الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل السابع: الأئمة الأربعة، وأثرهم في الحديث وعلومه
مدخل
…
الفصل السابع: الأئمة الأربعة وأثرهم في الحديث وعلومه
لقد امتن الله تعالى على هذه الأئمة بأئمة قيضهم لحفظ دينه، ومكنهم من معرفة كتابه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وجندهم لخدمة الإسلام والمسلمين، فألهمهم حفظ القرآن الكريم ومعرفة علومه، وأعانهم على حفظ الحديث الشريف ومعرفة طرقه وعلومه، فبلغوا في ذلك درجة تدعو إلى الدهشة والإعجاب، فكانوا مصابيح الهدى لغيرهم في الاجتهاد والفتوى والتبصير بأمور الدين والدنيا معًا، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، والله ذو الفضل العظيم.
وقد شهد لهم المتخصصون من معاصريهم ولاحقيهم بالإمامة في الفقه والحديث، وأقروا لهم بالفضل والتقوى والورع، وهي شهادات تدل بوضوح على دور هؤلاء الأئمة في خدمة الحديث الشريف وعلومه، فلا يغرنك إرجاف المرجفين وزعم الزاعمين.
النعمان بن ثابت التتيمي أبو حنيفة الكوفي "80- 150هـ"1 إمام الأئمة، سراج الأمة، ذو مناقب جمة، اعترف بجلالته أجلة العلماء الأعلام، أثنوا عليه بسَعَة العلم ودقة الفهم. قال التهانوي: "وإمامنا الأعظم قد ثبتت رؤيته لبعض الصحابة، واختلف في روايته عنهم. قال الإمام علي القاري: والمعتمد ثبوتها، وقد صرح برؤيته لأنس وكونه تابعيًّا على المختار جمع عظيم من المحدثين وأهل
1 رجع ترجمته في تهذيب الكمال "29/ 417- 445"، طبقات ابن سعد "6/ 368"، "7/ 322"، تاريخ الدوري "2/ 607"، طبقات خليفة "ص167- 327"، التاريخ الصغير "2/ 100، 43، 230"، المحلى لابن حزم "2/ 141"، "8/ 272"، سير أعلام النبلاء "6/ 390- 403"، تاريخ الإسلام "6/ 135"، الكاشف "3/ رقم 5943"، تذكرة الحفاظ "1/ 168"، تهذيب التهذيب "10/ 449 - 452"، التقريب "2/ 303"، شذرات الذهب "1/ 227 - 229"، الجواهر المضيئة "1/ 168"، النجوم الزاهرة "2/ 12"، مرآة الجنان "1/ 309"، البداية والنهاية "10/ 107"، وفيات الأعيان "5/ 415- 423"، الكامل في التاريخ "5/ 459، 585"، تاريخ بغداد "13/ 323، 324" الجرح والتعديل "8/ 449 - 450" رقم "2062"، التاريخ الكبير "8/ 81" رقم "2253".
العلم بالأخبار"، وذكر منهم: ابن سعد، والذهبي، وابن حجر، والعراقي، والسيوطي، والمزي، والخطيب البغدادي، وابن الجوزي، وابن عبد البر، والسمعاني، والنووي، وعبد الغني المقدسي، والجزري، والقسطلاني، والعيني، وغيرهم من الأئمة والحفاظ1، فهو تابعي مندرج في قوله تعالى:{وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْه} [التوبة: 100] .
وقال عبد الرزاق بن همام: ما رأيت أحدًا قط أحلم من أبي حنيفة، لقد رأيته في المسجد الحرام والناس يتحلقون حوله إذ سأله رجل عن مسألة، فأفتاه بها، فقال له رجل: قال فيها الحسن كذا وكذا، وقال فيها عبد الله بن مسعود كذا، فقال أبو حنيفة: أخطأ أبو الحسن وأصاب عبد الله بن مسعود، فصاحوا به. قال عبد الرزاق فنظرت في المسألة، فإذا قول ابن مسعود فيها كما قال أبو حنيفة، وتابعه أصحاب عبد الله بن مسعود2.
وسأل رجل سفيان الثوري عن مسألة في الحج فقال له الرجل: إن أبا حنيفة قال فيها كذا، فقال سفيان: هو كما قال أبو حنيفة، ومَن يقول غير هذا!
ولم يكن سفيان الثوري ممن يداهن أو يجامل على حساب الفقه والدين3.
وقد قال عبد الله بن المبارك: ما رأيت أحدًا أتقى لله من سفيان الثوري، ولا رأيت أحدًا أعقل من أبي حنيفة4.
وكان ابن المبارك يذكر عن أبي حنيفة كل خير ويزكيه ويقرظه ويثني عليه5.
1 قواعد في علوم الحديث "ص306".
2 الانتقاء في فضائل الأئمة الفقهاء: مالك والشافعي وأبي حنيفة، لابن عبد البر "ص135" طبع مطبعة المعاهد بمصر - الناشر مكتبة القدسي.
3 المصدر السابق "ص127، 128".
4 المصدر السابق "ص131".
5 المصدر السابق "ص131".
وقال الإمام الشافعي رحمه الله تعالى: مَن أراد الفقه فهو عيال على أبي حنيفة1.
وروى ابن عبد البر بسنده عن الحسن بن صالح بن حي قال: كان النعمان بن ثابت فهمًا عالمًا متثبتًا في علمه إذا صح عنده الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يعده إلى غيره2.
وقد بلغ في الفقه والعلم والحفظ درجة تدعو إلى الدهشة والإعجاب حتى قال ابن شبرمة: عجزت النساء أن تلد مثل النعمان3. وقد كان مع هذا الفقه الكثير والعلم الغزير يحيي الليل ويقومه4.
وقال عباس الدوري: سمعت يحيى بن معين يقول: ما رأيت مثل وكيع، وكان يفتي برأي أبي حنيفة5.
وقد نال من الثناء والتقدير ما لم ينله كثيرون من الأئمة أهل الفقه والعلم، ولما كان له الفضل في كثير من العلم والفقه نال منه حاسدوه والحاقدون عليه.
وقال حاتم بن آدم: قلت للفضل بن موسى السيناني: ما تقول في هؤلاء الذين يقعون في أبي حنيفة؟ قال: إن أبا حنيفة جاءهم بما يعقلونه، وبما لا يعقلونه من العلم، ولم يترك لهم شيئًا فحسدوه6.
وقال عيسى بن يونس: لا تتكلمن في أبي حنيفة بسوء، ولا تصدقن أحدًا يسيء فيه القول، فإني والله ما رأيت أفضل منه، ولا أورع منه، ولا أفقه منه7.
1 المصدر السابق "ص136".
2 المصدر السابق "ص128".
3 المصدر السابق "ص131".
4 المصدر السابق "ص125".
5 المصدر السابق "ص136".
6 المصدر السابق "ص136".
7 المصدر السابق "ص137".
وقال الحكم بن هشام: كان أبو حنيفة لا يرد حديثًا ثبت عنده عن رسول الله، وكان من أعظم الناس أمانة، وأراده السلطان على أن يوليه مفاتيح خزانته فأبَى واختار ضربهم وحبسهم على عذاب الله. فقال له رجل: والله ما رأيت أحدًا وصفه بما وصفته، فقال: هو والله ما قلت لك1.
وقال إبراهيم بن عبد الله الخلال: "سمعت عبد الله بن المبارك يقول -وذُكر عنده أبو حنيفة فقال: أتذكرون رجلًا عُرضت عليه الدنيا بحذافيرها ففر منها!! 2
وقد أراده أبو جعفر ليوليه القضاء، فأبَى، فأمر به إلى السجن، فمات في السجن، ودفن في مقابر الخيزران رحمة الله عليه3.
وقال روح بن عبادة: كنت عند ابن جريج سنة خمس ومائة، فقيل له: مات أبو حنيفة، فقال: رحمه الله قد ذهب معه علم كثير4.
وكان شعبة بن الحجاج حسن الرأي في أبي حنيفة، ولما قيل له: مات أبو حنيفة، قال شعبة: لقد ذهب معه فقه الكوفة تفضل الله علينا وعليه برحمته5.
شروط أبي حنيفة في قبول خبر الواحد:
1-
ألا يخالف السُّنة المشهورة سواء كانت فعلية أم قولية.
2-
ألا يخالف المتوارث بين الصحابة والتابعين في أي بلد.
3-
ألا يخالف عموم الكتاب أو ظاهره؛ لأن الكتاب قطعي فيقدم على الظني.
1 المصدر السابق "ص169، 170".
2 المصدر السابق "ص168".
3 المصدر السابق "ص171" بتصرف.
4 المصدر السابق "ص135".
5 المصدر السابق "ص126، 127".
4-
أن يكون راوي الخبر فقيهًا إذا خالف الحديث قياسًا جليًّا؛ لأن غير الفقيه تحتمل روايته على المعنى، فيكون قد أخطأ فيها.
5-
ألا يكون فيما تعم به البلوى، ومنه الحدود والكفارات التي تُدرأ بالشبهات؛ لأن العادة قاضية بأن يسمعه الكثير غير الواحد، فلا بد بذلك أن يشتهر وتتلقاه الأمة بالقبول.
6-
ألا يسبق طعن أحد من السلف فيه، وألا يترك أحد المختلفين من الصحابة الاحتجاج بالخبر الذي رواه.
7-
ألا يعمل الراوي بخلاف خبره؛ كحديث أبي هريرة في غسل الإناء من ولوغ الكلب سبعًا، فإنه مخالف لفتوى أبي هريرة؛ لذلك ترك أبو حنيفة العمل به.
8-
ألا يكون الراوي منفردًا بزيادة المتن أو السند، إلا إذا كان هذا الراوي ثقة؛ لأن العمل برواية الثقات أحوط في دين الله تعالى.