المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ثالثا: أبو داود السجستاني "202-275ه - منهاج المحدثين في القرن الأول الهجري وحتى عصرنا الحاضر

[على عبد الباسط مزيد]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌التمهيد

- ‌الفصل الأول: منكرو السنة والرد عليهم

- ‌المبحث الأول: مزاعم منكري السنة قديما، والرد عليها

- ‌المبحث الثاني: منكرو السُّنَّة حديثًا، وتفنيد مزاعمهم

- ‌الفصل الثاني: مكانة السُّنَّة في التشريع الإسلامي

- ‌الباب الأول: مناهج المحدثين في القرن الأول الهجري

- ‌الفصل الأول: مظاهر اهتمام الصحابة بالسنة

- ‌الفصل الثاني: كتابة السُّنَّة في العهد النبوي

- ‌الفصل الثالث: أشهر الصحف والكتابات في العهد النبوي

- ‌الفصل الرابع: الكتاب الذي كتبه رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمرو بن حزم

- ‌الفصل الخامس: بواعث كتابة الحديث في القرن الأول الهجري

- ‌الفصل السادس: مظاهر احتياط الصحابة في قبول الحديث الشريف

- ‌الفصل السابع: منهج الصحابة في رواية الحديث الشريف

- ‌الفصل الثامن: الصحابة المكثرون لرواية الحديث الشريف

- ‌أبو هريرة راوية الإسلام

- ‌ عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما

- ‌ أنس بن مالك رضي الله عنه

- ‌ عائشة رضي الله عنها

- ‌ عبد الله بن عباس رضي الله عنهما

- ‌ جابر بن عبد الله

- ‌ أبو سعيد الخدري

- ‌الفصل التاسع: أسباب تفاوت الصحابة في رواية الحديث الشريف

- ‌الفصل العاشر: دور أمهات المؤمنين في خدمة الحديث الشريف

- ‌مدخل

- ‌دور أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها في رواية الحديث:

- ‌دور أم المؤمنين أم سلمة رضي الله عنها في رواية الحديث:

- ‌دور أم المؤمنين ميمونة رضي الله عنها في رواية الحديث:

- ‌دور أم المؤمنين حبيبة رضي الله عنها

- ‌دور أم المؤمنين حفصة بنت عمر رضي الله عنها:

- ‌دور أم المؤمنين زينب بنت جحش رضي الله عنها:

- ‌دور أم المؤمنين صفية رضي الله عنها:

- ‌دور أم المؤمنين جويرية بنت الحارث رضي الله عنها:

- ‌دور أم المؤمنين سودة بنت زمعة رضي الله عنها:

- ‌الفصل الحادى عشر: أسباب تفاوت أمهات المؤمنين رضي الله عنها في الرواية

- ‌الباب الثاني: مناهج المحدثين في القرن الثاني الهجري

- ‌الفصل الأول: المستجدات في هذا العصر

- ‌الفصل الثاني: التدوين الشامل للسنة في هذا العصر ومنهج العلماء في التصنيف

- ‌الفصل الثالث: جهود التابعين في توثيق السُّنَّة وحفظها وتدوينها في النصف الأول من القرن الثاني الهجري

- ‌الفصل الرابع: أشهر الصحف والكتابات في القرن الثاني الهجري

- ‌الفصل الخامس: ضوابط الرواية عند التابعين

- ‌الفصل السادس: التصنيف في القرن الثاني وبداية الثالث الهجريين

- ‌الفصل السابع: الأئمة الأربعة، وأثرهم في الحديث وعلومه

- ‌مدخل

- ‌الإمام مالك بن أنس بن مالك بن أبي عامر بن عمرو الأصبحي

- ‌الإمام الشافعي "150-204ه

- ‌الإمام أحمد بن محمد بن حنبل بن هلال بن أسد الشيباني، أبو عبد الله المروزي ثم البغدادي "164-241ه

- ‌الباب الثالث: منهاج المحدثين في القرن الثالث الهجري وحتى عصرنا الحاضر

- ‌الفصل الأول: مناهج المحدثين في القرن الثالث الهجري

- ‌المبحث الأول: أهم المشكلات التى واجهت المحدثين في القرن الثالث الهجري

- ‌المبحث الثاني: تدوين الحديث وعلومه في القرن الثالث الهجري

- ‌المبحث الثالث: مناهج العلماء في تدوين الحديث في القرن الثالث الهجري

- ‌المبحث الرابع: أئمة القرن الثالث الهجري ومناهجهم

- ‌أولًا: الإمام البخاري "194-256ه

- ‌مقارنة بين الصحيحين:

- ‌ثالثًا: أبو داود السجستاني "202-275ه

- ‌خامسًا: أحمد بن شعيب النسائي "215-303ه

- ‌سادسًا: ابن ماجه "209-273ه

- ‌سابعًا: الإمام أحمد بن محمد بن حنبل "164-241ه

- ‌الفصل الثاني: مناهج المحدثين في القرن الرابع الهجري

- ‌ابن خزيمة

- ‌الطحاوي:

- ‌الدارقطني:

- ‌الطبراني:

- ‌ابن حبان:

- ‌ابن السكن:

- ‌الحاكم النيسابوري "321-405ه

- ‌الفصل الثالث: منهج التصنيف في القرن الخامس إلى السقوط الخلافة العباسية [من عام "400هـ" حتى عام "656ه

- ‌الجمع بين الصحيحين

- ‌ الجمع بين الكتب الستة

- ‌ الجمع بين أحاديث من كتب مختلفة:

- ‌ كتب منتقاة في أحاديث الأحكام والمواعظ، ومنها:

- ‌ كتب الأطراف:

- ‌الفصل الرابع: منهج التصنيف من سقوط الخلافة العباسية إلى عصرنا الحاضر

- ‌المبحث الأول: السنة من عام 656هـ حتى عام 911 ه

- ‌مدخل

- ‌أولًا: منهج العلماء في خدمة السُّنَّة في هذه الفترة:

- ‌ثانيًا: طريقة العلماء في خدمة الحديث الشريف في هذه الفترة

- ‌المبحث الثاني: دور العلماء في خدمة السُّنَّة بعد عام "911هـ" حتى آخر القرن الرابع عشر الهجري

- ‌المبحث الثالث: دور أشهر الممالك التي كان لها أثر ملموس في خدمة السُّنَّة في هذا العصر

- ‌ دور مصر في العناية بالسُّنَّة وعلومها:

- ‌ دور علماء الهند في العناية بالسُّنَّة:

- ‌ دور المملكة العربية السعودية في خدمة السُّنَّة:

- ‌المبحث الرابع: جهود علماء المسلمين في خدمة السُّنَّة في العصر الحاضر

- ‌قائمة بأسماء المصادر والمراجع:

- ‌الفهرس:

الفصل: ‌ثالثا: أبو داود السجستاني "202-275ه

‌ثالثًا: أبو داود السجستاني "202-275ه

ـ" 1

هو: سليمان بن الأشعث بن شداد بن عمرو بن عامر أبو داود السجستاني أحد حفاظ الإسلام، وأبرز من رحل وطوَّف، وجمع وصنف، وكتب عن العراقيين، والخراسانيين، والشاميين، والمصريين، والجزريين، والحجازيين، وغيرهم.

وكان من أكثر الأئمة معرفة بالحديث الشريف وعلله وفقهه، وكان ناقدًا بصيرًا.

ولسعة علمه ودقة تحقيقه، كانت له مكانة متميزة عند الأئمة وأهل العلم، وقد أثنوا عليه ثناء حسنًا مبينين سعة حفظه وخبرته بالعلل وصلاحه وورعه.

- ومن شيوخه المشهورين:

الإمام أحمد بن حنبل، ويحيى بن معين، وعثمان بن أبي شيبة، وإسحاق بن راهويه، وعمرو بن محمد الناقد، وسعيد بن منصور، وأبو الوليد الطيالسي، ومخلد بن خالد، وقتيبة بن سعيد، ومسدد بن مسرهد، ومحمد بن المثنى، وخلق كثيرون.

وروى عنه كثيرون من العلماء والأئمة، وعلى رأسهم الإمام أحمد بن حنبل الذي روى عنه حديثًا واحدا، وكان أبو داود يعتز بذلك كثيرًا2.

وممن روى عنه من المشهورين: أبو عيسى الترمذي، وأبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب النسائي، وزكريا الساجي، ومحمد بن نصر المروزي، وأبو بشر محمد بن أحمد الدولابي، وأبو عوانة الإسفراييني، وأبو بكر أحمد بن محمد بن هارون

1 راجع ترجمته في: تهذيب الكمال "11/ 355- 367"، أخبار أصبهان "1/ 334"، تاريخ بغداد "9/ 55"، أنساب السمعاني "7/ 46"، المنتظم "5/ 97"، الكامل في التاريخ "7/ 425"، اللباب "2/ 105"، وفيات الأعيان "2/ 404"، تذكرة الحفاظ "2/ 591"، العبر "2/ 54"، طبقات السبكي "2/ 293"، البداية والنهاية "11/ 54"، تهذيب التهذيب "4/ 298"، طبقات الحفاظ للسيوطي "ص261"، طبقات المفسرين "ص195"، شذرات الذهب "2/ 167"، وغيرها.

2 راجع: تاريخ بغداد "9/ 55"، الخلاصة "ص127".

ص: 327

الخلال، وأبو بكر بن داود الأصفهاني، وحرب بن إسماعيل الكرماني، وإسماعيل بن محمد الصفار

- ثناء العلماء عليه:

قال أبو بكر الخلال1: أبو داود سليمان بن الأشعث، الإمام المقدَّم في زمانه، رجل لم يسبقه إلى معرفته بتخريج العلوم، وبصره بمواضعها أحد في زمانه، رجل ورع مقدم2.

وقال أحمد بن محمد بن ياسين الهروي3: سليمان بن الأشعث أبو داود السجزي، كان أحد حفاظ الإسلام لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلمه وعلله وسنده، في أعلى درجة النسك والعفاف والصلاح والورع، كان من فرسان الحديث4.

وقال إبراهيم الحربي5 وأبو بكر الصاغاني6: أُلين لأبي داود الحديث كما ألين لداود النبي عليه السلام الحديد7.

1 هو أحمد بن محمد بن هارون البغدادي الحنبلي "ت311هـ" له كتب كثيرة، وقد جمع علم الإمام أحمد. انظر ترجمته في:"تذكرة الحفاظ""785"، و"المنهج الأحمد""2/ 5"، وطبقات الحنابلة "2/ 12"، و"البداية والنهاية""11/ 148".

2 "تاريخ بغداد""9/ 57"، و"تهذيب التهذيب""4/ 172"، "تهذيب ابن عساكر""6/ 244".

3 هو أحمد بن محمد بن ياسين الهروي الحداد أبو إسحاق "ت334هـ"، انظر ترجمته في "شذرات الذهب""2/ 335".

4 "تاريخ بغداد""9/ 57"، و"مختصر المنذري""1/ 7"، وتهذيب التهذيب " 4/ 172"، و"تهذيب ابن عساكر""6/ 244".

5 هو إبراهيم بن إسحاق الحربي البغدادي كان حافظًا فقيهًا توفي ببغداد سنة "285". انظر: "معجم الأدباء""371"، و"المنهج الأحمد""1/ 196"، و"تاريخ بغداد""6/ 27"، و"طبقات الحنابلة""1/ 86"، و"شذرات الذهب""2/ 190"، و"تذكرة الحفاظ""584".

6 هو الحافظ محمد بن إسحاق محدث بغداد الإمام الثقة "ت270هـ". انظر: "تاريخ بغداد""1/ 241"، و"تذكرة الحفاظ""573".

7 "البداية والنهاية""11/ 55"، "طبقات الشافعية""2/ 293"، و"تذكرة الحفاظ""591"، و"تهذيب التهذيب""4/ 172"، و"مختصر المنذري""1/ 5"، و"معالم السنن""1/ 12"، و"المنهج الأحمد""1/ 175".

ص: 328

وقال موسى بن هارون الحافظ1: خلق أبو داود في الدنيا للحديث، وفي الآخرة للجنة، ما رأيت أفضل منه2.

وقال علان بن عبد الصمد: كان من فرسان الشأن3.

وقال أبو حاتم بن حبان 4: كان أحد أئمة الدنيا فقهًا وعلمًا وحفظًا ونسكًا وورعًا وإتقانًا، جمع وصنف وذب عن السنن5.

وقال أبو عبد الله بن منده6: الذين أخرجوا وميزوا الثابت من المعلول، والخطأ من الصواب أربعة: البخاري ومسلم، وبعدهما أبو داود والنسائي7.

وقال الحاكم8: أبو داود إمام أهل الحديث في عصره بلا مدافعة9.

وقال محمد بن مخلد10: كان أبو داود يفي بمذاكرة مائة ألف حديث، وأقر له أهل زمانه بالحفظ11.

وقال ابن ماكولا12: هو إمام مشهور.

وكان إبراهيم الأصبهاني وأبو بكر بن صدقة 13 يرفعان من قدره بما لا يذكران أحدًا في زمانه مثله14.

1 هو الحافظ موسى بن هارون الحمال البغدادي البزار "ت294هـ"، وانظر:"تذكرة الحفاظ""669".

2 طبقات الشافعية" "2/ 293"، "تهذيب التهذيب" "4/ 172"، "تهذيب ابن عساكر" "6/ 244".

3 "تهذيب التهذيب""4/ 172"، و"تهذيب الأسماء واللغات""2/ 224".

4 هو أبو حاتم محمد بن حبان البستي والشافعي، صاحب "الصحيح"، و"الثقات"، و"المجروحين""ت254هـ".

5 "تهذيب التهذيب "4/ 172"، و"الخلاصة" للخزرجي "ص127".

6 هو أبو عبد الله محمد بن إسحاق بن مندة الحافظ "ت396هـ".

7 "تهذيب التهذيب""4/ 172".

8 هو محمد بن عبد الله بن محمد الحاكم النيسابوري صاحب "المستدرك"، ولد سنة 331هـ، وتفقه على مذهب الشافعي "ت405هـ".

9 هو محمد بن مخلد بن حفص، الإمام مسند بغداد، عاش 98 سنة، "ت331هـ"، "انظر:"تذكرة الحفاظ 828".

10 تهذيب التهذيب "4/ 172".

11 هو الأمير الحافظ أبو نصر علي بن هبة الله مصنف "الإكمال"، ولد سنة "422هـ" وقتله مماليكه الأتراك سنة 486، وقيل: سنة 475.

12 "تهذيب ابن عساكر""6/ 244".

13 هو الإمام الحافظ أبو بكر أحمد بن محمد بن عبد الله بن صدقة البغدادي "ت293هـ".

14 "تهذيب ابن عساكر""6/ 244"، و"تهذيب التهذيب""4/ 171".

ص: 329

وقال الذهبي1: وبلغنا أن أبا داود كان من العلماء حتى إن بعض الأئمة قال: كان أبو داود يشبه بأحمد بن حنبل في هديه ودله وسمته، وكان أحمد يشبه في ذلك بوكيع، وكان وكيع يشبه في ذلك بسفيان، وسفيان بمنصور، ومنصور بإبراهيم، وإبراهيم بعلقمة، وعلقمة بعبد الله بن مسعود. وقال علقمة: كان ابن مسعود يشبه النبي صلى الله عليه وسلم في هديه ودله2.

ولم يرض السبكي في "طبقاته" أن يمضي بالسلسلة إلى نهايتها؛ بل اختار الوقوف عند ابن مسعود3.

ونقل ابن العماد عن الذهبي أيضًا قوله في أبي داود: كان رأسًا في الحديث، رأسًا في الفقه، ذا جلالة، وحرمة، وصلاح، وورع، حتى أنه كان يشبه بأحمد4.

وقال ابن الجوزي5: كان عالمًا، حافظًا، عارفًا بعلل الحديث، ذا عفاف وورع، وكان يشبه بأحمد بن حنبل6.

- ثناء العلماء على سنن أبي داود:

قال الخطابي: وقد جمع أبو داود في كتابه هذا من الحديث في أصول العلم، وأمهات السنن، وأحكام الفقه ما لا نعلم متقدمًا سبقه إليه، ولا متأخرًا لحقه فيه7، فنال بذلك ثناء الأئمة والعلماء وتقديرهم.

وقال أبو زكريا الساجي: كتاب الله أصل الإسلام، وكتاب "السنن" لأبي داود عهد الإسلام8.

1 هو الإمام، الحافظ، مؤرخ الإسلام، الناقد: محمد بن عثمان الذهبي، الشافعي، الدمشقي "ت748هـ".

2 "تذكرة الحفاظ""ص592".

3 "طبقات الشافعية""2/ 296".

4 "شذرات الذهب""2/ 167".

5 هو عبد الرحمن بن علي إمام مشهور كثير التصنيف "ت594هـ"، وانظر ترجمته بقلمنا في مقدمة "القصاص والمذكرين".

6 "المنتظم""5/ 97".

7 "معالم السنن""1/ 13".

8 "تهذيب ابن عساكر""6/ 244".

ص: 330

وقال محمد بن مخلد: لما صنف أبو داود "السنن" وقرأه على الناس صار لأهل الحديث كالمصحف يتبعونه، وأقر له أهل زمانه بالحفظ فيه1.

وقال ابن الأعرابي -وأشار إلى النسخة وهي بين يديه: لو أن رجلًا لم يكن عنده من العلم إلا المصحف الذي فيه كتاب الله، ثم هذا الكتاب لم يحتج معهما إلى شيء من العلم بتة2.

وعلق الخطابي على كلمة ابن الأعرابي هذه فقال: "وهذا -كما قال- لا شك فيه؛ لأن الله تعالى أنزل كتابه تبيانًا لكل شيء، وقال:{مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ} [الأنعام: 38] فأخبر سبحانه أنه لم يغادر شيئًا من أمر الدين لم يتضمن بيانه الكتاب، إلا أن البيان على ضربين:

بيان جلي تناوله الذكر نصًّا، وبيان خفي اشتمل عليه معنى التلاوة ضمنًا، فما كان من هذا الضرب كان تفصيل بيانه موكلًا إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو معنى قوله سبحانه:{لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} [النحل: 44] فمن جمع بين الكتاب والسنة فقد استوفى وجهي البيان، وقد جمع أبو داود في كتابه هذا من الحديث في أصول العلم وأمهات السنن وأحكام الفقه ما لا نعلم متقدمًا سبقه إليه، ولا متأخرًا لحقه فيه"3.

وقال الخطابي أيضًا: "اعلموا -رحمكم الله- أن كتاب السنن لأبي داود كتاب طريف لم يصنف في علم الدين كتاب مثله، وقد رزق القبول من الناس كافة، وصار حكمًا بين فرق العلماء وطبقات الفقهاء على اختلاف مذاهبهم، فلكل فيه ذود وشرب، وعليه معول أهل العراق وأهل مصر وبلاد المغرب وكثير من مدن أهل الأرض. فأما أهل خراسان فقد أولع أكثرهم بكتابي محمد بن إسماعيل،

1 "تهذيب الأسماء واللغات""2/ 224".

2 "معالم السنن""1/ 12".

3 "معالم السنن""1/ 12، 13".

ص: 331

ومسلم بن الحجاج، ومن نحا نحوهما في جمع الصحيح على شرطهما في السبك والانتقاد، إلا أن كتاب أبي داود أحسن رصفًا وأكثر فقهًا"1.

وقال الخطابي أيضًا: "اعلموا أن الحديث عند أهله على ثلاثي أقسام: حديث صحيح، وحديث حسن، وحديث سقيم، فالصحيح عندهم ما اتصل سنده وعدلت نقلته، والحسن منه ما عرف مخرجه واشتهر رجاله، وعليه مدار أكثر الحديث، وهو الذي يقبله أكثر العلماء، ويستعمله عامة الفقهاء، وكتاب أبي داود جامع لهذين النوعين من الحديث، فأما السقيم منه فعلى طبقات شرها الموضوع، ثم المقلوب -أعني ما قلب إسناده- ثم المجهول، وكتاب أبي داود خليّ منها بريء من جملة وجوهها، فإن وقع فيه شيء من بعض أقسامها لضرب من الحاجة تدعوه إلى ذكره، فإنه لا يألو أن يبين أمره ويذكره علته ويخرج من عهدته، وحكى لنا عن أبي داود أنه قال: "ما ذكرت في كتابي حديثًا اجتمع الناس على تركه". وكان تصنيف علماء الحديث -قبل زمان أبي داود- الجوامع والمسانيد ونحوهما، فتجمع تلك الكتب إلى ما فيها من السنن والأحكام أخبارًا وقصصًا ومواعظ وآدابًا، فأما السنن المحضة، فلم يقصد واحد منهم جمعها واستيفاءها، ولم يقدر على تخليصها واختصار مواضعها من أثناء تلك الأحاديث الطويلة، ومن أدلة سياقها على حسب ما اتفق لأبي داود؛ ولذلك حل هذا الكتاب عند أئمة الحديث وعلماء الأثر محل العجب، فضربت فيه أكباد الإبل، ودامت إليه الرحل"2.

وقال أبو حامد الغزالي عن "سنن أبي داود": إنها تكفي المجتهد في أحاديث الأحكام3.

وقال ابن القيم: "لما كان كتاب "السنن" لأبي داود رحمه الله من

1 معالم السنن "1/ 10، 11".

2 معالم السنن "1/ 11".

3 البداية والنهاية "11/ 55"، وانظر: قواعد التحديث "ص332"، و"مفتاح السنة" للخولي "ص85".

ص: 332

الإسلام بالموضع الذي خصه الله به؛ بحيث صار حكمًا بين أهل الإسلام، وفصلًا في موارد النزاع والخصام، فإليه يتحاكم المنصفون، وبحكمه يرضى المحققون، فإنه جمع شمل أحاديث الأحكام، ورتبها أحسن ترتيب، ونظمها أحسن نظام، مع انتقائها أحسن انتقاء، وإطراحه منها أحاديث المجروحين والضعفاء"1.

وقال ابن حجر في أبي داود:

فاق التصانيف الكبار بجمعه

الأحكام فيها يبذل المجهودا

قد كان أقوى ما رأى في بابه

يأتي به ويحرر التجويدا2

- كتابه "السنن":

ألف أبو داود كتابه "السنن" في وقت مبكر، وعُني بتأليفه وترتيبه عناية بالغة، وأعاد النظر فيه مرات متعددة.

أما كونه ألفه في وقت مبكر، فيدلنا على ذلك ما ذكره مترجمو أبي داود من أنه روى كتابه "السنن" ببغداد ونقله عن أهلها، ويقال: إنه صنفه قديمًا وعرضه على أحمد بن حنبل "ت241هـ"، وذلك قبل مجيئه بغداد، فاستجاده واستحسنه3.

وقد عاصر أبو داود السجستاني كبار الأئمة الذين شرعوا في تمييز الأحاديث الصحيحة من غيرها أمثال البخاري ومسلم؛ ولكن هذين الإمامين وإن كانا قد اهتما بالناحية الفقهية، إلا أنهما لم يفردا أحاديث الأحكام بالتأليف، وهي أهم ما يبحث عنه المسلمون، ويحتاجون إليه كثيرًا لاستنباط الأحكام الفقهية التي يسيرون عليها.

1 "تهذيب ابن القيم""1/ 8".

2 "ديوان ابن حجر""ص20".

3 "تاريخ بغداد""9/ 55"، و"تهذيب التهذيب""4/ 171"، و"مختصر سنن أبي داود""1/ 5"، و"جامع الأصول""1/ 111".

ص: 333

ولهذا رأينا بعض العلماء يتقدمون خطوة أخرى، فيعنون بهذه الناحية أكثر من غيرها، ومن هؤلاء الإمام أبو داود الذي ألف كتابه السنن ولم يُعْنَ فيه كثيرًا بغير أحاديث الأحكام كالمغازي والسير والقصص والآداب.

يقول الخطابي: "وكان تصنيف علماء الحديث قبل زمان أبي داود الجوامع والمسانيد ونحوهما، فتجمع تلك الكتب إلى ما فيها من السنن والأحكام أخبارًا وقصصًا ومواعظ وآدابًا، فأما السنن المحضة، فلم يقصد واحد منهم جمعها واستيفاءها، ولم يقدر على تخليصها واختصار مواضعها من أثناء تلك الأحاديث الطويلة، ومن أدلة سياقها على حسب ما اتفق لأبي داود؛ ولذلك حل هذا الكتاب عند أئمة الحديث وعلماء الأثر محل العجب، فضربت إليه أكباد الإبل، ودامت إليه الرحل"1.

وقد جمع أبو داود سننه في عشرين سنة، وانتقاه من خمسمائة ألف حديث، وظل يقرؤه على الناس حوالي أربعين سنة.

قال أبو داود: "أقمت بطرطوس عشرين سنة أكتب المسند، فكتبت أربعة آلاف حديث، ثم نظرت فإذا مدار الأربعة آلاف على أربعة أحاديث لمن وفقه الله"2، ثم ذكر الأحاديث.

وقال أبو داود: كتبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم خمسمائة ألف حديث، انتخبت منها ما ضمنه هذا الكتاب -يعني السنن- جمعت فيه أربعة آلاف وثمانمائة حديث، ذكرت فيها الصحيح وما يشبهه ويقاربه، وما فيه وهن شديد بينته، ويكفي الإنسان لدينه من ذلك أربعة أحاديث:

أحدها: قوله صلى الله عليه وسلم: "الأعمال بالنيات".

1 معالم السنن "1/ 11".

2 تهذيب الأسماء واللغات للنووي "2/ 224"، وسيأتي ذكر هذه الأحاديث الأربعة قريبًا.

ص: 334

والثاني: قوله صلى الله عليه وسلم: "من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه".

والثالث: قوله صلى الله عليه وسلم: "لا يكون المؤمن مؤمنًا حتى يرضى لأخيه ما يرضاه لنفسه".

والرابع: قوله صلى الله عليه وسلم: "الحلال بيِّن والحرام بيِّن، وبَيْنَ ذلك أمور مشتبهات"1.

- شروط أبي داود في سننه:

بيَّن الخطابي شروط أبي داود في كتابه السنن، وهو أنه جمع فيه الحديث الصحيح والحديث الحسن، وأما الحديث السقيم بأنواعه المختلفة كالموضوع والمقلوب الإسناد، والمجهول الرواة فيرى الخطابي أن سنن أبي داود خلا منها، وهو منه بريء من جملة وجوه، ثم بيَّن الخطابي أنه قد تدعو الحاجة أبا داود إلى شيء من هذا السقيم، فيميزه حتى يعرف الناس علته ويخرج من عهدته2.

وحكى ابن الصلاح عن أبي داود نفسه أنه روى في سننه الصحيح وما يشبهه ويقاربه، وأنه بين ما فيه وَهَنٌ شديد.

وحكى ابن الصلاح عن ابن منده، ما أشار إليه من أن أبا داود لم يخرج عمن جمعوا على تركه، وأنه قد يخرج الإسناد الضعيف إذا لم يجد في الباب غيره.

قال الإمام الحافظ أبو عمرو بن الصلاح "ت642هـ" في مقدمته ما نصه: ومن مظانه -يعني الحديث الحسن- سنن أبي داود السجستاني رحمه الله روينا عنه أنه قال: ذكرت فيه الصحيح وما يشبهه ويقاربه، وروينا عنه أيضًا ما معناه أنه ذكر في كل باب أصح ما عرفه في ذلك الباب، وقال: ما كان في كتابي من

1 تاريخ بغداد "9/ 57"، كشف الظنون "2/ 1004"، وفيات الأعيان "2/ 404"، جامع الأصول "1/ 111"، فتح الباري "1/ 129"، وأورد ابن حجر هذين البيتين:

عمدة الدين عندنا كلمات

مسندات من قول خير البرية

اترك الشبهات، وازهد، ودع ما

ليس يعينك، واعملنَّ بنيَّة

2 راجع: معالم السنن "1/ 6".

ص: 335

حديث فيه وهن شديد، فقد بينته، وما لم أذكر فيه شيئًا فهو صالح، وبعضها أصح من بعض.

قال ابن الصلاح: فعلى هذا ما وجدناه في كتابه مذكورًا مطلقًا وليس في واحد من الصحيحين، ولا نص على صحته أحد ممن يميز بين الصحيح والحسن، عرفنا بأنه من الحسن عند أبي داود، وقد يكون في ذلك ما ليس بحسن عنده، ولا مندرج فيما حققنا ضبط الحسن به؛ إذ حكى أبو عبد الله بن منده الحافظ أنه سمع محمد بن سعد الباوردي بمصر يقول: كان من مذهب أبي عبد الرحمن النسائي أن يخرج عن كل من لم يجمع على تركه، قال ابن منده: وكذلك أبو داود السجستاني يأخذ مأخذه ويخرج الإسناد الضعيف إذا لم يجد في الباب غيره؛ لأنه أقوى عنده من رأي الرجال1. اهـ.

وقال السيوطي في التدريب: "فعلى ما نقل عن أبي داود يحتمل أن يريد بقوله: "صالح" الصالح للاعتبار دون الاحتجاج، فيشمل الضعيف أيضًا؛ لكن ذكر ابن كثير أنه روى عنه: "وما سكت عنه فهو حسن"، فإن صح ذلك فلا إشكال"2. اهـ.

وقال أبو داود في رسالته إلى أهل مكة مبينًا شروطه في كتابه السنن: "إنكم سألتموني أن أذكر لكم الأحاديث التي في كتاب السنن أهي أصح ما عرفت في الباب، فاعلموا أنه كله كذلك، إلا أن يكون قد رُوي من وجهين أحدهما أقوم إسنادًا، والآخر أقوم في الحفظ، فربما كتبت ذلك، ولا أرى في كتابي من هذا عشرة أحاديث، ولم أكتب في الباب إلا حديثًا أو حديثين، وإن كان في الباب أحاديث صحاح، فإنها تكثر، وإنما أردت قرب منفعته، فإذا أعدت الحديث في الباب من وجهين أو ثلاثة، فإنما هو من زيادة كلام فيه، وإنما تكون فيه كلمة زائدة على الأحاديث، وربما اختصرت الحديث الطويل؛ لأني لو كتبته بطوله لم يعلم

1 المقدمة "ص18" في النوع الثاني.

2 تدريب الراوي "1/ 207"، مؤسسة الرسالة.

ص: 336

بعض من يسمعه المراد منه، ولا يفهم موضع الفقه منه فاختصرته لذلك، وأما المراسيل فقد كان يحتج بها العلماء فيما مضى مثل سفيان الثوري، ومالك، والأوزاعي، حتى جاء الشافعي فتكلم فيها، وتابعه على ذلك أحمد بن حنبل، وغيره، فإذا لم يكن مسند غير المراسيل، فالمرسل يحتج به، وليس هو مثل المتصل في القوة، وليس في كتاب السنن الذي صنفته عن رجل متروك الحديث شيء، فإذا كان فيه حديث منكر بينته أنه منكر، وليس على نحوه في الباب غيره، وما كان في كتابي من حديث فيه وهن شديد فقد بينته، ومنه ما لا يصح سنده، وما لم أذكر فيه شيئًا فهو صالح، وبعضها أصح من بعض، وهو كتاب لا ترد عليك سُنة عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا وهي فيه، ولا أعلم شيئًا بعد القرآن ألزم للناس أن يتعلموه من هذا الكتاب، ولا يضر رجلًا ألا يكتب من العلم شيئًا بعدما يكتب هذا الكتاب، وإذا نظر فيه وتدبره وتفهمه حينئذ يعلم مقداره، وأما هذه المسائل مسائل الثوري، ومالك والشافعي، فهذه الأحاديث أصولها

والأحاديث التي وضعتها في كتاب السنن أكثرها مشاهير، وهي عند كل من كتب شيئًا من الأحاديث إلا أن تمييزها لا يقدر عليه كل الناس، فالحديث المشهور المتصل الصحيح ليس يقدر أن يرده عليك أحد، وأما الحديث الغريب، فإنه لا يحتج به، ولو كان من رواية الثقات من أئمة العلم. قال إبراهيم النخعي: كانوا يكرهون الغريب من الحديث. وقال يزيد بن أبي حبيب: إذا سمعت الحديث فانشده كما تنشد الضالة، فإن عرف إلا فدعه، ولم أصنف في كتاب السنن إلا الأحكام، فهذه أربعة آلاف وثمانمائة كلها في الأحكام، فأما أحاديث كثيرة في الزهد والفضائل وغيرها، فلم أخرجها والسلام عليكم"1.

وقال الصنعاني: "قال أبو داود: ما كان في كتابي هذا من حديث فيه وهن شديد بينته، وما لم أذكر فيه شيئًا فهو صالح. قال الزين: أي للاحتجاج"2.

1 نقلًا عن مقدمة ابن الصلاح "ص55".

2 توضيح الأفكار "1/ 197".

ص: 337

وقال ابن عبد البر: "كل ما سكت عليه أبو داود فهو صحيح عنده، لا سيما إن كان لم يذكر في الباب غيره"1.

وقال الذهبي فيما نقله عنه السبكي: "وقد وفَّى بذلك، فإنه بين الضعيف الظاهر، وسكت عن الضعيف المحتمل، فما سكت عنه لا يكون حسنًا عنده، ولا بد؛ بل قد يكون مما فيه الضعف"2.

وزعم الحافظ السلفي أنا ما في سنن أبي داود صحيح؛ لأنه أحد الكتب الخمسة التي "اتفق على صحتها علماء المشرق والمغرب"2.

فرد عليه ابن الصلاح قائلًا: "وهذا تساهل؛ لأن فيها ما صرحوا بكونه ضعيفًا أو منكرًا أو نحو ذلك من أوصاف الضعيف، وصرح أبو داود فيما قدمنا من روايته عنه بانقسام ما في كتابه إلى صحيح وغيره"3.

فابن الصلاح يرى أن الأحاديث التي سكت عنها أبو داود حسنة، لا صحيحة كما زعم الحافظ السلفي، والسبب في موقف ابن الصلاح أنه كان يرى أن ليس للمتأخر أن يجرؤ على الحكم بصحة حديث ليس في أحد الصحيحين، أو لم ينص على صحته أحد من أئمة الحديث السابقين.

وقال الأستاذ أحمد شاكر: "إن ابن الصلاح يحكم بحسن الأحاديث التي سكت عنها أبو داود، ولعله سكت عن أحاديث في السنن، وضعفها في شيء من أقواله الأخرى كإجاباته للآجري في الجرح والتعديل، والتصحيح والتعليل، فلا يصح إذن أن يكون ما سكت عنه في "السنن" وضعفه في موضع آخر من كلامه حسنًا؛ بل يكون عنده ضعيفًا، وإنما لجأ ابن الصلاح إلى هذا اتباعًا لقاعدته التي سار عليها من أنه لا يجوز للمتأخرين التجاسر على الحكم بصحة حديث لم يوجد في أحد الصحيحين، أو لم ينص أحد من أئمة الحديث على صحته"4.

1 نقلًا عن: توضيح الأفكار "1/ 197".

2 طبقات السبكي "2/ 293".

3 علوم الحديث "36، 37".

4 الباعث الحثيث "ص42".

ص: 338

وقال في موضع آخر: "وقد رد العراقي وغيره قول ابن الصلاح هذا، وأجازوا لمن تمكن وقويت معرفته أن يحكم بالصحة أو بالضعف على الحديث بعد الفحص عن إسناده وعلله، وهو الصواب. والذي أراه أن ابن الصلاح ذهب إلى ما ذهب إليه بناء على القول بمنع الاجتهاد بعد الأئمة، فكما حظروا الاجتهاد في الفقه أراد ابن الصلاح أن يمنع الاجتهاد في الحديث، وهيهات فالقول بمنع الاجتهاد قول باطل لا برهان عليه من كتاب ولا سنة ولا تجد له شبه دليل"1.

- ويتضح من كلام أبي داود وغيره مما سبق ما يلي:

أولًا: أنه اهتم في سننه بجمع ما هو صحيح، وحسن، أو صالح للاحتجاج.

ثانيًا: أنه قد يخرج الحديث الضعيف إذا لم يجد في الباب غيره؛ لأنه أقوى من رأي الرجال.

ثالثًا: أنه يبين الأحاديث التي فيها وهن شديد.

رابعًا: أن ما سكت عنه فهو صالح عنده.

خامسًا: أنه يختار من الأحاديث الصحيحة طريقًا أو طريقين ويترك الطرق الأخرى، وربما فعل ذلك تجنبًا للضخامة وكبر الحجم.

سادسًا: أنه اختصر الحديث الطويل ليُفهم موضع الفقه منه.

وأما قوله: "وليس في كتاب السنن الذي صنفته عن رجل متروك الحديث شيء"، فقد يكون مراده: أنه لم يخرج لمتروك الحديث عنده على ما ظهر له، أو لمتروك مجمع على ترك حديثه إلا وبينه2.

وأما الأحاديث التي سكت عنها: فمنها المتفق عليه، ومنها الموجود في أحد الصحيحين، ومنها ما هو على شرط الصحة، ومنها ما هو حسن لذاته، ومنها ما

1 الباعث الحثيث "ص29". قال الحافظ السيوطي: "والأحوط في مثل ذلك أن يعبر عنه بصحيح الإسناد، ولا يطلق التصحيح لاحتمال علة للحديث خفيت عليه، وقد رأيت من يعبر خشية من ذلك بقوله: صحيح إن شاء الله، وكثيرًا ما يكون الحديث ضعيفًا أو واهيًا، والإسناد صحيح مركب عليه

". تدريب الراوي "1/ 183".

2 راجع: شروط الأئمة الخمسة "ص54".

ص: 339

هو حسن لغيره، ومنها ما فيه راوٍ ضعيف، ولكنه محتمل؛ لعدم الاتفاق على ترك حديثه، أو لعدم شدة ضعفه، ولا ينبغي لنا أن نستنبط من سكوت أبي داود الاحتجاج بكل ما سكت عنه.

قال الحافظ ابن حجر العسقلاني: "ومن هنا يظهر ضعف طريقة من يحتج بكل ما سكت عليه أبو داود، فإنه يخرج أحاديث جماعة من الضعفاء في الاحتجاج، ويسكت عنها مثل ابن لهيعة

فلا ينبغي للناقد أن يقلده في السكوت على أحاديثهم، وقد يخرج لمن هو أضعف من هؤلاء بكثير كالحارث بن دحية، وصدقة الدقيقي، وعثمان بن واقد العمري، وكذلك ما فيه من الأسانيد المنقطعة، وأحاديث المدلسين بالعنعنة، والأسانيد التي فيها من أبهمت أسماؤهم"1.

- الضعيف في سنن أبي داود:

صرح أبو داود -رحمة الله تعالى عليه- في سننه بتضعيف بعض الأحاديث، ويرى بعض العلماء أن في السنن أيضًا أحاديث ضعيفة لم يصرح أبو داود بضعفها، إما لأن ضعفها محتمل عنده وليس بشديد، وإما لأنه صرح في غير "السنن" بضعفها، كما ذكر ذلك الأستاذ أحمد شاكر في النص الذي أوردناه قبل قليل.

فالأحاديث التي صرَّح بضعفها أمرها هين، وكذلك الأحاديث التي سكت عنها وأخرجها الشيخان أو أحدهما فهي صحيحة، أما الأحاديث التي سكت عنها وليست من هذا القبيل ولا ذاك، فإننا نستطيع أن نحكم عليها بالنظر في أسانيدها، فما حكم له سنده بالصحة كان صحيحًا، وما حكم له سنده بالضعف كان ضعيفًا.

ومن الجدير بالذكر أن ننوه هنا بأن المنذري وابن الصلاح وغيرهما ذكروا أن محمد بن إسحاق بن منده الحافظ حكى أن شرط أبي داود والنسائي إخراج حديث

1 المنهل العذب المورود، لمحمد خطاب السبكي، نقلًا عن التحفة المرضية للقاضي حسين بن محسن اليماني "1/ 18".

ص: 340

أقوام لم يجتمع على تركهم، ويحكون عن أبي داود أنه قال:"ما ذكرت في كتابي حديثًا اجتمع الناس على تركه"1.

وهذا الذي يحكونه عن أبي داود أدق من كلمته الواردة في رسالته إلى أهل مكة وهي: "وليس في كتاب السنن عن رجل متروك الحديث شيء"؛ إذ قد أخرج عن أبي جَنَاب يحيى بن أبي حية الكلبي2، ومحمد بن عبد الرحمن البَيْلَمَاني3، وهما من المتروكين وإن وجد من يزكيهما، فلا يعد أمثالهما من المجتمع على تركهم.

ورَوى عن جابر الجعفي، فقد أخرج له الحديث رقم "1036"، ونصه:"إذا قام الإمام في الركعتين، فإن ذكر قبل أن يستوي قائمًا، فليجلس، فإن استوى قائمًا، فلا يجلس، ويسجد سجدتي السهو"، ثم قال عقبه:"وليس في كتابي عن جابر الجعفي إلا هذا الحديث"4.

وقد ترجم الذهبي في "الميزان" لجابر هذا، وذكر ما يدل على ضعفه واتهامه5. وذكر أبو داود في كتابه السنن عمرو بن ثابت6 وهو رافضي، وقد قرر ذلك أبو داود نفسه، فقال بعد أن أورد الحديث رقم "287": "ورواه عمرو بن ثابت عن ابن عقيل

" ثم قال أبو داود: "وعمرو بن ثابت رافضي، رجل سوء؛ ولكنه كان صدوقًا في الحديث"7. وروى أيضًا عن الحارث الأعور8 الحديث رقم "908"، وفي الحارث كلام كثير9.

وقال ابن كثير في "البداية والنهاية: "قال أبو داود: ثنا قتيبة بن سعيد، ثنا نوح

1 "مختصر المنذري""1/ 8"، و"علوم الحديث""33"، و"توجيه النظر""150"، و"قواعد التحديث""331".

2 انظر: "الميزان""4/ 371".

3 انظر: "سنن أبي داود""1/ 373- 374".

5 انظر: "الميزان""1/ 379".

6 انظر ترجمته في "الميزان""3/ 249".

7 انظر: "السنن""1/ 330".

8 انظر ترجمته في "الميزان""1/ 435".

9 انظر: "السنن""1/ 330".

ص: 341

ابن قيس، عن يزيد بن كعب، عن عمرو بن مالك، عن أبي الجوزراء، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: السجل كاتب النبي صلى الله عليه وسلم وهكذا رواه النسائي

ورواه أبي جعفر بن جرير في تفسيره عند قوله تعالى: {يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ} [الأنبياء: 104]

وقد عرضت هذا الحديث على شيخنا الحافظ الكبير الحافظ المزي فأنكره جدًّا، وأخبرته أن شيخنا العلامة أبا العباس ابن تيمية كان يقول: هو حديث موضوع وإن كان في سنن أبي داود. قال شيخنا المزي: وأنا أقوله"1.

- لماذا أورد في كتابه الحديث الضعيف؟ 2

أورد أبو داود بعض الأحاديث الضعيفة في كتابه للأمور الآتية:

1-

لأن طريقته في التصنيف هي أن يجمع كل الأحاديث التي تتضمن أحكامًا فقهية ذهب إلى القول بها عالم من العلماء.

2-

لأنه كان يرى أن الحديث الضعيف -إن لم يكن شديد الضعف- أقوى من رأي الرجال ومن القياس "حكى ابن منده أنه سمع محمد الباوردي يقول: كان من مذهب النسائي أن يخرج عن كل من لم يجمع على تركه، قال ابن منده: وكذلك أبو داود السجستاني يأخذ مأخذه، ويخرج الإسناد الضعيف إذا لم يجد في الباب غيره أقوى عنده من رأي الرجال"3.

وحكى ابن العربي عن أبي داود أنه قال لابنه: "إن أردت أن أقتصر على ما صح عندي لم أرَ من هذا المسند إلا الشيء بعد الشيء؛ ولكنك يا بني تعرف طريقي في الحديث أني لا أخالف ما يضعف إلا إذا كان في الباب ما يدفعه"4.

1 "البداية والنهاية""5/ 347"، وانظر:"تفسير ابن كثير""3/ 200"، و"تفسير الطبري""17/ 100"، و"الإصابة""2/ 15"، و"السنن الكبرى" للنسائي "1/ 126".

2 انظر أسباب ذلك في كتاب "أبو داود: حياته وسننه""ص56، 57"، للدكتور/ محمد لطفي الصباغ، المكتب الإسلامي، بيروت، ط "2"، 1405هـ-1985م.

3 "علوم الحديث""33، 34"، و"توجيه النظر""150".

4 "المنهل العذب المورود" للشيخ محمود خطاب السبكي "1/ 18".

ص: 342

3-

أما إذا كان الحديث شديد الضعف، فإنما يورده ليدل على عدم تبنِّيه لمضمونه، وكأنه بذلك يرد على الآخرين به قائلًا: ليس لكم دليل بهذا الحديث على رأيكم؛ لأن الحديث شديد الضعف. ومثال ذلك ما جاء في باب النهي عن التلقين1 حيث عقد الباب على حديث ضعيف ولم يورد في الباب غيره، فقد جاء بالحديث رقم "98" فقط وهو: عن أبي إسحاق، عن الحارث، عن علي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا علي! لا تفتح على الإمام في الصلاة". قال أبو داود: أبو إسحاق لم يسمع من الحارث إلا أربعة أحاديث ليس هذا منها2.

أي: أن الحديث منقطع، فإذا أضفنا إلى ذلك أن الحارث بن عبد الله الأعور نفسه ضعيف عند الجمهور، عرفنا أن الحديث شديد الضعف.

- منهج أبي داود في سننه:

رتب أبو داود أحاديثه ترتيبًا فقهيًّا، وصنفها على كتب، تندرج تحتها أبواب، واشتمل على الكتب الفقهية الآتية:

1-

كتاب الطهارة.

2-

كتاب الصلاة.

3-

كتاب الزكاة.

4-

كتاب اللقطة.

5-

كتاب المناسك "الحج".

6-

كتاب النكاح.

7-

كتاب الطلاق.

8-

كتاب الصوم.

9-

كتاب الجهاد.

10-

كتاب الضحايا "الأضحية".

11-

كتاب الصيد.

12-

كتاب الوصايا.

13-

كتاب الفرائض.

14-

كتاب الخراج والإمارة والفيء.

15-

كتاب الجنائز.

16-

كتاب الأيمان والنذور.

1، 2 انظر:"السنن""1/ 330".

ص: 343

17-

كتاب البيوع والإجارات.

18-

كتاب الأقضية.

19-

كتاب العلم.

20-

كتاب الأشربة.

21-

كتاب الأطعمة.

22-

كتاب الطب.

23-

كتاب العتق.

24-

كتاب الحروف والقراءات.

25-

كتاب الحمام.

26-

كتاب اللباس.

27-

كتاب الترجل.

28-

كتاب الخاتم.

29-

كتاب الفتن والملاحم.

30-

كتاب المهدي.

31-

كتاب الملاحم.

32-

كتاب الحدود.

33-

كتاب الديات.

34-

كتاب السُّنَّة.

35-

كتاب الأدب.

ومن خلال تأمل كتاب أبي داود يتضح الآتي1:

1-

يبدأ أولًا الأبواب بذكر الأحاديث الصحيحة، وقد يسوق بعدها أحيانًا غير الصحيحة.

2-

أنه يذكر أكثر من طريق للمتن عندما يريد أن يؤكد حكمًا فقهيًّا، كما في كتاب الصلاة في باب:"المرأة لا تقطع الصلاة" ذكر خمسة أحاديث وكلها تبين أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يصلي وعائشة بينه وبين القبلة معترضة؛ مما يدل على أن المرأة لا تقطع الصلاة2.

3-

وأنه يعنَى بالتنبيه على اختلاف الرواة في ألفاظ المتون التي تلتقي في موضوع واحد، ومن ذلك ما جاء أيضًا في باب المرأة لا تقطع الصلاة: "حدثنا

1 راجع كتب السنة الجزء الثاني، د. رفعت فوزي "مخطوط بالآلة الكاتبة".

2 سنن أبي داود "1/ 456، 457""112"، باب من قال:"المرأة لا تقطع الصلاة"، الأحاديث من "710" إلى "714".

ص: 344

عثمان بن أبي شيبة، حدثنا محمد بن بشر "ح" قال أبو داود: وحدثنا القعنبي، حدثنا عبد العزيز -يعني ابن محمد، وهذا لفظه- عن محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن عائشة، أنها قالت: كنت أنام وأنا معترضة في قبلة رسول الله صلى الله عليه وسلم فيصلي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أمامه إذا أراد أن يوتر". زاد عثمان: "غمزني"، ثم اتفقا "فقال: تَنَحَّيْ"1.

ففي هذا الحديث ثلاثة تنبيهات:

الأول: أن عبد العزيز هو ابن محمد "يعني الدراوردي حتى لا يلتبس بغيره".

والثاني: أن هذا الحديث لفظ عبد العزيز بن محمد وليس لفظ محمد بن بشر.

والثالث: أن عثمان بن أبي شيبة زاد في لفظ الحديث عن عبد العزيز كلمة "غمزني"؛ وهذا يدل على دقة أبي داود في روايته، وحرصه على نسبة ألفاظ الحديث إلى رواتها، كما هو الحال مع كثير من المحدثين؛ حفاظًا على السُّنة.

4-

يذكر ما يخدم الناحية الفقهية التي عُنِيَ بها كتابه، ومن ذلك:

أ- أنه يذكر بعض القواعد التي تتبع عندما يبدو تعارض ظاهر الأحاديث؛ ليلفت نظرنا إلى الفهم الصحيح، ففي الأبواب التي روى فيها أحاديث تقول: إن الصلاة تقطعها أشياء، وأخرى تقول: إن الصلاة لا تقطعها هذه الأشياء2.

يذكر عقبها هذه القاعدة: "إذا تنازع الخبران عن رسول صلى الله عليه وسلم نُظِرَ إلى ما عمل به أصحابه من بعده"3.

ب- ينقل أقوال بعض الأئمة تعقيبًا على بعض الأحاديث، ففي "باب

1 المصدر السابق، حديث رقم "714".

2 انظر: سنن أبي داود "1/ 442- 460"، كتاب الصلاة الأبواب:"102" حتى "115" التي اشتملت على الأحاديث "685- 720".

3 سنن أبي داود "1/ 460" نهاية الباب رقم "115" باب من قال: لا يقطع الصلاة شيء - عقب حديث رقم "720".

ص: 345

المحرم يموت كيف يصنع به" بعد أن روى حديث ابن عباس قال: أُتي النبي صلى الله عليه وسلم برجل وَقَصَتْهُ راحلته، فمات وهو محرم، فقال: "كفونه في ثوبيه واغسلوه بماء وسدر، ولا تخمروا رأسه، فإن الله يبعثه يوم القيامة يلبي" 1.

قال أبو داود: سمعت أحمد بن حنبل يقول: في هذا الحديث خمس سنن: "كفنوه في ثوبيه" أي: يكفن الميت في ثوبين، "واغسلوه بماء وسدر" أي: إن في الغسلات كلها سدرًا، "ولا تخمروا رأسه": ولا تقربوه طيبًا، وكان الكفن من جميع المال.

وفي "باب الرجل يُكَفِّر قبل أن يحنث" قال أبو داود: سمعت أحمد بن حنبل يرخص فيها: الكفارة قبل الحنث2.

جـ- يذكر بعض آراء السلف، ويختار منها؛ فقد روى حديث خالد بن الوليد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن أكل لحوم الخيل، والبغال، والحمير، وكل ذي ناب من السباع3.

ثم علق أبو داود عليه بقوله: "وهو قول مالك"، ثم قال أيضًا:"لا بأس بلحوم الخيل، وليس العمل عليه"، ثم قال أيضًا:"وهذا منسوخ، فقد أكل لحوم الخيل جماعة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم منهم: ابن الزبير، وفضالة بن عبيد، وأنس بن مالك، وأسماء بنت أبي بكر، وسويد بن غفلة، وعلقمة، وكانت قريش في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم تذبحها"4.

وروى عن أم سلمة قالت: كنت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وعنده ميمونة، فأقبل ابن أم مكتوم، وذلك بعد أن أُمِرْنَا بالحجاب، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:

1 سنن أبي داود "3/ 560""15"، كتاب الجنائز "84"، باب المحرم يموت كيف يصنع به، حديث "3238".

2 سنن أبي داود "3/ 585""16"، كتاب الأيمان والنذور "17"، باب: الرجل يكفر قبل أن يحنث - عقب حديث رقم "3277".

3 سنن أبي داود "4/ 151، 152""21" كتاب الأطعمة "26" باب في أكل لحوم الخيل - حديث رقم "3790".

4 في الموضع السابق، عقب الحديث المذكور "3790".

ص: 346

"احتجبا منه"، فقلنا: يا رسول الله، أليس أعمى، لا يبصرنا ولا يعرفنا؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"أفعمياوان أنتما، ألستما تبصرانه؟! "1.

قال أبو داود: هذا لأزواج النبي صلى الله عليه وسلم خاصة، ألا ترى إلى اعتداد فاطمة بنت قيس عند ابن أم مكتوم، قد قال النبي صلى الله عليه وسلم لفاطمة بنت قيس:"اعتدي عند ابن أم مكتوم، فإنه رجل أعمى تضعين ثيابك عنده"2.

وفي المستحاضة بعد أن روى ما يفيد أن المستحاضة تدع الصلاة أيام أقرائها ثم تغتسل وتتوضأ قال: "وهو قول الحسن، وسعيد بن المسيب، وعطاء، ومكحول، وإبراهيم، وسالم، والقاسم: إن المستحاضة تدع الصلاة أيام أقرائها"3.

كما روى عن ربيعة: "أنه كان لا يرى على المستحاضة وضوءًا إلا عند كل صلاة إلا أن يصيبها حدث غير الدم"4، فتوضأ، ثم ذكر أن ذلك قول مالك، فقال أبو داود: هذا قول مالك يعني ابن أنس5.

- شروحه ومختصراته:

شرح السنن كثير من العلماء، منهم:

1-

الإمام أبو سليمان الخطابي "ت 328م"، في كتابه "معالم السنن""مطبوع".

2-

وقطب الدين أبو بكر اليمني الشافعي "ت 652هـ".

3 وشهاب الدين الرملي "ت 848هـ" وغيرهم.

1 سنن أبي داود "4/ 361، 362""26" كتاب اللباس "37" باب في قوله عز وجل: {وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنّ} [النور: 31] حديث رقم "4112".

2 الموضع السابق "4/ 362" عقب الحديث المذكور رقم "4112".

3 سنن أبي داود "1/ 194""1" كتاب الطهارة "108" باب في المرأة التي تستحاض، ومن قال: تدع الصلاة في عدة الأيام التي كانت تحيض في آخر تعقيبه على الحديث رقم "281".

4 سنن أبي داود "1/ 214""1" كتاب الطهارة "118" باب من لم يذكر الوضوء إلا عند الحدث - رقم "306".

5 الموضع السابق "1/ 215" عقب الحديث المذكور رقم "306". وقد قال الخطابي: "وقول ربيعة شاذ، ليس عليه العمل" هامش سنن أبي داود "1/ 214".

ص: 347

واختصرها الحافظ عبد العظيم المنذري صاحب الترغيب والترهيب المتوفَّى سنة "656هـ".

وهذب المختصر ابن قيم الجوزية المتوفَّى "751هـ" ذكر فيه أن الحافظ المنذري قد أحسن في اختصاره، فهذبته نحو ما هذب هو به الأصل، وزدت عليه من الكلام على علل سكت عنها إذ لم يكملها، وتصحيح أحاديثه، والكلام على متون مشكلة لم يفتح معضلها، وقد بسطت الكلام على مواضع لعل الناظر لا يجدها في كتاب سواه1.

1 كشف الظنون "1/ 478"، مفتاح السُّنة "ص86".

ص: 348

رابعًا: أبو عيسى الترمذي "209-279هـ" 1

هو: محمد بن عيسى بن سورة بن موسى الترمذي، أحد الأئمة الحفاظ المبرزين، تلميذ الإمام البخاري، ومشاركه فيما يرويه في عدة من مشايخه "مثل: قتيبة بن سعيد، وعلي بن حُجْر، وابن بشار، وغيرهم". سمع منه شيخه البخاري وغيره، وكان مبرزًا على الأقران، آية في الحفظ والإتقان، طاف البلاد، وسمع خلقا كثيرًا من الخراسانيين، والعراقيين، والحجازيين، وغيرهم؛ ولهذا كله اتسعت معرفته بعلوم الحديث رواية ودراية، ولم يكن راوية للحديث فقط، وإنما جمع إلى ذلك الفقه واستنباط الأحكام الشرعية، والوقوف على الآراء الفقهية المختلفة للأئمة، ونقد بعضها أحيانًا

- شيوخه وتلاميذه:

أدرك الترمذي كثيرًا من قدماء الشيوخ وسمع منهم، وكان عصره عصر النهضة العلمية العظيمة في علوم الحديث، وهي النهضة التي نرى أن الذي أثارها -أو كانت له اليد الطولى في إحيائها وبعثها- هو الإمام محمد بن إدريس الشافعي المطلبي ناصر الحديث "150-204هـ"؛ إذ علَّم الناس عامة، وأهل العراق ثم مصر خاصة، معنى الاحتجاج بالسنة، ومعنى العمل بها مع القرآن، وحدد أصول ذلك وحررها، وأقام الحجة على مناظره بوجوب الأخذ بالحديث وأفحمهم، وعن ذلك ترى أن الأئمة أصحاب الكتب الستة نبغوا في الطبقة التالية لعصر الشافعي مباشرة، وإن لم يدركوه رؤية وسماعًا لتقدم موته؛ ولكنهم أدركوا أقرانه

1 راجع ترجمته في: تهذيب الكمال "26/ 250- 252"، الأنساب للسمعاني "3/ 45"، وفيات الأعيان "4/ 278"، سير أعلام النبلاء "13/ 270"، تهذيب التهذيب "9/ 387- 389"، التقريب "2/ 198"، شذرات الذهب لابن العماد "2/ 174- 175"، العبر "1/ 442، 444"، "2/ 62"، ميزان الاعتدال "3/ 117" ترجمة رقم "8035"، ثقات ابن حبان "9/ 153"، تذكرة الحفاظ "2/ 187- 188"، النجوم الزاهرة لابن تغري بردي "3/ 81 - 82"، مفتاح السعادة لطاش كبرى زاده "2/ 11"، كشف الظنون "1/ 375"، الفهرست لابن النديم "ص325"، الكامل لابن الأثير "7/ 164- 165"، توضيح الأفكار على تنقيح الأنظار "1/ 170".

ص: 349

ومعاصريه ومناظريه وكبار تلاميذه، وهاك بيانًا عن تواريخ مولد كل منهم ووفاته؛ لتظهر المقارنة بينهم واضحة:

البخاري: محمد بن إسماعيل أبو عبد الله، ولد في شوال سنة 194هـ، ومات يوم السبت غرة شوال سنة 256هـ.

مسلم: مسلم بن الحجاج القشيري أبو الحسين، ولد في سنة 204، ومات في 25 رجب سنة 261هـ.

الترمذي: محمد بن عيسى أبو عيسى، ولد في سنة 209هـ، ومات في 13 رجب سنة 279هـ.

أبو داود: سليمان بن الأشعث السجستاني، ولد سنة 202، ومات في شوال سنة 275هـ.

النسائي: أحمد بن شعيب أبو عبد الرحمن، ولد سنة 215هـ، ومات في 13 صفر سنة 303هـ.

ابن ماجه: محمد بن يزيد بن ماجه أبو عبد الله، ولد سنة 209هـ، ومات في 22 رمضان سنة 273هـ.

وقد روى هؤلاء الأئمة الستة عن شيوخ كثيرين، فتفرد بعضهم بالرواية عن بعض الشيوخ، واشترك بعضهم مع غيره في الرواية عن آخرين، واشتركوا جميعًا في الرواية عن تسعة شيوخ فقط وهم:

1-

محمد بن بشار بندار "167-250هـ".

2-

محمد بن المثني أبو موسى "167-252هـ".

3-

زياد بن يحيى الحساني "ت 254هـ".

4-

عباس بن عبد العظيم العنبري "ت 246هـ".

5-

أبو سعيد الأشج عبد الله بن سعيد الكندي "ت 257هـ".

6-

أبو حفص عمرو على الفلاس "ولد بعد سنة 160هـ، ومات سنة 249هـ".

ص: 350

7-

يعقوب بن إبراهيم الدَّوْرَقي "166-252هـ".

8-

محمد بن معمر القيسي البحراني "ت 256هـ".

9-

نصر بن على الجهضمي "ت 250هـ".

وقد أدرك أبو عيسى الترمذي شيوخًا أقدم من هؤلاء، وسمع منهم، وروى عنهم في كتابه هذا، منهم:

- عبد الله بن معاوية الجمحي "ت 243هـ" وقد جاوز المائة.

- علي بن حجر المروزي "ت 244هـ" وقد قارب المائة.

- سويد بن نصر بن سويد المروزي "ت 240هـ"، عن 91 سنة.

- قتيبة بن سعيد الثقفي، أبو رجاء "150-240هـ".

- أبو مصعب أحمد بن أبي بكر الزهري المدني "150-242هـ".

- محمد بن عبد الملك بن أبي الشوارب "ت 244هـ".

- إبراهيم بن عبد الله بن حاتم الهروي "178-244هـ".

- إسماعيل بن موسى الفزاري السدي "ت 245هـ".

وغير هؤلاء أيضًا، وكثير من شيوخ البخاري والترمذي تلميذ البخاري وخريجه، وعنه أخذ علم الحديث، وتفقه فيه، وسأله واستفاد منه.

وقد طاف أبو عيسى البلاد، وسمع خلقًا من الخراسانيين، والعراقيين، والحجازين.

والرواة عن أبي عيسى الترمذي كثيرون، ذكر بعضهم في تذكرة الحفاظ وفي التهذيب، وأهمهم عندنا ذكرًا المحبوبي راوي كتاب الجامع عنه، ترجم له ابن العماد في شذرات الذهب "2/ 373"، قال:"أبو العباس المحبوبي محمد بن أحمد بن محبوب المروزي، محدث مرو، وشيخها ورئيسها، توفي في رمضان "346هـ"، وله سبع وتسعون سنة، روى جامع الترمذي عن مؤلفه، وروى عن سعيد بن مسعود صاحب النضر بن شُميل وأمثاله".

ص: 351

ووصفه السمعاني في الأنساب بأنه: "شيخ أهل الثروة من التجار بخراسان، وإليه كانت الرحلة".

ويكفي الترمذي فخرًا أن روى عنه البخاري -وهو شيخه- حديثًا واحدًا، فهذه شهادة من البخاري لتلميذه بالرواية والضبط والإتقان.

- أقوال العلماء فيه:

روى الحافظ أبو الفضل محمد بن طاهر المقدسي عن أبي سعيد: عبد الرحمن بن محمد الإدريسي الحافظ محدث سمرقند، ومصنف تاريخها "ت 405هـ"1 قال: محمد بن عيسى بن سورة الترمذي الحافظ الضرير أحد الأئمة الذين يُقتدى بهم في علم الحديث، صنف كتاب الجامع، والتواريخ، والعلل، تصنيف رجل عالم متقن، كان يُضرب به المثل في الحفظ2.

وبإسناده عن أبي عيسى محمد بن عيسى الحافظ يقول: كنت في طريق مكة، وكنت قد كتبت جزأين من أحاديث شيخ، فمر بنا ذلك الشيخ، فسألت عنه، قالوا: فلان، فذهبت إليه وأنا أظن أن الجزأين معي، وحملت معي في محملي جزأين كنت ظنتت أنهما الجزآن اللذان له، فلما ظفرت به وسألته أجابني إلى ذلك "وأخذت الجزأين فإذا هما بياض، فتحيرت، فجعل الشيخ يقرأ عليَّ من حفظه ثم ينظر إلَيَّ". فرأى البياض في يدي، فقال: أما تستحي منى؟! قلت: لا، وقصصت عليه القصة، وقلت: أحفظه كله، فقال: اقرأ، فقرأت جميع ما قرأ عليَّ على الولاء، فلم يصدقني، وقال: استظهرت قبل أن تجيئني! فقلت: حدثني بغيره فقرأ عليَّ أربعين حديثًا من غرائب حديثه، ثم قال: هات اقرأ، فقرأت عليه من أوله إلى آخره كما قرأ، فلما أخطأتُ في حرف! فقال لي: ما رأيت مثلك3.

1 راجع ترجمته في تذكرة الحفاظ "3/ 249، 250".

2 شروط الأئمة الستة "ص25" طبعة دار الكتب العلمية ببيروت، الطبعة الأولى، 1405هـ-1984م.

3 المصدر السابق "ص25، 26"، وهي أيضًا في الأنساب للسمعاني، وتذكرة الحفاظ، وتهذيب التهذيب.

ص: 352

ووصفه السمعاني في الأنساب بأنه "إمام عصره بلا مدافعة، صاحب تصانيف"، وبأنه "أحد الأئمة الذين يُقتدَى بهم في علم الحديث"، ونحو ذلك قال ابن خلكان.

ونقل الذهبي في تذكرة الحفاظ، والصفدي في نكت الهميان، والمزي في التهذيب أن ابن حبان ذكره في الثقات وقال:"كان ممن جمع وصنف، وحفظ وذَاكَر".

ووصفه المزي في التهذيب بأنه "الحافظ صاحب الجامع وغيره من المصنفات، أحد الأئمة الحفاظ المبرزين، ومن نفع الله به المسلمين".

وقال الذهبي في الميزان: "الحافظ العلم، صاحب الجامع، ثقة مجمع عليه، ولا التفات إلى قول أبي محمد بن حزم فيه في الفرائض من كتاب الإيصال: إنه مجهول1، فإنه ما عرف ولا دَرَى بوجود الجامع ولا العلل له".

وقال ابن حجر في تهذيب التهذيب: "وأما أبو محمد بن حزم فإنه نادى على نفسه بعدم الاطلاع، فقال في كتاب الفرائض من الإيصال: محمد بن عيسى بن سورة مجهول. ولا يقولن قائل: لعله ما عرف الترمذي ولا اطلع على حفظه ولا على تصانيفه؛ فإن هذا الرجل قد أطلق هذه العبارة في خلق من المشهورين من الثقات الحافظ؛ كأبي القاسم البغوي، وإسماعيل بن محمد الصفار، وأبي العباس الأصم، وغيرهم، والعجب أن الحافظ الفرضي ذكره في كتابه المؤتلف والمختلف ونبَّه على قدره، فكيف فات ابن حزم الوقوف عليه فيه! ".

1 ابن حزم هو الإمام الحافظ الحجة الفقيه المجتهد أبو محمد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم الأندلسي، ولد بقرطبة سنة "384" ومات في 28 سعبان سنة 456هـ، وكتابه "الإيصال" ذكره الحافظ الذهبي في تذكرة الحفاظ "3/ 322" وسماه "الإيصال إلى فهم كتاب الخصال الجامعة لجمل شرائع الإسلام والحلال والحرام والسنة والإجماع"، وقال:"أورد فيه أقوال الصحابة فمن بعدهم والحجة لكل قول" ووصفه في "ص 326" بأنه 24 مجلدًا مع أنه ذكر قبل ذلك أن المحلى 8 مجلدات، والمحلى مطبوع معروف، فالإيصال ثلاثة أضعاف المحلى، وقد ذكر ابن حزم في المحلى الحديث الذي في إسناده الترمذي "9/ 295، 296" وضعفه؛ ولكن لم يذكر مطعنًا في الترمذي.

ص: 353

وقال العلامة طاش كبرى زاده1 في كتاب مفتاح السعادة: "وهو أحد العلماء الحفاظ الأعلام، وله في الفقه يد صالحة، أخذ الحديث عن جماعة من الأئمة، ولقي الصد الأول من المشايخ".

وقال ابن العماد الحنبلي2 في شذرات الذهب: "كان مبرزًا على الأقران، آية في الحفظ والإتقان".

ونقل الحاكم أبو أحمد3 عن شيخه عراك بن مالك قال: "مات محمد بن إسماعيل البخاري، ولم يخلف بخراسان مثل أبي عيسى في العلم والحفظ والورع والزهد، بكى حتى عمي، وبقي ضريرًا سنين".

وفي التهذيب: "قال أبو الفضل البيلماني: سمعت نصر بن محمد الشيركوهي يقول: سمعت محمد بن عيسى الترمذي يقول: قال لي محمد بن إسماعيل -يعني البخاري- ما انتفعت بك أكثر مما انتفعت بي".

وهذه شهادة عظيمة من شيخه إمام المسلمين وأمير المؤمنين في الحديث في عصره.

وقال ابن الأثير في تاريخه: "كان إمامًا حافظًا، له تصانيف حسنة، منها الجامع الكبير، وهو أحسن الكتب".

- مصنفاته:

وصفه العلماء فيما مضى بأنه "صاحب التصانيف"، وسموا كتبًا من مؤلفاته، ولكنا لم نرَ منها إلا كتابين:"الجامع الصحيح" وكتاب "الشمائل" وهو كتاب نفيس

1 هو المولى أحمد بن مصطفى المعروف بطاش كبرى زاده، توفي سنة 962هـ.

2 هو أبو الفلاح عبد الحي بن أحمد بن محمد المعروف بابن العماد، ولد في 8 رجب سنة 1023هـ، ومات في 16 ذي الحجة سنة 1089هـ.

3 هو محدث خراسان الإمام الحافظ الجهبذ الحاكم أبو أحمد محمد بن محمد بن أحمد بن إسحاق النيسابوري مات سنة "378" عن 92 سنة، وله ترجمة في التذكرة "3/ 174- 176" وهو غير تلميذه الحاكم أبي عبد الله صاحب المستدرك، ذاك أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن محمد النيسابوري المعروف بابن البيع وبالحاكم، ولد في ربيع الأول سنة "321هـ" ومات في صفر سنة "405هـ"، وله ترجمة في التذكرة "3/ 227- 233".

ص: 354

معروف مشهور، ولعل باقي كتبه فُقِدَ فيما فُقِدَ من نفائس المؤلفات، وكنوز الأئمة العلماء. وفي التهذيب:"ولأبي عيسى كتاب الزهد، مفرد، لم يقع لنا، وكتاب الأسماء والكنى". وهذا بيان مؤلفاته، كما ظهر لنا من أقوال العلماء:

1-

الجامع الصحيح.

2-

الشمائل النبوية.

3-

العلل1.

4-

التاريخ2.

5-

الزهد.

6-

الأسماء والكنى.

7-

كتاب الجرح والتعديل.

ولعل له كتبًا أخرى لم نقف على خبرها بعد.

- كتابه "الجامع" أو "السنن":

اشتهر كتاب الإمام الترمذي "بالجامع"، كما يقال له "السنن"، وصفه ابن الأثير في "تاريخه" بأنه "أحسن الكتب".

وفي كشف الظنون في الكلام عن "الجامع الصحيح" للترمذي: "وهو ثالث الكتب الستة في الحديث، وقد اشتهر بالنسبة إلى مؤلفه، فيقال: جامع الترمذي، ويقال له: السنن أيضًا، والأول أكثر".

وقال الحافظ أبو الفضل المقدسي: "سمعت الإمام أبا إسماعيل عبد الله بن محمد الأنصاري3 بهراة، وجرى بين يديه ذكر أبي عيسى الترمذي وكتابه، فقال: كتابه عندي أنفع من كتاب البخاري ومسلم؛ لأن كتابي البخاري ومسلم لا يقف على الفائدة منهما إلا المتبحر العالم، وكتاب أبي عيسى يصل إلى فائدته كل أحد من الناس".

1، 2 ذكرهما ابن النديم في الفهرست، وكتاب العلل هذا غير "كتاب العلل" الذي في آخر الجامع الصحيح.

3 هو شيخ الإسلام الهروي الحافظ الإمام الزاهد، صاحب منازل السائرين، سمع جامع أبي عيسى من عبد الجبار بن محمد الجراحي عن المحبوبي عن الترمذي، ولد سنة 396هـ، ومات في ذي الحجة سنة 481هـ، وله ترجمة في تذكرة الحفاظ "3/ 354-360".

ص: 355

ونقل أبو علي منصور بن عبد الله الخالدي عن الترمذي أنه قال في شأن كتابه "الجامع": "صنفت هذا الكتاب، فعرضته على علماء الحجاز والعراق وخراسان فرضوا به، ومن كان في بيته هذا الكتاب فكأنما في بيته نبي يتكلم"، وفي رواية:"عرضت هذا الكتاب على علماء الحجاز والعراق وخراسان، فرضوا به واستحسنوه، ومن كان في بيته، فكأنما النبي في بيته يتكلم".

وقال العلامة طاش كبرى في ترجمة الترمذي: "له تصانيف كثيرة في علم الحديث، وهذا كتابه الصحيح أحسن الكتب وأكثرها فائدة، وأحسنها ترتيبًا، وأقلها تكرارًا، وفيه ما ليس في غيره من ذكر المذاهب ووجوه الاستدلال، وتبيين أنواع الحديث، من الصحيح والحسن والغريب، وفيه جرح وتعديل، وفي آخره كتاب العلل، وقد جمع فيه فوائد حسنة، لا يخفى قدرها على مَن وقف عليها".

وقد ذكر أبو نصر عبد الرحيم بن عبد الحق اليوسفي أنواع الأحاديث التي جاءت في كتاب الترمذي، وبيَّن أنها أربعة أقسام:

1-

قسم مقطوع بصحته "ويشمل الصحيح والحسن".

2-

وقسم على شرط أبي داود والنسائي "أي: ليس فيه وهن شديد".

3-

وقسم أخرجه للضدية؛ أي: ذكره مقابل الأحاديث الصحيحة التي أخذ بها الأغلبية، وأبان الترمذي عن علته.

4-

وقسم أبان عنه في قوله: "ما أخرجت في كتابي هذا إلا حديثًا قد عمل به بعض الفقهاء".

قال أبو نصر عبد الرحيم بن عبد الخالق اليوسفي1: الجامع -يريد كتاب الترمذي- على أربعة أقسام: قسم مقطوع بصحته، وقسم على شرط أبي داود والنسائي -كما بينا- وقسم أخرجه للضدية، وأبان عن علته، وقسم رابع أبان عنه فقال: ما أخرجت في كتابي هذا إلا حديثًا قد عمل به بعض الفقهاء، وقال فيها:

1 هو: أبو نصر عبد الرحيم بن عبد الخالق بن أحمد اليوسفي، مات بمكة "574هـ"، شذرات الذهب "4/ 248".

ص: 356

قال الترمذي: صنفت كتابي هذا وعرضته على علماء الحجاز والعراق وخراسان فرضوا به، ومن كان في بيته هذا الكتاب -يعني الجامع- فكأنما في بيته نبي يتكلم1. انتهى2.

قال الحافظ ابن رجب في شرح علل الترمذي: "اعلم أن الترمذي خرج في كتابه الحديث الصحيح، والحديث الحسن، وهو ما نزل به عن درجة الصحيح، وكان فيه بعض ضعف، والحديث الغريب، والغرائب التي خرجها فيها بعض المناكير، ولا سيما في كتاب الفضائل؛ ولكنه يبين ذلك غالبًا، ولا يسكت عنه، ولا أعلم أنه خرج عن متهم بالكذب -متفق على اتهامه- حديثًا بإسناد منفرد، إلا أنه قد يخرج حديثًا مرويًّا من طرق أو مختلفًا في إسناده، وفي بعض طرقه متهم، وعلى هذا الوجه خرج حديث محمد بن سعيد المصلوب، ومحمد بن السائب الكلبي. نعم قد يخرج عن سيئ الحفظ، وعمن غلب على حديثه الوهن، ويبين ذلك غالبًا ولا يسكت عنه"3. اهـ.

المهم أن الإمام الترمذي ميز الأحاديث الصحيحة من غيرها، وكما قال المقدسي:"وقد أزاح عن نفسه الكلام، فإنه شفى في تصنيفه، وتكلم على كل حديث بما يقتضيه"4.

وقال الحافظ أبو الفضل المقدسي: "وأما أبو عيسى الترمذي رحمه الله فكتابه وحده على أربعة أقسام: قسم صحيح مقطوع به، وهو ما وافق فيه البخاري ومسلمًا، وقسم على شرط الثلاثة دونهما5 -كما بينا- وقسم أخرجه للضدية وأبان على علته ولم يغفله، وقسم رابع أبان هو عنه فقال: ما أخرجت في كتابي

1 نقل هذه القصة الذهبي في تذكرة الحفاظ، وابن حجر في التهذيب، وطاش كبرى زاده في مفتاح السعادة.

2 نقلًا عن توضيح الأفكار للصنعاني "1/ 170".

3 نقلًا عن تعليقات الشيخ المحدث الكوثري على شروط الأئمة الخمسة للحازمي "ص54".

4 شروط الأئمة الستة "ص13".

5 يريد: أبا داود، والنسائي، وابن ماجه.

ص: 357

إلا حديثًا قد عمل به الفقهاء، وهذا شرط واسع، فإن على هذا الأصل كل حديث احتج به محتج أو عمل بموجبه عامل أخرجه، سواء صح طريقه أو لم يصح، وقد أزاح عن نفسه الكلام، فإنه شَفَى في تصنيفه، وتكلم على كل حديث بما يقتضيه، وكان من طريقته -رحمة الله عليه- أن يترجم الباب الذي فيه حديث مشهور عن صحابي قد صح الطريق إليه وأخرج من حديثه في الكتب الصحاح، فيورد في الباب ذلك الحكم من حديث صحابي آخر لم يخرجوه من حديثه، ولا تكون الطرق إليه كالطريق إلى الأول، إلا أن الحكم صحيح، ثم يتبعه بأن يقول: وفي الباب عن فلان وفلان، ويعد جماعة فيهم ذلك الصحابي المشهور وأكثر، وقلما يسلك هذه الطريقة إلا في أبواب معدودة، والله أعلم"1.

وقال ابن الوزير في تنقيح الأنظار: "وفي كلام الذهبي ما يدل على جواز الاعتماد على تصحيح الترمذي وتحسينه؛ لانعقاد الإجماع على ثقته وحفظه في الجملة"2. ثم قال: "وأما قول الذهبي: "إن العلماء لا يعتمدون على تصحيحه" فلعله يريد: لا يعتمدون على تصحيحه فيما روى عن "كثير بن عبد الله"، كما أن ذلك موجود في بعض النسخ -أي الميزان- وقد قال ابن كثير الحافظ في إرشاده: وقد نوقش الترمذي في تصحيح هذا الحديث"3.

وللقاضي أبي بكر بن العربي في أول شرحه على الترمذي الذي سماه "عارضة الأحوذي"4 فصل نفيس في مدح كتاب الترمذي ووصفه بحلاوة مقطع، ونفاسة منزع، وعذوبة مشرع، وفيه أربعة عشر علمًا، وذلك أقرب إلى

1 شروط الأئمة الستة "ص21"، طبعة دار الكتب العلمية، بيروت.

2 تنقيح الأنظار وعليه توضيح الأفكار "1/ 170".

3 المصدر السابق.

4 قال ابن خلكان "1/ 619": "أما معنى عارضة الأحوذي: فالعارضة القدرة على الكلام، يقال: فلان شديد العارضة: إذا كان ذا قدرة على الكلام، والأحوذي، الخفيف في الشيء لحذقه، وقال الأصمعي: الأحوذي المشمر في الأمور القاهر لها، الذي لا يشذ عليه منها شيء، وهو بفتح الهمزة وسكون الحاء المهملة وفتح الواو وكسر الدال المعجمة وفي آخره ياء مشددة".

ص: 358

العمل وأسلم: أسند، وصحح، وضعف، وعدد الطرق، وجرح، وعدل، وأسمى، وأكنى1، ووصل، وقطع، وأوضح المعمول به، والمتروك، وبيَّن اختلاف العلماء في الرد والقبول لآثاره، وذكر اختلافهم في تأويله، وكل علم من هذه العلوم أصل في بابه، وفرد في نصابه، فالقارئ له لا يزال في رياض مونقة، وعلوم متفقة متسقة، وهذا شيء لا يعمه إلا العلم الغزير، والتوفيق الكثير، والفراغ والتدبير.

- منهج الترمذي في "جامعه" أو "سننه":

المتأمل في "السنن" أو "الجامع" للإمام الترمذي يلاحظ له منهجًا واضحًا يمكن بيانه فيما يلي:

1-

أنه رتبه على الكتب والأبواب الفقهية مثل أبي داود في سننه.

2-

وأنه أودعه الصحيح والحسن والضعيف مبينًا درجة كل حديث في موضعه من الكتاب مع بيان وجه الضعف.

3-

اختصر طرق الحديث، فإذا كان في الباب عدة أحاديث، ذكر واحدًا أو أكثر، وأشار إلى ما عدا ذلك فيقول: وفي الباب عن فلان وفلان

4-

يذكر مذاهب الصحابة والتابعين وفقهاء الأمصار

5-

ثم يذكر الأحاديث المخالفة والمعارضة لما رواه في الباب، ويبين درجتها، أو من أخذ بها من الفقهاء، أو أنها منسوخة، وأحيانًا لا يكتفي بتسجيل الآراء، وإنما يذكر رأيه في المسألة.

وقال: ما أخرجت في كتابي هذا إلا حديثًا عمل به بعض الفقهاء سوى حديث: "فإن شرب في الرابعة فاقتلوه"، وحديث "جمع بين الظهر والعصر بالمدينة من غير خوف ولا سفر". اهـ.

1 يقال: "سَمَاه وسَمَّاه وأسماه" بمعنى. ويقال: كَنَاه وكنَّاه وأكناه" بمعنى.

ص: 359

قال الحافظ ابن رجب الحنبلي "ت 795هـ" في شرح علل الترمذي: "وقد اعترض على الترمذي بأنه في غالب الأبواب يبدأ بالأحاديث الغريبة الإسناد غالبًا، وليس ذلك بعيب؛ لأنه رحمه الله يبين ما فيها من العلل، ثم يبين الصحيح في الإسناد، وكأن قصده رحمه الله ذكر العلل؛ ولهذا نجد النسائي إذا استوعب طرق الحديث، بدأ بما هو غلط، ثم يذكر بعد ذلك الصواب المخالف له، وأما أبو داود فكانت عنايته بالمتون أكثر؛ ولهذا يذكر الطرق واختلاف ألفاظها والزيادات المذكورة في بعضها دون بعض، فكانت عنايته بفقه الحديث أكثر من عنايته بالأسانيد؛ فلهذا يبدأ بالصحيح من الأسانيد، وربما لم يذكر الإسناد المعلل بالكلية"1.

وقال ابن الصلاح في مقدمته: "كتاب أبي عيسى الترمذي أصل في معرفة الحديث الحسن، وهو الذي نوه باسمه وأكثر من ذكره في جامعه ويوجد في متفرقات من كلام بعض مشايخه والطبقة التي قبله كأحمد بن حنبل والبخاري وغيرهما، وتختلف النسخ من كتاب الترمذي في قوله: "هذا حديث حسن" أو "هذا حديث حسن صحيح"، فينبغي أن تصحح أصلك به بجماعة أصول، وتعتمد على ما اتفقت عليه"2.

6-

واختتم مُصنَّفه بكتاب العلل الذي جمع فيه فوائد حديثية هامة، ومن هذه الفوائد ما يلي:

1-

الكلام عن الرواة والجرح الذي يرد حديثهم مثل: الكذب، والاتهام، والفسق، والبدعة، والغفلة، وسوء الحفظ.

2-

وحث على بيان عيوب الرواة.

3-

وبين بعض الرواة الذين تركهم ابن المبارك، وأنه لا تجوز الرواية عنهم.

4-

وأن الرواية عن المجروحين جائزة بشرط بيان حال الراوي للناس، وحكى

1 نقلًا عن تعليقات الشيخ المحدث زاهد الكوثري على شرط الأئمة الخمسة للحازمي "ص44".

2 المقدمة "ص17، 18".

ص: 360

وفي ذلك قول سفيان الثوري لأصحابه وتلاميذه: اتقوا الكلبي، فقيل له: فإنك تروي عنه، قال: أنا أعرف صدقه من كذبه.

5-

والتنبيه إلى عدم الاغترار بصلاح الراوي دون البحث عن ضبطه وحفظه.

6-

وفيه قال الترمذي: إن علامة الحفظ ألا يزاد في الإسناد، أو ينقص فيه، أو يجيء بما يغير المعنى من الألفاظ، فأما من أقام الإسناد وحفظه وغير اللفظ، فإن هذا واسع عند أهل العلم إذا لم يتغير المعنى.

وهو يجيز بذلك الرواية بالمعنى مستدلًّا بقول واثلة بن الأسقع "الصحابي" رضي الله عنه: إذا حدثناكم على المعنى فحسبكم. وقول محمد بن سيرين: كنت أسمع الحديث من عشرة، اللفظ مختلف والمعنى واحد. وقول ابن عون: كان إبراهيم النخعي والحسن والشعبي يأتون بالحديث على المعاني، وكان القاسم بن محمد ومحمد بن سيرين ورجاء بن حيوة يعيدون الحديث على حروفه.

7-

وأن أهل العلم ليسوا على درجة واحدة في الحفظ، فهناك من هو أثبت من غيره في حديث بلد معين، أو شيخ معين، أو أعلم بالرجال، أبو بالأحاديث الطوال، أو غير ذلك من أوجه التفاوت.

8-

وأن القراءة على العالم الحافظ لما يقرأ عليه أو يمسك بأصله فيما يقرأ عليه إذا لم يكن حافظًا، قراءة صحيحة عند أهل الحديث مثل السماع.

9-

وأن المناولة والإجازة من طرق الرواية الصحيحة.

10-

وذكر اختلاف الأئمة في الاحتجاج بالمرسل، ويتبين من كلامه أن المرسل عن ثقة يقبل إرساله.

وغيرها من المسائل الحديثية الهامة التي صرح بها، أو نبه عليها، أو أشار إليها في كتاب "العلل".

ص: 361

- شروط الترمذي في جامعه وسننه:

يتبين شرط الترمذي من خلال كلامه في كتاب العلل الذي ختم به كتابه، وجعله كالمقدمة له، وهذا الشرط هو أنه جمع فيه أحاديث الأحكام التي عمل بها فقيه أو أخذ بها بعض العلماء.

قال الترمذي: "جميع ما في هذا الكتاب من الحديث هو معمول به، وبه أخذ بعض أهل العلم ما خلا حديثين:

حديث ابن عباس رضي الله عنهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم جميع بن الظهر والعصر بالمدينة، والمغرب والعشاء من غير خوف ولا سفر ولا مطر"1.

وحديث النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إذا شرب الخمر فاجلدوه، فإن عاد في الرابعة فاقتلوه 2 "3.

1 رواه مالك في الموطأ "109"، ومسلم في صحيحه "حديث رقم 705"، وأبو داود "1210"، "1211"، والترمذي "187" وغيرهم، من حديث سعيد بن جبير بن ابن عباس، وفي آخره قال سعيد: فقلت لابن عباس: ما حمله على ذلك؟ قال: أراد ألا يحرج أمته.

2 رواه أبو داود في كتاب الحدود، حديث رقم "4482"، ورواه الترمذي في الحدود أيضًا حديث رقم "1444"، وابن ماجه في الحدود أيضًا حديث رقم "2573"، وكلهم من حديث معاوية بن أبي سفيان، ورواه أبو داود "4484"، والنسائي "5678"، وابن ماجه "2572" من حديث أبي هريرة بنحوه.

3 سنن الترمذي "5/ 736".

ولم يسلم العلماء لما ذهب إليه الترمذي في هذا القول. فقال النووي في شرح صحيح مسلم "5/ 224- 225": "وهذا الذي قاله الترمذي في حديث شارب الخمر هو كما قاله، فهو حديث منسوخ دل الإجماع على نسخه، وأما حديث ابن عباس، فلم يجمعوا على ترك العمل به، بل لهم أقوال" وذكرها.

ثم قال النووي في شرح مسلم "5/ 226": "وذهب جماعة من الأئمة إلى جواز الجمع في الحضر للحاجة عمن لا يتخذه عادة وهو قول ابن سيرين وأشهب من أصحاب مالك، وحكاه الخطابي عن القفال الشاشي الكبير من أصحاب الشافعي عن أبي إسحاق المروزي، وعن جماعة من أصحاب الحديث، واختاره ابن المنذر، ويؤيده ظاهر قول ابن عباس: أراد ألا يحرج أمته، فلم يعلله بمرض ولا غيره، والله أعلم".

وقال المقدسي في شروط الأئمة الستة "ص15" معلقًا على قول الترمذي: هذا شرط واسع، فإن على هذا الأصل كل حديث احتج به محتج أو عمل بموجبه عامل أخرجه سواء صح طريقه أو لم يصح.

وقال صاحب دراسات اللبيب: هذا القول منه -أي من الترمذي- غريب جدًّا

هذا الحديث يعني حديث ابن عباس كثرت في تأويله أقوال العلماء ومذاهبهم فيه، ومع هذا التأويلات والمذاهب فيه، وإن كان بعضها بعيدة كيف يطلق عليه أنه لم يعمل به أحد من العلماء

وإن أراد الترمذي أنه لم يعمل بظاهره من غير تأويل أحد من العلماء فيبطل قوله: كل حديث في كتابي هذا معمول به ما خلا حديثين، فإن كل حديث في كتابه ليس مما لم يئول أصلًا وعمل بظاهره، على أن هذا الحديث عمل بظاهره جماعة من العلماء.

ص: 362

- مقارنة بين جامع الترمذي، وسنن أبي داود، وسنن النسائي:

قال أبو جعفر بن الزبير: "لأبي داود في حصر أحاديث الأحكام واستيفائها ما ليس لغيره، وللترمذي في فنون الصناعة الحديثية ما لم يشاركه غيره، وقد سلك النسائي أغمض تلك المسالك وأجلها". اهـ.

وقال الحافظ الذهبي: "انحطت رتبة جامع الترمذي عن سنن أبي داود والنسائي لإخراجه حديث المصلوب والكلبي وأمثالهما".

وأفاد الحازمي في شروط الأئمة الخمسة أن أبا داود والنسائي لا يجاوزان الطبقة الثالثة في الأصول، وأن أبا عيسى الترمذي لا يجاوز الطبقة الرابعة1.

ثم قال: "وفي الحقيقة شرط الترمذي أبلغ من شرط أبي داود؛ لأن الحديث إذا كان ضعيفًا أو مطلعه من حديث أهل الطبقة الرابعة، فإنه يبين ضعفه وينبه عليه، فيصير الحديث عنده من باب الشواهد والمتابعات، ويكون اعتماده على ما صح عند الجماعة، وعلى الجملة، فكتابه مشتمل على هذا الفن؛ فلهذا جعلنا شرطه دون شرط أبي داود"2.

- شروحه 3:

لأهمية جامع الترمذي تناوله كثير من العلماء بالشرح والتعليق، ومنهم:

1-

أبو بكر بن العربي "ت 546هـ" في شرحه: "عارضة الأحوذي في شرح الترمذي". "مطبوع في ثلاثة عشر جزءًا".

2-

الحافظ أبو الفتح محمد بن محمد بن سيد الناس اليعمري "ت 734هـ" بلغ فيه إلى أقل من ثلثيه في نحو عشرة مجلدات، ولم يتمه، ثم أكمله الحافظ زين الدين بن عبد الرحيم بن حسين العراقي "ت 806هـ".

1 راجع: شروط الأئمة الخمسة "ص57" طبعة دار الكتب العلمية - بيروت - ط "1"، 1405هـ- 1984م.

2 المصدر السابق "ص57".

3 انظر: كشف الظنون "1/ 288".

ص: 363

3-

سراج الدين عمر بن رسلان البلقيني "ت 805هـ" واسم شرحه: "العرف الشذي على جامع الترمذي" لم يكمله.

4-

جلال الدين السيوطي "ت 911هـ" واسم شرحه: "قوت المغتذي على جامع الترمذي".

5-

الحافظ زين الدين بن عبد الرحمن بن أحمد بن رجب الحنبلي "ت 795هـ".

6-

الشيخ أبو الحسن بن عبد الهادي السندي "ت 1139هـ".

ص: 364