المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما - منهاج المحدثين في القرن الأول الهجري وحتى عصرنا الحاضر

[على عبد الباسط مزيد]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌التمهيد

- ‌الفصل الأول: منكرو السنة والرد عليهم

- ‌المبحث الأول: مزاعم منكري السنة قديما، والرد عليها

- ‌المبحث الثاني: منكرو السُّنَّة حديثًا، وتفنيد مزاعمهم

- ‌الفصل الثاني: مكانة السُّنَّة في التشريع الإسلامي

- ‌الباب الأول: مناهج المحدثين في القرن الأول الهجري

- ‌الفصل الأول: مظاهر اهتمام الصحابة بالسنة

- ‌الفصل الثاني: كتابة السُّنَّة في العهد النبوي

- ‌الفصل الثالث: أشهر الصحف والكتابات في العهد النبوي

- ‌الفصل الرابع: الكتاب الذي كتبه رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمرو بن حزم

- ‌الفصل الخامس: بواعث كتابة الحديث في القرن الأول الهجري

- ‌الفصل السادس: مظاهر احتياط الصحابة في قبول الحديث الشريف

- ‌الفصل السابع: منهج الصحابة في رواية الحديث الشريف

- ‌الفصل الثامن: الصحابة المكثرون لرواية الحديث الشريف

- ‌أبو هريرة راوية الإسلام

- ‌ عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما

- ‌ أنس بن مالك رضي الله عنه

- ‌ عائشة رضي الله عنها

- ‌ عبد الله بن عباس رضي الله عنهما

- ‌ جابر بن عبد الله

- ‌ أبو سعيد الخدري

- ‌الفصل التاسع: أسباب تفاوت الصحابة في رواية الحديث الشريف

- ‌الفصل العاشر: دور أمهات المؤمنين في خدمة الحديث الشريف

- ‌مدخل

- ‌دور أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها في رواية الحديث:

- ‌دور أم المؤمنين أم سلمة رضي الله عنها في رواية الحديث:

- ‌دور أم المؤمنين ميمونة رضي الله عنها في رواية الحديث:

- ‌دور أم المؤمنين حبيبة رضي الله عنها

- ‌دور أم المؤمنين حفصة بنت عمر رضي الله عنها:

- ‌دور أم المؤمنين زينب بنت جحش رضي الله عنها:

- ‌دور أم المؤمنين صفية رضي الله عنها:

- ‌دور أم المؤمنين جويرية بنت الحارث رضي الله عنها:

- ‌دور أم المؤمنين سودة بنت زمعة رضي الله عنها:

- ‌الفصل الحادى عشر: أسباب تفاوت أمهات المؤمنين رضي الله عنها في الرواية

- ‌الباب الثاني: مناهج المحدثين في القرن الثاني الهجري

- ‌الفصل الأول: المستجدات في هذا العصر

- ‌الفصل الثاني: التدوين الشامل للسنة في هذا العصر ومنهج العلماء في التصنيف

- ‌الفصل الثالث: جهود التابعين في توثيق السُّنَّة وحفظها وتدوينها في النصف الأول من القرن الثاني الهجري

- ‌الفصل الرابع: أشهر الصحف والكتابات في القرن الثاني الهجري

- ‌الفصل الخامس: ضوابط الرواية عند التابعين

- ‌الفصل السادس: التصنيف في القرن الثاني وبداية الثالث الهجريين

- ‌الفصل السابع: الأئمة الأربعة، وأثرهم في الحديث وعلومه

- ‌مدخل

- ‌الإمام مالك بن أنس بن مالك بن أبي عامر بن عمرو الأصبحي

- ‌الإمام الشافعي "150-204ه

- ‌الإمام أحمد بن محمد بن حنبل بن هلال بن أسد الشيباني، أبو عبد الله المروزي ثم البغدادي "164-241ه

- ‌الباب الثالث: منهاج المحدثين في القرن الثالث الهجري وحتى عصرنا الحاضر

- ‌الفصل الأول: مناهج المحدثين في القرن الثالث الهجري

- ‌المبحث الأول: أهم المشكلات التى واجهت المحدثين في القرن الثالث الهجري

- ‌المبحث الثاني: تدوين الحديث وعلومه في القرن الثالث الهجري

- ‌المبحث الثالث: مناهج العلماء في تدوين الحديث في القرن الثالث الهجري

- ‌المبحث الرابع: أئمة القرن الثالث الهجري ومناهجهم

- ‌أولًا: الإمام البخاري "194-256ه

- ‌مقارنة بين الصحيحين:

- ‌ثالثًا: أبو داود السجستاني "202-275ه

- ‌خامسًا: أحمد بن شعيب النسائي "215-303ه

- ‌سادسًا: ابن ماجه "209-273ه

- ‌سابعًا: الإمام أحمد بن محمد بن حنبل "164-241ه

- ‌الفصل الثاني: مناهج المحدثين في القرن الرابع الهجري

- ‌ابن خزيمة

- ‌الطحاوي:

- ‌الدارقطني:

- ‌الطبراني:

- ‌ابن حبان:

- ‌ابن السكن:

- ‌الحاكم النيسابوري "321-405ه

- ‌الفصل الثالث: منهج التصنيف في القرن الخامس إلى السقوط الخلافة العباسية [من عام "400هـ" حتى عام "656ه

- ‌الجمع بين الصحيحين

- ‌ الجمع بين الكتب الستة

- ‌ الجمع بين أحاديث من كتب مختلفة:

- ‌ كتب منتقاة في أحاديث الأحكام والمواعظ، ومنها:

- ‌ كتب الأطراف:

- ‌الفصل الرابع: منهج التصنيف من سقوط الخلافة العباسية إلى عصرنا الحاضر

- ‌المبحث الأول: السنة من عام 656هـ حتى عام 911 ه

- ‌مدخل

- ‌أولًا: منهج العلماء في خدمة السُّنَّة في هذه الفترة:

- ‌ثانيًا: طريقة العلماء في خدمة الحديث الشريف في هذه الفترة

- ‌المبحث الثاني: دور العلماء في خدمة السُّنَّة بعد عام "911هـ" حتى آخر القرن الرابع عشر الهجري

- ‌المبحث الثالث: دور أشهر الممالك التي كان لها أثر ملموس في خدمة السُّنَّة في هذا العصر

- ‌ دور مصر في العناية بالسُّنَّة وعلومها:

- ‌ دور علماء الهند في العناية بالسُّنَّة:

- ‌ دور المملكة العربية السعودية في خدمة السُّنَّة:

- ‌المبحث الرابع: جهود علماء المسلمين في خدمة السُّنَّة في العصر الحاضر

- ‌قائمة بأسماء المصادر والمراجع:

- ‌الفهرس:

الفصل: ‌ عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما

2-

‌ عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما

1:

- نسبه ومولده وإسلامه:

عبد الله بن عمر بن الخطاب بن نُفيل بن عبد العزي بن رباح بن قرط بن رزايح بن عدي بن كعب بن لؤي بن غالب، الإمام القدوة شيخ الإسلام، أبو عبد الرحمن القرشي العدوي المكي، ثم المدني.

ولد في السنة الثانية أو الثالثة من البعثة، وأسلم مع أبيه وهو صغير لم يبلغ الحلم.

وقال الذهبي: أسلم وهو صغير، ثم هاجر مع أبيه ولم يحتلم، واستُصغر يوم أحد، فأول غزواته الخندق، وهو ممن بايع تحت الشجرة، وأمه أمُّ أمِّ المؤمنين حفصة: زينب بنت مظعون أخت عثمان بن مظعون الجمحي2.

- أوصافه:

قال أبو إسحاق السبيعي: رأيت ابن عمر آدم جسيمًا، إزاره إلى نصف الساقين يطوف3.

وقال هشام بن عروة: رأيت ابن عمر له جُمَّة4.

1 راجع ترجمته في: سير أعلام النبلاء "3/ 203-239"، وطبقات ابن سعد "2/ 373" و"4/ 142-188"، نسب قريش "350 وما بعدها"، المحبر "442، 24"، التاريخ الكبير "5/ 2" و "5/ 125"، التاريخ الصغير "1/ 155، 154"، المعرفة والتاريخ "1/ 490، 249"، الجرح والتعديل "5/ 107"، المستدرك "3/ 556"، الحلية "1/ 292" و"2/ 7"، جمهرة أنساب العرب "152"، الاستيعاب "950"، تاريخ بغداد "1/ 171" طبقات الفقهاء "49"، الجمع بين رجال الصحيحين "238/ 1"، تاريخ ابن عساكر: مصورة المجمع 11/ 165، جامع الأصول "9/ 64"، أسد الغابة "3/ 227"، تهذيب الأسماء واللغات "1/ 1/ 278"، وفيات الأعيان "3/ 28"، تهذيب الكمال "15/ 332/ 341"، تاريخ الإسلام "3/ 177"، العبر "1/ 83"، تهذيب التهذيب "2/ 168"، مرآة الجنان "1/ 154"، البداية والنهاية "9/ 4"، مجمع الزوائد "9/ 346"، العقد الثمين "5/ 215"، الإصابة "347/ 2"، تهذيب التهذيب "5/ 328"، النجوم الزاهرة "1/ 192"، خلاصة تهذيب الكمال "175"، شذرات الذهب "1/ 81".

2 سير أعلام النبلاء "3/ 206".

3 سير أعلام النبلاء "3/ 209".

4 المصدر السابق، طبقات ابن سعد "4/ 181". والجمة: شعر الرأس.

ص: 108

ورُوي عن نافع: كان ابن عمر يعفي لحيته إلا في حج أو عمرة1.

وقال أبو بكر البرقي: كان رَبْعةً يخضب بالصفرة2.

وقال هشام بن عروة: رأيت شعر ابن عمر يضرب منكبيه، وأُتِي به إليه فقبلني3.

ورُوي عنه بأسانيد بعضها صحيح وبعضها حسن أنه كان يصفر لحيته بالخلوق والزعفران، فقيل له: تصبغ بالصفرة؟ فقال: إني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصبغ بها4.

وقال موسى بن دهقان: رأيت ابن عمر يتزر إلى أنصاف ساقيه5.

وعن نافع: أن ابن عمر اعتم، وأرخاها بين كتفيه6.

وعن وكيع: عن النضر أبي لؤلؤة، قال: رأيت على ابن عمر عمامة سوداء7.

وقال ابن سيرين: كان نقش خاتم ابن عمر: "عبد الله بن عمر"8.

وروى ابن سعد عن ابن أبي ليلى، وعبد الله بن عمر، عن نافع: أن ابن عمر كان يقبض على لحيته، ويأخذ ما جاوز القبضة9.

وروى البخاري في صحيحه عن نافع: وكان ابن عمر إذا حج أو اعتمر قبض على لحيته، فما فَضُل أخذه10.

1 سير أعلام النبلاء "3/ 208"، وطبقات ابن سعد "4/ 181" بسند حسن.

2 سير أعلام النبلاء "3/ 209".

3 سير أعلام النبلاء "3/ 208"، وطبقات ابن سعد "4/ 181"، ونحوه في تاريخ دمشق لأبي زرعة "1/ 616".

4 سير أعلام النبلاء "3/ 208"، طبقات ابن سعد "4/ 181، 180، 179".

5 سير أعلام النبلاء "3/ 212"، طبقات ابن سعد "4/ 174".

6 المصدران السابقان.

7 سير أعلام النبلاء "3/ 212".

8 طبقات ابن سعد "4/ 176"، سير أعلام النبلاء "3/ 213".

9 طبقات ابن سعد "4/ 178"، سير أعلام النبلاء "3/ 221".

10 صحيح البخاري "10/ 295، 296 فتح".

ص: 109

- أولاده:

قال الذهبي: وأولاده من صفية بنت أبي عبيد بن مسعود الثقفي: أبو بكر، وواقد، وعبد الله، وأبو عبيدة، وعمر، وحفصة، وسودة.

ومن أم علقمة المحاربية: عبد الرحمن، وبه يُكنى.

ومن سُرِّيَّة أخرى: زيد، وعائشة.

ومن أخرى: أبو سلمة وقلابة.

ومن أخرى: بلال، فالجملة ستة عشر1.

وعن أبي مجلز، عن ابن عمر قال: إليكم عني، فإني كنت مع من هو أعلم مني، ولو علمت أني أبقى حتى تفتقروا إليَّ لتعلمت لكم2.

- مشاهده:

روى البخاري في صحيحه قوله: عرضت على رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد وأنا ابن أربع عشرة سنة، فلم يجزني، وعرضت عليه يوم الخندق وأنا ابن خمس عشرة سنة فأجازني3.

فالخندق هي أول غزوة شارك فيها، ولم يتخلف عن غزوة أو عن معركة بعدها، فشارك في مؤتة واليرموك وفتح مصر وإفريقية، وقدم الشام والعراق والبصرة وفارس غازيًا، ولم يصح أنه شارك في بدر كما روى علي بن جدعان عن أنس وابن المسيب4، فهذا خطأ وغلط كما قال الذهبي5.

وروى البخاري عن البراء قال: عرضت أنا وابن عمر يوم بدر فاستصغرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم6.

1، 2 سير أعلام النبلاء "3/ 238".

3 صحيح البخاري "7/ 302" كتاب المغازي، باب غزوة الخندق.

4، 5 سير أعلام النبلاء "3/ 209".

6 صحيح البخاري "7/ 226" كتاب المغازي، باب عدة أصحاب بدر.

ص: 110

وقال مجاهد: شهد ابن عمر الفتح وله عشرون سنة1.

وقال ابن يونس: شهد ابن عمر فتح مصر، واختط بها، وروى عنه أكثر من أربعين نفسًا من أهلها2.

وقد أضافت أمجاده الحربية إليه مكانة في النفوس وخاصة أهل الشام.

- علمه وفتواه:

لقد تربَّى ابن عمر في مدرسة النبوة واغترف من فيوضها، وكان من النابهين فيها، قال النبي صلى الله عليه وسلم يومًا لأصحابه وهو فيهم:"إن من الشجر شجرة لا يسقط ورقها، وإنها مثل المؤمن، فحدثوني ما هي"؟ قال عبد الله: فوقع في نفسي أنها النخلة، ووقع الناس في شجر البوادي، ثم قالوا: ما هي يا رسول الله؟ قال: "النخلة"، وقد أخبر أباه بأن حياءه منعه من الجواب، فقال له أبوه: وددت لو قلتها ولا أملك كذا وكذا، تشجيعًا له.

وقال الذهبي: روى علمًا كثيرًا نافعًا عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن أبيه، وأبي بكر، وعلي، وبلال، وصهيب، وعامر بن ربيعة، وزيد بن ثابت، وزيد عمه، وسعد، وابن مسعود، وعثمان بن طلحة، وأسلم، وحفصة أخته، وعائشة وغيرهم3.

ولقد نهم ابن عمر من المدرسة النبوية علمًا غزيرًا جاد به على بعض الصحابة وجماهير التابعين ومن بعدهم. قال الذهبي: ولابن عمر أقوال وفتاوى يطول الكتاب بإيرادها4.

وقد مَنَّ الله تعالى عليه بعشرات السنين التي مكنته من إفادة الناس بعلمه

1 سير أعلام النبلاء "3/ 210".

2 المصدر السابق "3/ 209".

3 المصدر السابق "3/ 204".

4 المصدر السابق "3/ 232".

ص: 111

وفتاواه، قال مالك: كان إمام الناس عندنا بعد زيد بن ثابت عبد الله بن عمر، مكث ستين سنة يفتي الناس1.

وروى مالك عن نافع: كان ابن عمر وابن عباس يجلسان للناس عند مقدم الحاج، فكنت أجلس إلى هذا يومًا، وإلى هذا يومًا، فكان ابن عباس يجيب ويفتي في كل ما سُئل عنه، وكان ابن عمر يرد أكثر مما يُفتي2، قال الليث بن سعد وغيره: كتب رجل إلى ابن عمر أن اكتب إليَّ بالعلم كله، فكتب إليه: إن العلم كثير، ولكن إن استطعت أن تلقى الله خفيف الظهر من دماء الناس، خميص البطن من أموالهم، كافَّ اللسان عن أعراضهم، لازمًا لأمر جماعتهم، فافعل3.

وروى الحارث بن أبي أسامة عن رجل: بعثت أم ولد لعبد الملك بن مروان إلى وكيلها تستهديه غلامًا وقالت: يكون عالمًا بالسنة، قارئًا لكتاب الله فصيحًا، عفيفًا، كثير الحياء، قليل المراء، فكتب إليها: قد طلبتُ هذا الغلام، فلم أجد غلامًا بهذه الصفة إلا عبد الله بن عمر، وقد ساومت به أهله، فأبوا أن يبيعوه4.

قال ابن حزم في كتاب "الإحكام" في الباب الثامن والعشرين: المكثرون من الفتيا من الصحابة: عمر وابنه عبد الله، وعلي، وعائشة، وابن مسعود، وابن عباس، وزيد بن ثابت، فهم سبعة فقط يمكن أن يجمع من فتيا كل واحد منهم سِفْر ضخم، وقد جمع أبو بكر محمد بن موسى بن يعقوب بن أمير المؤمنين المأمون فتيا ابن عباس في عشرين كتابًا.

وأبو بكر هذا أحد أئمة الإسلام.

1 المصدر السابق "3/ 221"، تاريخ الفسوي "1/ 491"، تاريخ بغداد "1/ 172".

2 سير أعلام النبلاء "3/ 222".

3، 4 سير أعلام النبلاء "3/ 222".

ص: 112

وروى أبو حمزة السكري عن إبراهيم الصائغ، عن نافع: أن ابن عمر كان له كتب ينظر فيها قبل أن يخرج إلى الناس، قال الذهبي: هذا غريب1.

- ثناء النبي صلى الله عليه وسلم عليه وتبشيره بالجنة:

روى الشيخان عن سالم عن أبيه قال: كان الرجل في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رأى رؤيا قصها على رسول الله صلى الله عليه وسلم وكنت غلامًا عَزَبًا شابًّا، فكنت أنام في المسجد، فرأيت كأن ملكين أتياني، فذهبا بي إلى النار، فإذا هي مطوية كطي البئر، ولها قرون كقرون البئر، فرأيت فيها ناسًا قد عرفتهم، فجعلت أقول: أعوذ بالله من النار، فلقينا ملَك، فقال:"نعم الرجل عبد الله لو كان يصلي من الليل" قال: فكان بعد لا ينام من الليل إلا القليل2، وروى نحوه نافع، وفيه:"إن عبد الله رجل صالح".

وروى سعيد بن بشير عن قتادة، عن ابن سيرين، عن ابن عمر قال: كنت شاهد النبي صلى الله عليه وسلم في حائط نخل، فاستأذن أبو بكر، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"ائذنوا له وبشروه بالجنة" ثم عمر كذلك، ثم عثمان فقال:"بشروه بالجنة على بلوى تصيبه" فدخل يبكي ويضحك، فقال عبد الله: فأنا يا نبي الله؟ قال: "أنت مع أبيك"3.

1 سير أعلام النبلاء "3/ 238".

2 أخرجه البخاري "3/ 5، 6" في التهجد، باب فضل قيام الليل، وباب من تعار من الليل، فصلى، وفي فضائل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: باب مناقب عبد الله بن عمر، وفي التعبير: باب الإستبرق ودخول الجنة في المنام، وباب الأمن وذَهَاب الروع، وباب الأخذ على اليمين في النوم، وأخرجه مسلم "2479" في فضائل الصحابة: باب فضائل عبد الله بن عمر، والترمذي "3825" في المناقب.

3 إسناده ضعيف لضعف سعيد بن بشير؛ لكن متن الحديث صحيح من طريق آخر إلى قوله: "على بلوى تصيبه"، فقد أخرجه البخاري "13/ 42" وفي مواطن عدة من صحيحه، ومسلم برقم "2403"، والترمذي برقم "3711". من حديث أبي موسى الأشعري.

ص: 113

- تلاميذه:

لما كان ابن عمر من أحرص الصحابة على تلقي العلم الكثير من رسول الله صلى الله عليه وسلم مباشرة، ومن أكثرهم حفظًا لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وروايته؛ كان من الطبعي أن يكثر تلاميذه الذين حرصوا على الأخذ عنه، فقد روى عنه خلق كثير؛ منهم:

أسلم مولى أبيه، وأمية بن عبد الله الأموي، وأنس بن سيرين، وبشر بن حرب، وبشر بن عائذ، وبكر المزني، وبلال بن عبد الله ابنه، وتميم بن عياش، وثابت البناني، وجبير بن نفير، وحبيب بن أبي ثابت، وحبيب بن أبي مليكة، وحرملة مولى أسامة، والحسن البصري، وابن أخيه حفص بن عاصم، والحكم بن ميناء، وحميد بن عبد الرحمن الزهري، وحميد بن عبد الرحمن الحميري، وذكوان السمان، وزياد بن جبير الثقفي، وزيد بن جبير الطائي، وابنه زيد، وابنه سالم، وسالم بن أبي الجعد، والسائب والد عطاء، وسعد مولى أبي بكر، وسعد مولى طلحة، وسعيد بن جبير، وسعيد بن مرجانة، وسعيد بن المسيب، وسعيد بن يسار، وسليمان بن يسار، وشهر بن حوشب، وطاوس، وعبد الله بن بريدة، وعبد الله بن دينار، وعبد الله بن أبي سلمة الماجشون، وعبد الله بن شقيق، وابن أبي مليكة، وعبد الله بن عبيد بن عمير، وعبد الله بن كيسان، وعبد الله بن مالك الهمداني، وعبد الله بن محمد بن عقيل، وعبد الله بن مرة الهمداني، وعبد الله بن موهب الفلسطيني، وحفيده عبد الله بن واقد العمري، وعبد الرحمن بن سعد مولاه، وعبد الرحمن بن أبي ليلى، وعبد الرحمن بن أبي نعيم، وعبد الرحمن بن يزيد الصنعاني، وعبد الملك بن نافع، وعبيد بن عمير، وعراك بن مالك، وعروة بن الزبير، وعطاء بن أبي رباح، وعطية العوفي، وعمرو بن دينار، وعمير بن هانئ، والعلاء بن اللجلاج، والقاسم بن عوف، والقاسم بن محمد، وقَزَعة بن يحيى، وكثير بن مرة، وكُليب بن وائل، ومجاهد بن جبر،

ص: 114

ومحارب بن دثار، ومحمد بن سيرين، ومحمد بن عباد بن جعفر، وأبو جعفر الباقر، وابن شهاب الزهري، ومحمد بن المنتشر، ومسروق، ومسلم بن جندب، ومعاوية بن قرة، والمغيرة بن سلمان، ومكحول الأزدي، وموسى بن طلحة، وميمون بن مهران، ونافع مولاه، وواسع بن حبان، ويحيى بن عبد الرحمن بن حاطب، ويحيى البكاء، ويونس بن جبير، وأبو أمامة التيمي، وأبو بردة بن أبي موسى، وأبو بكر بن حفص، وأبو سلمة بن عبد الرحمن، وأبو الصديق الناجي، وأبو عثمان النهدي

وخلق آخرون.

- عبادته، وورعه، وتقواه، وزهده، ورقة قلبه:

كان عبد الله بن عمر رضي الله عنهما مثالًا يُحتذى به في كثرة العبادة، وشدة التقوى، والزهد في أطايب العيش، والزهد في السلطة، والخوف من الله، ورقة القلب.

قال إبراهيم: قال ابن مسعود: إن من أملك شباب قريش لنفسه عن الدنيا عبد الله بن عمر1.

وقال ابن عون، عن إبراهيم، عن الأسود، عن عبد الله: لقد رأيتنا ونحن متوافرون وما فينا شاب هو أملك لنفسه من ابن عمر2.

وروى سالم بن أبي الجعد، عن جابر: ما منا أحد أدرك الدنيا إلا وقد مالت به، إلا ابن عمر3.

وعن عائشة: ما رأيت أحدًا ألزم للأمر الأول من ابن عمر4.

وقال أبو سلمة بن عبد الرحمن: مات ابن عمر وهو في الفضل مثل أبيه5.

وقال أبو إسحاق السبيعي: كنا نأتي ابن أبي ليلى، وكانوا يجتمعون إليه،

1 سير أعلام النبلاء "3/ 211"، طبقات ابن سعد "4/ 144"، حلية الأولياء "1/ 294".

2 الإصابة "2/ 347"، سير أعلام النبلاء "3/ 211".

3 حلية الأولياء "1/ 294"، سير أعلام النبلاء "3/ 211".

4، 5 سير أعلام النبلاء "3/ 212".

ص: 115

فجاءه أبو سامة بن عبد الرحمن فقال: أعُمَر كان أفضل عندكم أم ابنه؟ قالوا: بل عمر، فقال:1 إن عمر كان في زمان له فيه نظراء، وإن ابن عمر بقي في زمان ليس فيه نظير.

وقال ابن المسيب: لو شهدت لأحد أنه من أهل الجنة لشهدت لابن عمر، قال الذهبي2: رواه ثقتان عنه.

وقال قتادة: سمعت ابن المسيب يقول: كان ابن عمر يوم مات خير من بقي3.

وعن طاوس وميمون بن مهران: ما رأيت أورع من ابن عمر4.

وبإسناد وسط عن ابن الحنفية: كان ابن عمر خير هذه الأمة5.

وروى عبد العزيز بن أبي داود، عن نافع: أن ابن عمر كان إذا فاتته العشاء في جماعة أحيا ليلته6.

وقال الوليد بن مسلم: حدثنا ابن جابر، حدثني سليمان بن موسى، عن نافع، عن ابن عمر: أنه كان يحيي الليل صلاة، ثم يقول: يا نافع، أسحَرْنا؟ فأقول: لا، فيعاود الصلاة إلى أن أقول: نعم، فيقعد ويستغفر ويدعو حتى يصبح7.

وقال طاوس: ما رأيت مصليًا مثل ابن عمر أشد استقبالًا للقبلة بوجهه وكفيه وقدميه8.

1-5 سير أعلام النبلاء "3/ 212".

6 أخرجه أبو نعيم في حلية الأولياء "1/ 303".

7 الحلية "1/ 303"، سير أعلام النبلاء "1/ 235".

8 الحلية "1/ 304"، سير أعلام النبلاء "1/ 235"، وروى ابن سعد في الطبقات "4/ 157" من طريق حماد بن مسعدة، عن ابن عجلان، عن محمد بن يحيى بن حبان قال: كان ابن عمر يحب أن يستقبل كل شيء منه القبلة إذا صلى، حتى كان يستقبل بإبهامه القبلة.

ص: 116

وروى نافع أن ابن عمر كان يحيي بين الظهر والعصر1.

وروى هشام الدستوائي، عن القاسم بن أبي بزة: أن ابن عمر قرأ فبلغ: {يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ} [المطففين: 6] فبكى حتى خر، وامتنع عن قراءة ما بعدها2.

وروى معمر، عن أيوب، عن نافع أو غيره: أن رجلًا قال لابن عمر: يا خير الناس، أو ابنَ خير الناس. فقال:"ما أنا بخير الناس، ولا ابن خير الناس، ولكني عبد من عباد الله، أرجو الله وأخافه، والله لن تزالوا بالرجل حتى تهلكوه"3.

وروى الذهبي في السير، وأبو نعيم في الحلية، وابن سعد في الطبقات بسند صحيح عن عروة يقول: خطبت إلى ابن عمر ابنته ونحن في الطواف، فسكت ولم يجبني بكلمة، فقلت: لو رضي لأجابني، والله لا أراجعه بكلمة. فقُدِّر له أنه صدر إلى المدينة قبلي، ثم قدمت فدخلت مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم فسلمت عليه، وأديب إليه حقه، فرحب بي وقال: متى قدِمتَ؟ قلت: الآن، فقال: كنتَ ذكرت لي سودة ونحن في الطواف، نتخايل الله بين أعيننا، وكنت قادرًا أن تلقاني في غير ذلك الموطن، فقلتُ: كان أمرًا قُدِّر، قال: فما رأيك اليوم؟ قلت: أحرص ما كنت عليه قط، فدعا ابنيه: سالمًا وعبد الله وزوَّجني4.

وروى عبد الرزاق، وأبو نعيم، والبيهقي، والذهبي بسند صحيح عن مجاهد قال: ما رأيت ابن عمر زاحم على الحجر قط، ولقد رأيته مرة زاحم حتى رثم أنفه وابتدر منخراه دمًا5.

1 الحلية "1/ 303"، سير أعلام النبلاء "1/ 235".

2 سير أعلام النبلاء "3/ 235، 236".

3 المصدر السابق "3/ 236"، الحلية "1/ 307" بسند صحيح.

4 سير أعلام النبلاء "3/ 236، 237"، الحلية "1/ 309"، الطبقات "4/ 167، 168".

5 المصنف لعبد الرزاق رقم "8904"، الحلية "1/ 308"، السنن الكبرى للبيهقي "5/ 81"، سير أعلام النبلاء "3/ 236".

ص: 117

ورُوي عن ابن عمر أنه كان يتبع أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم وآثاره وحاله، حتى كان قد خيف على عقله من اهتمامه بذلك1.

وروى وكيع عن أبي مودود، عن نافع، عن ابن عمر: أنه كان في طريق مكة يقول برأس راحلته يثنيها ويقول: لعل خُفًّا يقع على خف، يعني: خف راحلة النبي صلى الله عليه وسلم2.

ورُوي عن نافع أن ابن عمر كان يتبع آثار رسول الله صلى الله عليه وسلم كان مكان صلى فيه، حتى إن النبي صلى الله عليه وسلم نزل تحت شجرة، فكان ابن عمر يتعاهد تلك الشجرة، فيصب في أصلها الماء لكيلا تيبس3.

وقال نافع: عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لو تركنا هذا الباب للنساء"، قال نافع: فلم يدخل منه ابن عمر حتى مات4.

وروى عاصم بن محمد العمري، عن أبيه قال: ما سمعت ابن عمر ذكر النبي صلى الله عليه وسلم إلا بكى5.

وروى عكرمة بن عمار عن عبد الله بن عبيد بن عمير، عن أبيه: أنه تلا: {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ} [النساء: 41] فجعل ابن عمر رضي الله عنهما يبكى حتى لثِقَت لحيته وجيبه من دموعه، فأراد رجل أن يقول لأبي: أقْصِر، فقد آذيتَ الشيخ6.

وروى عثمان بن واقد عن نافع: كان ابن عمر إذا قرأ: {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آَمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ} [الحديد: 16] بكى حتى يغلبه البكاء 7.

1 سير أعلام النبلاء "3/ 213".

2 سير أعلام النبلاء "3/ 237"، حلية الأولياء "1/ 310".

3 أسد الغابة "3/ 341"، سير أعلام النبلاء "3/ 213".

4 طبقات ابن سعد "4/ 162" بإسناد صحيح، وسير أعلام النبلاء "3/ 213".

5 سير أعلام النبلاء "3/ 214".

6 طبقات ابن سعد "4/ 162"، سير أعلام النبلاء "3/ 214".

7 الحلية "1/ 305" بسند صحيح، وسير أعلام النبلاء "3/ 214".

ص: 118

وقال حبيب بن الشهيد: قيل لنافع: ما كان يصنع ابن عمر في منزله؟ قال: تطيقونه: الوضوء لكل صلاة، والمصحف فيما بينهما1.

وقال ابن المبارك: أخبرنا عمر بن محمد بن زيد، أخبرنا أبي أن ابن عمر كان له مهراس فيه ماء، فيصلي فيه ما قدر له، ثم يصير إلى الفراش، فيغفي إغفاءه الطائرة، ثم يقوم فيتوضأ ويصلي، يفعل ذلك في الليل أربع مرات أو خمسة2.

وقال نافع: كان ابن عمر لا يصوم في السفر، ولا يكاد يفطر في الحضر3.

وروى أبو الزبير المكي، عن عطاء مولى ابن سباع قال: أقرضت ابن عمر ألفي درهم، فوفَّانيها بزائد مائتي درهم4.

وروى معمر عن الزهري، عن حمزة بن عبد الله قال: لو أن طعامًا كثيرًا كان عند أبي ما شبع منه بعد أن يجد له آكلًا، فعاده ابن مطيع، فرآه قد نحل جمسه، فكلمه فقال: إنه ليأتي عليَّ ثمان سنين ما أشبع فيها شبعة واحدة، أو قال: إلا شبعة، فالآن تريد أن أشبع حين لم يبقَ من عمري إلا ظِمْءُ حمار! 5

1 طبقات ابن سعد "4/ 170" بسند صحيح، وسير أعلام النبلاء "3/ 215".

2 رواه الذهبي في سير أعلام النبلاء "3/ 215" بسند صحيح، والمهراس: صخرة منقورة تسع كثيرًا من الماء، وقد يعمل منها حياض للماء.

3 سير أعلام النبلاء "3/ 215".

4 المصدر السابق، وفي الهامش "3/ 215، 216": رجاله ثقات، وأخرجه بنحوه مالك "2/ 168"، ومن طريقه ابن سعد "4/ 169" عن حميد، عن قيس، عن مجاهد: أن ابن عمر.... وإنما تحمل له الزيادة فيما إذا لم يكن ذلك على شرط منهما أو عادة، أما إذا شرط في القرض أن يرد أكثر أو أفضل، فهو حرام لا خير فيه، وفعل ابن عمر هذا له سند من السنة، ففي الموطأ "2/ 680" في البيوع، ومسلم "1600" من طريق زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن أبي رافع: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استلف من رجل بكرًا، فقدمت عليه إبل من إبل الصدقة، فأمر أبا رافع أن يقضي الرجل بكره، فرجع إليه أبو رافع، فقال: لم أجد فيها إلا خيارًا رباعيًّا، فقال:"أعطه إياه، إن خيار الناس أحسنهم قضاء"، وأخرجه البخاري "4/ 394"، ومسلم "1601" من حديث أبي هريرة.

5 مصنف عبد الرزاق "20630"، ومن طريقه أبو نعيم في الحلية "1/ 298"، وإسناده صحيح، وقوله:"ظمء حمار" أي: شيء يسير، وخص الخمار بذلك لأنه أقل الدواب صبرًا على الماء.

ص: 119

وروى ابن سعد عن ميمون قال: ولقد دخلت على ابن عمر، فقوَّمت كل شيء في بيته من أساس ما يساوي مائة درهم1.

روى أبو حازم المديني، عن عبد الله بن دينار، قال: خرجت مع ابن عمر إلى مكة، فعرَّسنا، فانحدر علينا راعٍ من جبل، فقال له ابن عمر: أراعٍ؟ قال: نعم، قال: بعني شاة من الغنم، قال: إني مملوك، قال: قل لسيدك: أكلها الذئب، قال: فأين الله عز وجل؟ قال ابن عمر: فأين الله!! ثم بكى، ثم اشتراه فأعتقه.

وروى أسامة بن زيد عن نافع، عن ابن عمر نحوه. وفي رواية ابن أبي روَّاد، عن نافع: فأعتقه، واشترى له الغنم2.

وروى الذهبي قال: أخبرنا إسحاق الأسدي، أخبرنا ابن خليل، أخبرنا اللبان، أخبرنا أبو علي الحداد، أخبرنا أبو نعيم الحافظ، حدثنا أحمد بن جعفر، أخبرنا عبد الله بن أحمد، حدثنا أبو كامل، حدثنا أبو عوانة، عن هلال بن خباب عن قزعة، قال: رأيت على ابن عمر ثيابًا خشنة أو جَشَبة، فقلت له: إني قد أتيتك بثوب لين مما يصنع بخراسان، وتقر عيناي أن أراه عليك، قال: أرِنيهِ، فلمسه وقال: أحرير هذا؟ قلت: لا، إنه من قطن، قال: إني أخاف أن ألبسه، أخاف أن أكون مختالًا فخورًا، والله لا يحب كل مختال فخور3.

1 الطبقات "4/ 16، 165"، سير أعلام النبلاء "3/ 213".

2 عزاه الهيثمي للطبراني وقال: ورجاله رجال الصحيح غير عبد الله بن الحارث الحاطبي، وهو ثقة. مجمع الزوائد "9/ 347". ونحوه في أسد الغابة "3/ 341"، وهو في سير أعلام النبلاء "3/ 216".

3 سير أعلام النبلاء "3/ 233"، وهو في الحلية "1/ 203"، ورجاله ثقات، غير أن هلال بن خباب تغير بآخره. والجشب من الثياب: الخشن الغليظ، قال الذهبي معلقًا: قلت: كل لباس أوجد في المرء خيلاء وفخرًا فتركه متعين ولو كان من غير ذهب ولا حرير، فإنا نرى الشاب يلبس الفرجية الصوف بفرو من أثمان أربعمائة درهم ونحوها، والكبر والخيلاء على مشيته ظاهر، فإن نصحته ولمته برفق كابر وقال: ما فيَّ خيلاء ولا فخر، وهذا السيد ابن عمر يخاف على نفسه. وكذلك ترى الفقيه المترف إذا ليم في تفصيل فرجية تحت كعبيه، وقيل له: قد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أسفل الكعبين من الإزار ففي النار"، يقول: إنما قال هذا فيمن جر إزاره خيلاء، وأنا لا أفعل خيلاء. فتراه يكابر ويبرئ نفسه الحمقاء، ويعمد إلى نص مستقل عام، فيخصه بحديث =

ص: 120

- سخاؤه:

روى ابن سعد بسند حسن عن أبي جعفر القارئ: خرجت مع ابن عمر من مكة، وكان له جفنة من ثريد يجتمع عليها بنوه وأصحابه، وكل من جاء حتى يأكل بعضهم قائمًا، ومعه بعير له، عليه مزادتان، فيهما نبيذ وماء، فكان لكل رجل قدح من سويق بذلك النبيذ1.

وروى عبد الله بن وهب عن عبيد الله، عن نافع قال: ما أعجبَ ابنَ عمر شيءٌ من ماله إلا قدَّمه، بينا هو يسير على ناقته؛ إذ أعجبته فقال: إخ إخ، فأناخها وقال: يا نافع، حط عنها الرحل، فجللها وقلدها وجعلها في بدنه2.

وروى عمر بن محمد بن زيد، عن أبيه: أن ابن عمر كاتب غلامًا له بأربعين ألفًا، فخرج إلى الكوفة، فكان يعمل على حُمُر له حتى أدى خمسة عشر ألفًا، فجاءه إنسان فقال: أمجنون أنت؟ أنت هاهنا تعذب نفسك، وابن عمر يشتري الرقيق يمينًا وشمالًا، ثم يعتقهم، ارجع إليه فقل: عجزت، فجاء إليه بصحيفة فقال: يا أبا عبد الرحمن، قد عجزت، وهذه صحيفتي، فامحها، فقال: لا،

= آخر مستقل بمعنى الخيلاء، ويترخص بقول الصديق: إنه يا رسول الله يسترخي إزاري، فقال:"لست يا أبا بكر ممن يفعله خيلاء"، فقلنا: أبو بكر رضي الله عنه لم يكن يشد إزاره مسدولًا على كعبيه أولا؛ بل كان يشده فوق الكعب، ثم فيما بعد يسترخي. وقد قال صلى الله عليه وسلم:"إزرة المؤمن إلى أنصاف ساقيه، لاجناح عليه فيما بين ذلك وبين الكعبين"، ومثل هذا في النهي لمن فصَّل سراويل مغطيًا لكعابه، ومنه طول الأكمام زائدًا، وتطويل العذبة، وكل هذا من خيلاء كامن في النفوس. وقد يعذر الواحد منهم بالجهل، والعالم لا عذر له في تركه الإنكار على الجهلة، فإن خلع على رئيس خلعة سيراء من ذهب وحرير وقندس، يحرمه ما ورد في النهي عن جلود السباع ولبسها، الشخص يسحبها ويختال فيها، ويخطر بيده ويغضب ممن لا يُهنِّيه بهذه المحرمات، ولا سيما إن كانت خلعة وزارة وظلم ونظر مكس، أو ولاية شرطة. فليتهيأ للمقت وللعزل والإهانة والضرب وفي الآخرة أشد عذابًا وتنكيلًا. فرضي الله عن ابن عمر وأبيه، وأين مثل ابن عمر في دينه، وورعه وعلمه وتألهه وخوفه، من رجل تُعرض عليه الخلافة فيأباها، والقضاء من مثل عثمان، فيرده، ونيابة الشام لعلي فيهرب منها. فالله يجتبي إليه من يشاء ويهدي إليه من ينيب. "سير أعلام النبلاء 3/ 233، 234"، "وقوله: الفرجية: ثوب واسع طويل الأكمام، يتخذ من قطن أو حرير أو صوف. والسيراء: بكسر السين وفتح الياء والمد، نوع من البرود تتخذ من حرير. والمكس: الضريبة التي يأخذها الماكس وهو العشار".

1 الطبقات "4/ 148"، سير أعلام النبلاء "3/ 239"، والنبيذ: ما يعمل من الأشربة من التمر والذبيب.

2 سير أعلام النبلاء "3/ 217".

ص: 121

ولكن امحها أنت إن شئت. فمحاها، ففاضت عينا عبد الله وقال: اذهب فأنت حر، قال: أصلحك الله، أحسن إلى ابنيَّ. قال: هما حران. قال: أصلحك الله، أحسن إلى أمي ولديَّ. قال: هما حرتان1.

وروى أبو نعيم من طريق الإمام أحمد بسند صحيح عن عاصم بن محمد العمري، عن أبيه قال: أعطى عبد الله بن جعفر ابن عمر بنافع عشرة آلاف، فدخل على صفية امرأته، فحدثها قالت: فما تنتظر؟ فهلا ما هو خير من ذلك، وهو حر لوجه الله. فكان يخيل إلى أنه كان ينوي قول الله:{لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} [آل عمران: 92]2.

وروى جعفر بن برقان، عن ميمون بن مهران، عن نافع: أُتِيَ ابن عمر ببضعة وعشرين ألفًا، فما قام حتى أعطاها3، ورواها عيسى بن كثير، عن ميمون وقال: باثنين وعشرين ألف دينار.

وقال أبو هلال: حدثنا أيوب بن وائل قال: أتَى ابن عمر بعشرة آلاف فرقها، وأصبح يطلب لراحلته عَلَفًا بدرهم نسيئة4.

وروى برد بن سنان، عن نافع قال: إن كان ابن عمر ليُفرِّق في المجلس ثلاثين ألفًا، ثم يأتي عليه شهر ما يأكل مزعة لحم5.

وروى عمر بن محمد العمري، عن نافع قال: ما مات ابن عمر حتى أعتق ألف إنسان أو زاد6.

1 سير أعلام النبلاء "3/ 217".

2 الحلية "1/ 296"، سير أعلام النبلاء "3/ 217، 218".

3، 4 الحلية "1/ 296".

5 مجمع الزوائد "9/ 347"، وعزاه للطبراني وقال: رجاله رجال الصحيح غير برد بن سنان وهو ثقة. والحلية "1/ 295، 296"، سير أعلام النبلاء "3/ 218". والمزعة: القطعة الصغيرة من اللحم.

6 الحلية "1/ 296"، سير أعلام النبلاء "3/ 218".

ص: 122

وروى عبد الرزاق عن معمر، عن الزهري، عن سالم قال: ما لعن ابن عمر خادمًا له قط إلا واحدًا، فأعتقه1.

وروى أيوب، عن نافع قال: بعث معاوية إلى ابن عمر بمائة ألف، فما حال عليه الحول وعنده منها شيء2.

وروى الأعمش وغيره، عن نافع قال: مرض ابن عمر، فاشتهى عنبًا أول ما جاء، فأرسلت امرأته بدرهم، فاشترت به عنقودًا، فاتبع الرسولَ سائلٌ، فلما دخل قال: السائل، السائل. فقال ابن عمر: اعطوه إياه. ثم بعثت بدرهم آخر، قال: فاتبعه السائل، فلما دخل قال: السائل، السائل. فقال ابن عمر: أعطوه إياه، فأعطوه، وأرسلت صفية إلى السائل تقول: والله لئن عدت لا تصيب مني خيرًا، ثم أرسلت بدرهم آخر فاشترت به3.

- تواضعه وحب الناس له:

روى أبو جعفر الرازي، عن حصين، قال ابن عمر: إني لأخرج وما لي حجة إلا أن أسلم على الناس، ويسلمون عليَّ4.

وروى معمر، عن أبي عمرو النَّدَبي قال: خرجت مع ابن عمر، فما لقي صغيرًا ولا كبيرًا إلا سلم عليه.

- شجاعته في الحق:

روى الذهبي بسند صحيح عن ابن عمر: أنه قام إلى الحجاج وهو يخطب فقال: يا عدو الله، استحل حرم الله، وخرب بيت الله. فقال: يا شيخًا قد

1 المصنف عبد الرزاق "19534" وإسناده صحيح.

2 الحلية "1/ 296" وإسناده صحيح.

3 سير أعلام النبلاء "3/ 220" وإسناده صحيح، وأخرجه ابن سعد في الطبقات "4/ 158" من طريق عارم: محمد بن الفضل عن حماد بن زيد عن أيوب عن نافع به، وإسناده صحيح.

4 الهيثمي للطبراني وقال: رجاله رجال الصحيح غير نعيم بن حماد، وهو ثقة. مجمع الزوائد "9/ 347"،

سير أعلام النبلاء "3/ 221"، ورواه ابن سعد في الطبقات "4/ 155، 156، 170" بعدة طرق.

ص: 123

خَرِف. فلما صدر الناس، أمر الحجاج بعض مسودته، فأخذ حربة مسمومة وضرب بها رجل ابن عمر، فمرض ومات منها. ودخل عليه الحجاج عائدًا فسلم، فلم يرد عليه، وكلمه فلم يجبه1.

وروى الذهبي وابن سعد بسند صحيح، عن ابن سيرين: أن الحجاج خطب فقال: إن ابن الزبير بدَّل كلام الله. فعلم ابن عمر فقال: كذب، لم يكن ابن الزبير يستطيع أن يبدل كلام الله ولا أنت، قال: إنك شيخ قد خرفت الغد. قال: أما إنك لو عدتَ عدتُ.

وقال الأسود بن شيبان: حدثنا خالد بن سُمَيْر قال: خطب الحجاج فقال: إن ابن الزبير حرف كلام الله. فقال ابن عمر: كذبت كذبت، ما يستطيع ذلك ولا أنت معه. قال: اسكت، فقد خرفت وذهب عقلك، يوشك شيخ أن يُضرب عنقه، فيخر قد انتفخت خصيتاه، يطوف به صبيان البقيع2.

وأخرج البخاري في العيدين: باب ما يكره من حمل السلاح في العيد والحرم، من طريق أحمد بن يعقوب، حدثني إسحاق بن سعيد بن عمرو بن سعيد بن العاص، عن أبيه قال:"دخل الحجاج على ابن عمر وأنا عنده فقال: كيف هو؟ فقال: صالح، قال: مَن أصابك؟ قال: أصابني من أمر بحمل السلاح في يوم لا يحل فيه حمله". يعني الحجاج. ورواه البخاري أيضًا من طريق محمد بن سوقه، عن سعيد بن جبير3.

- منهجه في رواية الحديث:

عُرف عن ابن عمر التحري والتثبت في الرواية والضبط والإتقان، وكان أحيانًا

1 سير أعلام النبلاء "3/ 221".

2 الطبقات الكبرى "4/ 184"، سير أعلام النبلاء "3/ 230".

3 صحيح البخاري "2/ 379" حديث رقم "966" ورقم "967"

ص: 124

يُقل من الرواية جدًّا، حتى قال الشعبي: جالست ابن عمر سنة، فما سمعته يحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا حديثًا واحدًا1.

وقال مجاهد: صحبت ابن عمر إلى المدينة، فما سمعت يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا حديثًا2.

وقال أبو جعفر الباقر: كان ابن عمر إذا سمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثًا لا يزيد لا ينقص، ولم يكن أحد في ذلك مثله3.

- وفاته:

تُوفي ابن عمر سنة ثلاث وسبعين، وقال مالك: بلغ ابن عمر سبعًا وثمانين سنة.

قال أبو بكر بن البرقي: تُوفي بمكة، ودفن بذي طُوى، وقيل: بفخِّ مقبرة المهاجرين سنة أربع.

قال الذهبي: قلت: هو القائل: كنت يوم أُحُد ابن أربع عشرة سنة4، فعلى هذا يكون عمره خمسًا وثمانين سنة، رضي الله عنه وأرضاه5.

وروى ابن سعد من طريق سليمان بن حرب، عن شعبة، عن ابن أبي رَوَّاد، عن نافع: أن ابن عمر أوصى رجلًا يُغسِّله فجعل يدلكه بالمسك6.

وعن سالم بن عبد الله: مات أبي بمكة، ودفن بفخ سنة أربع وسبعين وهو ابن أربع وثمانين، وأوصاني أن أدفنه خارج الحرم، فلم نقدر، فدفناه بفخ في الحرم في مقبرة المهاجرين7.

1 سير أعلام النبلاء "3/ 214".

2 تاريخ أبي زرعة الدمشقي "1/ 557"، وسير أعلام النبلاء "3/ 214".

3 سير أعلام النبلاء "3/ 213".

4 سير أعلام النبلاء "3/ 232".

5 المصدر السابق "3/ 232، 233".

6 طبقات ابن سعد "4/ 187"، سير أعلام النبلاء "3/ 231".

7 طبقات ابن سعد "4/ 188"، والسير "3/ 231"، و"فخ" وادٍ بمكة يقال: هو وادي الزاهر.

ص: 125

وقال أبو نعيم: حدثنا عبد الله بن حبيب بن أبي ثابت، عن أبيه: قال ابن عمر حين احتضر: ما أجد في نفسي شيئًا إلا أني لم أقاتل الفئة الباغية مع علي بن أبي طالب1.

قال الذهبي: وله قول ثالث في الفئة الباغية، فقال روح بن عبادة: حدثنا العوام بن حوشب، عن عياش العامري، عن سعيد بن جبير، قال: لما احتضر ابن عمر قال: ما آسى على شيء من الدنيا إلا على ثلاث: ظمأ الهواجر، ومكابدة الليل، وأني لم أقاتل الفئة الباغية التي نزلت بنا؛ يعني: الحجاج2.

- مروياته:

قال الذهبي: ولابن عمر في "مسند بقي" ألفان وستمائة وثلاثون حديثًا بالمكرر، واتفقا له على مائة وثمانية وستين حديثًا. وانفرد له البخاري بأحد وثمانين حديثًا، ومسلم بأحد وثلاثين3.

1 سير أعلام النبلاء "3/ 232"، ورواه من طريق آخر عن ابن عمر نحوه في نفس الموضع.

2 سير أعلام النبلاء "3/ 232"، والطبقات الكبرى "4/ 185" وسنده صحيح.

3 سير أعلام النبلاء "3/ 238".

ص: 126