الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
خامسًا: أحمد بن شعيب النسائي "215-303ه
ـ" 1
هو: أحمد بن شعيب بن علي بن سنان بن بحر بن دينار، أبو عبد الرحمن النسائي القاضي الحافظ، أحد الأئمة المبرزين، والحفاظ المتقنين، والأعلام المشهورين، وكان ركنًا من أركان الحديث، حاذقًا، متضلعًا، متفننًا، ساد أهل عصره، وبذ علماءهم وتقدمهم، فكان عمدتهم وقدوتهم، طاف البلاد، وسمع بخراسان، والعراق، والحجاز، ومصر، والشام، والجزيرة، من جماعة يطول ذكرهم.
ومن تلاميذه الإمام الطبراني، وأبو جعفر الطحاوي، وأبو بكر أحمد بن إسحاق السني الحافظ، وخلق كثيرون.
قال الحاكم: سمعت أبا الحسن الدارقطني غير مرة يقول: أبو عبد الرحمن الإمام النسائي مقدم على كل من يذكر بعلم الحديث، وبجرح الرواة وتعديلهم في زمانه.
وقال أبو سعيد عبد الرحمن بن أحمد بن يونس صاحب تاريخ مصر أن النسائي كان إمامًا في الحديث، ثقة، ثبتًا، حافظًا، قدم مصر وأقام مدة طويلة فيها ظهرت كنوز خبياته، وانكشف القناع عن رموز خفياته، قدح العلماء زنده فأورى، فانقادوا إليه، وحَظِيَ لديهم بالمنزلة السامية.
نقل التاج السبكي عن شيخه الحافظ الذهبي ووالده الشيخ الإمام السبكي، أن الإمام أبا عبد الرحمن النسائي أحفظ من الإمام مسلم صاحب الصحيح، وأن سننه أقل من السنن حديثًا ضعيفًا بعد الصحيحين.
1 راجع ترجمته في: تهذيب الكمال "1/ 328- 340"، وشذرات الذهب "2/ 239- 241"، سير أعلام النبلاء "14/ 125"، وفيات الأعيان "1 / 77"، الكامل في التاريخ "8/ 96"، المنتظم "6/ 131"، تذكرة الحفاظ "2/ 698"، العبر "2/ 123"، الوافي بالوفيات "6/ 416"، البداية والنهاية "11/ 123"، العقد الثمين "3/ 45"، تهذيب التهذيب "1/ 36"، النجوم الزاهرة "3/ 188"، طبقات الحفاظ "ص303"، حسن المحاضرة "1/ 349"، الرسالة المستطرفة "11- 12"، اللباب في تهذيب الأنساب "3/ 306"، الأعلام "1/ 171".
وقال بعضهم: لم يوضع مثل مصنفه في الإسلام، وأنه أشرف المصنفات كلها.
وقال ابن منده، وابن السبكي، وأبو علي النيسابوري، وأبو أحمد بن عدي، والخطيب، والدارقطني: كل ما في سنن النسائي صحيح غير تساهل صريح.
وقال الحافظ أبو علي: للنسائي شرط في الرجال أشد من شرط مسلم، وكذلك كان الحاكم والخطيب يقولان: إنه صحيح، وإن له شرطًا في الرجال أشد من شرط مسلم؛ لذلك كان بعض علماء المغاربة يفضله على البخاري.
- المجتبَى من السنن الكبرى:
قال السيد جمال الدين: صنف الإمام النسائي في أول الأمر كتابًا يقال له "السنن الكبرى"، وهو كتاب جليل ضخم الحجم لم يكتب مثله في جمع طرق الحديث، وبيان مخرجه.
وعندما صنف النسائي كتاب "السنن الكبرى""أهداه إلى أمير الرملة، فقال له الأمير: أكل ما في هذا صحيح؟ قال: لا، قال: فجرد الصحيح منه، فصنع من السنن الكبرى كتابًا أسماه "المجتنَى" أو "المجتبَى" وكلاهما صحيح، والأخير أشهر. استخلصه من السنن الكبرى من كل حديث حسن لم يتكلم في أصله، ولا في إسناده ورواته بالتعليل أو التجريح، فإذا أطلق المحدثون وقالوا: رواه النسائي، فمرادهم هذا "المجتبَى".
وبناء على ما سبق يكون "المجتبَى" من صنيع النسائي نفسه؛ ولكن هناك من يقول: المجتبَى من انتقاء ابن السني.
وبتحرير هذه المسألة تبين أن هناك فريقين في هذه المسألة، فريق يقول: المجتبى من انتقاء ابن السني، وهو اختصار للسنن الكبرى، ويقف في هذا الجانب الإمام الذهبي "842هـ" وتبعه على ذلك الإمام ابن ناصر الدين الدمشقي "842هـ".
يقول الذهبي في ذلك: والذي وقع لنا من سننه هو الكتاب المجتبى من انتخاب أبي بكر بن السني سمعته ملفقًا من جماعة سمعوه من ابن باقا بروايته عن أبي زرعة المقدسي سماعًا لمعظمه، وإجازة لفوت له محدد في الأصل، قال: أنبأنا أبو محمد عبد الرحمن بن حمد الدوني، قال: أنبأنا القاضي أحمد بن الحسين، أنا ابن السني عنه1، وكرر نحو هذا الكلام في غير موضع من كتبه.
وأما ابن ناصر الدين، فقد تابعه على ذلك، ورأيت عبارته في شذرات الذهب لابن العماد في ترجمة ابن السني إذ قال: قال ابن ناصر الدين: اختصر سنن النسائي، وسماه المجتبَى.
وأما الجانب الأخر، فيرى أن المجتبَى من صنع النسائي نفسه اختصره من السنن الكبرى، وابن السني مجرد راوية له، ويقف في هذا الجانب فريق كبير جدًّا من الأعلام والمحدثين، وهو المعروف المشهور عند الناس، وهو الصحيح لدلائل عديدة منها:
1-
لم يقدم الذهبي دليلًا على قوله.
2 وجود مثبتات على ذلك منها:
ما نقله ابن خير الإشبيلي "575هـ" بسنده عن أبي محمد بن يربوع قال: قال لي أبو علي الغساني رحمه الله: كتاب "الإيمان" و"الصلح" ليسا من المصنف؛ إنما هما من المجتبَى له "بالباء" في السنن المسندة لأبي عبد الرحمن النسائي اختصره من كتابه الكبير المصنف، وذلك أن أحد الأمراء سأله عن كتابه في السنن: أكله صحيح؟ فقال: لا. قال: فاكتب لنا الصحيح مجردًا، فصنع المجتبى، فهو المجتبى من السنن، ترك كل حديث أورده في السنن مما تكلم في إسناده بالتعليل، روى هذا الكتاب عن أبي عبد الرحمن ابنه عبد الكريم بن أحمد، ووليد بن
1 تاريخ الإسلام "9/ 173".
القاسم الصوفي، ورواه عن أبي موسى عبد الكريم من أهل الأندلس: أيوب بن الحسين قاضي الثغر وغيره
…
1.
وأبو علي الغسائي حافظ ثبت قال فيه الذهبي: كان من جهابذة الحفاظ البصراء، بصيرًا بالعربية واللغة والشعر والأنساب، صنف في ذلك كله، ورحل الناس إليه وعولوا في النقل عليه، وتصدر بجامع قرطبة، وأخذ عنه الأعلام، ووصفوه بالجلالة والحفظ والنباهة والتواضع والصيانة، ولد في المحرم سنة "427هـ"، وتوفي في ليلة الجمعة لاثنتي عشرة ليلة خلت من شعبان سنة "498هـ"2.
وقال محقق سنن النسائي "المجتبَى"3 في مقدمة سنن النسائي بتحقيقه: كما أني وجدت مجلدين من المجتبى قديمين جدًّا كتبت عليهما سماعات بين سنة "630هـ" و "561هـ" فيها نص ظاهر أنها من تأليف النسائي، وقد جاء في صدر أحدهما: الجزء الحادي والعشرون من السنن المأثور عن رسول الله صلى الله عليه وسلم تأليف أبي عبد الرحمن أحمد بن شعيب بن بحر النسائي، رواية: أبي بكر أحمد بن إسحاق بن السني عنه.
رواية القاضي أبي نصر أحمد بن الحسن بن الكسار عنه.
رواية الشيخ أبي محمد عبد الرحمن بن محمد الدوني عنه.
رواية أبي الحسن سعد الخير بن محمد بن سهل الأنصاري عنه.
رواية الشيخ الإمام زين الدين أبي الحسن علي بن إبراهيم بن نجاد الحنبلي الواعظ.
وفيها نص ظاهر على أنها من تأليف النسائي، وابن السني مجرد راوية لها، وإن كان أحد المجلدين قد أكلت أكثره الأَرَضَة، فالآخر ما يزال أكثره صالحًا واضحًا بخط مشرقي جيد يحمل رقم "5637" بالخزانة الملكية بالرباط، وعلى ظهر هذه النسخة كتب بخط قديم قدمها: "قال الطنبي: أخبرني أبو إسحاق الحبال
1 انظر: الفهرست "ص116، 117".
2 انظر: تذكرة الحفاظ، للذهبي "4/ 1233".
3 من مقدمة محقق سنن النسائي، مكتب تحقيق التراث الإسلامي، طبعة دار المعرفة، بيروت.
سأل سائل أبا عبد الرحمن
…
بعض الأمراء عن كتابه السنن: أصحيح كله؟ فقال: لا، قال: فاكتب لنا الصحيح مجردًا، فصنع المجتبَى "بالباء" من السنن الكبرى، ترك كل حديث أورده في السنن مما تكلم في إسناده بالتعليل، وأبو إسحاق الحبال الذي ينقل عن الطبني هو الحافظ الإمام المتفنن، محدث مصر: إبراهيم بن سعيد بن عبد الله التجيبي، كان من المتشددين في السماع والإجازة، يكتب السماع على الأصول، ورعًا ثبتًا خيرًا، وكان يتعاطى التجارة في الكتب، وحصل عنده من الأصول والأجزاء ما لي عند غيره، وما لا يوصف كثرة، ولد إحدى وتسعين وثلاثمائة، وتوفي سنة اثنتين وثمانين وأربعمائة، وقد أطال الذهبي في تذكرة الحفاظ في ترجمته والثناء عليه، ومثله السيوطي في حسن المحاضرة.
وكذلك ابن الأثير الذي جرد الأصول الخمسة، وضم إليها الموطأ، جرد المجتبى، وليس السنن الكبرى، وساق إسناده بالمجتبى، وفيه النص الواضح على أن المجتبى من تأليف النسائي ذاته، يقول ابن الأثير: إنه قرأه سنة "586هـ" على أبي القاسم يعيش بن صدقة الفراتي إمام مدينة السلام الذي قرأه على أبي الحسن علي بن أحمد بن الحسن بن محمويه اليزيدي سنة "551هـ"، والذي قرأه على أبي محمد عبد الرحمن بن محمد بن الحسن الصوفي الدوني1 سنة "500هـ" في شهر صفر، والذي قرأه على أبي نصر أحمد بن الحسين الكسار بخانكاه "دون" سنة "433هـ"، والذي قرأه على ابن السني بالدينور سنة "363هـ" والذي قال: "حدثنا الإمام الحافظ أبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب النسائي -رحمه الله تعالى- بكتاب السنن جميعه
…
".
وهذا نص واضح قبل الذهبي بما يزيد على قرن ونصف من الزمن، ونص أبي علي الغسائي أسبق من هذا كذلك، ولو كان المجتبَى من صنع ابن السني لاقتضى الأمر من ابن الأثير أن ينص عليه، وأن
1 نسبة إلى دون، قرية من أعمال دينور، قال في معجم البلدان "2/ 490":"وهو من آخر من حدث في الدنيا بكتاب أبي عبد الرحمن النسوي بحلق، وإليه كان الرحلة" أي: أنه أعلى أهل عصره إسنادًا فيه، وقد توفي سنة "501هـ" ووصفه في المعجم بأنه رواية كتب ابن السني.
ينسبه إليه، وقد ذكر هو قصة أمير الرملة عندما سأل النسائي عن المصنف: أصحيح كله؟ قال: لا، قال: فجرد لنا منه الصحيح، فصنع المجتبى، كما أن ابن السني ذاته نص أنه سمع المجتبَى من مصنفه بمصر في أكثر من موضع منه، انظر: المطبوع 7/ 171" صدر كتاب الصيد والذبائح، وقد وجدت نسخًا مخطوطة ينص على سماعها من النسائي بمصر في صدر المجتبَى منها نسخة الخزانة العامة بالرباط تحت رقم "1877ك" و "2408ك"، وتجد كذلك الزيلعي، وهو من معاصري الذهبي ينص في غير موضوع من كتابه "نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية"، وفي "تخريج أحاديث الكشاف" أن "السنن الصغرى" و"الكبرى" للنسائي؛ بل أصرح من هذا ما قاله رفيقه في الطلب الحافظ الكبير عماد الدين ابن كثير الدمشقي المتوفَّى "774هـ" في ترجمة النسائي: وقد جمع السنن الكبير، وانتخب ما هو أقل حجمًا منه بمرات، وقد وقع لي سماعهما1.
وكذلك الحافظ الكبير أبو الفضل العراقي يرى صحة إهدائها لأمير الرملة في القصة المتقدمة، قال السيوطي: ورأيت بخط الحافظ أبي الفضل العراقي أن النسائي لما صنف الكبرى أهداها لأمير الرملة، فقال: كل ما فيها صحيح؟ فقال: لا، قال: ميز الصحيح من غيره، فصنف له الصغرى2.
إلا أن المجتبَى لم ينتشر إلا من طريق ابن السني، وعنه القاضي أبو الحسن بن الكسار وعنه الدوني، أما الكبرى، فقد انتشرت عن الأندلسيين؛ لأنهم رووا عن النسائي في أخريات أيامه.
- أنواع الأحاديث في المجتبَى، وشرط النسائي فيه:
قال النسائي عن الكتابين: كتاب السنن كله صحيح، وبعضه معلول؛ أي: معيب
…
والمنتخب المسمى بالمجتبى صحيح، وعلى هذا، فكل ما في السنن الصغرى أو المجتبى صحيح في رأي النسائي.
1 انظر: البداية والنهاية "11/ 123".
2 انظر: تدريب الرواي للسيوطي "ص49".
قال أستاذنا الدكتور/ رفعت فوزي في كتب السُّنة الجزء الثاني:
ولكن الذي درسوا هذا الكتاب رأوا أن فيه تلك الأنواع من الأحاديث:
1-
الصحيح المخرَّج في الصحيحين.
2-
الصحيح الذي هو على شرطهما، ولم يخرجاه.
3-
أحاديث معلولة بين علتها النسائي.
وقد أورد النسائي هذا القسم الأخير في كتابه، كما فعل أبو داود والترمذي؛ لأن قومًا رووه واحتجوا به، فأورده وبيَّن سقمه وعلله1 لنزول الشبهة، وذلك إذا لم يجد طريقًا غيره، فهو أقوى عنده من رأي الرجال.
ولهذا قال بعض النقاد: إن شرط أبي عبد الله النسائي في هذا الكتاب أن يخرج عن كل من لم يجمع على تركه من الرواة، وعقب بعضهم على ذلك بأنه مذهب متسع.
ولكن كيف نفهم هذه العبارة مع ما عرف عن النسائي من تشدده في الرجال حتى قيل: إن شرطه أشد من شرطي البخاري ومسلم؟
الواقع أن هؤلاء الأئمة ينظرون إلى الأحاديث ورجالها بهدفين، الهدف الثاني هو النظر إلى ما يمكن أن يعمل به في نظر بعض الفقهاء، أو بعض المحدثين، وهذا ما كانوا يتساهلون فيه ويدونونه في كتبهم وسننهم.
ولهذا فقد حكم النسائي على حديث عن سعيد بن المسيب قال: قال عمر لصهيب: ما لي أرى عليك خاتم الذهب؟ قال: قد رآه من هو خير منك، فلم يعبه، قال: من هو؟ قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم. حكم على هذا الحديث بأنه منكر، ومع هذا فقد أورده في السنن الكبرى، وفي السنن الصغرى1.
وأغفل الحكم عليه وترجم له باب "الرخصة في خاتم الذهب للرجال" ليشير إلى أن من رخص في ذلك استند إلى هذا الحديث2.
1 سنن النسائي "8/ 92، 93".
2 سنن النسائي "8/ 164، 165".
وقد كان أبو عبد الرحمن النسائي كذلك، فقد كان يتشدد في الحكم على الرجال، وعلى الأحاديث عندما يكون هدفه وغايته تمييز الصحيح من غيره، ولم يكن يفعل ذلك إلى حد ما عندما يدون كتابًا في السنن، كبيرًا أو صغيرًا؛ ليعرف الناس الأحاديث التي استقى منها الفقهاء الأحكام، أو يمكن أن يستقي الناس منها ذلك.
على أنه يجب ألا تفهم عبارة: "من لم يجمع على تركه"، و"أن مذهبه متسع" على إطلاقها، فإنه أراد بذلك إجماعًا خاصًّا، وذلك أن كل طبقة من نقاد الرجال لا تخلو من متشدد ومتوسط، فمن الأولى شعبة وسفيان الثوري، وشعبة أشد منه، ومن الثانية يحيى القطان وعبد الرحمن بن مهدي، ويحيى أشد من عبد الرحمن، ومن الثالثة يحيى بن معين وأحمد بن حنبل، ويحيى أشد من أحمد، ومن الرابعة أبو حاتم والبخاري، وأبو حاتم أشد من البخاري، قال النسائي: لا يترك الرجل عندي حتى يجتمع على تركه، فأما إذا وثقه ابن مهدي وضعفه يحيى مثلًا فإنه لا يترك؛ لما عرف من تشديد يحيى ومن هو مثله في النقد، قال الحافظ ابن حجر: وإذا تقرر ذلك ظهر أن الذي يتبادر إلى الذهن من أن مذهب النسائي في الرجال مذهب متسع ليس كذلك، فكم من رجل أخرج له أبو داود والترمذي تجنب النسائي إخراج حديثه، بل تجنب النسائي إخراج حديث جماعة من رجال الصحيحين. ويقول النسائي نفسه: لما عزمت على جمع السنن استخرت الله في الرواية عن شيوخ كان في القلب منهم بعض الشيء فوقعت الخيرة على تركهم، فتركت جملة من الحديث أعلم أنها عنهم1 2.
- منهج النسائي في المجتبَى:
اقتصر النسائي على أحاديث الأحكام إلا قليلًا، ورتبها ترتيبًا فقهيًّا، كما فعل أبو داود تقريبًا.
1 مقدمة زهر الربى على المجتبى، للسيوطي "1/ 10".
2 كتب السنة، القسم الثاني "مخطوط بالآلة الكاتبة".
والنسائي يرتب أبوابه الأول فالأول بحسب ترتيبها في الشرع، بحيث لو جمعت تراجم من الغسل من الجناية مثلا لكانت أشبه شيء حيئنذ بمتون الفقه حيث تجمع المسائل مجردة عن دليلها، وها هي ذي أبواب الغسل من الجنابة:"ذكر غسل الجنب يديه قبل أن يدخلها الإناء، باب عدد غسل اليدين قبل إدخالهما الإناء، باب إزالة الأذى عن جسده بعد غسل يديه، باب إعادة الجنب غسل يديه بعد إزالة الأذى عن جسده، باب تحليل الجنب رأسه، باب ذكر ما يكفي الجنب من إفاضته الماء على رأسه، باب ذكر العمل في الغسل من الحيض، باب ترك الوضوء من بعد الغسل، باب غَسْل الرجلين في غير المكان الذي يغتسل فيه، باب ترك المنديل بعد الغسل".
ويمتاز كتاب النسائي عن كتب السنن الأخرى بأنه ليس فيه تعقيبات فقهية، ولا يذكر آراء الصحابة والتابعين وأئمة المذاهب، ويكرر الحديث الواحد تحت عدة تراجم مثل ما رواه من قوله صلى الله عليه وسلم: "الفطرة خمس
…
" الحديث، فقد روى هذه الحديث بطرق مختلفة تنتهي كلها إلى الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة، وهذا يذكرنا بما كان يفعله الإمام البخاري.
والنسائي يبين غريب بعض الألفاظ حينًا1، ويشير إلى الأحاديث الضعيفة والمنكرة أحيانًا، ويحرص على التفريق بين طرق التحمل، وخاصة بين السماع، والقراءة، واختلاف ألفاظ الرواة2.
- مقارنة بين "السنن الكبرى" و"المجتبَى" للنسائي3:
السنن في عرف المحدثين هي: الكتاب الذي يُصنَّف مرتبًا على الأبواب الفقهية: الإيمان، والطهارة، والصلاة، والزكاة، والحج
…
إلخ. وهذا متحقق في الكبرى والصغرى "المجتبَى" للنسائي.
1 سنن النسائي "7/ 253".
2 راجع المصدر السابق "8/ 73 وما بعدها".
3 من كلمة محقق النسائي، تحقيق مكتب التراث الإسلامي، دار المعرفة، بيروت "بتصرف".
وقد سُميت السنن الكبرى "بديوان النسائي"، كما جاء هذا الاسم صريحًا في ختام النسخة الموجودة في الخزانة الملكية بالرباط تحت رقم "5952" وهي في مجلدين كبيرين، جاء في ختامها ما نصه:"كمل السطر الثالث وبتمامه كمل ديوان النسائي رحمه الله تعالى".
والديوان هو: مجتمع الصحف المكتوبة1.
وهذه التسمية صحيحة ودقيقة، فهذا المصنف مجتمع هذه الصحف التي كتبها الإمام النسائي، فهي "ديوان".
أما الصغرى، فقد سميت المجتبَى -بالباء- وبعضهم قال: المجتنَى -بالنون- والمجتبى معناه: المجموع على جهة الاصطفاء كما قال الله تعالى: {فَاجْتَبَاهُ رَبُّهُ} [القلم: 50] ، وإجتباء الله تخصيصه إياه بنعم من غير كسب2، وهذه التسمية للسنن الصغرى صحيحة؛ لأنه اصطفاه من كتابه الكبير، وخص به أمير الرملة دون تعب منه ولا جهد.
- وتمتاز السنن الكبرى عن الصغرى "المجتبَى" بعدة أمور:
1-
يوجد في الكبرى زيادة كتب ليست موجودة في المجتبى منها: كتاب السير، المناقب، النعوت، الطب، الفرائض، الوليمة، التعبير، فضائل القرآن، العلم
…
إلخ، ولا تنقص الكبرى عن المجتبى من الكتب سوى الإيمان وشرائعه، والصلح.
2-
يدخل في الكبرى كتب ألفت مستقلة، ثم ضمها إليها مصنفها، ووضعها في المكان الذي يناسبها مثل كتاب فضائل القرآن، فقد نص الزركشي المتوفَّى "794هـ" في كتابه البرهان في علوم القرآن أنه ألفه مستقلًّا3.
1 انظر: القاموس المحيط "4/ 224"، وانظر: المصباح المنير "1/ 219"، وتهذيب الأسماء واللغات "2/ 1 / 106".
2 انظر: المفردات للراغب الأصبهاني "ص85".
3 انظر: البرهان "1/ 432"، والسيوطي في الإتقان "1/ 151" وقد طبع بتحقيق د. فاروق حمادة، فانظر مقدمته "ص25" وما بعدها.
أما كتابه "خصائص علي" فهو مشهور جدًّا أنه ألفه مستقلًّا ثم ضمه إلى الكبرى مع فضائل الصحابة الذي ألفه بعد ذلك.
ومثله كتاب "التفسير"، فقد نص الذهبي على أنه مستقل، وقد رُوِيَ مع الكبرى1.
أما "اليوم والليلة" فقد رويت عن طريق أبي محمد الباجي عن ابن الأحمر، وابن سيار مع الكبرى، ومن طريق بقية الرواة مستقلًّا.
3-
تزيد الكبرى عن المجتبى بعدد الأبواب، ومن ثم بعدد الأحاديث، وعلى سبيل المثال كتاب الصوم نجد فيه أبوابًا كثيرة ليست في المجتبى منها: صيام يوم الأربعاء، تحريم صيام يوم الفطر ويوم النحر، صيام يوم عرفة والفضل في ذلك، إفطار يوم عرفة بعرفة، التأكيد في صوم عاشوراء، صيام ستة أيام من شوال، صيام الحي عن الميت، صيام المحرم، صيام شعبان، اغتسال الصائم، السواك للصائم، القبلة في شهر رمضان، ما يجب على من يجامع امرأته
…
إلخ.
وهكذا تزيد الكبرى عن الصغرى بأربعة وستين بابًا، ويبدو أن هذا الكتاب أكثر الكتب زيادات على المجتبى.
4-
يستتبع ذلك زيادة في تعليل الأحاديث وذلك حين يوردها مبينًا ما فيها من العلل والوقف والإرسال وغير ذلك غير قليل في الكبرى، وقد تفنن في هذا تفننًا عجيبًا، ومع هذا فقد نجد في المجتبى كلمة موضحة، أو لفظة زائدة في الإسناد، أو في المتن، ولا نجدها في الكبرى، وإن كان هذا قليلًا مع وجود أحاديث في المجتبى ليست في الكبرى.
5-
من الملاحظ في "المجتبى" أنه يستعمل في مطلع إسناده لفظ "أخبرنا"
1 تفسير القرآن الكريم: ذكره ابن خير الإشبيلي "ص58"، ضمن كتب التفسير التي رواها، ورواه عن طريق حمزة بن محمد الكناني، من مقدمة "عمل اليوم والليلة""ص35".
وأحيانًا "أخبرني"، وهذا مما امتاز به عن بقية الستة، أما في الكبرى فيتوسع حتى إنه يستعمل أحيانًا البلاغات منها قوله: بلغني عن ابن وهب، عن مخرمة بن بُكير، عن أبيه قال: سمعت سليمان بن يسار أنه سمع الحكم بن الزرقي يقول: حدثتني أمي أنهم كانوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنى، فسمعوا راكبًا يصرخ يقول: ألا يصومن أحد، فإنها أيام أكل وشرب، قال أبو عبد الرحمن: ما علمت أحدًا بايع تابع مخرمة على هذا الحديث، الحكم الزرقي، والصواب: مسعود بن الحكم.
6-
في المجتبى زيادة تراجم وأبواب واستنباطات لا توجد في الكبرى كما في ترجمته لكتاب الطهارة في الكبرى: النهي عن استقبال القبلة واستدبارها عند الحاجة، والأمر باستقبال المشرق والمغرب، وساق تحته حديثين عن أبي أيوب الأنصاري، وجعل هذه الترجمة في المجتبى ثلاث تراجم: النهي عن استقبال القبلة عند الحاجة، النهي عن استدبار القبلة عند الحاجة، الأمر باستقبال المشرق والمغرب عند الحاجة، وأضاف في المجتبى حديثا ليس في الكبرى، ولهذا نظائر كثيرة مبثوثة في ثنايا المجتبى لا سيما الكتب الأولى من: الطهارة، والصلاة، الحج، والصوم
…
7-
أما رجاله ومنهجه في الانتقاء فهو واحد تقريبًا في الكتابين، وإن كان في الكبرى بعض رجال ليسوا في المجتبى، فهذا تبع لسعة الكتاب وزياداته، ولا يخرجون عن الإطار العام الذي ينتقي به النسائي رجاله.
- عناية الأمة بالسنن "المجتبَى":
الملاحظ أن كتاب "السنن الكبرى" لم ينل العناية الكبيرة التي نالها الصحيحان وسنن أبي داود والترمذي، وأكثر ما كانت العناية بالمجتبى ضمن إطار الكتب الستة، وفيما يلي أهم الأعمال التي تناولت المجتبَى مع بقية الكتب الستة.
أ- من ناحية المتن:
1-
التجريد للصحاح والسنن، لرزين العبدري السرقطي، المتوفى بمكة سنة
"535هـ" جمع في كتابه متون الأصول الستة، وفيه زيادات لم توجد فيها.
2-
جامع الأصول في أحاديث الرسول لأبي السعادات ابن الأثير الجزري "ت 606هـ".
3-
مختصرات جامع الأصول وأهمها: تيسير الوصول إلى جامع الأصول من أحاديث الرسول لابن الديبع الشيباني "عبد الرحمن بن علي" المتوفَّى "944هـ".
4-
أنوار الصباح في الجمع بين الكتب الستة الصحاح، لأبي عبد الله محمد بن عتيق به علي التجيبي الغرناطي المتوفَّى في حدود "646هـ"1.
5-
الجمع بين الكتب الستة، للحافظ الزاهد عبد الحق الإشبيلي صاحب الأحكام المتوفَّى "582هـ"2.
6-
"جامع المسانيد والسنن الهادي لأقوم سنن" يجمع بين الأصول الستة، ومسانيد: أحمد، والبزار، وأبي يعلى، والمعجم للطبراني، لإسماعيل بن عمر المعروف بابن كثير الدمشقي المتوفَّى "774هـ"، رتبه على حروف المعجم، ويذكر كل صحابي له رواية، ثم يورد في ترجمته جميع ما وقع له في هذه الكتب، وهو كتاب مشهور.
7-
"جمع الفوائد من جامع الأصول ومجمع الزوائد" يجمع كتاب "جامع الأصول المتقدم" لابن الأثير مع كتاب "مجمع الزوائد" للهيثمي، جمع الشيخ محمد بن سليمان الروداني "نسبة إلى تارودانت مدينة في جنوب المغرب الأقصى" المتوفى "1094هـ".
8-
كتاب "التاج الجامع للأصول من أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم" للشيخ منصور
1 انظر: تذكرة الحفاظ للذهبي "4/ 1436"، والرسالة المستطرفة للكتاني "ص175"، والذيل والتكملة "6/ 430".
2 انظر: الرسالة المستطرفة، للكتاني "ص180".
علي ناصف، من العلماء المعاصرين، فإنه ضم النسائي وبقية الستة، وأضاف أحيانًا أحاديث من غيرها، وقد اعتمد على الكتب المطبوعة، وبالتالي عول على المجتبى، ونص على ذلك1.
ب- من ناحية الإسناد والرجال:
ينقسم هذا الجانب إلى قسمين: قسم الأطراف، وقسم الرجال، وإن كان قسم الأطراف ينضوي تحت المتون إلا أنه بالإسناد ألصق.
أما كتب الأطراف، فهي التي يُقتصر فيها على ذكر طرف الحديث الدال على بقيته مع الجمع لأسانيده2، وأهم الكتب فيه:
1-
الأطراف لأبي الفضل بن طاهر "محمد بن طاهر بن علي""448-507هـ" قال أبو القاسم بن عساكر: جمع أطراف الكتب الستة، فرأيته يخطئ فيها خطأ فاحشًا3، وابن طاهر هو أول من ضم ابن ماجه إلى الخمسة وعده سادسًا.
2-
كتاب الإشراف على الأطراف، للحافظ الكبير الإمام أبي القاسم بن عساكر "499-571هـ" صاحب تاريخ دمشق، فقد جمع بين أطراف الكتب الأربعة: أبي داود، وجامع الترمذي، والنسائي، وابن ماجه4.
واعتمد في أطراف النسائي على رواية ابن حيوية، وهي من الكبرى كما نص ابن حجر في تهذيب التهذيب5.
3-
ثم جاء بعده الإمام الحافظ أبو الحجاج المزي "جمال الدين يوسف"
1 انظر: كتابه "1/ 13".
2 انظر: الرسالة المستطرفة للكتاني "ص167"، ومقدمة تحفة الأحوذي للمباركفوري "ص37".
3 انظر ترجمته في: لسان الميزان لابن حجر "5/ 207"، وميزان الاعتدال للذهبي "3/ 75"، وابن خلكان "1/ 489".
4 انظر: سنن أبي داود باختصار المنذري، وتهذيب ابن القيم، ومعالم السنن للخطابي "8/ 132".
5 تهذيب التهذيب "1/ 189".
"645-742هـ"، فألف كتابًا سماه "تحفة الأشراف بمعرفة الأطراف" قال في مقدمته:"إني عزمت على أن أجمع في هذا الكتاب أطراف الكتب الستة التي هي عمدة أهل الإسلام، وعليها مداد غاية الأحكام: صحيح محمد بن إسماعيل البخاري، وصحيح مسلم بن الحجاج النيسابوري، وسنن أبي داود السجستاني، وجامع أبي عيسى الترمذي، وسنن أبي عبد الرحمن النسائي، وسنن أبي عبد الله بن ماجه، وما يجري مجراها في مقدمة كتاب مسلم، وكتاب المراسيل لأبي داود، وكتاب العلل للترمذي، وهو الذي في آخر الجامع له، وكتاب الشمائل له، وكتاب عمل اليوم والليلة للنسائي معتمدًا في ذلك على كتاب أبي مسعود الدمشقي، وكتاب خلف الواسطي في أحاديث الصحيحين، وعلى كتاب أبي القاسم بن عساكر في كتب السنن، وما تقدم ذكره معه، ورتبته على ترتيب أبي القاسم، فإنه أحسن الكتب ترتيبًا، وكثيرًا ما استدركت على الحافظ أبي القاسم رحمه اله تعالى".
4-
الكشاف في معرفة الأطراف1، للحافظ شمس الدين أبي المحاسن محمد بن علي بن الحسن بن حمزة الدمشقي المتوفى سنة "765هـ".
5-
أطراف الكتب الخمسة "البخاري، ومسلم، وأبي داود، والترمذي، والنسائي" لأبي العباس أحمد بن ثابت بن محمد الطرقي نسبة إلى طرق، قرية من أعمال أصبهان، ذكرت ياقوت في معجمه2، ولم يذكر وفاته، وقال الذهبي في الميزان: صدوق كان بعد الخمسمائة، وذكره الحافظ ابن حجر في لسان الميزان، كما اقتبس منه في مواضع في فتح الباري.
6-
ثم العارف بالله العلامة الشيخ عبد الغني النابلسي المتوفى بدمشق "1143هـ" في كتابه "ذخائر المواريث في الدلالة على مواضع الحديث"، وهو مطبوع متداول، وقد بنى كتابه على المجتبى، ويقول في ذلك: "وجعلت
1 المصدر السابق "8/ 133".
2 انظر: الرسالة المستطرفة للكتاني "ص169"، والميزان "1/ 143"، ومعجم البلدان "4/ 30".
مكان سنن النسائي الكبرى، حيث قل وجودها في هذه الأعصار سننه الصغرى المسماة المجتبى من سنن النبي المختار"1.
وقد وضع الحافظ ابن حجر على أطراف المزي حاشية لطيفة سماها: "النكت الظراف على الأطراف".
جمع فيه بعض أوهام المزي2، وقد سبقه إلى ذلك شيخه الحافظ أبو الفضل العراقي "والنكت الظراف مطبوع بهامش تحفة الأشراف".
- وأما قسم الرجال، فقد صنف فيه بغية الجرح والتعديل، ومن هذه المصنفات:
1-
الكمال في معرفة الرجال، لعبد الغني بن عبد الواحد بن سرور الجماعيلي المقدسي، الحافظ الزاهد "541-600هـ"3، وقد اشتمل كتابه على رجال الصحيحين، وأبي داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه.
2-
المعجم المشتمل على أسماء الشيوخ النبل، لأبي القاسم ابن عساكر "499-571هـ".
3-
التقييد لمعرفة رواة السنن والمسانيد، للحافظ محمد بن عبد الغني بن أبي بكر معنى الدين "ابن نقطة" الحنبلي المتوفى "629هـ" جمع في كتابه كل من علمه روى شيئًا في الكتب الستة، والموطا، وصحيح ابن حبان، وكتب السير، والتاريخ، وغيرها4.
وقد ذيل عليه تقي الدين محمد بن أحمد الحسيني الفاسي المكي المالكي المتوفَّى "832هـ".
1 انظر "1/ 14".
2 وقد اختصر كتاب تحفة الأشراف غير واحد من العلماء: اختصرها الحافظ شمس الدين الذهبي "ت 748هـ". والحافظ شمس الدين محمد بن علي بن حمزة الدمشقي.
3 انظر: الذيل على طبقات الحنابلة، لابن رجب الحنبلي "2/ 1905".
4 انظر: السُّنة قبل التدوين، لمحمد عجاج الخطيب "ص270"، ويقول: إنه يوجد بدار الكتب المصرية تحت رقم "20886".
4-
كتاب "رجال العشرة" لأبي إسحاق الصريفيني تقي الدين إبراهيم بن محمد المتوفى "641هـ" أحد الحفاظ الثقات وأوعية العلم الفضلاء، ذكره له السخاوي في الإعلان بالتوبيخ "ص617"، والحافظ في تعجيل المنفعة "ص19"، وغيرهما.
5-
الكمال في أسماء الرجال، لابن النجار "محمد بن محمود البغدادي" صاحب تاريخ بغداد المتوفى "643هـ"، وقد جمع فيه رجال الكتب الستة.
6-
تهذيب الكمال في أسماء الرجال، للحافظ أبي الحجاج المزي، هذَّب فيه كتاب المقدسي المتقدم، ورتب تهذيبه على حروف المعجم، ثم ذكر أسماء النساء، واستدرك عليه -ما فاته- الحافظ علاء الدين مغلطاي "690 -762هـ" وسماه إكمال التهذيب.
وقد اختصر التهذيب، وأضاف عليه محمد بن علي الحسيني.
7-
ثم جاء محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي "628-748 هـ" فاختصر تهذيب الكمال وسماه "تذهيب تهذيب الكمال"، ثم اختصره في كتاب آخر سماه:"الكاشف عن رجال الكتب الستة"، واقتصر فيه على مَن له رواية ووضع لهم رموزًا.
8-
رجال السنن الأربعة، للهكاري أحمد بن الحسن بن موسى "ت 763هـ" أحد الحفاظ.
9-
التذكرة برجال العشرة، لمحمد بن علي بن حمزة الحسيني الدمشقي "ت 765هـ" جمع فيه تهذيب الكمال للمزي، وزاد عليه الموطأ، ومسند الشافعي، ومسند أحمد، ومسند أبي حنيفة.
1-
وجاء بعد هؤلاء النفر العلامة الحافظ ابن حجر العسقلاني: أحمد بن علي أمير المؤمنين في الحديث، المولود "773هـ"، والمتوفى "852هـ" فوضع
كتابه "تهذيب التهذيب"، لخص فيه تهذيب الكمال للمزي، وزاد عليه فوائد كثيرة من الذين استدركوا، أو اختصروا الكتاب قبله، خصوصًا مغلطاي، ومن غيرها.
ثم اعتمد عليه الحافظ ابن حجر في تصنيف كتابه "تقريب التهذيب" الذي يعتبر ثورة في علم الجرح والتعديل، فجعل الرواة على طبقات، ولخص ما قيل في كل راوٍ من جرح وتعديل في كلمة أو كلمتين، أو كلمات معدودات. قال الحافظ ابن حجر نفسه في مقدمة هذا الكتاب: "إنني أحكم على كل شخص منهم بحكم يشمل أصح ما قيل فيه، وأعدل ما وُصف به بألخص عبارة، وأخلص إشارة
…
وباعتبار ما ذكرتُ انحصر لي الكلام على أحوالهم في اثنتي عشرة مرتبة". فهو كما قال السخاوي في "الجواهر والدرر" "ق 156 / ب": "عجيب الوضع".
11-
وللإمام الحافظ محدِّث الأندلس أبو محمد عبد الله بن سليمان الأنصاري الحارثي "ت 612هـ" كتاب ذكر فيه شيوخ البخاري ومسلم وأبي داود والنسائي والترمذي، نزع فيه منزع أبي نصر الكلاباذي؛ لكنه لم يكمله، وكان كثير الأسفار فضاعت الأصول1.
12-
رجال الكتب الستة "البخاري، ومسلم، وأبي داود، والنسوي، والترمذي، وابن ماجه" لمحمد بن أحمد بن عيسى بن حجاج اللخمي الإشبيلي "ت 654هـ" قال عنه ابن عبد الملك المراكشي: معرفًا أحوالهم وتواريخهم، وما ينبغي أن يذكروا به، فجاء من أعظم ما ألف في بابه جدوى وأغزره فوائد، على اختصاره النبيل يكون في خمسة أسفار متوسطة، وأثنى على المؤلف ثناء طيبًا2.
13-
"شيوخ أبي داود، والترمذي، والنسوي، وغيرهم" للإمام محمد بن إسماعيل بن خلفون الأونبي المتوفى "636هـ"، قال المراكشي: أربعة مجلدات3.
1 انظر: تذكرة الحفاظ الذهبي "4/ 1398".
2 انظر: الذيل والتكملة "6/ 18، 19".
3 انظر: الذيل والتكملة "6/ 130".
14-
كتاب "خلاصة تذهيب تهذيب الكمال" للحافظ صفي الدين أحمد بن عبد الله الخزرجي الأنصاري، وقد ألفه سنة ثلاث وعشرين وتسعمائة، واستمده من كتب الذهبي بشكل رئيسي، ومن تقريب الحافظ ابن حجر، وإكمال ابن ماكولا وغيرها، وطبع وصور مرات عديدة، وهو نافع في بابه على وجازته، يركز على شيوخ المترجم وتلامذته.
- الدراسات المقصورة على "سنن النسائي" وحدها1:
أ- من ناحية المتن:
1-
شرح "سنن النسائي" أبو العباس أحمد بن أبي الوليد بن رشيد المولود "436هـ" والمتوفى "563هـ"، ووصف شرحه بأنه حفيل للغاية2.
2-
وشرح معاصر له هو: أبو الحسن علي بن عبد الله بن النعمة، ولد بعد التسعين وأربعمائة، وتوفي سنة "567هـ"، ودفن "بقرطبة" وسماه "الإمعان في شرح مصنف النسائي عبد الرحمن" قال ابن الأبار: كان عالمًا حافظًا للفقه والتفسير ومعاني الآثار، مقدَّمًا في علم اللسان، فصيحًا مفوهًا، ورعًا فاضلًا، دمث الأخلاق، وقال محمد بن عبد الملك المراكشي: بلغ فيه الغاية من الاحتفال وحشد الأقوال، وما أرى أن أحدًا تقدمه في شرح كتاب حديثي إلى مثله، توسعًا في فنون العلم، وإكثارًا من فوائده، وقد وقفت على أسفار منه مدمجة بخطه3، وقد ذكره له كثيرون، ومنهم ابن الأبار في معجم أصحاب الصدفي "ص298"، والسخاوي في فتح المغيب "3/ 51".
ولا نعلم عن المصنَّفَيْنِ السابقين شيئًا، ولا ندري هل كتاب الإمعان شرح السنن الصغرى أو الكبرى.
3-
شرح الشيخ سراج الدين عمر بن علي الملقن الشافعي المتوفَّى "804 هـ"،
1 من كلمة محقق سنن النسائي "المجتبى" طبعة دار المعرفة، بيروت "بتصرف".
2 انظر السنن الأبين لابن رشيد السبني، المقدمة "ص14".
3 انظر: الذيل والتكملة لكتابي الموصول والصلة "5/ 1/ 229".
لكنه تناول بالشرح فقط زوائده على الصحيحين، وأبي داود، والترمذي، وغالب الظن أنه زوائد المجتبى.
4-
"زهر الرُّبَى على المجتبَى" لجلال الدين السيوطي المتوفى" 911هـ" تعليقة لطيفة حد فيها بعض ألفاظه، ولم يتعرض بشيء للأسانيد، وقد طبعت مع المجتبى مرارًا، ولهذه التعليقة مختصر باسم "عرف زهر الربى" لعلي بن سليمان الدمناتي الباجمعاوي المغربي المتوفى "1306هـ""مطبوع بالقاهرة 1299هـ".
5-
حاشية لأبي الحسن محمد بن عبد الهادي السندي، المتوفى بالمدينة المنورة "1136هـ"، مطبوعة مع "زهر الربى" والسنن، وهي أبسط من تعليق السيوطي في بعض المواضع.
6-
وهناك مختصر التقط فيه رباعيات النسائي "الرباعيات من كتاب السنن المأثورة" في تشستر بيتي "3849/ 1" من 4-24 من القرن السادس الهجري1.
7-
تأليف لأبي عبد الرحمن محمد بنجابي، ومحمد عبد اللطيف، طبع في دلهي عام "1898م" مع شرح مجمع من السيوطي والسندي وغيرهما2.
8-
روض الربَى عن ترجمة المجتبى، تأليف مولاي وحيد الزمان، طبع في لاهور عام "1886م" مع ترجمة هدوستانية3.
9-
وفي ذيل طبقات الحفاظ لجلال الدين السيوطي "ص365" أن الحافظ شمس الدين أبا المحاسن محمد بن علي بن الحسن بن حمزة الدمشقي "715-765هـ" شرع في شرح سنن النسائي.
ب- من ناحية الإسناد والرجال:
1-
فأول من اعتنى برجال النسائي هو أبو محمد عبد الله بن محمد بن أسد الجهني "أندلسي"، وقد تلقى السنن عن تلامذة النسائي الأندلسيين، وله "تسمية
1-3 انظر: تاريخ التراث العربي، لفؤاد سزكين "ص425/ 1".
شيوخ أبي عبد الرحمن النسائي"، ذكر ذلك ابن خير الإشبيلي في فهرسته "ص221"، والراجح أن يكون هذا الكتاب مبنيًّا على الكبرى؛ لأنه رواها عن تلامذة المصنف.
2-
وتبعه على ذلك أبو علي الحسين بن محمد الجياني، المولود "427-498هـ" الحافظ الإمام الثبت، محدث الأندلس، فصنع كتاب شيوخ النسائي، ولا نعلم كيف بنى كتابه هذا.
3-
رجال النسائي، لأبي محمد الدورقي، قال الكتاني في الرسالة المستطرفة: رجال الترمذي ورجال النسائي لجماعة من المغاربة منهم الحافظ أبو محمد الدورقي، فإن له في رجال كل منهما كتابًا منفردًا1.
4-
"شيوخ النسائي" في سفر، لأبي بكر محمد بن إسماعيل بن محمد بن خلفون الأونبي الأزدي، المتوفى "636هـ"، كان أحد حفاظ الرجال المتقنين المصنفين، وذكر له كتابه هذا أبو الحسن الرعيني الإشبيلي المتوفى "636هـ" في برنامج شيوخ2.
1 انظر: مقدمة السنن الأبين لابن رشيد السبتي.
2 انظر "ص218".