الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
دور أم المؤمنين أم سلمة رضي الله عنها في رواية الحديث:
- ترجمتها وفضلها:
هي هند بنت أبي أمية بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم القرشية المخزومية، أبوها أحد أبناء قريش المعدودين، وأجوادهم المشهورين، وكان يُدعَى بـ"زاد الراكب"1.
كانت قبل النبي صلى الله عليه وسلم عند أبي سلمة، عبد الله بن عبد الأسد بن هلال بن عبد الله بن عمر بن مخزوم، الصحابي ذو الهجرتين، ابن عمة المصطفى صلى الله عليه وسلم برَّة بنت عبد المطلب، وأخوه من الرضاعة، أرضعتهما ثويبة مولاة أبي لهب، وكانت وزوجها من السابقين الأولين، وهاجرا مع العشرة الأولين إلى الحبشة، حيث وُلد ابنهما "سلمة".
ثم هاجر إلى المدينة بعد قدومهما مكة بعد بيعة العقبة2، فكانت أم سلمة رضي الله عنها بهذا أول ظعينة دخلت المدينة، وفي المدينة عكفت رضي الله عنها على تربية صغارها، وعكف زوجها على الجهاد، فشهد بدرًا وأحدًا وأبلى فيها بلاء مشهودًا، ورُمي في عضده، ثم انتكأ هذا الجرح فظل به حتى مات سنة أربع للهجرة "4هـ"، وكان من دعاء أبي سلمة:"اللهم اخلفني في أهلي بخير"، فأخلفه رسول الله صلى الله عليه وسلم على زوجته أم سلمة، فصارت أمًّا للمؤمنين، وعلى بنيه: سلمة، وعمر، وزينب، فصاروا ربائب في حجره المبارك صلى الله عليه وسلم وذلك سنة أربع للهجرة "4هـ".
وكانت أم سلمة رضي الله عنهما آخر مَن مات من أمهات المؤمنين، عمرت حتى بلغها قتل الحسين، لم تلبث بعده إلا يسيرًا، وانتقلت إلى الله تعالى سنة "62هـ"، وكانت قد عاشت نحوًا من تسعين سنة3.
1 زاد الراكب: أنه كان إذا سافر، فخرج معه الناس، فلم يتخذوا زادًا معه ولم يوقدوا، يكفيهم ويغنيهم. انظر: لسان العرب لابن منظور، مادة "زود""3/ 198".
2 انظر: السمط الثمين "87"، والسيرة النبوية لابن هشام، دار الجيل "2/ 80، 81".
3 سير أعلام النبلاء، الذهبي "2/ 209".
وأما منزلتها في قوة البلاغة، ورجاحة العقل، وحصافة الرأي، ودقة الفهم، فقريبة من منزلة السيدة عائشة رضي الله عنهما، وقد أشارت على النبي صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية بما يدل على ذلك؛ حيث أشارت عليه بأن يتقدم الناس بنحر الهدي والحلق لما امتنعوا أن ينحروا ويحلقوا ليحلوا من الإحرام، فلما فعل ذلك قام الناس فنحروا وحلقوا1.
كما كانت تُعد من فقهاء الصحابة ممن كان يفتي؛ إذ عدها ابن حزم ضمن الدرجة الثانية التي تشمل متوسطي الفتوى بين الصحابة رضي الله عنهم حيث قال: "المتوسطون فيما روى عنهم من الفتوى: عثمان، وأبو هريرة، وعبد الله بن عمرو، وأنس، وأم سلمة
…
" إلى أن عدهم ثلاثة عشر، ثم قال: "ويمكن أن يجمع من فتيا كل واحد منهم جزء صغير"2.
- مروياتها رضي الله عنها وتلاميذها:
روت أم المؤمنين أم سلمة رضي الله عنها الكثير الطيب؛ حيث تعد ثاني راوية للحديث بعد أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها إذ لها جملة أحاديث قدرت حسب كتاب بقي بن مخلد ثلاثمائة وثمانية وسبعين حديثًا "378". اتفق لها البخاري ومسلم على ثلاثة عشر حديثًا، وانفرد البخاري بثلاثة، ومسلم بثلاثة عشر3.
ومجموع مروياتها حسب ما ورد في تحفة الأشراف مائة وثمانية وخمسون حديثًا "158"4.
1 زاد المعاد "2/ 125"، الإصابة "4/ 440"، وانظر الحديث في صحيح البخاري "2/ 279" كتاب الشروط.
2 جوامع السيرة، ابن حزم "134"، تلقيح فهوم الآثر، ابن الجوزي "305".
3 سير أعلام النبلاء "2/ 101".
4 تحفة الأشراف، للحافظ المزي "13/ 3 - 82".
- محتوى مروياتها رضي الله عنها:
كان وجود أم المؤمنين أم سلمة، وأم المؤمنين عائشة رضي الله عنهما خاصة بين الصحابة، وتأخر وفاتهما بعد النبي صلى الله عليه وسلم من العوامل المهمة التي جعلت الناس يقصدونهما خاصة للسؤال والفتيا، وبعد وفاة أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها سنة "58هـ"، تربعت أم سلمة رضي الله عنها على باب الرواية؛ لكونها آخر مَن تبقى من أمهات المؤمنين، الأمر الذي جعل مروياتها كثيرة؛ إذ جمعت بين الأحكام والتفسير والآداب والأدعية والفتن
…
إلخ.
ففي أبواب الطهارة روت في: غسل الجنابة، وغسل الرجل مع زوجه، وكيفية اغتسال النساء، وفي دخول الحائض والجنب المسجد، والنوم مع الحائض في لحاف واحد، والاستحاضة، وفي ذيول النساء وما يطهرها
…
وغيرها.
وفي أبواب الصلاة وما تعلق بها من أحكام روت في: الركعتين بعد العصر، وهي صاحبة هذه الرواية، وقد أخذتها عنها عائشة وغيرها، كما روت في قراءة النبي صلى الله عليه وسلم وكيفية صلاته، ووتره ونوافله، وروت في الدعاء دبر الصلاة، كما روت في عدم قضاء الحائض الصلاة، وصلاة النبي صلى الله عليه وسلم جالسًا، والمرأة تصلي في درع وخمار ليس لها إزار إذا لم تظهر قدماها، وفي القنوت
…
وفي الزكاة روت في: الإنفاق على الأولاد والزوج، وفي فضل الصدقة، في زكاة الحلي.
وفي أبواب الصوم روت في: الجنب يدركه الفجر، وفي القُبْلة للصائم، وفي فضل صيام ثلاثة أيام من كل شهر، وفي الصوم في ذي الحجة.
كما روت في أبواب الحج: في حج النساء، وفي ما بين بيت النبي صلى الله عليه وسلم ومنبره، وفيمن أهلَّ بحجة أو عمرة من المسجد الأقصى، وفي طواف الخروج.
وروت أيضًا في الجنائز: في الدعاء للميت، والدعاء عند المصيبة، والنهي عن اكتحال الحادَّة.
وروت في الأدب، وفي ستر العورة، وفي رفع الرأس إلى السماء عند الخروج من البيت، والمرأة ترخي من إزارها ذراعًا، وروت في الأشربة، والنهي عن عجم النوى طبخًا، وخلط النبيذ بالتمر، وفي النكاح، روت زواجها، وفي الإحداد والرضاع. كما روت في المغازي، والمظالم والفتن، في الجيش الذي يخسف به، وفي المهدي، وروت في المناقب في ذكر علي وذكر عمار.
فهذا الكم من المرويات وغيرها -كما نلاحظ- تغلب عليه الصفة العلمية مع وجود مرويات في غير ذلك، في الأقوال النبوية وفي الأدعية، مما يعطي أم المؤمنين أم سلمة رضي الله عنها شهادة أيضًا على حفظها واهتمامها بما يصدر عن النبي صلى الله عليه وسلم وروايته للناس.
وقد نقل عنها مروياتها جيل من التلاميذ رجالًا ونساء، من مختلف الأقطار؛ حيث روى عنها رضي الله عنها خلق كثير:
- فمن الصحابة: أم المؤمنين عائشة، وأبو سعيد الخدري، وعمر بن أبي سلمة، وأنس بن مالك، وبُرَيْدة بن الحصيب الأسلمي، وسليمان بن بريدة، وأبو رافع، وابن عباس.
- ومن التابعين: أشهرهم: سعيد بن المسيب، وسليمان بن يسار، وشقيق بن سلمة، وعبد الله بن أبي مليكة، وعامر الشعبي، والأسود بن يزيد، ومجاهد، وعطاء بن أبي رباح، وشهر بن حوشب، ونافع بن جبير بن مطعم
…
وآخرون.
- ومن النساء: ابنتها زينب، وهند بنت الحارث، وصفية بنت شيبة، وصفية بنت أبي عبيد، وأم ولد إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف، وعمرة بنت عبد الرحمن، وحكيمة، ورميثة، وأم محمد بن قيس.
- ومن نساء أهل الكوفة: عمرة بنت أفعى، وجسرة بنت دجاجة، وأم مساور الحميري، وأم موسى "سُرِّيَّة علي"، وجدة ابن جدعان، وأم مبشر1.
1 تهذيب الكمال في أسماء الرجال، للحافظ أبي الحجاج يوسف المزي "35/ 319".