المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ أنس بن مالك رضي الله عنه - منهاج المحدثين في القرن الأول الهجري وحتى عصرنا الحاضر

[على عبد الباسط مزيد]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌التمهيد

- ‌الفصل الأول: منكرو السنة والرد عليهم

- ‌المبحث الأول: مزاعم منكري السنة قديما، والرد عليها

- ‌المبحث الثاني: منكرو السُّنَّة حديثًا، وتفنيد مزاعمهم

- ‌الفصل الثاني: مكانة السُّنَّة في التشريع الإسلامي

- ‌الباب الأول: مناهج المحدثين في القرن الأول الهجري

- ‌الفصل الأول: مظاهر اهتمام الصحابة بالسنة

- ‌الفصل الثاني: كتابة السُّنَّة في العهد النبوي

- ‌الفصل الثالث: أشهر الصحف والكتابات في العهد النبوي

- ‌الفصل الرابع: الكتاب الذي كتبه رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمرو بن حزم

- ‌الفصل الخامس: بواعث كتابة الحديث في القرن الأول الهجري

- ‌الفصل السادس: مظاهر احتياط الصحابة في قبول الحديث الشريف

- ‌الفصل السابع: منهج الصحابة في رواية الحديث الشريف

- ‌الفصل الثامن: الصحابة المكثرون لرواية الحديث الشريف

- ‌أبو هريرة راوية الإسلام

- ‌ عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما

- ‌ أنس بن مالك رضي الله عنه

- ‌ عائشة رضي الله عنها

- ‌ عبد الله بن عباس رضي الله عنهما

- ‌ جابر بن عبد الله

- ‌ أبو سعيد الخدري

- ‌الفصل التاسع: أسباب تفاوت الصحابة في رواية الحديث الشريف

- ‌الفصل العاشر: دور أمهات المؤمنين في خدمة الحديث الشريف

- ‌مدخل

- ‌دور أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها في رواية الحديث:

- ‌دور أم المؤمنين أم سلمة رضي الله عنها في رواية الحديث:

- ‌دور أم المؤمنين ميمونة رضي الله عنها في رواية الحديث:

- ‌دور أم المؤمنين حبيبة رضي الله عنها

- ‌دور أم المؤمنين حفصة بنت عمر رضي الله عنها:

- ‌دور أم المؤمنين زينب بنت جحش رضي الله عنها:

- ‌دور أم المؤمنين صفية رضي الله عنها:

- ‌دور أم المؤمنين جويرية بنت الحارث رضي الله عنها:

- ‌دور أم المؤمنين سودة بنت زمعة رضي الله عنها:

- ‌الفصل الحادى عشر: أسباب تفاوت أمهات المؤمنين رضي الله عنها في الرواية

- ‌الباب الثاني: مناهج المحدثين في القرن الثاني الهجري

- ‌الفصل الأول: المستجدات في هذا العصر

- ‌الفصل الثاني: التدوين الشامل للسنة في هذا العصر ومنهج العلماء في التصنيف

- ‌الفصل الثالث: جهود التابعين في توثيق السُّنَّة وحفظها وتدوينها في النصف الأول من القرن الثاني الهجري

- ‌الفصل الرابع: أشهر الصحف والكتابات في القرن الثاني الهجري

- ‌الفصل الخامس: ضوابط الرواية عند التابعين

- ‌الفصل السادس: التصنيف في القرن الثاني وبداية الثالث الهجريين

- ‌الفصل السابع: الأئمة الأربعة، وأثرهم في الحديث وعلومه

- ‌مدخل

- ‌الإمام مالك بن أنس بن مالك بن أبي عامر بن عمرو الأصبحي

- ‌الإمام الشافعي "150-204ه

- ‌الإمام أحمد بن محمد بن حنبل بن هلال بن أسد الشيباني، أبو عبد الله المروزي ثم البغدادي "164-241ه

- ‌الباب الثالث: منهاج المحدثين في القرن الثالث الهجري وحتى عصرنا الحاضر

- ‌الفصل الأول: مناهج المحدثين في القرن الثالث الهجري

- ‌المبحث الأول: أهم المشكلات التى واجهت المحدثين في القرن الثالث الهجري

- ‌المبحث الثاني: تدوين الحديث وعلومه في القرن الثالث الهجري

- ‌المبحث الثالث: مناهج العلماء في تدوين الحديث في القرن الثالث الهجري

- ‌المبحث الرابع: أئمة القرن الثالث الهجري ومناهجهم

- ‌أولًا: الإمام البخاري "194-256ه

- ‌مقارنة بين الصحيحين:

- ‌ثالثًا: أبو داود السجستاني "202-275ه

- ‌خامسًا: أحمد بن شعيب النسائي "215-303ه

- ‌سادسًا: ابن ماجه "209-273ه

- ‌سابعًا: الإمام أحمد بن محمد بن حنبل "164-241ه

- ‌الفصل الثاني: مناهج المحدثين في القرن الرابع الهجري

- ‌ابن خزيمة

- ‌الطحاوي:

- ‌الدارقطني:

- ‌الطبراني:

- ‌ابن حبان:

- ‌ابن السكن:

- ‌الحاكم النيسابوري "321-405ه

- ‌الفصل الثالث: منهج التصنيف في القرن الخامس إلى السقوط الخلافة العباسية [من عام "400هـ" حتى عام "656ه

- ‌الجمع بين الصحيحين

- ‌ الجمع بين الكتب الستة

- ‌ الجمع بين أحاديث من كتب مختلفة:

- ‌ كتب منتقاة في أحاديث الأحكام والمواعظ، ومنها:

- ‌ كتب الأطراف:

- ‌الفصل الرابع: منهج التصنيف من سقوط الخلافة العباسية إلى عصرنا الحاضر

- ‌المبحث الأول: السنة من عام 656هـ حتى عام 911 ه

- ‌مدخل

- ‌أولًا: منهج العلماء في خدمة السُّنَّة في هذه الفترة:

- ‌ثانيًا: طريقة العلماء في خدمة الحديث الشريف في هذه الفترة

- ‌المبحث الثاني: دور العلماء في خدمة السُّنَّة بعد عام "911هـ" حتى آخر القرن الرابع عشر الهجري

- ‌المبحث الثالث: دور أشهر الممالك التي كان لها أثر ملموس في خدمة السُّنَّة في هذا العصر

- ‌ دور مصر في العناية بالسُّنَّة وعلومها:

- ‌ دور علماء الهند في العناية بالسُّنَّة:

- ‌ دور المملكة العربية السعودية في خدمة السُّنَّة:

- ‌المبحث الرابع: جهود علماء المسلمين في خدمة السُّنَّة في العصر الحاضر

- ‌قائمة بأسماء المصادر والمراجع:

- ‌الفهرس:

الفصل: ‌ أنس بن مالك رضي الله عنه

3-

‌ أنس بن مالك رضي الله عنه

1:

- نسبه وإسلامه وشخصيته:

أنس بن مالك بن النضر بن ضَمْضَم بن زيد بن حرام بن جندب بن عامر بن غنم بن عدي بن النجار. وأمه: أم سليم بنت ملحان. وكنيته: أبو حمزة، ويقال: أبو ثمامة الأنصاري البخاري، وروى الترمذي وغيره عن أنس قال: كناني النبي صلى الله عليه وسلم أبا حمزة ببقلة اجتنيتُها2.

لقبه: روى أبو داود والترمذي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأنس: يا ذا الأذنين3.

مولده: قال الذهبي: ثبت مولد أنس قبل عام الهجرة بعشر سنين4.

وكان رضي الله عنه مرجع الصحابة والتابعين في الرواية والفتوى، وقد لخص الحافظ الذهبي مناقبه في صدر ترجمته فقال: الإمام، المفتي، المقرئ، المحدث، راوية الإسلام، أبو حمزة الأنصاري الخزرجي النجاري المدني، خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقرابته من النساء، وتلميذه وتبعه، وآخر أصحابه موتًا.

روى عن النبي صلى الله عليه وسلم علمًا جمًّا، وعن أبي بكر، وعمر، وعثمان، ومعاذ، وأسيد بن الحضير، وأبي طلحة. وأمه: أم سليم بنت ملحان، وخالته أم

1 راجع ترجمته في: سير أعلام النبلاء "3/ 259، 406"، وطبقات ابن سعد "7/ 17"، المحبر "301، 334، 379"، التاريخ الكبير "2/ 27"، التاريخ الصغير "1/ 209"، الجرح والتعديل "2/ 286"، المستدرك "3/ 573"، الاستيعاب "108"، طبقات الشيرازي "51"، الجمع بين رجال الصحيحين "1/ 35"، جامع الأصول "9/ 88"، أسد الغابة "1/ 151"، تهذيب الأسماء واللغات "1/ 1/ 127" نهاية الأرب "18/ 223"، تهذيب الكمال "3/ 353-378"، تاريخ الإسلام "3/ 339"، تذكرة الحفاظ "1/ 42"، العبر "1/ 107"، مرآة الجنان "1/ 182"، البداية والنهاية "88/ 9"، مجمع الزوائد "9/ 325"، تهذيب التهذيب "1/ 376"، الإصابة "1/ 71"، النجوم الزاهرة "1/ 224"، خلاصة تهذيب الكمال "35"، شذرات الذهب "1/ 100، 101"، تهذيب ابن عساكر "3/ 142".

2 راجع: سنن الترمذي "حديث 3918".

3 راجع: سنن أبي داود "5002" كتاب الأدب، وسنن الترمذي "3828".

4 سير أعلام النبلاء "3/ 405".

ص: 127

حرام، وزوجها عبادة بن الصامت، وأبي ذر، ومالك بن صعصعة، وأبي هريرة، وفاطمة النبوية، وعدة.

ورَوى عنه خَلْق عظيم؛ منهم: الحسن البصري، وابن سيرين، والشعبي، وأبو قلابة، ومكحول، وعمر بن عبد العزيز، وثابت البناني، وبكر بن عبد الله المزني، والزهري، وقتادة، وابن المنكدر، وإسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة، وعبد العزيز بن صهيب، وشعيب بن الْحَبْحاب، وعمرو بن عامر الكوفي، وسليمان التيمي، وحميد الطويل، ويحيى بن سعيد الأنصاري، وكثير بن سليم، وعيسى بن طهمان، وعمر بن شاكر، وخلق كثير.

وبقي أصحابه الثقات إلى بعد الخمسين ومائة، وبقي ضعفاء أصحابه إلى بعد التسعين ومائة، وبقي بعدهم ناس لا يُوثق بهم؛ بل اطُّرح حديثهم جملة؛ كإبراهيم بن هُدبة، ودينار أبو مكيس، وخراش بن عبد الله، وموسى الطويل، عاشوا مُدَيْدَة بعد المائتين، فلا اعتبار بهم.

وإنما كان بعد المائتين بقايا مَن سمع مِن ثقات أصحابه؛ كيزيد بن هارون، وعبد الله بن بكر السهمي، ومحمد بن عبد الله الأنصاري، وأبي عاصم النبيل، وأبي نُعيم1.

وقد سرد صاحب "التهذيب" نحو مائتي نفس من الرواة عن أنس. وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يخصه ببعض العلم، فنقل أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه طاف على تسع نسوة في ضحوة بغُسل واحد2.

- هيئته وبعض أوصافه وغيره:

قال سلمة بن وردان: رأيت على أنس عمامة سوداء قد أرخاها من خلفه3.

1 سير أعلام النبلاء "3/ 396، 397".

2 انظر: صحيح البخاري "1/ 324"، صحيح مسلم "309"، سنن أبي داود "218"، سنن الترمذي "140"، سنن النسائي "1/ 144"، سنن ابن ماجه "588".

3 سير أعلام النبلاء "3/ 403".

ص: 128

وروى ابن سعد عن أنس: نهى عمر أن نكتب في الخواتيم عربيًّا، وكان في خاتم أنس ذئب أو ثعلب1.

وقال ابن سيرين: كان نقش خاتم أنس أسد رابض2.

وروى همام، عن ابن جريج عن الزهري، عن أنس: أنه نقش في خاتمه: "محمد رسول الله"، فكان إذا دخل الخلاء نزعه3.

وقال ابن عون: رأيت على أنس مِطرَفَ خَزٍّ، وعمامة خز، وجُبَّة خز4.

وروى عمرو بن دينار، عن أبي جعفر قال: كان أنس بن مالك أبرص وبه وَضَحٌ شديد، ورأيته يأكل، فيلقم لقمًا كبارًا5.

- خدمته لرسول الله صلى الله عليه وسلم ودعاء الرسول له:

شَرُف أنس بخدمة رسول الله صلى الله عليه وسلم وملازمته، فاستقى منه علمًا غزيرًا، وظفر منه دعاء مستجابًا.

روى مسلم وغيره: كان أنس يقول: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة وأنا ابن عشر، ومات وأنا ابن عشرين، وكنَّ أمهاتي يحثُثْنَني على خدمة رسول الله صلى الله عليه وسلم6.

وروى أبو داود الطيالسي بسند صحيح والترمذي بإسناد حسنه عن أبي خلدة، قلت لأبي العالية: سمع أنس من النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال: خدمه عشر سنين، ودعا له، وكان له بستان يحمل في السنة الفاكهة مرتين، وكان فيها ريحان يجيء منه ريح المسك7.

1 الطبقات الكبرى "7/ 18" بسند صحيح.

2 رواه ابن سعد بسند صحيح في الطبقات الكبرى "7/ 18".

3 طبقات ابن سعد "7/ 22، 23"، سير أعلام النبلاء "3/ 404".

4 طبقات ابن سعد "7/ 23"، سير أعلام النبلاء "3/ 404".

5 سير أعلام النبلاء "3/ 405".

6 راجع: صحيح مسلم حديث رقم "2029/ 125"، ومسند أحمد "3/ 110"، وطبقات ابن سعد "7/ 20"، وسير أعلام النبلاء "3/ 397".

7 سنن الترمذي: كتاب المناقب "45" باب مناقب أنس بن مالك رضي الله عنه، حديث رقم "3833" وقال: هذا حديث حسن غريب، وذكره الذهبي في سير أعلام النبلاء "3/ 400".

ص: 129

قال ثُمامة بن عبد الله: كان كَرْمُ أنس يحمل في السنة مرتين1.

قال سليمان التيمي: سمعت أنسًا رضي الله عنه يقول: ما بقي أحد صلى القبلتين غيري2.

وروى أبو يعلى والترمذي بنحوه عن أنس رضي الله عنه قال: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة وأنا ابن ثمان سنين، فأخذت أمي بيدي فانطلقت بي إليه، فقالت: يا رسول الله! لم يبقَ رجل ولا امرأة من الأنصار إلا وقد أتحفك بتحفة، وإني لا أقدر على ما أُتحفك به إلا ابني هذا، فخذه، فليخدمك ما بدا لك. قال: فخدمته عشر سنين، فما ضربني، ولا سبني، ولا عبس في وجهي3.

وروى مسلم عن أنس قال: جاءت بي أم سليم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أزَّرتني بنصف خمارها، وردتني ببعضه، فقالت: يا رسول الله! هذا أُنيس ابني أتيتك به يخدمك، فادعُ الله له، فقال:"اللهم أكثر ماله وولده" فوالله إن مالي لكثير، وإن ولدي وولد ولدي يتعادُّون على نحو من مائة اليوم4.

وقال يحيى بن سعيد الأنصاري، عن أمه: أنها رأت أنسًا متخلقًا بخلوق وكان به برص، فسمعني وأنا أقول لأهله: لهذا أجلد من سهل بن سعد، وهو أسن من سهل، فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا لي5.

وقال أبو اليقظان: مات لأنس في طاعون الجارف6 ثمانون ابنًا، وقيل: سبعون7.

1، 2 سير أعلام النبلاء "3/ 403".

3 راجع: مجمع الزوائد "1/ 271، 272"، سنن الترمذي حديث "589، 2678، 2698".

4 صحيح مسلم "2481/ 143" فضائل الصحابة/ باب فضائل أنس بن مالك.

5 سير أعلام النبلاء "3/ 405".

6 كان طاعون الجارف بالبصرة سنة 69هـ، قال المدائني: حدثني مَن أدرك ذلك قال: كان ثلاثة أيام، فمات فيها نحو مائتي ألف نفس، وقال غيره: مات في طاعون الجارف لأنس من أولاده سبعون نفسًا. " دول الإسلام 1/ 25".

7 سير أعلام النبلاء "3/ 405".

ص: 130

وروى الشيخان من طريق شعبة، عن قتادة، عن أنس: أن أم سليم قالت: يا رسول الله! خادمك أنس، ادعُ الله له، فقال:"اللهم أكثر ماله وولده"، فأخبرني بعض أهلي أنه دفن من صلبي أكثر من مائة1.

وروى البخاري في الأدب المفرد، وابن سعد بسند حسن عن أنس قال: دعا لي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "اللهم أكثر ماله وولده، وأطل حياته" فالله أكثر مالي حتى إن كَرْمًا لي لتحمل في السنة مرتين، ووُلِدَ لصلبي مائة وستة2.

وروى البخاري في صحيحه عن حميد، عن أنس رضي الله عنه: دخل النبي صلى الله عليه وسلم على أم سليم، فأتته بتمر وسمن، فقال:"أعيدوا تمركم في وعائه، وسمنكم في سقائه، فإني صائم" ثم قام إلى ناحية البيت فصلى صلاة غير المكتوبة، فدعا لأم سليم وأهل بيتها. فقالت: يا رسول الله! إن لي خويصة، قال:"ما هي؟ " قالت: خادمك أنس. فما ترك خير آخرة ولا دنيا إلا دعا لي به، ثم قال:"اللهم ارزقه مالًا وولدًا، وبارك له" قال: فإني لمن أكثر الأنصار مالًا، وحدثتني ابنتي أمينة أنه دفن لصلبي مَقْدِمَ الحجاج البصرة بضع وعشرون ومائة3.

- مشاهده:

لم يتخلف أنس صلى الله عليه وسلم عن غزوة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى غزوة بدر، فقد شهدها صغيرًا. قال الذهبي: فصحب أنس نبيه صلى الله عليه وسلم ولازمه أكمل الملازمة منذ هاجر وإلى أن مات، وغزا معه غير مرة، وبايع تحت الشجرة.

1 أخرجه البخاري "11/ 122، 154" في الدعوات، ومسلم "2480" في فضائل الصحابة دون قوله:"فأخبرني بعض أهلي"، وأخرجه معها بنحوه "4/ 198، 199" في الصوم: باب من زار قومًا فلم يفطر عندهم، من طريق حميد، عن أنس وفيه: وحدثتني ابنتي أمينة أنه دفن لصلبي عند مقدم الحجاج البصرة بضع وعشرون ومائة.

2 أخرجه البخاري في "الأدب المفرد""653"، وابن سعد "7/ 19".

3 أخرجه البخاري "4/ 198، 199" في الصوم: باب من زار قومًا فلم يفطر عندهم.

ص: 131

وقد روى محمد بن سعد في "طبقاته": حدثنا الأنصاري1، عن أبيه، عن مولى لأنس، أنه قال لأنس: أشهدت بدرًا؟ فقال: لا أم لك، وأين أغيب عن بدر. ثم قال الأنصاري: خرج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بدر وهو غلام يخدمه.

وقد رواه عمر بن شبة، عن الأنصاري، عن أبيه، عن ثمامة قال: قيل لأنس:

فذكر نحوه. قلت: لم يعده أصحاب المغازي في البدريين لكونه حضرها صبيًّا ما قاتل؛ بل بقي في رحال الجيش، فهذا وجه الجمع2.

وقال موسى بن أنس: إن أنسًا غزا ثمان غزوات3.

- عبادته وورعه:

روى ابن سعد بسند صحيح عن ثابت البناني: قال أبو هريرة: ما رأيت أحدًا أشبه بصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم من أبن أم سليم؛ يعني: أنسًا4.

وقال أنس بن سيرين: كان أنس بن مالك أحسن الناس صلاة في الحضر والسفر5.

وروى الأنصاري عن أبيه، عن ثمامة قال: كان أنس يصلي حتى تفطَّر قدماه دمًا، مما يطيل القيام رضي الله عنه6.

وروى معاذ بن معاذ، حدثنا عمران، عن أيوب قال: ضَعُف أنس عن الصوم، فصنع جفنة من ثريد، ودعا ثلاثين مسكينًا فأطعمهم7.

1 الأنصاري: هو محمد بن عبد الله بن المثنى الأنصاري ثقة، وأبوه عبد الله صدوق، خرج له البخاري إلا أنه كثير الغلط، ومولى أنس لا يعرف؛ لكن تابعه ثمامة في رواية عمر بن شبة، وهو صدوق.

2 سير أعلام النبلاء "3/ 397، 398".

3-

6 سير أعلام النبلاء "3/ 400".

7 سير أعلام النبلاء "3/ 405"، وفي صحيح البخاري "8/ 135": فقد أطعم أنس بن مالك بعدما كَبِرَ عامًا أو عامين كل يوم مسكينًا خبزًا ولحمًا وأفطر. وقال الحافظ: وروى عبد بن حميد من طريق النضر بن أنس، عن أنس: أنه أفطر في رمضان وكان قد كَبِرَ، فأطعم مسكينًا كل يوم، ورويناه في فوائد محمد بن هشام بن ملاس، عن مروان، عن معاوية، عن حميد قال: ضعف أنس عن الصوم عام تُوفي، فسألت ابنه عمر بن أنس: أطاق الصوم؟ قال: لا، فلما عرف أنه لا يطيق القضاء، أمر بجفان من خبز ولحم، فأطعم العدة أو أكثر.

ص: 132

وروى ابن سعد في طبقاته من طريق محمد بن عبد الله الأنصاري: حدثنا شيخ لنا يكنى أبا الحباب قال: سمعت الجريري يقول: أحرم أنس بن مالك من ذات عرق، قال: فما سمعناه متكلمًا إلا بذكر الله حتى حل، قال: فقال له: يابن أخي هكذا الإحرام1.

- كرامته:

قال ثابت البناني: جاء قيِّمُ أرض أنس فقال: عطشت أرَضوك، فتردَّى أنس ثم خرج إلى البرية، ثم صلى ودعا، فثارت سحابة، وغشيت أرضه ومطرت حتى ملأت صهريجه وذلك في الصيف، فأرسل بعض أهله فقال: انظر أين بلغت؟ فإذا هي لم تعد أرضه إلا يسيرًا2.

قال الذهبي معلقًا: هذه كرامة بيِّنة ثبتت بإسنادين3.

- رؤيته للنبي صلى الله عليه وسلم بعد وفاته:

روى ابن سعد بسند صحيح عن المثنى بن سعيد قال: سمعت أنسًا يقول: ما ليلة إلا وأنا أرى فيها حبيبي، ثم يبكى4.

- إكرام عمر له:

روى حماد بن سلمة: أخبرنا عبيد الله بن أبي بكر، عن أنس قال: استعملني أبو بكر على الصدقة، فقدمت وقد مات، فقال عمر: يا أنس، أجئتنا بظهره؟ قلت: نعم. قال: جئنا به، والمال لك. قلت: هو أكثر من ذلك، قال: وإن كان فهو لك. وكان أربعة آلاف5.

1 الطبقات "7/ 22"، وانظر: سير أعلام النبلاء "3/ 401".

2 سير أعلام النبلاء "3/ 401"، طبقات ابن سعد "7/ 21".

3 سير أعلام النبلاء "3/ 401".

4 الطبقات الكبرى "7/ 20"، سير أعلام النبلاء "3/ 403".

5 سير أعلام النبلاء "3/ 401".

ص: 133

- موقفه من الفتنة:

لم يتغير أنس لعثمانَ ولا لعلي في الفتنة، ولم ينضم إلى أحد الفريقين، ولم يشترك في محاربة أحدهما، وقد صرح بأن الله تعالى منحه حبهما جميعًا.

قال حميد عن أنس: يقولون: لا يجتمع حب علي وعثمان في قلب، وقد جمع الله حبهما في قلوبنا1.

- إيذاء الحجاج بن يوسف الثقفي له:

كان أنس رضي الله عنه يقف للحجاج بالمرصاد، وكان يؤلب عليه كلما وجد منه خطأ؛ ولذلك كان إيذاء الحجاج له وإهانته إياه.

قال جعفر بن سليمان: حدثنا علي بن زيد قال: كنت بالقصر، والحجاج يَعرِض الناسَ ليالي ابن الأشعث، فجاء أنس فقال الحجاج: يا خبيث، جوَّال في الفتن

، مرة مع علي، ومرة مع ابن الزبير، ومرة مع ابن الأشعث، أما والذي نفسي بيده، لأستأصلنَّك كما تُستأصل الصَّمْغَة، ولأجردنك كما يُجرَّد الضب. قال: يقول أنس: من يعني الأمير؟ قال: إياك أعني أصمَّ الله سمعك. قال: فاسترجع أنس، وشُغل الحجاج، فخرج أنس، فتبعناه إلى الرحبة فقال: لولا أني ذكرتُ ولدي وخشيت عليهم بعدي، لكلمته بكلام لا يستحييني بعده أبدًا2.

قال الأعمش: كتب أنس إلى عبد الملك بن مَرْوان -يعني: لما آذاه الحجاج: إني خدمتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم تسع سنين، والله لو أن النصارى أدركوا رجلًا خدم نبيهم لأكرموه3.

1 سير أعلام النبلاء "3/ 405".

2 أخرجه الطبراني في المعجم الكبير "704"، وفي إسناده علي بن زيد بن جدعان ضعيف، وأعله الهيثمي في مجمع الزوائد "7/ 274"، وانظره في سير أعلام النبلاء "3/ 402، 403".

3 سير أعلام النبلاء "3/ 402".

ص: 134

وروى عبد الله بن سالم الأشعري، عن أزهر بن عبد الله قال: كنت في الخيل الذين بيتوا أنس بن مالك، وكان فيمن يؤلب على الحجاج، وكان مع ابن الأشعث، فأتوا به الحجاج، فوسم في يده: عتيق الحجاج1.

قال الأعمش: كتب أنس إلى عبد الله: قد خدمتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم تسع وتسعين، وإن الحجاج يُعرِّض بي حَوَكَة البصرة، فقال: يا غلام! اكتب إلى الحجاج: ويلك قد خشيت ألا يصلح على يدي أحد، فإذا جاءك كتابي فقم إلى أنس حتى تعتذر إليه، فلما أتاه الكتاب قال الرسول: أمير المؤمنين، كتب بما هنا؟ قال: إي والله، وما كان في وجهه أشد من هذا. قال: سمعًا وطاعة، وأراد أن ينهض إليه فقلت: إن شئتَ أعلمتُه. فأتيت أنس بن مالك فقلت: ألا ترى قد خافك وأراد أن يجيء إليك فقم إليه، فأقبل أنس يمشي حتى دنا منه، فقال: يا أبا حمزة غضبت؟ قال: نعم، تعرضني بحوكة البصرة؟ قال: إنما مثلي لك كقول الذي قال: "إياك أعنى وأسمعي يا جارة" أردت ألا يكون لأحد عليَّ منطق2.

- وفاته 3:

كان أنس رضي الله عنه آخر الصحابة موتًا، والأرجح أنه مات بالبصرة سنة ثلاث وتسعين وهو ابن مائة وثلاث سنين.

قال قتادة: لما مات أنس قال مورق العجلي: ذهب اليوم نصف العلم، فقيل:

1 سير أعلام النبلاء "3/ 404".

2 المصدر السابق، وانظر: المستدرك "4/ 574".

3 في السير "3/ 405، 406"، قال الذهبي: ثبت مولد أنس قبل عام الهجرة بعشر سنين، وأما موته فاختلفوا فيه، فروى معمر عن حميد: أنه مات سنة إحدى وتسعين، وكذا أرخه قتادة، والهيثم بن عدي، وسعيد بن عفير، وأبو عبيد، وروى معن بن عيسى عن ابن لأنس بن مالك: سنة اثنتين وتسعين. وتابعه الواقدي، وقال عدة وهو الأصح: مات سنة ثلاث وتسعين. قاله ابن علية، وسعيد بن عامر، والمدائني، وأبو نعيم، وخليفة، والفلاس، وقعنب، فيكون عمره على هذا مائة وثلاث سنين. قال الأنصاري: اختلف علينا في سن أنس، فقال بعضهم: بلغ مائة وثلاث سنين. وقال بعضهم: بلغ مائة وسبع سنين.

ص: 135

وكيف ذلك يا أبا المغيرة؟ قال: كان الرجل من أهل الأهواء إذا خالفنا في الحديث من رسول الله صلى الله عليه وسلم قلنا له: تعالَ إلى من سمعه منه.

- مروياته:

قال الذهبي: مسنده ألفان ومائتان وستة وثمانون، اتفق له البخاري ومسلم على مائة وثمانين حديثًا، وانفرد البخاري بثمانين حديثًا، ومسلم بتسعين1.

- أصح الأسانيد عنه:

قيل: مالك، عن الزهري، عنه.

وقيل: حماد بن زيد، عن ثابت البناني، عنه.

وقيل: هشام الدستوائي، عن قتادة، عنه.

- أوهى الأسانيد إليه:

داود بن المحبر، عن قحذم، عن أبيه، عن أبان بن أبي عياش، عنه.

1 سير أعلام النبلاء "3/ 406".

ص: 136