المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المبحث الثاني: منكرو السنة حديثا، وتفنيد مزاعمهم - منهاج المحدثين في القرن الأول الهجري وحتى عصرنا الحاضر

[على عبد الباسط مزيد]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌التمهيد

- ‌الفصل الأول: منكرو السنة والرد عليهم

- ‌المبحث الأول: مزاعم منكري السنة قديما، والرد عليها

- ‌المبحث الثاني: منكرو السُّنَّة حديثًا، وتفنيد مزاعمهم

- ‌الفصل الثاني: مكانة السُّنَّة في التشريع الإسلامي

- ‌الباب الأول: مناهج المحدثين في القرن الأول الهجري

- ‌الفصل الأول: مظاهر اهتمام الصحابة بالسنة

- ‌الفصل الثاني: كتابة السُّنَّة في العهد النبوي

- ‌الفصل الثالث: أشهر الصحف والكتابات في العهد النبوي

- ‌الفصل الرابع: الكتاب الذي كتبه رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمرو بن حزم

- ‌الفصل الخامس: بواعث كتابة الحديث في القرن الأول الهجري

- ‌الفصل السادس: مظاهر احتياط الصحابة في قبول الحديث الشريف

- ‌الفصل السابع: منهج الصحابة في رواية الحديث الشريف

- ‌الفصل الثامن: الصحابة المكثرون لرواية الحديث الشريف

- ‌أبو هريرة راوية الإسلام

- ‌ عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما

- ‌ أنس بن مالك رضي الله عنه

- ‌ عائشة رضي الله عنها

- ‌ عبد الله بن عباس رضي الله عنهما

- ‌ جابر بن عبد الله

- ‌ أبو سعيد الخدري

- ‌الفصل التاسع: أسباب تفاوت الصحابة في رواية الحديث الشريف

- ‌الفصل العاشر: دور أمهات المؤمنين في خدمة الحديث الشريف

- ‌مدخل

- ‌دور أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها في رواية الحديث:

- ‌دور أم المؤمنين أم سلمة رضي الله عنها في رواية الحديث:

- ‌دور أم المؤمنين ميمونة رضي الله عنها في رواية الحديث:

- ‌دور أم المؤمنين حبيبة رضي الله عنها

- ‌دور أم المؤمنين حفصة بنت عمر رضي الله عنها:

- ‌دور أم المؤمنين زينب بنت جحش رضي الله عنها:

- ‌دور أم المؤمنين صفية رضي الله عنها:

- ‌دور أم المؤمنين جويرية بنت الحارث رضي الله عنها:

- ‌دور أم المؤمنين سودة بنت زمعة رضي الله عنها:

- ‌الفصل الحادى عشر: أسباب تفاوت أمهات المؤمنين رضي الله عنها في الرواية

- ‌الباب الثاني: مناهج المحدثين في القرن الثاني الهجري

- ‌الفصل الأول: المستجدات في هذا العصر

- ‌الفصل الثاني: التدوين الشامل للسنة في هذا العصر ومنهج العلماء في التصنيف

- ‌الفصل الثالث: جهود التابعين في توثيق السُّنَّة وحفظها وتدوينها في النصف الأول من القرن الثاني الهجري

- ‌الفصل الرابع: أشهر الصحف والكتابات في القرن الثاني الهجري

- ‌الفصل الخامس: ضوابط الرواية عند التابعين

- ‌الفصل السادس: التصنيف في القرن الثاني وبداية الثالث الهجريين

- ‌الفصل السابع: الأئمة الأربعة، وأثرهم في الحديث وعلومه

- ‌مدخل

- ‌الإمام مالك بن أنس بن مالك بن أبي عامر بن عمرو الأصبحي

- ‌الإمام الشافعي "150-204ه

- ‌الإمام أحمد بن محمد بن حنبل بن هلال بن أسد الشيباني، أبو عبد الله المروزي ثم البغدادي "164-241ه

- ‌الباب الثالث: منهاج المحدثين في القرن الثالث الهجري وحتى عصرنا الحاضر

- ‌الفصل الأول: مناهج المحدثين في القرن الثالث الهجري

- ‌المبحث الأول: أهم المشكلات التى واجهت المحدثين في القرن الثالث الهجري

- ‌المبحث الثاني: تدوين الحديث وعلومه في القرن الثالث الهجري

- ‌المبحث الثالث: مناهج العلماء في تدوين الحديث في القرن الثالث الهجري

- ‌المبحث الرابع: أئمة القرن الثالث الهجري ومناهجهم

- ‌أولًا: الإمام البخاري "194-256ه

- ‌مقارنة بين الصحيحين:

- ‌ثالثًا: أبو داود السجستاني "202-275ه

- ‌خامسًا: أحمد بن شعيب النسائي "215-303ه

- ‌سادسًا: ابن ماجه "209-273ه

- ‌سابعًا: الإمام أحمد بن محمد بن حنبل "164-241ه

- ‌الفصل الثاني: مناهج المحدثين في القرن الرابع الهجري

- ‌ابن خزيمة

- ‌الطحاوي:

- ‌الدارقطني:

- ‌الطبراني:

- ‌ابن حبان:

- ‌ابن السكن:

- ‌الحاكم النيسابوري "321-405ه

- ‌الفصل الثالث: منهج التصنيف في القرن الخامس إلى السقوط الخلافة العباسية [من عام "400هـ" حتى عام "656ه

- ‌الجمع بين الصحيحين

- ‌ الجمع بين الكتب الستة

- ‌ الجمع بين أحاديث من كتب مختلفة:

- ‌ كتب منتقاة في أحاديث الأحكام والمواعظ، ومنها:

- ‌ كتب الأطراف:

- ‌الفصل الرابع: منهج التصنيف من سقوط الخلافة العباسية إلى عصرنا الحاضر

- ‌المبحث الأول: السنة من عام 656هـ حتى عام 911 ه

- ‌مدخل

- ‌أولًا: منهج العلماء في خدمة السُّنَّة في هذه الفترة:

- ‌ثانيًا: طريقة العلماء في خدمة الحديث الشريف في هذه الفترة

- ‌المبحث الثاني: دور العلماء في خدمة السُّنَّة بعد عام "911هـ" حتى آخر القرن الرابع عشر الهجري

- ‌المبحث الثالث: دور أشهر الممالك التي كان لها أثر ملموس في خدمة السُّنَّة في هذا العصر

- ‌ دور مصر في العناية بالسُّنَّة وعلومها:

- ‌ دور علماء الهند في العناية بالسُّنَّة:

- ‌ دور المملكة العربية السعودية في خدمة السُّنَّة:

- ‌المبحث الرابع: جهود علماء المسلمين في خدمة السُّنَّة في العصر الحاضر

- ‌قائمة بأسماء المصادر والمراجع:

- ‌الفهرس:

الفصل: ‌المبحث الثاني: منكرو السنة حديثا، وتفنيد مزاعمهم

‌المبحث الثاني: منكرو السُّنَّة حديثًا، وتفنيد مزاعمهم

سبق أن ذكرنا أن منكري السُّنَّة بزغوا في كل عصر، وقد رد عليهم الإمام الشافعي قديمًا وكذلك ابن أبي حاتم وغيرهما.

وحديثًا أنكر بعض الناس أن تكون السُّنَّة مصدرًا للتشريع الإسلامي مُتذرعين بالعديد من الحجج، وأهمها ما يلي1:

أولًا: القرآن الكريم حوى كل أمور الدين ووضحها؛ بحيث يغني عما عداه، قال تعالى:{مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ} [الأنعام: 38] ، والأخذ بالسُّنَّة يناقض ذلك.

ثانيًا: الله تعالى ضَمِنَ حفظ كتابه لأنه مصدر التشريع ولم يضمن حفظ السُّنَّة، قال تعالى:{إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر: 9] ولو كانت السُّنَّة دليلًا من أدلة التشريع وحجة كالقرآن لتكفل الله بحفظها، ولا يستطيع أحد أن يدَّعي أن السُّنَّة وصلت إلينا بنصها.

ثالثًا: لو كانت السُّنَّة حجة ومصدرًا من مصادر التشريع لتكفل النبي صلى الله عليه وسلم بكتابتها، ولعمل الصحابة والتابعون على جمعها وتدوينها صيانة لها من العبث والتبديل والتحريف والنسيان؛ لكن الثابت -هكذا يزعمون- أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن كتابتها وأمر بمحو ما كُتب منها، وكذلك فعل الصحابة والتابعون.

رابعًا: ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يدل على عدم حجية السُّنَّة، ومن ذلك قوله:"إن الحديث سيفشو عني، فما أتاكم يوافق القرآن فهو عني، وما أتاكم عني يخالف القرآن فليس مني"2، وقوله: "إذا حُدِّثتم عني حديثًا تنكرونه -قلته أو

1 راجع: السُّنَّة ومكانتها في التشريع "ص138-140"، المدخل إلى توثيق السُّنَّة "ص201-203".

2 رواه الإمام الشافعي في الأم رقم "2998".

ص: 23

لم أقله- فلا تصدقوا به؛ فإني لا أقول ما يُنكر ولا يُعرف"1، وقوله: "إني لا أحل إلا ما أحل الله في كتابه، ولا أحرم إلا ما حرم الله في كتابه"2، وفي رواية: "لا يمسكن الناس على شيء، فإني لا أحل ما أحل الله، ولا أحرم إلا ما حرم الله" 3.

فهذه الأحاديث تفيد وجوب عرض السُّنَّة على القرآن، وأن نأخذ منها ما وافق القرآن، وما خالفه لا نقيله، فلا أهمية للسُّنَّة، ودورها هو التوكيد والتكرار لما في القرآن الكريم.

خامسًا: أكثر بعض الصحابة من التحديث عن الرسول كثرة لا تتناسب مع صحبته للرسول، مما يدل على أنه كان يتقوَّل عليه لأهواء سياسية وشخصية، فكيف نثق فيما رووه إذن؟

سادسًا: لم يهتم علماء الحديث بنقد المتن، فصححوا أحاديث كثيرة موضوعة ولو عُرضت على مقاييس أخرى "غير السند" لتبين عدم صحتها.

- مناقشة مزاعم منكري السُّنَّة حديثًا 4:

فيما يلي تفنيد لحجج المنكرين للسُّنة حديثًا:

الأول: المراد بالكتاب في الآية الكريمة: {مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ} اللوح المحفوظ، وليس القرآن كما يزعمون، وكذلك في قوله:{وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ} [النحل: 89] .

1 تاريخ بغداد "11/ 391"، والكامل لابن عدي "1/ 26" الباب السابع اتقاء حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا ما يعلمه ويعرفه ويتقنه، والميزان "3/ 352" في ترجمة الفضل بن سهل رقم "2728" كلهم من حديث أبي هريرة مرفوعًا، وفي إسناده الفضل بن سهل، وقد عد الحافظ الذهبي هذا الحديث من مناكيره.

2 ذكره الهيثمي في مجمع الزوائد "1/ 171، 172" وقال: "رواه الطبراني في الأوسط وقال: لم يروه عن يحيى بن سعيد إلا علي بن عاصم، تفرد به صالح بن الحسن بن محمد الزعفراني، قلت: ولم أرَ من ترجمهما".

3 رواه الشافعي في مسنده "332".

4 راجع: المدخل إلى توثيق السُّنَّة "ص204-220".

ص: 24

الثاني: والمراد بالذكر في الآية الكريمة: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} الشرع والدين الذي بعث به رسوله، فهو يشمل القرآن والسُّنَّة ولا يخص أحدهما، والدليل قوله تعالى:{فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [الأنبياء: 7] .

وقد قيض الله تعالى من يحفظ كتابه، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وتنقيتها من الدخيل والموضوع، وحفظها من التغيير والتبديل والتحريف.

وهذا ما فهمه عبد الله بن المبارك حين قيل له: "هذه الأحاديث الموضوعية؟ " فقال: تعيش لها الجهابذة، وتلا قوله تعالى:{إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} 1.

وقال ابن حزم في معرض رده على الزاعمين أن الذكر هو القرآن: "هذه دعوى كاذبة مجردة عن البرهان وتخصيص للذكر بلا دليل، والذكر اسم واقع على كل ما أنزل الله على نبيه صلى الله عليه وسلم من قرآن أو سنة"2.

الثالث: كون الرسول صلى الله عليه وسلم أمر بعدم كتابة السُّنَّة فليس ذلك دليلًا على عدم حجيتها؛ وإنما كان ذلك لأسباب تقتضيها المصلحة، ومن هذه الأسباب: أن النهي كان أولًا وذلك للتفرغ لحفظ القرآن الكريم والاطمئنان إلى عدم اختلاطه بغيره.

ومنها: أن النهي كان في حق أشخاص بعينهم حتى لا يتكلوا على الكتابة أو لضعفهم في كتابة العربية.

وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم أَذِنَ بكتابة السُّنَّة لبعض الصحابة في أول الإسلام، ثم كان الإذن لمن شاء أن يكتب بعد ذلك.

الرابع: الأحاديث التي احتجوا بها على عدم حجية السُّنَّة لا تنهض دليلًا على رأيهم؛ لأنها غير صحيحة:

1 تدريب الراوي "2/ 358" مؤسسة الرسالة - بيروت.

2 الإحكام "1/ 121".

ص: 25

الحديث الأول:

"إن الحديث سيفشو عني

"، قال البيهقي: "رواه خالد بن أبي كريمة عن أبي جعفر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وخالد مجهول، وأبو جعفر ليس بصحابي، فالحديث منقطع"، وقال مرة أخرى: "والحديث الذي رُوي في عرض الحديث على القرآن باطل لا يصح، وهو ينعكس على نفسه بالبطلان" يعني بذلك: أن يتعارض مع ما يدعو إليه القرآن من طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم والاحتكام إلى الله ورسوله، قال تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ} [النساء: 59] .

وقد قال الشافعي فيما نقله عنه البيهقي في هذا الحديث: "ما روى هذا أحد يثبت حديثه في شيء صغر ولا كبر".

وقال: "وهذه أيضًا رواية منقطعة، عن رجل مجهول، ونحن لا نقبل هذه الرواية في شيء".

ثم رواه البيهقي بسنده عن الشافعي قال: قال أبو يوسف: حدثني خالد بن أبي كريمة، عن أبي جعفر، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه دعا اليهود فسألهم فحدثوه حتى كذبوا على عيسى عليه السلام فصَعِدَ النبي صلى الله عليه وسلم المنبر، فخطب الناس فقال:"إن الحديث سيفشو عني، فما أتاكم عني يوافق القرآن فهو عني، وما أتاكم عني يخالف القرآن فليس عني".

قال البيهقي: هذه الرواية منقطعة، كما قال الشافعي في كتاب الرسالة، وكأنه أراد بالمجهول خالد بن أبي كريمة، فلم يعرف من حاله ما يثبت به خبره1.

وقد روى الطبراني عن ابن عمر نحو ما جاء عند الشافعي، قال السخاوي: قد سُئل شيخنا -يعني الحافظ ابن حجر- عن هذا الحديث فقال: إنه جاء من طرق لا تخلو من مقال، وقال الصنعاني: هو موضوع2.

1 معرفة السُّنَّة والآثار عن الإمام الشافعي "1/ 69".

2 انظر: كشف الخفاء للعجلوني "1/ 86".

ص: 26

وقال ابن حزم في الحسين بن عبد الله بن عبد الله بن عباس بن عبد المطلب الهاشمي المدني أحد رواة الحديث من بعض طرقه: "الحسين بن عبد الله متهم بالزندقة"1.

ومن جهة أخرى، فإنه على اعتبار التسليم بقبول هذا الحديث، فإن "العلماء بهذا الحديث قديمًا على أن السُّنَّة تأتي بجديد، وأن كل ما تأتي به يجب أن يُلتمس له أصل في القرآن الكريم، مع التسليم بأن الأخذ بالسُّنَّة واجب، أما اليوم -فكما نرى- يُستدل به على ترك السُّنَّة وعدم الأخذ بها"2.

الحديث الثاني:

"إذا حُدثتم عني حديثًا تعرفونه ولا تنكرونه

"، قال الدكتور رفعت فوزي: "فرواياته كلها ضعيفة منقطعة كما نص على ذلك العلماء"3.

الحديث الثالث:

"إني لا أحل ما أحل الله...."، قال الشافعي: "هذا منقطع، وعلى فرض صحته فليس فيه دليل للخصم فيما يدَّعِي؛ لأن معناه أن ليس للناس أن يقولوا: كيف يُحل رسول الله صلى الله عليه وسلم ويحرم ما ليس في القرآن، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم مُشرِّع، وهو لا يحل إلا ما كان حلالًا في شرع الله، ولا يحرم إلا ما كان حرامًا فيه، وكل ما يحله أو يحرمه إنما هو في كتاب الله باعتبار أنه أمر بطاعته، ونهى عن مخالفته، فقد أمرنا أن نطيعه صلى الله عليه وسلم فيما يحله أو يحرمه، أو أن كل ما يحرمه أو يحله له أصل في كتاب الله عز وجل أو نظير يقاس عليه4.

والعجيب في هؤلاء المنكرين للسُّنَّة أنهم يستدلون بها على عدم حجيتها، فكيف يرفض هؤلاء السُّنَّة ثم يأخذون منها الدليل على ما يزعمون؟! وإن جاز لهم ذلك، فلماذا يستدلون بالأحاديث الضعيفة ويتركون الأحاديث الصحيحة التي تحث على كتابة السُّنَّة، وعلى الأخذ بالسُّنَّة؟!

1 الإحكام "2/ 76".

2 المدخل إلى توثيق السُّنَّة "ص208".

3 المدخل إلى توثيق السُّنَّة "ص109".

4 راجع: نقد هذه الأحاديث في "مفتاح الجنة" للسيوطي "ص13-16"، و"السُّنَّة ومكانتها في التشريع الإسلامي""ص145-148".

ص: 27

الخامس: بالنسبة لزعمهم بأن الصحابة والتابعين زادوا على السُّنَّة وتقوَّلوا على الرسول صلى الله عليه وسلم بحجة أن ما رووه بلغ من الكثرة حدًّا لا يتناسب مع صحبتهم للرسول صلى الله عليه وسلم فهذا مدحوض، والرد عليه لا يحتاج إلى عناء كبير.

فلقد كان الصحابة -رضوان الله عليهم- حريصين على استيعاب دين الله ونقله إلى الأجيال اللاحقة، ولم يكن دافعهم إلى ذلك أهواء شخصية وسياسية كما يزعمون؛ وإنما كان الدافع هو الغيرة على دين الله تعالى، وشدة الرغبة في الحفاظ عليه1.

1 راجع: المدخل إلى توثيق السُّنَّة "ص210".

ص: 28