الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
دور أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها في رواية الحديث:
الحديث عن عائشة رضي الله عنها يأخذ أبعادًا شتى، في فضلها أو سَعَة علمها أو فقهما أو أدبها.
- مناقبها رضي الله عنها:
مناقب عائشة رضي الله عنها كثيرة منثورة في كتب السنة، بفضلها ومكانتها، ولقد فتحت رضي الله عنها عينيها في بيت قد نوَّره الله بنور الإسلام، فكانت تقول:"لم أعقل أبويَّ إلا وهما يدينان الدين"1. فنشأت في هذا البيت النقي العظيم البركات تحت رعاية أبيها أبي بكر رضي الله عنها أحب رجل إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم2- وأول مَن ساند الدعوة الإسلامية، وأنفق من ماله ليشتد عود الإسلام.
ثم انتقلت رضي الله عنها إلى البيت النبوي وهي ما زالت صبية تلعب3، فاستقبلها سيد الخلق صلى الله عليه وسلم فأتم رعايتها وتوجيهها، فصلب عودها في بيت كان منزل الوحي، وكتب له فيما بعد أن يكون منارة من منارات العلم، وفوق هذا أحبها صلى الله عليه وسلم حبًّا شديدًا كان يعلن به، وكثيرًا ما كانت تفخر بهذه المزية، وتعدها ضمن الخصال الكثيرة التي حباها الله تعالى بها دون سائر أمهات المؤمنين رضي الله عنهن جميعًا4، ولو لم يكن لها رضي الله عنها إلا هذه المنقبة لكفتها. فرسول الله صلى الله عليه وسلم لا يحب إلا طيبًا. وكانت مظاهر حب النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة رضي الله عنها بيِّنة عليه، وكان يعتبر إيذاء
1 صحيح البخاري "3/ 18"، كتاب المناقب، هجرة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه إلى المدينة "3905" عن عائشة.
2 سأل عمرو بن العاص النبي: أي الناس أحب إليك يا رسول الله؟ قال: "عائشة"، فمن الرجال؟ قال:"أبوها". أخرجه البخاري في كتاب المغازي، غزوة ذات السلاسل "4358" عن عمرو.
3 قالت عائشة رضي الله عنها: "تزوجني رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد متوفى خديجة وأنا ابنة ست، وأدخلت عليه وأنا ابنة تسع، جاءني نسوة وأنا ألعب على أرجوحة وأنا مجممة، وصنعنني ثم أتين بي إليه". رواه أبو داود في السنن، كتاب الأدب "1435"، وسنده صحيح، ومجممة: أي ذات جُمة بالضم، وهي مجتمع شعر الرأس، وهي أكثر من الوفرة، وما سقط على المنكبين، انظر: لسان العرب "2/ 107".
4 كانت عائشة رضي الله عنها تقول: "فضلت عليكن بعشر ولا فخر
…
" فذكرت حب النبي صلى الله عليه وسلم لها، ذكره الذهبي في السير "2/ 147".
عائشة رضي الله عنها من إيذائه، معللًا ذلك بأن الوحي كان ينزل عليه في لحافها دون غيرها من نسائه، فقال صلى الله عليه وسلم:"فإنه والله ما نزل عليه وهو في لحاف امرأة منكن غيرها"1.
وقد تعددت بذلك مناقبها وفضائلها، وقد جمع لها الزركشي في كتابه "الإجابة لإيراد ما استدركته عائشة على الصحابة" أربعين منقبة لها وحدها لم تشترك معها فيها امرأة من نساء النبي صلى الله عليه وسلم.
وهذه الأفضلية كان النبي صلى الله عليه وسلم حريصًا على بيانها للناس؛ ليعرفوا قدرها فقال كما روى البخاري: "كمل من الرجال كثير، ولم يكمل من النساء إلا مريم بنت عمران، وآسية امرأة فرعون، وفضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام"2.
ويعلق الإمام الذهبي على هذا الحديث بقوله: "وقرائن تدل على أن هذه الأفضلية بأمر إلهي، وإن هذا من أسباب حبه صلى الله عليه وسلم الشديد لها"3.
وقد أدرك الناس مكانة عائشة عند النبي -صلى الله عليه وسلم4- وقبيح كل مَن ينال منها، كما صرح بذلك عمار بن ياسر وهو يرد على رجل نال من عائشة بقوله:"اغرب مقبوحًا، أتؤذي حبيبة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟! "5.
- سعة علمها رضي الله عنها:
لقد وهبها الله تعالى ذكاء وذاكرة قوية وحفظًا سريعًا، فقد نشأت في بيت أبي بكر رضي الله عنه وعاشت في بيت النبوة، ونهلت من المعين النبوي الصافي، وعُرِفت
1 صحيح البخاري "3/ 63"، فضائل الصحابة، فضائل عائشة، عن عائشة - حديث رقم "3775".
2 صحيح البخاري "4/ 1895"، فضائل الصحابة، فضائل عائشة عن أنس - حديث رقم "246".
3 انظر: سير أعلام النبلاء "2/ 137".
4 راجع: صحيح البخاري "3/ 63"، فضائل الصحابة، فضائل عائشة، من حديث عائشة رقم "3755". وفيه قصة، وقد رواه الحاكم مختصرًا بنحو اللفظ المذكور هنا، وقال: صحيح الإسناد، ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي "المستدرك 4/ 10".
5 سنن الترمذي "5/ 707" كتاب المناقب، باب فضل عائشة رضي الله عنها حديث "3888". وقال الترمذي: هذا حديث حسن.
بالتطلع الواسع إلى الاستفادة من العلم والفَهْم، فكانت كثيرة السؤال والاستفسار، شديدة التمحيص والتنقيب، وقد شهد لها بذلك الأكابر، فعن أبي مليكة رضي الله عنه قال:"إن عائشة كانت لا تسمع شيئًا إلا راجعت فيه حتى تعرفه"1.
- علمها بالقرآن:
لقد كانت رضي الله عنها -وهي صبية تلعب- تسمع الآية من القرآن فتحفظها وتضبط مكان نزولها ووقت النزول؛ حيث تقول: لقد نزل بمكة على محمد صلى الله عليه وسلم وإني لجارية ألعب: {بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ} [القمر: 46] ، وما نزلت البقرة ولا النساء إلا وأنا عنده2.
ثم بعد أن انتقلت إلى البيت النبوي حضرت الكثير من نزول القرآن، وإن الوحي كان ينزل على النبي صلى الله عليه وسلم في لحافها؛ لذلك وصفت أحواله حين نزول الوحي عليه3، الأمر الذي جعلها تلتقط الآية من فم النبي صلى الله عليه وسلم فتحفظها وتعي الأحكام والمقاصد4، فجمعت إلى حفظ القرآن معرفة معانيه وتفسيره، فأصبحت من كبار المفسرين للقرآن الكريم، وساعدها على ذلك معرفتها باللغة العربية وأشعارها وآدابها5، وكان لها مصحف خاص بها جمعت القرآن إلى تفسيره؛ ولذا كان بحجم المصحف ثلاث مرات6.
- علمها بالحديث رضي الله عنها:
لقد كانت رضي الله عنها من كبار المحدثين المتميزين، وحُفاظ السنة المتقنين الضابطين،
1 صحيح البخاري "1/ 54" كتاب العلم، باب من سمع شيئًا فراجع فيه حتى يعرفه، عن ابن أبي مليكة "103".
2 صحيح البخاري "3/ 301" كتاب التفسير، تفسير:{بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ} عن عائشة "4876".
3 صحيح البخاري "1/ 13، 14"، كتاب بدء الوحي، عن عائشة "302".
4 كانت عائشة تقول: "إن الآية تنزل علينا في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فنحفظ حلالها وحرامها وأمرها وزجرها
…
". انظر: أعلام النساء، رضا كحالة "3/ 106"، مؤسسة الرسالة بيروت.
5 كانت عائشة تقول: "رويت للبيد ألف بيت" سير أعلام النبلاء، الذهبي "2/ 140".
6 الإتقان في علوم القرآن، السيوطي "1/ 96"، المكتبة الثقافية، بيروت، لبنان.
وقد امتازت عن غيرها من الصحابة أنها سمعت تلك الأحاديث مشافهة من النبي صلى الله عليه وسلم وأنها انفردت برواية أحاديث لم يروها عنه غيرها لمكانتها عنده.
ولذلك يرجع الفضل إليها في نقل السنة النبوية ونشرها بين الناس، ولو لم تنقلها لضاع قسم كبير منها، خاصة في الأمور التي تتعلق بتصرفات النبي صلى الله عليه وسلم في بيته ومع أهله.
وكان حفظها لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وإتقانه مرجعًا للصحابة فيما اختلفوا فيه من الأحاديث، فيجدون عندها الجواب الشافي الذي يحسم الخلاف ويرد الشك1، وقد كان أبو هريرة من عادته الجلوس إلى حجرة عائشة يُسمعها ما يحدث به الناس، ثم يقول:"يا صاحبة الحجرة، أتنكرين مما أقول شيئًا؟ "2.
وقد بلغت درجة عالية في التمكن من العلم حتى صارت مرجعًا لكبار الصحابة، و"صار معاوية في خلافته يكتب إليها سائلًا عن حكم، أو حديث، أو شيء من فعل النبي صلى الله عليه وسلم ولا يطمئن إلى يقين مما يسمع من غيرها حتى يرد عليه جوابها فيبرد صدره"3.
- فقهها رضي الله عنها:
إن عائشة رضي الله عنها كانت فقيهة جدًّا حتى قيل: إن ربع الأحكام الشرعية منقول عنها4، وجزم الإمام الزهري بأنها أفقه نساء الأمة على الإطلاق5، وذكر ابن حزم أن فتواها يمكن أن تجمع في سِفْرٍ ضخم6.
1 وقد حظيت استدراكاتها على الصحابة باهتمام العلماء، وصنفوا في ذلك، كما فعل الزركشي في الإجابة، وأبو منصور عبد المحسن بن محمد البغدادي "411-489هـ" وغيرهم.
2 صحيح مسلم "4/ 194" فضائل أبي هريرة عن عائشة "2493".
3 انظر: مسند الإمام أحمد بن حنبل "6/ 87"، دار صادر بيروت.
4 فتح الباري، ابن حجر "7/ 17"، دار الريان للتراث، القاهرة ط2، 1987م.
5 سير أعلام النبلاء، الذهبي "2/ 135".
6 تلقيح فهوم أهل الأثر، لابن الجوزي "ص305" مكتبة الآداب، القاهرة، وكذا جوامع السيرة، لابن حزم "ص134" طبعة كراتشي.
وأقوال العلماء المشهود لهم بالفضل والعلم في مكانة عائشة رضي الله عنها العلمية تعكس إمامة عائشة رضي الله عنها فيما ورثته من العلم النبوي، فقد كانت من القلة القليلة التي حظيت بهذا المركز المرموق، وكان يأتيها صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم يسألونها عن عويص العلم ومشكله، فتجيبهم جوابًا مشبعًا بروح التروي والتحقيق، وقد شهد لها بهذا أبو موسى الأشعري إذ قال:"ما أُشكل علينا -أصحابَ محمد- أمر فسألنا عنه عائشة إلا وجدنا عندها فيه علم"1.
وكانت بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم قد استقلت بالفتوى مدة خلافة أبي بكر وعمر إلى أن تُوفيت2.
- علمها بالطب والشعر وأخبار العرب:
وكما كانت عائشة مرجعًا مهمًّا في الشئون الفقهية والتشريعية وكبيرة محدثات عصرها، كانت من أبرع الناس في الطب والشعر وأحاديث العرب وأنسابهم، قال ابن أختها عروة بن الزبير:"لقد صحبت عائشة فما رأيت أحدًا قط كان أعلم بآية نزلت، ولا بفريضة، ولا سنة، ولا بشعر، ولا أروى له، ولا بيوم من أيام العرب، ولا بنسب، ولا بكذا ولا كذا، ولا بقضاء، ولا طب منها، فقلت لها: يا خالة، الطب من أين تعلمتيه؟ فقالت: كنت أمرض فيُنعت لي الشيء، أو يمرض المريض فينعت له، وأسمع الناس ينعت بعضهم لبعض فأحفظه"3.
كما امتازت بفصاحة اللسان، وبلاغة المقال، إذا خطبت ملكت على الناس مسامعهم، وإذا تكلمت أخذت بمجامع قلوبهم، فعن الأحنف بن قيس قال: سمعت خطبة أبي بكر الصديق، وعمر بن الخطاب، وعثمان بن عفان، وعلي بن أبي طالب، والخلفاء هلم جرًّا إلى يومي هذا، فما سمعت الكلام من مخلوق أفخم ولا أحسن من فِي عائشة4.
1 سنن الترمذي: المناقب، فضل عائشة "3928" وقال: حسن صحيح.
2 سير أعلام النبلاء "2/ 145".
3 سير أعلام النبلاء "2/ 184" وقال فيه المحقق: رجاله ثقات.
4 المستدرك على الصحيحين، الحاكم النيسابوري "4/ 11" دار المعرفة، بيروت.
كما كان لأم المؤمنين دورها في حياة المسلمين في مختلف مجالات الحياة، ولم تكن بمنأى عن الأحداث التي مرت بالمسلمين خلال حياتها التي اقتربت من السبعين، وكانت لها مواقف مشهورة، وآثار معروفة في الأحداث السياسية والاجتماعية التي مرت بالمسلمين بعد مقتل سيدنا عثمان بن عفان، وقد سجلت كتب التاريخ كثيرًا من الأحداث التي تركت فيها أم المؤمنين لمسات بارزة1.
- تلاميذها رضي الله عنها:
لقد شاع علم السيدة عائشة رضي الله عنها وانتشر فضلها، وفاقت غيرها في الفرائض والسنن والفقه.
وروى عنها خلق كثير من طبقات مختلفة، وقد قضت حياتها -التي قاربت السبعين- تروي حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وتفتي في الدين، فقد تزوجها النبي صلى الله عليه وسلم وهي ابنة تسع، وتوفي عنها وهي ابنة ثماني عشرة سنة، فكانت من آخر أمهات المؤمنين وفاة رضي الله عنهن جميعًا- وقد استفاد الناس من ذلك كثيرًا، فتيسر لكبار الصحابة وصغارهم، وكبار التابعين وصغارهم، السماع منها والإفادة من علمها وفقهها.
وقد روى عنها من الصحابة أبوها أبو بكر، وعمر بن الخطاب، وعبد الله بن عمر، وأبو هريرة، وأبو موسى الأشعري، وعبد الله بن عباس، وربيعة بن الجرشي، والسائب بن يزيد، وعمرو بن العاص، وزيد بن خالد الجهني، وعبد الله بن عامر بن ربيعة، وعبد الله بن الحارث بن نوفل، وصفية بنت شيبة، وغيرهم.
وروى عنها من آل بيتها: عروة بن الزبير ابن أختها أسماء، والقاسم بن محمد بن أبي بكر ابن أخيها، وأختها أم كلثوم، وأخوها من الرضاعة عوف بن الحارث، وبنتا أختها عبد الرحمن: حفصة وأسماء، وابن أختها أسماء عبد الله
1 لمزيد من التفصيل في دور عائشة السياسي انظر أعلام النساء، عمر كحالة "3/ 30".
ابن الزبير، وحفيدا أسماء: عباد وحبيب ولدا عبد الله بن الزبير، وبنت أختها أم كلثوم عائشة بنت طلحة
…
وغيرهم.
ومن مواليها: ذكوان، وأبو يونس، وفروخ.
ومن التابعين: مسروق بن الأجدع، والأسود بن يزيد النخعي، وسعيد بن المسيب، وأبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف، والشعبي، ومجاهد، وعطاء، وعكرمة، وعمرة بنت عبد الرحمن، ومعاذة العدوية، وخيرة أم الحسن البصري، وصفية بنت أبي عبيد، وعلقمة بن قيس، وابن أبي مليكة، وسليمان بن يسار، وخلق سواهم.
- مروياتها رضي الله عنها:
روت أم المؤمنين عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم الكثير الطيب، وحديثها منثور في كتب الحديث المختلفة، ولتتضح مرتبتها بين المكثرين في الرواية نورد هنا عدد مرويات كل واحد من المكثرين مرتبين حسب الكثرة1:
1-
أبو هريرة: رُوي له عن النبي صلى الله عليه وسلم خمسة آلاف وثلاثمائة وأربعة وسبعون حديثًا2.
2-
عبد الله بن عمر: ألفان وستمائة وثلاثون حديثًا "2630".
3-
أنس بن مالك: ألفان ومائتان وستة وثمانون حديثًا "2286".
4-
عائشة: ألفان ومائتان وعشرة أحاديث "2210".
5-
عبد الله بن عباس: ألف وستمائة وستون حديثًا "1660".
1 تلقيح فهوم أهل الأثر، ابن الجوزي "363"، جوامع السيرة، لابن حزم "ص275، 276"، وقال أحمد بن حنبل: هم ستة لم يذكر فيهم أبو سعيد الخدري. انظر: الباعث الحثيث "85".
2 ذكر لها هذا العدد ابن حزم في جوامع السيرة "275"، والذهبي في السير "3/ 139"، والزركشي في الإجابة "33"، والسيوطي في تدريب الراوي "2/ 217".
6-
جابر بن عبد الله: ألف وخمسمائة وأربعون حديثًا "1540".
7-
أبو سعيد الخدري: ألف ومائة وسبعون حديثًا "1170".
فإذا كانت عائشة رضي الله عنها تروي "2210"1 حديثًا، فهل تحتل الدرجة الرابعة باعتبار كثرة الرواية عامة2، أما باعتبار الكثرة في الكتب الستة فتحتل الدرجة الثانية بعد أبي هريرة مباشرة؛ إذ له في الكتب الستة ثلاثة آلاف وثلاثمائة وسبعون حديثًا "3370"، ورُوي لعائشة في الكتب الستة ألفا حديث وواحد وثمانون حديثًا "2081"2.
- واتفق لها البخاري ومسلم على مائة وأربعة وسبعين حديثًا "174".
- وانفرد البخاري بأربعة وخمسين حديثًا "54".
- وانفرد مسلم بتسعة وستين حديثًا "69"3.
وبهذا يصبح مجموع حديثها عند الشيخين مجتمعًا ومنفردًا "297"4.
- محتوى مروياتها:
المتفحص لكتب الحديث المختلفة -كالصحاح، والمسانيد، والسنن، والجوامع- يلحظ كثرة روايتها وتنوعها، وأن مروياتها طرقت معظم أبواب الأحكام، وإن غلب على مروياتها طابع الأفعال على الأقوال، ولا سيما ما يتعلق بأعمال رسول الله صلى الله عليه وسلم البيتية والمعيشية، كما تميزت عائشة رضي الله عنها في مروياتها بنقل أحكام النساء الخاصة بهن، ولم يضارعها في ذلك أحد.
إن مروياتها تناولت أحاديث تتعلق بأبواب الإيمان والوحي والعلم والقراءة
1 وقول أحمد شاكر في الباعث الحثيث: "أكثر الصحابة رواية للحديث أبو هريرة ثم عائشة ثم
…
" غير دقيق، والصحيح الترتيب الذي ذكره ابن حزم في جوامع السيرة "275" أي: الدرجة الرابعة.
2 اعتمدت في هذا العدد على ترقيم تحفة الأشراف للمزي من مسند عائشة "11/ 348، و12/ 448".
3 سير أعلام النبلاء، الذهبي "2/ 139".
4 ذكره ابن الجوزي في تلقيح الفهوم "ص403".
التفسير، وآداب قضاء الحاجة، والوضوء والغسل في يوم الجمعة، وفي الجنابة، وبمسائل في الحيض والاستحاضة، وما يتعلق بجواز مباشرة الرجل الحائض، وقد برعت وفاقت غيرها في هذا المجال
…
وكذا أحاديث في التيمم، تتعلق بسبب نزول آية التيمم -وهي صاحبة القصة- وكذا حوت مروياتها أبوابًا في الصلاة تتعلق بالأوقات المنهي عن الصلاة فيها، وبكيفية فريضة الصلوات، وأحاديث في الأذان، وما كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم من المؤذنين، وأحاديث تتعلق بأحكام الصلاة، وما ورد من الأذكار والأدعية خلالها وفي دبرها، وبالإمامة، وفضل الجماعة، وأحاديث في المساجد وآدابها وفضلها، وحضور النساء المساجد، وأحاديث بخصوص صلاة العيدين، والخسوف والكسوف، وما يتعلق بالسنن الراتبة والنوافل وقيام الليل، وصلاة التراويح، وما ورد في الوتر، وصلاة الجنازة وما يتعلق بها من ثياب الكفن، وأحاديث في إثبات عذاب القبر، والتحذير من اتخاذ القبور مساجد، وغير ذلك مما يتعلق بالقبور وأهلها.
كما تناولت مروياتها أحاديث كثيرة في الصدقة وأجرها، وإنفاق المرأة من مال زوجها بغير إذنه، وكذا اشتملت على أحاديث كثيرة في الصوم تتعلق بمسائل شتى في تحري هلال شعبان لمعرفة هلال رمضان، وفي السحور، وفي الصائم الذي يصبح وهو جنب، وتقبيل الصائم، وأحاديث في صيام التطوع، وأخرى في الاعتكاف، وفي تحري ليلة القدر، وفي قضاء الصيام، وفي النهي عن الوصال في الصوم، وأيضًا روايات كثيرة جدًّا في الحج تتعلق بالتلبية وأنواع الحج الثلاثة، واستعمال الطيب قبل الدخول في الإحرام وقبل طواف الإفاضة وبعد التحلل الأصغر، وبفتل القلائد للهدي، وبعدد عُمَرِ النبي صلى الله عليه وسلم وعمرة عائشة نفسها من التنعيم ونزول المحصب، وما يتعلق ببناء الكعبة وفضلها.
وكذا روايات في الأضاحي وفي الذبائح وبعض ما يتعلق بهما نحو العقيقة، كما أن لها مرويات في
البيوع وما يتعلق بها، وفي العتق، والمكاتبة. وتشتمل على أحاديث في باب اللباس، والأطعمة، والأشربة، والطب فيما يتعلق بعلاج المريض والدواء وبالرقية والدعاء، وبأحاديث في النذور والشهادات، وأيضًا أحاديث تتعلق بالجهاد، والمغازي، والإمارة.
كما تتضمن مروياتها مجموعة من الأحاديث تدور حول النكاح وحسن المعاشرة بين الزوجين، والطلاق وما يتعلق به، وروايات في أبواب الحدود، وأبواب المناقب والسير، وجملة كبيرة من الأحاديث في الآداب المعيشية، وفي البر والصلة، كما روت أحاديث في الزهد والرقاق، وأحاديث في الفتن، وأشراط الساعة، والقدر، وما يتعلق بالقيامة، وأحاديث في الاستغفار، والدعاء، والتوبة.
- مكثرو الرواية عن عائشة رضي الله عنها ورواياتهم عنها في الكتب الستة:
نبغ كثير من تلاميذ عائشة رضي الله عنها وأصبحوا بدورهم مثابة لطلاب العلم يضرب الناس إليهم أكباد الإبل ابتغاء ما ورثوه من علم عائشة، فتلاميذها أوعية حافظة لعلمها، نذكر هنا ستة، هم أكثر الرواة المكثرين عنها رضي الله عنها:
1-
عروة بن الزبير: ابن العوام بن خويلد الأسدي، أبو عبد الله المدني، ثقة فقيه، مشهور من الثانية مات سنة 94هـ على الصحيح، مولده في أوائل خلافة عمر الفاروق، وهو أكثر رواية عن خالته عائشة رضي الله عنها حتى روى عنها وحده "1050" حديثًا من مجموع أحاديثها البالغ عددها "1999"، وهو نصف مسندها1.
قال عنه الزهري: "كان عروة بحرًا لا ينزف ولا تكدره الدلاء"2، وقد كان شديد الملازمة لخالته عائشة، كثير السؤال، مما كان يثير غبطة طلاب العلم من كثرة دخوله عليها؛ فأصبح مرجعًا لعلمها.
1 انظر: سير أعلام النبلاء "4/ 421-437"، طبقات ابن سعد "5/ 178"، وأعداد الأحاديث مأخوذة من تحفة الأشراف للحافظ المزي.
2 سير أعلام النبلاء "4/ 428".
2-
القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق1: التيمي أبو عبد الرحمن، ثقة، أحد الفقهاء بالمدينة، ومن كبار الثالثة، مات سنة "106هـ" على الصحيح، قُتل أبوه محمد سنة "38هـ" في مصر لما قدم أميرًا عليها من قبل علي بن أبي طالب، فبقي القاسم يتيمًا في حجر عمته عائشة رضي الله عنها.
وكان يلازمها مع ما عرف به من النباهة، وهو حديث السن مما يسر له استيعاب ما تسمعه آذانه وإدراك ما يحفظه من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم أو فتاوى من عائشة وغيرها، وله "137" حديثًا يرويها عنها في الكتب الستة فقط.
3-
الأسود بن يزيد النخعي2: الكوفي أبو عمرو، الثقة، العابد، من الثانية، روى الأسود عن عائشة "117" حديثًا في الكتب الستة فقط.
4-
عمرة بنت عبد الرحمن3: ابن سعد بن زرارة الأنصارية المدنية، وكانت في حجر عائشة، مدنية تابعية ثقة ثبت حجة، قال ابن حبان:"كانت من أعلم الناس بحديث عائشة"، وقال ابن سعد:"كانت عالمة"، وقد كتب عمر بن عبد العزيز إلى أبي بكر بن حزم أن يكتب له أحاديث عمرة
…
كما شهد لها الزهري بقوله: "فأتيتها -أي عَمْرَة- فوجدتها بحرًا لا ينزف". ولها في الكتب الستة "72" حديثًا ترويها عن عائشة رضي الله عنها.
- أصح الأسانيد عن عائشة:
من ذلك:
1-
هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة4.
1 المصدر السابق "5/ 53-60".
2 سير أعلام النبلاء "4/ 50-53"، طبقات ابن سعد "6/ 70"، وتذكره الحفاظ للذهبي وغيرها.
3 سير أعلام النبلاء "4/ 507، 508"، طبقات ابن سعد "8/ 484"، وتهذيب الكمال وغيرها.
4 شرح الباعث الحثيث، أحمد شاكر "11".
2-
يحيى بن سعيد، عن عبيد الله بن عمرو بن حفص العمري، عن القاسم، عن عائشة رضي الله عنها قال ابن معين: ترجمة مشبكة الذهب1.
3 عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه، عن عائشة رضي الله عنها قال ابن معين:"ليس إسناد أثبت من هذا"2.
4-
أفلح بن حميد، عن القاسم، عن عائشة3.
5-
الزهري، عن عروة، عن عائشة4.
فمن خلال هذا الغرض الموجز جدًّا في حق أكبر المحدثات عبر العصور، أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها ندرك الجهود الكبيرة التي قدمتها للأمة الإسلامية، فكانت وما زالت رضي الله عنها قدوة النساء والرجال في العلم والفقه والزهد وسائر أعمال المعروف.
1 معرفة علوم الحديث الحاكم "ص55"، دار الكتب العلمية، بيروت، ط2، 1977م.
2 الكفاية في علم الرواية، الخطيب البغدادي، تحقيق أحمد عمر هاشم، دار الكتاب العربي، بيروت ط1986م، والنكت لابن حجر، المجلس العلمي لإحياء التراث الإسلامي، المدينة، ط1.
3 الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع، الخطيب البغدادي "2/ 229"، مكتبة المعارف، الرياض، ط1983م.
4 طرح التثريب شرح التقريب، زين الدين العراقي "1/ 22" دار المعارف، حلب، سوريا، دون ذكر الطبعة.