المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الفصل الثاني: كتابة السنة في العهد النبوي - منهاج المحدثين في القرن الأول الهجري وحتى عصرنا الحاضر

[على عبد الباسط مزيد]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌التمهيد

- ‌الفصل الأول: منكرو السنة والرد عليهم

- ‌المبحث الأول: مزاعم منكري السنة قديما، والرد عليها

- ‌المبحث الثاني: منكرو السُّنَّة حديثًا، وتفنيد مزاعمهم

- ‌الفصل الثاني: مكانة السُّنَّة في التشريع الإسلامي

- ‌الباب الأول: مناهج المحدثين في القرن الأول الهجري

- ‌الفصل الأول: مظاهر اهتمام الصحابة بالسنة

- ‌الفصل الثاني: كتابة السُّنَّة في العهد النبوي

- ‌الفصل الثالث: أشهر الصحف والكتابات في العهد النبوي

- ‌الفصل الرابع: الكتاب الذي كتبه رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمرو بن حزم

- ‌الفصل الخامس: بواعث كتابة الحديث في القرن الأول الهجري

- ‌الفصل السادس: مظاهر احتياط الصحابة في قبول الحديث الشريف

- ‌الفصل السابع: منهج الصحابة في رواية الحديث الشريف

- ‌الفصل الثامن: الصحابة المكثرون لرواية الحديث الشريف

- ‌أبو هريرة راوية الإسلام

- ‌ عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما

- ‌ أنس بن مالك رضي الله عنه

- ‌ عائشة رضي الله عنها

- ‌ عبد الله بن عباس رضي الله عنهما

- ‌ جابر بن عبد الله

- ‌ أبو سعيد الخدري

- ‌الفصل التاسع: أسباب تفاوت الصحابة في رواية الحديث الشريف

- ‌الفصل العاشر: دور أمهات المؤمنين في خدمة الحديث الشريف

- ‌مدخل

- ‌دور أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها في رواية الحديث:

- ‌دور أم المؤمنين أم سلمة رضي الله عنها في رواية الحديث:

- ‌دور أم المؤمنين ميمونة رضي الله عنها في رواية الحديث:

- ‌دور أم المؤمنين حبيبة رضي الله عنها

- ‌دور أم المؤمنين حفصة بنت عمر رضي الله عنها:

- ‌دور أم المؤمنين زينب بنت جحش رضي الله عنها:

- ‌دور أم المؤمنين صفية رضي الله عنها:

- ‌دور أم المؤمنين جويرية بنت الحارث رضي الله عنها:

- ‌دور أم المؤمنين سودة بنت زمعة رضي الله عنها:

- ‌الفصل الحادى عشر: أسباب تفاوت أمهات المؤمنين رضي الله عنها في الرواية

- ‌الباب الثاني: مناهج المحدثين في القرن الثاني الهجري

- ‌الفصل الأول: المستجدات في هذا العصر

- ‌الفصل الثاني: التدوين الشامل للسنة في هذا العصر ومنهج العلماء في التصنيف

- ‌الفصل الثالث: جهود التابعين في توثيق السُّنَّة وحفظها وتدوينها في النصف الأول من القرن الثاني الهجري

- ‌الفصل الرابع: أشهر الصحف والكتابات في القرن الثاني الهجري

- ‌الفصل الخامس: ضوابط الرواية عند التابعين

- ‌الفصل السادس: التصنيف في القرن الثاني وبداية الثالث الهجريين

- ‌الفصل السابع: الأئمة الأربعة، وأثرهم في الحديث وعلومه

- ‌مدخل

- ‌الإمام مالك بن أنس بن مالك بن أبي عامر بن عمرو الأصبحي

- ‌الإمام الشافعي "150-204ه

- ‌الإمام أحمد بن محمد بن حنبل بن هلال بن أسد الشيباني، أبو عبد الله المروزي ثم البغدادي "164-241ه

- ‌الباب الثالث: منهاج المحدثين في القرن الثالث الهجري وحتى عصرنا الحاضر

- ‌الفصل الأول: مناهج المحدثين في القرن الثالث الهجري

- ‌المبحث الأول: أهم المشكلات التى واجهت المحدثين في القرن الثالث الهجري

- ‌المبحث الثاني: تدوين الحديث وعلومه في القرن الثالث الهجري

- ‌المبحث الثالث: مناهج العلماء في تدوين الحديث في القرن الثالث الهجري

- ‌المبحث الرابع: أئمة القرن الثالث الهجري ومناهجهم

- ‌أولًا: الإمام البخاري "194-256ه

- ‌مقارنة بين الصحيحين:

- ‌ثالثًا: أبو داود السجستاني "202-275ه

- ‌خامسًا: أحمد بن شعيب النسائي "215-303ه

- ‌سادسًا: ابن ماجه "209-273ه

- ‌سابعًا: الإمام أحمد بن محمد بن حنبل "164-241ه

- ‌الفصل الثاني: مناهج المحدثين في القرن الرابع الهجري

- ‌ابن خزيمة

- ‌الطحاوي:

- ‌الدارقطني:

- ‌الطبراني:

- ‌ابن حبان:

- ‌ابن السكن:

- ‌الحاكم النيسابوري "321-405ه

- ‌الفصل الثالث: منهج التصنيف في القرن الخامس إلى السقوط الخلافة العباسية [من عام "400هـ" حتى عام "656ه

- ‌الجمع بين الصحيحين

- ‌ الجمع بين الكتب الستة

- ‌ الجمع بين أحاديث من كتب مختلفة:

- ‌ كتب منتقاة في أحاديث الأحكام والمواعظ، ومنها:

- ‌ كتب الأطراف:

- ‌الفصل الرابع: منهج التصنيف من سقوط الخلافة العباسية إلى عصرنا الحاضر

- ‌المبحث الأول: السنة من عام 656هـ حتى عام 911 ه

- ‌مدخل

- ‌أولًا: منهج العلماء في خدمة السُّنَّة في هذه الفترة:

- ‌ثانيًا: طريقة العلماء في خدمة الحديث الشريف في هذه الفترة

- ‌المبحث الثاني: دور العلماء في خدمة السُّنَّة بعد عام "911هـ" حتى آخر القرن الرابع عشر الهجري

- ‌المبحث الثالث: دور أشهر الممالك التي كان لها أثر ملموس في خدمة السُّنَّة في هذا العصر

- ‌ دور مصر في العناية بالسُّنَّة وعلومها:

- ‌ دور علماء الهند في العناية بالسُّنَّة:

- ‌ دور المملكة العربية السعودية في خدمة السُّنَّة:

- ‌المبحث الرابع: جهود علماء المسلمين في خدمة السُّنَّة في العصر الحاضر

- ‌قائمة بأسماء المصادر والمراجع:

- ‌الفهرس:

الفصل: ‌الفصل الثاني: كتابة السنة في العهد النبوي

‌الفصل الثاني: كتابة السُّنَّة في العهد النبوي

يزعم بعض أهل العلم غير المتخصصين في الحديث الشريف وعلومه أن الرسول صلى الله عليه وسلم نهى عن كتابة السُّنَّة وتدوينها، وغاب عن هؤلاء وأمثالهم أن كل الأحاديث المرفوعة إلى النبي صلى الله عليه وسلم في النهي عن الكتابة ضعيفة الإسناد1، باستثناء الحديث الذي رواه الإمام مسلم في صحيحه من طريق همام، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن أبي سعيد الخدري، عن النبي صلى الله عليه وسلم:"لا تكتبوا عني غير القرآن، ومن كتب عني غير القرآن فليمحه"2.

وحتى هذا الحديث أعلَّه الخطيب البغدادي، فزعم أن المحفوظ عن أبي سعيد الخدري من قوله موقوفًا عليه وليس مرفوعًا3.

وعلى اعتبار صحته مرفوعًا -وهو ما أرجحه- فإن هناك أحاديث في أعلى درجات الصحة جاء فيها تصريح النبي صلى الله عليه وسلم بالإذن بالكتابة؛ منها:

1 رُوي ذلك -أي النهي- من حديث أبي سعيد الخدري، وأبي هريرة، وفي إسنادهما "عبد الرحمن بن زيد بن أسلم" ضعيف عند جمهور العلماء؛ ومنهم: النسائي، وأبو زرعة الرازي، وأحمد بن حنبل، وأبو حاتم، وعلي بن المديني وغيرهم. راجع: الجرح والتعديل "2/ 233"، الميزان "2/ 564".

كما رُوي من حديث زيد بن ثابت في سنن أبي داود "رقم 3647"، وفيه علتان؛ الأولى: في إسناده كثير بن زيد، ضعفه النسائي. وقال ابن معين: ليس بالقوي، وفي رواية: ليس به بأس، وفي ثالثة: ثقة. وقال أبو زرعة الرازي: صدوق فيه لين. وقال ابن المديني: صالح وليس بقوي. وقال ابن عدي: لم أرَ بحديثه بأسًا. راجع: ميزان الاعتدال "3/ 404"، الضعفاء والمتروكين للنسائي "ص229" ترجمة رقم "505" طبع دار المعرفة - بيروت.

الثانية: أن الراوي عن زيد بن ثابت هو "المطلب بن عبد الله بن حَنْطَب القرشي المخزومي" وهو لم يسمع من زيد بن ثابت، فالإسناد منقطع. راجع: تحفة التحصيل في ذكر رواة المراسيل "ص502، 503" بتحقيقنا.

ولذلك قال عبد الرحمن بن يحيى المعلمي اليماني: "أما الأحاديث، فإنما هي: مختلف في صحته، وآخر متفق علي ضعفه". الأنوار الكاشفة لما في كتاب "أضواء على السُّنَّة" من الزلل والتضليل والمجازفة "ص35" طبع المكتبة السلفية بالقاهرة سنة "1378هـ".

2 صحيح مسلم "4/ 2298""53" كتاب الزهد والرقائق "16" باب التثبت في الحديث وحكم كتابة العلم "72/ 3004".

3 راجع: تقييد العلم "ص31، 32".

ص: 39

ما رواه البخاري ومسلم وغيرهما أن النبي صلى الله عليه وسلم لما فتح خطب

فجاء رجل من أهل اليمن فقال: اكتب لي يا رسول الله، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"اكتبوا لأبي شاه" أي: الخطبة التي سمعها.

ومن الأحاديث الصحيحة ما رواه أبو داود، والدارمي في سننيهما، وأحمد في مسنده من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص قال: كنت أكتب كل شيء أسمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم أريد حفظه فنهتني قريش وقالوا: تكتب كل شيء سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم ورسول الله صلى الله عليه وسلم بَشَر يتكلم في الغضب والرضا؟! فأمسكتُ عن الكتاب، فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فأومأ بإصبعه إلى فيه وقال:"اكتب فوالذي نفسي بيده ما خرج منه إلا حق"1.

1 سنن أبي داود "4/ 60" رقم "3646"، وراجع أيضًا مسند الإمام أحمد "2/ 162، 192، 207، 215"، سنن الدارمي "1/ 125"، تقييد العلم "ص79-81"، جامع بيان العلم "1/ 71"، وقد دون فيها كل شيء سمعه الرسول صلى الله عليه وسلم "تقييد العلم "85"، ورُوي أنه حفظ ألف حديث "أسد الغابة 3/ 233"، وقد ورث هذه الصحيفة حفيده شعيب بن محمد وأخذها بعده الحفيد الأكبر لعبد الله بن عمرو بن العاص وهو عمرو "ت118 أو 120هـ" تهذيب العلم "85".

وقد اعتنى المحدثون بالإسناد إلى عمرو بن شعيب إلى أبيه إلى جده وقد ذكروا هذه الصحيفة "تهذيب التهذيب 8/ 54" ومعظمها في مسند الإمام أحمد بن حنبل "مسند عبد الله بن عمرو بن العاص".

ويُروى أن مجاهد "ت102هـ" رأى هذه الصحيفة "طبقات ابن سعد 2/ 2/ 125"، "4/ 2/ 8، 9" أسد الغابة "2/ 234"، وذات مرة زار مجاهد عبد الله بن عمرو بن العاص وحاول أن يأخذ الصحيفة فمنعه، حرصًا من ابن عمرو عليها. أسد الغابة "3/ 234"، تقييد العلم "84".

ويُروى أن عبد الله بن عمرو اعتاد أن يحفظ الأحاديث المكتوبة في صندوق، وأنه سئل يومًا عن حديث فأخرج الكتاب من الصندوق وروى منه الحديث ردًّا على السؤال "مسند الإمام أحمد 10/ 172-174" تحقيق أحمد شاكر؛ بل يروى أنه كان لديه كتاب وصحيفة يحتويان على أحاديث للنبي، وأنه سلمهما لأبي راشد الحبراني لما طلب منه أن يروي له ما سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم "تقييد العلم 85".

ومما يؤكد تدوينه الأحاديث مبكرًا قول أبي هريرة: "ليس أحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر حديثًا عن النبي صلى الله عليه وسلم مني؛ إلا ما كان من عبد الله بن عمرو، فإنه كان يكتب ولا أكتب "سنن الدارمي 1/ 136" باب من رخص في كتابة العلم - حديث "483"، وانظر تقييد العلم "82"، جامع بيان العلم "1/ 70".

وقد سبق أن بينا أن أبا هريرة كان لا يكتب في البداية لأسباب ثم كتب بعد ذلك.

وكان عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما يملي الأحاديث على تلاميذه "فتح المغيث للسخاوي 216" تقييد العلم "85، 182"، حتى أمن شوفا بن ماتع دوَّن كتابين من إملائه "خطط المقريزي 2/ 332"، وانظر ترجمة ابن ماتع في مشاهير علماء الأمصار "ص121" رقم "940"، وكان يملي من صحيفته أو من يعض سجلاته المكتوبة عنده فقد كان عنده عدد ضخم من الكتب "تذكرة الحفاظ 1/ 36" - مسند أحمد "2/ 176"، ويُروى أنه جمع فتاوى الخليفة عمر بن الخطاب "سنن الدارقطني 453".

ص: 40

ومن جهة أخرى، فإن الحديث الذي رواه الإمام مسلم ذكر النووي عن القاضي عياض في شرحه له ثلاث إجابات كلها مقبولة ومحتملة:

الأولى: أن نهي النبي صلى الله عليه وسلم كان موجهًا لمن يثق بحفظه خشية اتكاله على الكتابة، وأما من لم يثق بحفظه فقد أذن له بالكتابة.

الثانية: أن حديث النهي منسوخ بحديث الإذن بالكتابة؛ فقد كان النهي حين خِيف اختلاطه بالقرآن، فلما أمن ذلك أذن في الكتابة.

الثالثة: أن النهي كان منصبًّا على الكتابة في صحيفة واحدة "أي: كتابة السُّنَّة مع القرآن في صحيفة واحدة" خشية الاختلاط، وحتى لا يشتبه على القاريء.

قال القاضي: كان بين السلف من الصحابة والتابعين اختلاف كبير في كتابة العلم، فكرهها كثير منهم وأجازها أكثرهم، ثم أجمع المسلمون على جوازها وزال ذلك الخلاف، واختلفوا في المراد بهذا الحديث الوارد في النهي، فقيل: هو في حق مَن يوثق بحفظه ويُخاف اتكاله على الكتابة إذا كتب، ويحمل الأحاديث الواردة بالإباحة على مَن لا يوثق بحفظه كحديث:"اكتبوا لأبي شاه"، وحديث صحيفة علي رضي الله عنه وحديث كتاب عمرو بن حزم الذي فيه الفرائض والسنن والديات، وحديث كتاب الصدقة ونصب الزكاة الذي بعث به أبو بكر رضي الله عنه أنسًا رضي الله عنه حين وجهه إلى البحرين، وحديث أبي هريرة رضي الله عنه أن ابن عمرو بن العاص كان يكتب ولا أكتب، وغير ذلك من الأحاديث، وقيل: إن حديث النهي منسوخ بهذه الأحاديث، وكان النهي حين خيف اختلاطه بالقرآن، فلما أمن ذلك أذن في الكتابة، قيل: إنما نهى عن كتابة الحديث مع القرآن في صحيفة واحدة؛ لئلا يختلط فيشتبه على القارئ في صحيفة واحدة، والله أعلم1.

1 شرح صحيح مسلم للنووي "18/ 334-339"، وانظر نحوه في مقدمة ابن الصلاح "ص88" في النوع الخامس والعشرين، وفي معالم السنن للخطابي، هامش سنن أبي داود "4/ 16" في تعليقه على حديث زيد بن ثابت رقم "3647".

ص: 41

ورأى ابن الصلاح أن النهي كان في أول الأمر لخشية اختلاط الحديث بالقرآن، فلما أمن ذلك أذن فيه1، وبيَّن أن أحاديث الإذن بالكتابة كانت بعد النهي، وذكر غير واحد من الأئمة والحفاظ أنه لو لم يأذن الرسول بالكتابة لكان ذلك سبيلًا إلى الجهل بالشريعة واندراس كثير من السنن. وروى ابن الصلاح بسنده عن الأوزاعي أنه كان يقول: كان هذا العلم كريمًا يتلقاه الرجال بينهم، فلما دخل في الكتب دخل فيه غير أهله. ثم إنه زال ذلك الخلاف، وأجمع المسلمون على تسويغ ذلك وإباحته، ولولا تدوينه في الكتب لدرس في الأعصر الآخرة، والله أعلم2.

وروى ابن عبد البر بسند صحيح عن إسحاق بن منصور قال: قلت لأحمد بن حنبل: من كره كتاب العلم؟ قال: كرهه قوم، ورخص فيه آخرون. قلت له: لو لم يكتب العلم لذهب. قال: نعم، ولولا كتابة العلم أي شيء كنا نحن؟ قال إسحاق بن منصور: وسألت إسحاق بن راهويه فقال كما قال أحمد سواء3.

فقد ثبت أن الصحابة كانوا يدونون السنة، وكانوا يحثون أبناءهم على الكتابة والتدوين:

فقد كتب أبو بكر رضي الله عنه لأنس بن مالك رضي الله عنهم كتابًا فيه فرائض الصدقة التي سنَّها رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد توارث هذا الكتاب ثمامة بن عبد الله بن أنس بعد أن حدَّثه به أبوه4.

وقد هَمَّ أبو بكر بجمع السنن، فكتب ما يقرب من خمسمائة حديث، ثم رأى أن يحرقها خوفًا من أن تنقل عنه ويكون فيها شيء غير صحيح، وليس لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الكتابة5.

1، 2 انظر: المقدمة "ص88" في النوع الخامس والعشرين.

3 جامع بيان العلم "1/ 329". دار ابن الجوزي للنشر والتوزيع.

4 راجع: صحيح البخاري "2/ 146، 147"، سنن أبي داود "2/ 129، 130" كتاب الزكاة - حديث رقم "1567"، وسنن النسائي: كتاب الزكاة - حديث رقم "2449"، وسنن ابن ماجه "1/ 155" كتاب الزكاة - حديث رقم "1800"، تقييد العلم "87"، وفيه نصوص من هذا الكتاب.

5 راجع: تذكرة الحفاظ "1/ ص5".

ص: 42

وروى مسلم عن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه كتب حديثًا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم غير كتاب أبي بكر1.

وروى الخطيب بسنده عن عبد الله بن المثنى قال: حدثني عمَّاي: النضر وموسى ابنا أنس، عن أبيهما أنس بن مالك رضي الله عنه أنه أمرهما بكتابة الحديث والآثار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وتعلمها2.

وكان ثمامة بن عبد الله بن أنس لديه كتاب نقله إلى حماد بن سلمة3.

وروى أبو خيثمة رضي الله عنه بسند صحيح عن علي -كرم الله وجهه- قوله: من يشتري صحيفة بدرهم يكتب فيها العلم؟ 4

وزاد ابن سعد: فاشترى الحارث الأعور صحفًا بدرهم، ثم جاء بها عليًّا فكتب له علمًا كثيرًا5.

ويروى أن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه "ت32هـ" كان له كتاب، على الرغم مما رُوي عنه من أنه من المعارضين لكتابة الحديث، حتى يقال: إنه أتلف كتابًا أُحضر له للدراسة والتأمل6، فقد أقسم ابنه أن لديه كتابًا بخط والده7.

وجمع الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهما بنيه وبني أخيه فقال: يا بَني، إنكم اليوم صغار قوم أوشك أن تكونوا كبار قوم فعليكم بالعلم، فمن لم يحفظ منكم فليكتبه وليضعه في بيته8.

وقد كان قضاء علي بن أبي طالب رضي الله عنه مكتوبًا، بدليل أن ابن أبي مليكة قال: كتبت إلى ابن عباس أسأله أن يكتب له كتابًا ويخفي عني، فقال ولد ناصح: أنا

1 صحيح مسلم بشرح النووي "1/ 205-207" وفيه نص ما كتبه.

2 تقييد العلم "ص96".

3 الكفاية "473".

4 كتاب العلم لأبي خيثمة "ص144" بتحقيق الألباني - المطبعة العمومية - دمشق.

5 الطبقات الكبرى "6/ 116".

6 راجع: جامع بيان العلم "1/ 62-65"، تقييد العلم "25، 38، 39، 53-56".

7 راجع: جامع بيان العلم "1/ 72".

8 تقييد العلم "ص91، 92".

ص: 43

اختار له الأمور اختيارًا وأخفي عنه، فدعا بقضاء علي فجعل يكتب منه أشياء، ويمر به الشيء فيقول:"والله ما قضى بهذا علي، إلا أن يكون ضل"1.

قال الحافظ التيجاني: "هذا يدل على أن قضاء علي كان مكتوبًا، والقضاء يستند إلى السُّنَّة"2.

وكتب المغيرة بن شعبة إلى معاوية بن أبي سفيان بعض الحديث3.

وروى أبو خيثمة رضي الله عنه بسند صحيح عن ورَّاد كاتب المغيرة قال: أملى عليَّ المغيرة، وكتبته بيدي4.

وأجاز أبو أمامة الباهلي كتابة العلم، فقد سأله تلميذه الحسن بن جابر عن كتابة العلم فقال: لا بأس بذلك5، وكتب عبد الله بن أبي أوفَى رضي الله عنهما حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وأرسله إلى بعض أصحابه6.

وأبو هريرة رضي الله عنه أكثر الصحابة حفظًا للحديث الشريف على الإطلاق، وذلك ببركة دعاء النبي صلى الله عليه وسلم له بالحفظ كما في صحيح البخاري، وإذا كان ممن لا يكتب الحديث الشريف، فإن تلاميذه كتبوا له حديثه، وأخذ هذه الكتب فحفظها عنده حتى لا يُغيَّر في حديثه أو يبدَّل فيه، وحتى تكون مقياسًا عنده لما نسب إليه من الأحاديث الكثيرة التي بثها في التابعين الذين بلغوا ثمانمائة نفس7.

وإذا كان أبو سعيد الخدري رضي الله عنه كره الكتابة؛ فإنما هذا اجتهاد منه؛ لئلا يجعل الحديث كالقرآن في كتاب، وليس لنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك، ومن جهة أخرى فإن ابنه خالفه، وكان يكتب حديثه8.

1 مقدمة صحيح مسلم بشرح النووي "1/ 197".

2 سنة الرسول صلى الله عليه وسلم "ص54".

3 صحيح البخاري "ص2/ 153" طبعة الشعب.

4 كتاب العلم "ص117".

5 سنن الدارمي "1/ 127"، تقييد العلم "ص98"، وإسناد أبي داود حسن.

6 صحيح البخاري "4/ 62" طبعة الشعب، وذكر البخاري أجزاء من الحديث الذي كتبه.

7 راجع: فتح الباري "1/ 184"، والعلل ومعرفة الرجال للإمام أحمد "1/ 43"، وجامع بيان العلم "1/ 89".

8 تقييد العلم "ص36-38".

ص: 44