذه الأوجه كلها جائزة بحسب مواطنها. قال الخطابي: صلاة الخوف أنواع صلاها النبي صلى الله عليه وسلم في أيام مختلفة، وأشكال متباينة، يتحرى في كلها ما هو أحوط للصلاة وأبلغ في الحراسة، فهي على اختلاف صورها متفقة المعنى.
306 -
قوله: (في بعض أيامه) أي في بعض غزواته، وقد روى البخاري عن ابن عمر أنه قال: غزوت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل نجد، فوازينا العدو .. الحديث. قال القسطلاني: وهذه الغزوة غزوة ذات الرقاع (بإزاء العدو) أي في مقابلة العدو (تؤمىء إيماء) أي تشير للركوع والسجود إشارة. أما ترتيب قضاء الطائفتين فالظاهر أنه على التعاقب.=
خَوْفٌ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَصَلِّ رَاكِبًا أَوْ قَائِمًا تُومِئُ إِيمَاءً».
(840)
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ قَالَ:«شَهِدْتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم صَلَاةَ الْخَوْفِ، فَصَفَّنَا صَفَّيْنِ صَفٌّ خَلْفَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وَالْعَدُوُّ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقِبْلَةِ. فَكَبَّرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَكَبَّرْنَا جَمِيعًا، ثُمَّ رَكَعَ وَرَكَعْنَا جَمِيعًا، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرُّكُوعِ وَرَفَعْنَا جَمِيعًا، ثُمَّ انْحَدَرَ بِالسُّجُودِ وَالصَّفُّ الَّذِي يَلِيهِ، وَقَامَ الصَّفُّ الْمُؤَخَّرُ فِي نَحْرِ الْعَدُوِّ. فَلَمَّا قَضَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم السُّجُودَ، وَقَامَ الصَّفُّ الَّذِي يَلِيهِ انْحَدَرَ الصَّفُّ الْمُؤَخَّرُ بِالسُّجُودِ، وَقَامُوا. ثُمَّ تَقَدَّمَ الصَّفُّ الْمُؤَخَّرُ وَتَأَخَّرَ الصَّفُّ الْمُقَدَّمُ، ثُمَّ رَكَعَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَرَكَعْنَا جَمِيعًا، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرُّكُوعِ وَرَفَعْنَا جَمِيعًا. ثُمَّ انْحَدَرَ بِالسُّجُودِ وَالصَّفُّ الَّذِي يَلِيهِ الَّذِي كَانَ مُؤَخَّرًا فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى وَقَامَ الصَّفُّ الْمُؤَخَّرُ فِي نُحُورِ الْعَدُوِّ. فَلَمَّا قَضَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم السُّجُودَ وَالصَّفُّ الَّذِي يَلِيهِ انْحَدَرَ الصَّفُّ الْمُؤَخَّرُ بِالسُّجُودِ فَسَجَدُوا، ثُمَّ سَلَّمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَسَلَّمْنَا جَمِيعًا. قَالَ جَابِرٌ: كَمَا يَصْنَعُ حَرَسُكُمْ هَؤُلَاءِ بِأُمَرَائِهِمْ» .
(000)
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ يُونُسَ، حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ، حَدَّثَنَا أَبُو الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ قَالَ: «غَزَوْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَوْمًا مِنْ جُهَيْنَةَ فَقَاتَلُونَا قِتَالًا شَدِيدًا، فَلَمَّا صَلَّيْنَا الظُّهْرَ قَالَ الْمُشْرِكُونَ: لَوْ مِلْنَا عَلَيْهِمْ مَيْلَةً لَاقْتَطَعْنَاهُمْ، فَأَخْبَرَ جِبْرِيلُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم ذَلِكَ، فَذَكَرَ ذَلِكَ لَنَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم. قَالَ: وَقَالُوا: إِنَّهُ سَتَأْتِيهِمْ صَلَاةٌ هِيَ أَحَبُّ إِلَيْهِمْ مِنَ الْأَوْلَادِ، فَلَمَّا حَضَرَتِ الْعَصْرُ قَالَ: صَفَّنَا صَفَّيْنِ وَالْمُشْرِكُونَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقِبْلَةِ. قَالَ: فَكَبَّرَ
= وقد روى أبو داود من حديث ابن مسعود بلفظ: ثم سلم فقام هؤلاء - أي الطائفة الثانية - فقضوا لأنفسهم ركعة ثم سلموا، ثم ذهبوا، ورجع أولئك إلى مقامهم فصلوا لأنفسهم ركعة ثم سلموا. انتهى. وظاهره أن الطائفة الثانية والت بين ركعتيها، ثم أتمت الطائفة الأولى بعدها.
307 -
قوله: (صف خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي وصف آخر خلف ذلك الصف (في نحر العدو) أي في مقابلته، وأصل النحر موضع القلادة من الصدر، والجمع نحور (كما يصنع حرسكم هؤلاء بأمرائهم) الحرس بفتحتين جمع حارس مثل ركب بفتحتين جمع راكب، ولم يذكر جابر ولا من بعده كيف كان الحرس يصنعون بأمرائهم، ولكن يؤخذ من الحديث أنهم كانوا يصلون مع الإمام، ولكن لم يكن يسجدون جميعًا مع الإمام، بل كانوا يتعاقبون في السجود، فكانت طائفة منهم تسجد وطائفة تحرس، فإذا رفع أولئك يسجد هؤلاء. والله أعلم.
308 -
قوله: (غزونا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قومًا من جهينة، الحديث) روى أحمد وأبو داود والنسائي والبيهقي وابن حبان، وصححه، من حديث أبي عياش الزرقي مثل حديث جابر هذا، وزاد تعيين محل هذه الصلاة أنها كانت بعسفان. ويؤيد هذا أن سياق حديث جابر واضح في كون هذه الغزوة هي التي نزل فيها الأمر بصلاة الخوف، والراجح عند المحققين أن صلاة الخوف نزلت بعسفان عند نزوله صلى الله عليه وسلم بها في سفر الحديبية، لكن يعارض ذلك أمران اثنان في هذا الحديث. الأول أن العدو في عسفان كان من قريش لا من جهينة، فقد جاء مائتا فارس من=
رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَكَبَّرْنَا وَرَكَعَ فَرَكَعْنَا،
ثُمَّ سَجَدَ وَسَجَدَ مَعَهُ الصَّفُّ الْأَوَّلُ. فَلَمَّا قَامُوا سَجَدَ الصَّفُّ الثَّانِي ثُمَّ تَأَخَّرَ الصَّفُّ الْأَوَّلُ وَتَقَدَّمَ الصَّفُّ الثَّانِي فَقَامُوا مَقَامَ الْأَوَّلِ، فَكَبَّرَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَكَبَّرْنَا وَرَكَعَ فَرَكَعْنَا، ثُمَّ سَجَدَ وَسَجَدَ مَعَهُ الصَّفُّ الْأَوَّلُ وَقَامَ الثَّانِي. فَلَمَّا سَجَدَ الصَّفُّ الثَّانِي ثُمَّ جَلَسُوا جَمِيعًا سَلَّمَ عَلَيْهِمْ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم. قَالَ أَبُو الزُّبَيْرِ: ثُمَّ خَصَّ جَابِرٌ أَنْ قَالَ: كَمَا يُصَلِّي أُمَرَاؤُكُمْ هَؤُلَاءِ».
(841)
حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُعَاذٍ الْعَنْبَرِيُّ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ صَالِحِ بْنِ خَوَّاتِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم صَلَّى بِأَصْحَابِهِ فِي الْخَوْفِ فَصَفَّهُمْ خَلْفَهُ صَفَّيْنِ، فَصَلَّى بِالَّذِينَ يَلُونَهُ رَكْعَةً. ثُمَّ قَامَ، فَلَمْ يَزَلْ قَائِمًا حَتَّى صَلَّى الَّذِينَ خَلْفَهُمْ رَكْعَةً، ثُمَّ تَقَدَّمُوا وَتَأَخَّرَ الَّذِينَ كَانُوا قُدَّامَهُمْ فَصَلَّى بِهِمْ رَكْعَةً. ثُمَّ قَعَدَ حَتَّى صَلَّى الَّذِينَ تَخَلَّفُوا رَكْعَةً، ثُمَّ سَلَّمَ» .
(842)
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ رُومَانَ، عَنْ صَالِحِ بْنِ خَوَّاتٍ «عَمَّنْ صَلَّى مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ ذَاتِ الرِّقَاعِ صَلَاةَ الْخَوْفِ أَنَّ طَائِفَةً صَفَّتْ صَلَّتْ مَعَهُ وَطَائِفَةٌ وِجَاهَ الْعَدُوِّ، فَصَلَّى بِالَّذِينَ مَعَهُ رَكْعَةً. ثُمَّ ثَبَتَ قَائِمًا وَأَتَمُّوا لِأَنْفُسِهِمْ، ثُمَّ انْصَرَفُوا فَصَفُّوا وِجَاهَ الْعَدُوِّ وَجَاءَتِ الطَّائِفَةُ الْأُخْرَى فَصَلَّى بِهِمُ الرَّكْعَةَ الَّتِي بَقِيَتْ. ثُمَّ ثَبَتَ جَالِسًا وَأَتَمُّوا لِأَنْفُسِهِمْ، ثُمَّ سَلَّمَ بِهِمْ» .
= قريش يقودهم خالد بن الوليد فسدوا في كراع الغميم الطريق النافذ إلى مكة، ويزيد هذا الأمر تعقيدًا أن أهل السير والمغازي لم يذكروا غزوة قادها النبي صلى الله عليه وسلم بنفسه إلى جهينة، الأمر الثاني أن غزوة عسفان لم يقع فيها القتال، بينما يذكر جابر رضي الله عنه في هذا الحديث أنهم قاتلوا قتالًا شديدًا. ويجاب عن الأول بأنه يمكن أن تكون طائفة من جهينة انضمت إلى قريش، وفاقتهم في إبداء رغبتها في القتال فنسب القتال إليهم، ويجاب عن الثاني بأن المراد بقوله:"قاتلوا قتالًا شديدًا" أنهم تظاهروا بصنوف من الاستعداد للقتال الشديد، لا أنهم باشروا القتال فعلًا، يؤيد هذا التأويل ما جاء في هذا الحديث من قول جابر:"فلما صلينا صلى الله عليه وسلم الظهرا، قال المشركون: لو ملنا عليهم ميلة لاقتطعناهم وقالوا: إنه ستأتيهم صلاة هي أحب إليهم من الأولاد" - وهي العصر -، فإن معناه أنهم لم يكونوا باشروا القتال بعد، وإنما أرادوا الهجوم أثناء صلاة العصر، فأخبر بذلك جبريل، وصلى رسول لله صلى الله عليه وسلم صلاة الخوف ففاتتهم الفرصة.
قوله: (لو ملنا عليهم ميلة) أي حملنا عليهم حملة (لاقتطعناهم) أي لأصبناهم منفردين واستأصلناهم.
310 -
قوله: (عمن صلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم) وهو خوات بن جبير (يوم ذات الرقاع) بكسر الراء جمع رقعة بمعنى الخرقة، وهي القطعة من الثوب، وسميت هذه الغزوة ذات الرقاع لأن الظهر كان قليلًا، وأقدام المسلمين نقبت من الحفاء فلفوا عليها الخرق، وهي الرقاع، رواه البخاري ومسلم عن أبي موسى الأشعري. وقيل: بل الأرض التي نزلوا بها كانت ذات ألوان تشبه الرقاع، وقيل: سميت بجبل هناك فيه بقع. وقعت هذه الغزوة لتجمع بني محارب وبني ثعلبة وبني أنمار لغزو المدينة، وذهب عامة أهل السير إلى أنها وقعت في جمادى الأولى سنة أربع، والصحيح عند البخاري والمحققين أنها بعد خيبر سنة سبع، والدليل على ذلك حضور أبي موسى وأبي هريرة في هذه الغزوة، وهما لم يحضرا إلى النبي صلى الله عليه وسلم إلا بعد خروجه إلى خيبر، ومن الدليل عليه أيضًا أنه صلى الله عليه وسلم صلى في هذه الغزوة صلاة الخوف، وكان أول شرعية صلاة الخوف بعسفان سنة ست في سفر الحديبية، ولم يكن بعد الحديبية إلا خيبر، فذات الرقاع=
(843)
حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا عَفَّانُ، حَدَّثَنَا أَبَانُ بْنُ يَزِيدَ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ جَابِرٍ قَالَ:«أَقْبَلْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، حَتَّى إِذَا كُنَّا بِذَاتِ الرِّقَاعِ قَالَ: كُنَّا إِذَا أَتَيْنَا عَلَى شَجَرَةٍ ظَلِيلَةٍ تَرَكْنَاهَا لِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم. قَالَ: فَجَاءَ رَجُلٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَسَيْفُ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم مُعَلَّقٌ بِشَجَرَةٍ فَأَخَذَ سَيْفَ نَبِيِّ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَاخْتَرَطَهُ، فَقَالَ لِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم: أَتَخَافُنِي؟ قَالَ: لَا. قَالَ: فَمَنْ يَمْنَعُكَ مِنِّي؟ قَالَ: اللهُ يَمْنَعُنِي مِنْكَ. قَالَ: فَتَهَدَّدَهُ أَصْحَابُ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَأَغْمَدَ السَّيْفَ وَعَلَّقَهُ. قَالَ: فَنُودِيَ بِالصَّلَاةِ فَصَلَّى بِطَائِفَةٍ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ تَأَخَّرُوا وَصَلَّى بِالطَّائِفَةِ الْأُخْرَى رَكْعَتَيْنِ. قَالَ: فَكَانَتْ لِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَرْبَعُ رَكَعَاتٍ وَلِلْقَوْمِ رَكْعَتَانِ» .
(000)
وَحَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدَّارِمِيُّ، أَخْبَرَنَا يَحْيَى - يَعْنِي ابْنَ حَسَّانَ -، حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ - وَهُوَ ابْنُ سَلَّامٍ -: أَخْبَرَنِي يَحْيَى، أَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ جَابِرًا أَخْبَرَهُ «أَنَّهُ صَلَّى مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم صَلَاةَ الْخَوْفِ فَصَلَّى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِإِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ صَلَّى بِالطَّائِفَةِ الْأُخْرَى رَكْعَتَيْنِ فَصَلَّى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ. وَصَلَّى بِكُلِّ طَائِفَةٍ رَكْعَتَيْنِ» .
= بعد خيبر. قوله: (وجاه العدو) بكسر الواو وضمها، أي محاذيهم ومواجههم (ثم ثبت قائمًا وأتموا لأنفسهم) أي الركعة الأخرى، وسلموا (ثم انصرفوا فصفوا وجاه العدو) أي في غير حالة الصلاة، فحصل لهم فضيلة التحريم معه صلى الله عليه وسلم وحصل للطائفة الثانية فضيلة التسليم معه صلى الله عليه وسلم.
311 -
قوله: (حتى إذا كنا بذات الرقاع) يفيد هذا التعبير أن ذات الرقاع اسم للمكان الذي وقعت فيه الغزوة (شجرة ظليلة) أي كثيرة الظل (فجاء رجل من المشركين) اسمه غورث (بوزن جعفر) بن الحارث، وقيل: دعثور، وقيل: غويرث (فاخترطه) أي سله من غمده، وهو غلافه (فتهدده أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأغمد السيف وعلقه) فيه نوع من الاختصار مع التقديم والتأخير. ففي صحيح البخاري: قال جابر فنمنا نومة فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعونا فجئناه فإذا عنده أعرابي جالس، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن هذا اخترط سيفي وأنا نائم فاستيقظت، وهو في يده صلتا، فقال لي: من يمنعك مني؟ قلت له: الله، فها هو ذا جالس، ثم لم يعاقبه رسول الله صلى الله عليه وسلم. وفي رواية له بعد قوله:"قلت: الله""فشام السيف" أي أغمده. وفي هذه القصة فرط شجاعته صلى الله عليه وسلم وقوة يقينه، وصبره على الأذى، وحلمه عن الجهال. وفي الحديث جواز صلاة المفترض خلف المتنفل. لأنه صلى الله عليه وسلم كان قد سلم بعد ركعتين. روى ذلك جابر رضي الله عنه عند النسائي وابن خزيمة والدارقطني والبيهقي، ورواه أيضًا أبو بكرة رضي الله عنه عند أبي داود والنسائي وابن حبان وغيرهم.