المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المبحث الأول: مزاعم منكري السنة قديما، والرد عليها - منهاج المحدثين في القرن الأول الهجري وحتى عصرنا الحاضر

[على عبد الباسط مزيد]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌التمهيد

- ‌الفصل الأول: منكرو السنة والرد عليهم

- ‌المبحث الأول: مزاعم منكري السنة قديما، والرد عليها

- ‌المبحث الثاني: منكرو السُّنَّة حديثًا، وتفنيد مزاعمهم

- ‌الفصل الثاني: مكانة السُّنَّة في التشريع الإسلامي

- ‌الباب الأول: مناهج المحدثين في القرن الأول الهجري

- ‌الفصل الأول: مظاهر اهتمام الصحابة بالسنة

- ‌الفصل الثاني: كتابة السُّنَّة في العهد النبوي

- ‌الفصل الثالث: أشهر الصحف والكتابات في العهد النبوي

- ‌الفصل الرابع: الكتاب الذي كتبه رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمرو بن حزم

- ‌الفصل الخامس: بواعث كتابة الحديث في القرن الأول الهجري

- ‌الفصل السادس: مظاهر احتياط الصحابة في قبول الحديث الشريف

- ‌الفصل السابع: منهج الصحابة في رواية الحديث الشريف

- ‌الفصل الثامن: الصحابة المكثرون لرواية الحديث الشريف

- ‌أبو هريرة راوية الإسلام

- ‌ عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما

- ‌ أنس بن مالك رضي الله عنه

- ‌ عائشة رضي الله عنها

- ‌ عبد الله بن عباس رضي الله عنهما

- ‌ جابر بن عبد الله

- ‌ أبو سعيد الخدري

- ‌الفصل التاسع: أسباب تفاوت الصحابة في رواية الحديث الشريف

- ‌الفصل العاشر: دور أمهات المؤمنين في خدمة الحديث الشريف

- ‌مدخل

- ‌دور أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها في رواية الحديث:

- ‌دور أم المؤمنين أم سلمة رضي الله عنها في رواية الحديث:

- ‌دور أم المؤمنين ميمونة رضي الله عنها في رواية الحديث:

- ‌دور أم المؤمنين حبيبة رضي الله عنها

- ‌دور أم المؤمنين حفصة بنت عمر رضي الله عنها:

- ‌دور أم المؤمنين زينب بنت جحش رضي الله عنها:

- ‌دور أم المؤمنين صفية رضي الله عنها:

- ‌دور أم المؤمنين جويرية بنت الحارث رضي الله عنها:

- ‌دور أم المؤمنين سودة بنت زمعة رضي الله عنها:

- ‌الفصل الحادى عشر: أسباب تفاوت أمهات المؤمنين رضي الله عنها في الرواية

- ‌الباب الثاني: مناهج المحدثين في القرن الثاني الهجري

- ‌الفصل الأول: المستجدات في هذا العصر

- ‌الفصل الثاني: التدوين الشامل للسنة في هذا العصر ومنهج العلماء في التصنيف

- ‌الفصل الثالث: جهود التابعين في توثيق السُّنَّة وحفظها وتدوينها في النصف الأول من القرن الثاني الهجري

- ‌الفصل الرابع: أشهر الصحف والكتابات في القرن الثاني الهجري

- ‌الفصل الخامس: ضوابط الرواية عند التابعين

- ‌الفصل السادس: التصنيف في القرن الثاني وبداية الثالث الهجريين

- ‌الفصل السابع: الأئمة الأربعة، وأثرهم في الحديث وعلومه

- ‌مدخل

- ‌الإمام مالك بن أنس بن مالك بن أبي عامر بن عمرو الأصبحي

- ‌الإمام الشافعي "150-204ه

- ‌الإمام أحمد بن محمد بن حنبل بن هلال بن أسد الشيباني، أبو عبد الله المروزي ثم البغدادي "164-241ه

- ‌الباب الثالث: منهاج المحدثين في القرن الثالث الهجري وحتى عصرنا الحاضر

- ‌الفصل الأول: مناهج المحدثين في القرن الثالث الهجري

- ‌المبحث الأول: أهم المشكلات التى واجهت المحدثين في القرن الثالث الهجري

- ‌المبحث الثاني: تدوين الحديث وعلومه في القرن الثالث الهجري

- ‌المبحث الثالث: مناهج العلماء في تدوين الحديث في القرن الثالث الهجري

- ‌المبحث الرابع: أئمة القرن الثالث الهجري ومناهجهم

- ‌أولًا: الإمام البخاري "194-256ه

- ‌مقارنة بين الصحيحين:

- ‌ثالثًا: أبو داود السجستاني "202-275ه

- ‌خامسًا: أحمد بن شعيب النسائي "215-303ه

- ‌سادسًا: ابن ماجه "209-273ه

- ‌سابعًا: الإمام أحمد بن محمد بن حنبل "164-241ه

- ‌الفصل الثاني: مناهج المحدثين في القرن الرابع الهجري

- ‌ابن خزيمة

- ‌الطحاوي:

- ‌الدارقطني:

- ‌الطبراني:

- ‌ابن حبان:

- ‌ابن السكن:

- ‌الحاكم النيسابوري "321-405ه

- ‌الفصل الثالث: منهج التصنيف في القرن الخامس إلى السقوط الخلافة العباسية [من عام "400هـ" حتى عام "656ه

- ‌الجمع بين الصحيحين

- ‌ الجمع بين الكتب الستة

- ‌ الجمع بين أحاديث من كتب مختلفة:

- ‌ كتب منتقاة في أحاديث الأحكام والمواعظ، ومنها:

- ‌ كتب الأطراف:

- ‌الفصل الرابع: منهج التصنيف من سقوط الخلافة العباسية إلى عصرنا الحاضر

- ‌المبحث الأول: السنة من عام 656هـ حتى عام 911 ه

- ‌مدخل

- ‌أولًا: منهج العلماء في خدمة السُّنَّة في هذه الفترة:

- ‌ثانيًا: طريقة العلماء في خدمة الحديث الشريف في هذه الفترة

- ‌المبحث الثاني: دور العلماء في خدمة السُّنَّة بعد عام "911هـ" حتى آخر القرن الرابع عشر الهجري

- ‌المبحث الثالث: دور أشهر الممالك التي كان لها أثر ملموس في خدمة السُّنَّة في هذا العصر

- ‌ دور مصر في العناية بالسُّنَّة وعلومها:

- ‌ دور علماء الهند في العناية بالسُّنَّة:

- ‌ دور المملكة العربية السعودية في خدمة السُّنَّة:

- ‌المبحث الرابع: جهود علماء المسلمين في خدمة السُّنَّة في العصر الحاضر

- ‌قائمة بأسماء المصادر والمراجع:

- ‌الفهرس:

الفصل: ‌المبحث الأول: مزاعم منكري السنة قديما، والرد عليها

‌التمهيد

‌الفصل الأول: منكرو السنة والرد عليهم

‌المبحث الأول: مزاعم منكري السنة قديما، والرد عليها

التمهيد:

وفيه فصلان:

الفصل الأول: منكرو السُّنَّة والرد عليهم

لأهمية السُّنَّة في بناء التشريع الإسلامي اهتمت بها الأمة اهتمامًا بالغًا، وسخروا لها كافة جهودهم وكل طاقاتهم، ابتداء من الصحابة رضوان الله عليهم، وتمخض عن هذا الاهتمام علوم عظيمة غايتها البحث في معاني الأحاديث النبوية الشريفة، وشكلها، وطريقة روايتها، وتمييز صحيحها من سقيمها، ولم يوجد رجل أو امرأة ممن روى الحديث الشريف إلا وله ترجمة خضعت لبحث دقيق من كل ناحية. ورغم ذلك ظهر في كل عصر من ينكر السُّنَّة، ويطالب بالاكتفاء بالقرآن الكريم، بحجة أن السُّنَّة لم تنقل إلينا كما ينبغي، وهذا افتراء يدحضه عديد من الأدلة، ونوضح ذلك من خلال المبحثين الآتيين:

المبحث الأول: مزاعم منكري السُّنَّة قديمًا، والرد عليها

من يتأمل كلام منكري السُّنَّة قديمًا يجدهم يركزون على عدة مزاعم؛ هي:

الأول: أن القرآن الكريم نزل بلسان عربي يفهمه مَن عرف العربية، وتفقه فيها، وقد ورد إلينا ورودًا قطعيًّا لا شك فيه، فلا حاجة إلى السُّنَّة كي تبينه.

الثاني: أن الله تعالى قد نص في كتابه العزيز على أنه قد حوى كل شيء، وفيه تبيان كل شيء.

الثالث: أن السُّنَّة قد وردت إلينا ورودًا ظنيًّا؛ لأنها نقلت عن طريق الرواة الذين يخطئون وينسون ويكذبون، فالرواية باطلة، وما تنقله باطل لا يصح الاحتجاج به.

ص: 13

الرابع: كيف نسوي بين القرآن الكريم الذي ورد ورودًا قطعيًّا، والسُّنَّة التي وردت ورودًا ظنيًّا، ونخصص بها عام الكتاب، أو نقيد مطلقه؟ 1

وقد تصدى كثير من الأئمة والعلماء -قديمًا وحديثًا- بالرد على منكري السُّنَّة وتفنيد مزاعمهم.. ونتخير من هذه الردود رد الإمام الشافعي، والعالِم الحجة ابن أبي حاتم الرازي.

أولًا: رد الإمام الشافعي

يعتبر رد الإمام الشافعي من أبلغ الردود وأبين المناقشات قديمًا. ومجمل رده ومناقشته لهم ينحصر فيما يلي2:

أولًا: أن الله تعالى نص في القرآن الكريم على السُّنَّة، وذلك في قوله تعالى:{هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ} [الجمعة: 2]، ونحوه قوله تعالى:{كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولًا مِنْكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آَيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ} [البقرة: 151] فالعطف هنا على مغاير، فالكتاب غير الحكمة، ولا يُسلَّم للمعترضين أن الكتاب والحكمة لفظان يدلان على معنى واحد، وأن الحكمة هي الكتاب.

فهذا الاعتراض مدفوع بما جاء في آيات أخرى، نحو قوله تعالى:{وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آَيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ} [الأحزاب: 34] ، فالحكمة هي السُّنَّة، وآيات الله هي القرآن الكريم، والمراد بالتلاوة القراءة، ولو صح قولهم لكانت الكلمات الثلاث "آياته، الكتاب، الحكمة" مترادفات، وهي جميعًا في آية واحدة، وهي قوله تعالى:{يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ} [البقرة: 129] والقول باشتمال آية واحدة على ثلاثة مترادفات غير معهود في الأسلوب القرآني، ويتنافى مع إيجاز القرآن وبلاغته3.

1 المدخل إلى توثيق السُّنَّة "ص 189".

2 راجع ذلك مفصلًا في: توثيق السُّنَّة في القرن الثاني الهجري "ص77-102".

3 راجع: المدخل إلى توثيق السُّنَّة "ص192".

ص: 14

وإذا كان القرآن الكريم اشتمل على السُّنَّة، فيجب علينا أن نأخذ بها، وألا نكون كمن آمنوا ببعض الكتاب وكفروا ببعض، قال تعالى:{أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ} [البقرة: 85] .

ثانيًا1: قد فرض الله تعالى علينا اتباع النبي صلى الله عليه وسلم فقال تعالى: {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [النساء: 65]، وقال تعالى:{وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالًا مُبِينًا} [الأحزاب: 36]، وقال:{مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ} [النساء: 80]، وقال:{فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النور: 63] .

فهذه الآيات ونحوها تدل على أن هناك أحكامًا وأوامر للرسول صلى الله عليه وسلم ليست في القرآن، ويجب علينا اتباعها تنفيذًا لأوامر الله تعالى في كتابه العزيز، ولا يمكن اتباعها إلا بأخذها من الرواة الذين نقلوها، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب -كما يقول الأصوليون.

وليس المراد من حكم الرسول صلى الله عليه وسلم وطاعته في الآيات هو الحكم بما أنزل الله في كتابه، وطاعته فيما يبلغهم من كتاب الله عز وجل كما يزعم لمعترضون، ولو سلمنا ذلك جدلًا، فإنا لا نجد السبيل إلى تطبيق أحكام الله عز وجل على الوجه الأكمل إلا إذا اقتدينا بالرسول صلى الله عليه وسلم القدوة الحسنة والوقوف على سنته والأخذ بها، وطريقنا إليها هو الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ثالثًا: هناك بعض الأحكام التي نُسخت في القرآن الكريم وجاءت مكانها أحكام أخرى، ولم يبين هذا النسخ إلا السُّنَّة؛ مما يجعلنا في حاجة إلى الأخذ بها.

ومن ذلك قوله تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا

ص: 15

الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ} [البقرة: 180] ، فالآية تفرض وتقرر على المؤمنين أن يوصوا لوالديهم وأقربائهم إذا أحسوا بدنوِّ الأجل، وجاءت السُّنَّة بنسخ الوصية للوالدين والأقربن، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"لا وصية لوارث" 1، ولا دليل على هذا النسخ إلا بالسُّنَّة، فتطبيق حكم الله على الوجه الأكمل لا يكون إلا بالأخذ بالسُّنَّة، وذلك حتى لا يُعمل بآية قد نسخ الشرع حكمها.

رابعًا: وصرحوا بما هو حق؛ ولكنهم سرعان ما حوَّروه إلى باطل، فقالوا: إن السُّنَّة تخصص العام في القرآن الكريم، والقرآن قطعي الورود، والسُّنَّة ظنية الثبوت؛ فلهذا تُرد السُّنَّة؛ لأن القرآن قطعي وهي ظنية.

وهؤلاء يعارضون أنفسهم بأنفسهم؛ لأنهم يتفقون -مع غيرهم- على أن حرمة الدم والمال مقطوع بهما، ومتفقون على أنه إذا شهد اثنان على إنسان بأنه قتل آخر عمدًا، فإنه يباح دمه ويُقتل قَصاصًا، وإذا شهد اثنان على إنسان بأنه انتهب مالًا عوقب ويؤخذ من ماله بقدر ما أخذ، وقد حكمنا بذلك بناء على ظننا أن الشاهدين صادقان، فهذا تخصيص قطعي بظني: القطعي هو حرمة الدم والمال، والظني هو شهادة الشهود، ومنكرو السُّنَّة يعترفون بذلك ويقبلونه، فلِمَ يرفضون السُّنَّة بحجة أنها ظنية والقرآن قطعي؟!

1 هذا الحديث جزء من حديث طويل في خطبة الوداع بدايته: "إن الله قد أعطى كل ذي حق حقه فلا وصية لوارث" الحديث، رواه أبو داود في "17" كتاب البيوع والإجارات: باب في تضمين العارية - حديث رقم "3565"، والترمذي في "31" كتاب الوصايا "5" باب ما جاء لا وصية لوارث - حديث رقم "2120" من حديث أبي أمامة، وقال الترمذي: وفي الباب عن عمرو بن خارجة، وأنس، وهو حديث حسن صحيح

ثم رواه الترمذي من حديث عمرو بن خارجة بنحو حديث أبي أمامة مطولًا "2121" وقال: هذا حديث صحيح.

ورواه النسائي في المجتبى "30" كتاب الوصايا "5" باب إبطال الوصية للوارث - من حديث عمرو بن خارجة بالطرف المذكور فقط "3461، 3462، 3463"، ورواه ابن ماجه في "22" كتاب الوصايا "6" باب لا وصية لوارث - من حديث عمرو بن خارجة بنحو حديث الترمذي "2712"، ومن حديث أبي أمامة بالطرف المذكور "2713"، ومن حديث أنس بن مالك مختصر أيضًا "2714"، وقال البوصيري في مصباح الزجاجة "2/ 368": هذا إسناد صحيح رجاله ثقات.

ص: 16

ولا شك أن في الأخبار أو الأحاديث احتمال الخطأ والوهم والكذب؛ ولكن العلماء وضعوا ضوابط ومقاييس كثيرة للتثبت والتأكد من عدالة الرواة وضبطهم؛ بحيث يصبح نقل الحديث على وجه الصحة أكثر تأكيدًا من أداء الشهادة على الوجه الصحيح، ومنكرو السُّنَّة لا يختلفون في صحة الشهادة، فكيف يختلفون في صحة رواية السُّنَّة ونسبة الظن فيها أقل من نسبة الظن في الشهادة؟!

فالقرآن الكريم نص على اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم ويكون ذلك باتباع ما صدر عنه من قول أو فعل أو تقرير أو صفة، ونحن لا نعرف ذلك إلا بالرواية التي نالت عناية فائقة من الأئمة العلماء الذين وضعوا كافة الأسس والضوابط والمقاييس التي تبين حال كل واحد من رواة الحديث الشريف من حيث العدالة والضبط والإتقان

إلخ.

ثانيًا: مناقشة الإمام ابن أبي حاتم الرازي للمنكرين للسُّنَّة

عاش ابن أبي حاتم في القرن الثالث وأوائل القرن الرابع الهجريين، وهو من أبرز الحريصين على نقل الرواية الصحيحة، وله مناقشات هامة في إثبات مشروعية الرواية في مقدمة كتابه "الجرح والتعديل" "1/ 1/ 1-13" ويمكننا توضيحها فيما يلي:

أولًا: قد جعل الله تعالى المسلمين عدولًا يُعتمد على شهادتهم وروايتهم، قال تعالى:{وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا} [البقرة: 143] ومعنى الوسط: العدل، وهم كذلك بتمسكهم بمبادئ دينهم، فهم يشهدون يوم القيامة على الأنبياء بأنهم بلغوا عن ربهم رسالاته إلى الناس بناء على إخبار الله ورسوله لهم بذلك، وإذا كان الله تعالى جعلهم عدولًا وقَبِلَ روايتهم وأخبارهم التي رَوَوْها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه أحرى بنا أن نقبل روايتهم؛ لأنها نوع من الشهادة.

ص: 17

وروى ابن أبي حاتم في تفسير الآية السابقة بإسناده عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي أنه قال صلى الله عليه وسلم: "يُدعى نوح عليه السلام يوم القيامة، فيقال له: هل بلغت؟ فيقول: نعم، فيُدعى قومه، فيقال لهم: هل بلغكم؟ فيقولون: ما أتانا من نذير، وما أتانا من أحد، فيُقال لنوح عليه السلام: مَن يشهد لك؟ فيقول: محمد صلى الله عليه وسلم وأمته، فذلك قوله عز وجل: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا} " قال: "الوسط: العدل، فتُدعون فتشهدون له بالبلاغ، ثم يشهد عليكم بعد".

قال ابن أبي حاتم: لما أخبر الله عز وجل أنه جعل هذه الأمة عدلًا في شهادتهم بتبليغ رسلهم رسالات ربهم بَانَ أن السُّنَّة تصح بالأخبار المروية؛ إذ كانت هذه الأمة إنما علمت بتبليغ الأنبياء رسالات ربهم بإخبار نبيهم صلى الله عليه وسلم.

وقد أشار الله تعالى إلى أن الأخبار لا تؤخذ إلا من العُدول؛ لأن هذا يجعلنا نطمئن إلى سلامة ما نُقل إلينا من التغيير والتحريف والتبديل1.

ثانيًا: قد حث الله تعالى المؤمنين بأن يَنْقُل من فَقُه أو تعلَّم من الرسول صلى الله عليه وسلم إلى الآخرين الذين لم يتمكنوا من ذلك، وعملية النقل هذه هي الرواية، قال تعالى:{فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ} [التوبة: 122] .

روى ابن أبي حاتم بسنده عن ابن عباس 0رضي الله عنهما- أنه قال في تفسير هذه الآية: "لتنفر طائفة ولتمكث طائفة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فالماكثون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم هم الذين يتفقهون في الدين وينذرون قومهم إذا رجعوا إليهم من الغزو لعلهم يحذرون ما أنزل من بعدهم من قضاء الله عز وجل وكتابه وحدوده".

قال ابن أبي حاتم: "قد أمر الله عز وجل المتخلفين مع نبيه صلى الله عليه وسلم عمن خرج غازيًا أن يخبروا إخوانهم الغازين إذا رجعوا إليهم بما سمعوا من رسول الله صلى الله عليه وسلم من سنته، فدل ذلك على أن السنن تصح بالإخبار".

1 راجع: المدخل إلى توثيق السُّنَّة "ص197".

ص: 18

وفي رواية لابن عباس رضي الله عنهما قال في تفسير الآية الكريمة: "كان ينطلق من كل حي من العرب عصابة، فيأتون النبي صلى الله عليه وسلم فيسألونه عما يريدون من أمر دينهم ويتفقهون في دينهم، ويقولون لنبي الله صلى الله عليه وسلم: ما تأمرنا أن نفعله؟ وأخبِرنا ما نقول لعشائرنا

فيأمرهم نبي الله بطاعة الله وطاعة رسوله، ويبعثهم إلى قومهم بالصلاة والزكاة، وكانوا إذا أتَوا قومهم نادَوا: أن من أسلم فهو منا، وينذرونهم، حتى إن الرجل ليفارق أباه وأمه، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخبرهم، وينذرهم قومهم، فإذا رجعوا إليهم يدعونهم إلى الإسلام وينذرونهم النار ويبشرونهم بالجنة".

ثالثًا: قد كان النبي صلى الله عليه وسلم يعتمد على رواية أخبار العدول، وينفذ بمقتضاها بعض الأحكام، وإذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل ذلك فنحن نتأسى به، ونقبل السُّنَّة التي تأتينا عن طريق الرواة العدول، قال تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ} [الحجرات: 6] .

روى ابن أبي حاتم بسنده عن ابن عباس في سبب نزول هذه الآية قوله: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث الوليد بن عقبة بن أبي مُعَيط إلى بني المصطلق ليأخذ منهم الصدقات، وأنه لما أتاهم الخبر فرحوا وخرجوا ليتلقوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنه لما حُدِّث الوليد أنهم خرجوا يتلقونه رجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله! إن بني المصطلق قد منعوا الصدقة، فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم غضبًا شديدًا، فبينا هو يحدث نفسه أن يغزوهم إذ أتاه رجل فقال: يا رسول الله! إنا حُدِّثنا أن رسولك رجع من نصف الطريق، وإنا خشينا أن يكون رده كتاب جاءه منك بغضب علينا، وإنا نعوذ بالله من غضبه وغضب رسوله".

ورُوي عن مجاهد وقتادة والضحاك نحو ذلك.

قال ابن أبي حاتم: "لما أخبر الوليد بن أبي معيط النبي صلى الله عليه وسلم بامتناع من بعث إليهم مصدقًا فقبل خبره لصدق الوليد وستره عنده، وتغيظ عليهم بذلك

ص: 19

وهمَّ بغزوهم حتى نزل عليه القرآن: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ} فكف عند ذلك عنهم، دل على أن السنن تصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بنقل الرواة الصادقين لها".

وقد تدل الآية على أن الفسقة لا تُؤخذ منهم الرواية، وبذلك تصان السُّنَّة من التحريف والتبديل1.

رابعًا: وقد ورد في أقوال الرسول صلى الله عليه وسلم وجوب أخذ السنن بنقل الرواة العدول لها، ومن ذلك: الأمر بنقل الأخبار عنه صلى الله عليه وسلم وذلك في قوله: "بلغوا عني ولو آية، وحدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج، ومن كذب عليَّ متعمدًا فليتبوأ مقعده من النار" 2، وقوله:"حدثوا عني ولا حرج" 3، وقوله في أكثر من حديث:"فليبلغ الشاهد الغائب"4.

وقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم من الكذب عليه وبيَّن عقاب من يفعل ذلك، فلا يحل التحديث عنه إلا إذا تأكدنا من صحة نسبة الحديث إليه، ولا نقبل رواية الكاذبين، وبذلك نصل إلى الحق من سنته.

1 راجع المدخل إلى توثيق السنة "ص200".

2 رواه البخاري والترمذي وغيرهما من طريق حسان بن عطية، عن أبي كبشة السلولي، عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما.

صحيح البخاري "60" كتاب أحاديث الأنبياء "50" باب ما ذكر عن بني إسرائيل - حديث رقم "3461".

سنن الترمذي "42" كتاب العلم "13" باب ما جاء في الحديث عن نبي إسرائيل - حديث رقم "2669"، وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.

3 رواه مسلم من حديث أبي سعيد الخدري مرفوعًا: "لا تكتبوا عني، ومن كتب عني غير القرآن فليمحه، وحدثوا عني ولا حرج، ومن كذب عليَّ متعمدًا فليتبوأ مقعده من النار".

صحيح مسلم "4/ 2298، 2299""53" كتاب الزهد "16" باب التثبت في الحديث وحكم كتابة العلم - حديث رقم "72/ 3004".

ورواه الإمام أحمد في مسنده "3/ 46" عن أبي سعيد الخدري مرفوعًا بلفظ: $"حدثوا عني، ولا تكذبوا عليَّ، ومن كذب عليَّ متعمدًا فقد تبوأ مقعده من النار، وحدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج".

4 جاء ذلك عند البخاري في كتاب جزاء الصيد "1832"، والعلم "67، 105"، والأضاحي "5550"، والحج "1739""1741"، والفتن "7078"، والمغازي "4259"، والتوحيد "7447"، ومسلم في القسامة حديث رقم "30، 29/ 1679".

ص: 20

ففي الحديث الشريف الحض على نقل السُّنة، والترغيب في طلبها، والسعى إلى تحصيلها وتبليغها، وتوصية المرتحلين فيها، قال ابن أبي حاتم:"ولما أوصى النبي صلى الله عليه وسلم بطالبي الآثار، والمرتحلين فيها، ونبه عن فضيلتهم؛ عُلم أن في ذلك ثبوت الآثار، بنقل الطالبين الناقلين لها، ولو لم تثبت بنقل الرواة لها لما كان في ترغيب النبي صلى الله عليه وسلم فيها معنى".

قال الأستاذ الدكتور/ رفعت فوزي مُعقبًا على ما سبق: "ويرى ابن أبي حاتم أنه أتى في ذلك بما يراه كافيًا لدحض حجة هؤلاء وإبطال دعواهم، ولا أظن أنه يُقنع مثل هؤلاء القوم بطريقته هذه؛ لأنه يستشهد بما يرفضونه أساسًا، وهو الآثار، وحتى تلك الآيات التي ساقها؛ لأنه يبين مواطن الاستشهاد فيها اعتمادًا على ما ساقه من آثار وردت في آثارها، وهو كمحدث أُشربت نفسه حب الحديث، لا يريد أن يخرج عن دائرة التحديث حتى في المواطن التي ينبغي فيها الخروج عنها؛ ليكون عمله مجديًا ويؤدي الغاية المرجوَّة منه.

ومهما يكن من شيء، فقد أفاد عمله هذا من ناحية أخرى؛ من حيث بيان مشروعية الرواية وأهميتها في نقل السنن، وفي ذلك تأصيل لها، وبيان لقيمتها، كما أفاد عمله هذا كذلك طمأنة لقلوب المؤمنين"1.

1 المدخل إلى توثيق السُّنة "ص201".

ص: 21