الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أولًا: منهج العلماء في خدمة السُّنَّة في هذه الفترة:
نتيجة للأحداث التاريخية الخطيرة التي مرت بها الأمة الإسلامية خلال هذه الفترة، ضعفت همم العلماء عن الرحلة إلى الأقطار، فانقرضت الرواية الشفاهية، وحل محلها الإجازة والمكاتبة، اللهم إلا على أيدي أفراد قلائل جدًّا كانوا يرحلون إلى الأقطار، ويجلسون للإملاء، ويكتب عنهم أتباعهم وتلاميذهم الأمالي، ومن هؤلاء:
- الإمام الكبير أبو الفضل زين الدين عبد الرحيم بن الحسين العراقي الأثري "725-806هـ" حافظ العصر، وصاحب المصنفات النفيسة في الحديث الشريف، ومجالسه للإملاء تزيد على أربعمائة مجلس، قال تلميذه ابن حجر:"شرع في إملاء الحديث من سنة "796هـ" فأحيا الله به السُّنَّة بعد أن كانت داثرة، فأملَى أكثر من أربعمائة مجلس غالبها من حفظه متقنة، مهذبة، محررة، كثيرة الفوائد الحديثية".
ومن مصنفاته: "المغني عن حمل الأسفار في تخريج ما في الإحياء من الأخبار""مطبوع"، و"إكمال شرح الترمذي" لابن سيد الناس، و"طرح التثريب في شرح التقريب" أكمله بعده ولده ولي الدين العراقي "مطبوع"، و"التقييد والإيضاح" مطبوع"، و"ألفية الحديث وشرحها" "مطبوع"، و"المستخرج على المستدرك للحاكم" "مطبوع"، وغيرها.
- ومنهم الحافظ ابن حجر العسقلاني:
وهو: شهاب الدين أحمد بن علي بن محمد بن علي بن حجر الكناني، العسقلاني، أبو الفضل "ولد بمصر 773هـ"، ونشأ يتيمًا حيث توفي أبوه سنة "779هـ" في رجب، واهتم أولًا بالأدب والشعر حتى بلغ فيه الغاية، ثم طلب الحديث سنة "794هـ" فسمع ورحل، وبرع في الحديث، ولقد لازم في الحديث شيخه أبا الفضل العراقي، ولازم في الفقه والعربية شيخه الشمس بن القطان، ولازم في الفقه: الإبناسي، والبلقيني، وابن الملقن.
واجتهد في حفظ الحديث الشريف ومعرفة العلل حتى صار سيد الحفاظ والمحدثين والمحققين، قال عنه الإمام السيوطي:"وختم به الفن"، وقال غيره: انتهت إليه الرحلة والرياسة في الحديث في الدنيا بأجمعها، فلم يكن في عصره حافظ سواه، ألف كتبًا كثيرة، وأملى أكثر من ألف مجلس، وأملى في خانقاه بيبرس نحوًا من عشرين سنة، وباشر القضاء في مصر في عهد الملك الأشرف.
وتوفي ليلة السبت الموافق الثامن والعشرين من ذي الحجة، سنة "852هـ"، وله تصانيف جمة وكلها نفيسة؛ لأهميتها الكبيرة وفائدتها العظيمة، ومن هذه التصانيف:
1-
فتح الباري بشرح صحيح البخاري، بدأ تصنيفه سنة "817هـ"، وانتهى منه في أول يوم من رجب سنة "842هـ""مطبوع".
2-
الإصابة في تمييز الصحابة "مطبوع".
3-
لسان الميزان "مطبوع".
4-
تهذيب التهذيب "مطبوع".
5-
تقريب التهذيب "مطبوع".
6-
تعجيل المنفعة بزوائد رجال الأئمة الأربعة "مطبوع".
7-
الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة "مطبوع".
8-
شرح نخبة الفكر "مطبوع".
9-
تبصير المنتبه بتحرير المشتبه "مطبوع".
10-
تعريف أهل التقديس بمراتب الموصوفين بالتدليس "مطبوع".
11-
القول المسدد في الذب عن المسند للإمام أحمد "مطبوع".
12-
تغليق التعليق "مطبوع".
13-
الوقوف على ما في صحيح مسلم من الموقوف "مطبوع".
14-
ردع المجرم عن سب المسلم "مطبوع".
15-
النكت على ابن الصلاح "مطبوع".
16-
تخريج أحاديث الرافعي والهداية والكشاف "مطبوع".
17-
تسديد القوس على مسند الفردوس "مطبوع".
18-
نزاهة الألباب في الألقاب "مطبوع".
19-
التشويق إلى وصل التعليق.
20-
المقترب في المضطرب.
- ومنهم: تلميذ الحافظ ابن حجر العسقلاني، وهو: الإمام الحافظ شمس الدين محمد بن عبد الرحمن بن محمد بن أبي بكر بن عثمان بن محمد السخاوي القاهري الشافعي1 "ولد في ربيع الأول 831هـ"، وتوفي بالمدينة يوم الجمعة 17 من ذي القعدة سنة "902هـ". جَدَّ في الرحلة، واهتم بملازمة شيخه الحافظ ابن حجر العسقلاني، وسمع منه الكثير من الحديث، وكان أكثر الآخذين عنه والمستفيدين منه، حتى حمل عنه ما لم يشاركه فيه غيره.
1 راجع ترجمته في: الضوء اللامع لأهل القرن التاسع "8/ 2- 32"، البدر الطالع بمحاسن من بعد القرن السابع "2/ 184"، الكواكب السائرة بأعيان المائة العاشرة "1/ 53، 54"، شذرات الذهب في أخبار من ذهب "8/ 15- 17"، فهرس الفهارس "2/ 335- 338"، تاريخ النور السافر عن أخبار القرن العاشر "ص18- 23"، ونظم العقيان في أعيان الأعيان، للسيوطي "ص152، 153"، وثبت أبي جعفر أحمد بن علي البلوي "ص375"، وغيرها.
قال الشوكاني في "البدر الطالع"1: "وبالجملة فهو من الأئمة الكبار، حتى قال تلميذه جار الله بن فهد:
…
والله العظيم لم أرَ في الحفاظ المتأخرين مثله، ويعلم ذلك كل من اطلع على مؤلفاته، أو شاهده، وهو عارف بفنه، منصف في تراجمه، ورحم الله جدي حيث قال في ترجمته: إنه انفرد بفنه، وطار اسمه في الآفاق به، وكثرت مصنفاته فيه وفي غيره، وكثير منها طار شرقًا وغربًا، شامًا ويمنًا، ولا أعلم الآن من يعرف علوم الحديث مثله، ولا أكثر تصنيفًا ولا أحسن، وكذلك أخذها عنه علماء الآفاق من المشايخ والطلبة والرفاق، وله اليد الطولى في المعرفة بأسماء الرجال، وأحوال الرواة، والجرح والتعديل، وإليه يُشار في ذلك، وقد قال بعض العلماء: لم يأتِ بعد الحافظ الذهبي مثله، سلك هذا المسلك، وبعده مات فن الحديث، وأسف الناس على فقده، ولم يخلف بعده مثله".
وقد سمع الكثير جدًّا على المسندين والشام والحجاز، وانتقى وخرَّج لنفسه ولغيره.
وقال السخاوي في كتابه "فتح المغيث": "أمليت بمكة وبعدة أماكن من القاهرة وبلغ عدة ما أمليته من المجالس إلى الآن نحو الستمائة والأعمال بالنيات".
وقد بدأ السخاوي التصنيف قبل بلوغه التاسعة عشر من عمره. ذكر أبو جعفر البلوي في "ثبته"2 أن علي بن عياد البكري أخبره أن السخاوي كتب له إجازة عامة وأحاله على فهرسته، وأخبر أن له مائة وستين تأليفًا، وأن بينه وبين النبي صلى الله عليه وسلم عشرة رجال في الحديث.
ونص السخاوي في "الضوء اللامع"3 أن ذلك كان سنة ثلاث وتسعين وثمانمائة، وظل يواصل التصنيف حتى بلغت مصنفاته عند وفاته نيفًا وأربعمائة، كما ذكر الكتاني في "فهرس الفهارس"4.
1 البدر الطالع "2/ 185".
2 "ص375".
3 "5/ 273".
4 "2/ 335".
ومن مصنفاته المطبوعة: "الضوء اللامع لأهل القرن التاسع، و"الإعلان بالتوبيخ لمن ذم التاريخ"، و"المقاصد الحسنة في بيان كثير من الأحاديث المشتهرة على الألسنة"، و"فتح المغيث شرح ألفية الحديث"، و"القول البديع في أحكام الصلاة على الحبيب الشفيع، و"التحفة اللطيفة في أخبار المدينة الشريفة، و"الابتهاج بأذكار المسافر والحاج"، و"تخريج أحاديث العادلين"، و"الفخر المتوالي فيمن انتسب للنبي صلى الله عليه وسلم من الخدم والموالي".
- ومنهم: الإمام الحافظ جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر محمد بن سابق الدين، الخضيري، السيوطي "849-911هـ""الإمام، والحافظ، والمحدث، والمؤرخ، والأديب، والمفسر....".
لما حج السيوطي شرب من ماء زمزم ليصل في الفقه إلى رتبة الحافظ سراج الدين البلقيني، وفي الحديث إلى رتبة الحافظ ابن حجر العسقلاني، وكان يقول:"لو شئت أن أكتب في كل مسألة مصنفًا بأقوالها وأدلتها النقلية والقياسية ومداركها ونقوضها وأجوبتها لقدرت على ذلك من فضل الله".
ولما بلغ أربعين سنة اعتزل الناس، وخلا بنفسه في روضة المقياس على النيل منزويًا عن الناس، فألف أكثر كتبه، وكان الأغنياء والأمراء يزورونه ويعرضون عليه الأموال والهدايا فيردها، وطلبه السلطان مرارًا فلم يحضر إليه، وأرسل إليه هدايا فردها، وبقي على ذلك إلى أن مات.
وقد أحصيت مصنفاته في أحد الفهارس فبلغت "725" مؤلفًا، منها الكتاب الضخم، ومنها الرسالة الصغيرة.
- ومنهم: أبو عبد الله ضياء الدين محمد بن عبد الواحد المقدسي السعدي الصالحي "569هـ-643هـ" سمع من الدمشقيين، والبغداديين، والأصفهانيين، والنيسابوريين، والهرويين، وكتب عن أكثر من خمسمائة شيخ، وكتب، وصنف، وصحح، وجرح، ووثق وعدل.
قال تلميذه عمر بن الحاجب: "شيخنا أبو عبد الله، شيخ وقته، ونسيج وحده في الرواية، مجتهدًا في العبادة".
وقال الحافظ المزي: "الضياء أعلم بالحديث والرجال من الحافظ عبد الغني".
روى عنه الحافظ ابن نقطة، وابن النجار، والبرزالي، وعمر بن الحاجب، وتوفي سنة "643هـ"، وله مصنفات في أكثر العلوم، وأجلها مصنفات في علم الحديث، ومنها كتابه المشهور "الأحاديث المختارة" التي صحح فيها ما لم يُسبق إلى تصحيحه وسُلِّم له قوله فيها.
وذكر ابن تيمية والزركشي أن تصحيحه أعلى مزية من تصحيح الحاكم، وأنه قريب من تصحيح الترمذي وابن حبان.
- ومنهم الإمام الحافظ أبو الفداء إسماعيل عماد الدين بن عمر بن كثير بن ضوء بن كثير، القرشي "ت 774هـ" كانت له الرياسة في التفسير، والحديث، والتاريخ.
ومن مصنفاته: جامع المسانيد، وعلوم الحديث، والتكميل في معرفة الثقات والضعفاء والمجاهيل، والاجتهاد في طلب الجهاد، والبداية والنهاية، وتفسير القرآن العظيم.
ومن الملاحظ أن هذه الفترة المشار إليها لم تكن طريقة الرواية بالمشافهة والإملاء منتشرة فيها مثل العصور الأولى، ولم يهتم بها إلا القلائل من أمثال الحافظ ابن حجر، ومن قبله الحافظ زين الدين العراقي، وكان جل علماء الحديث في هذا الدور يعكفون على كتب الأولين بالجمع، والشرح، والاختصار، والتخريج، ونحو ذلك، ثم انعدمت العناية بالحديث وعكف بعض العلماء على الفروع إلا قلائل في مختلف الأقطار.