الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
صاحِب العِمامة الفَرْدَة، إِنما قيل له ذلك لأَنه كان إِذا ركب لم يَعْتَمّ معه غيرُه إِجلالاً له، وفي الحديث ((جاءه رجل يشكو رجلاً من الأَنصار شَجَّه فقال: يا خَيْرَ مَنْ يَمْشي بِنَعْلٍ فَرْدِ أَوْهَبَه لِنَهْدَةٍ ونَهْدِ)) " (1).
المطلب الثاني: لفظا الغرابة والتفرد عند النُّقاد والدارقطني في العلل
.
ومفهوم الغرابة والتفرد في مصطلح أهل الحديث المتقدمين قريب من المعنى اللغوي إلى حد بعيد، فهم يطلقون الغرابة على الحديث الذي أبعد به الراوي عن بقية الأقران، فلم يشاركهم فيه، فأتى بما لم يسمعوا من شيوخهم، ويرجع قبول النُّقاد للتفرد أو الغرابة تبعاً لطبقة الراوي ومقدار تفرده: فكلما تأخرت طبقة الراوي لا يقبل منه التفرد، فالتفرد في طبقة التابعين أقرب للقبول، وممكن حدوثه كذلك في طبقة أتباع التابعين، وفي هذه الطبقة أقل من التي قبلها، وإمكانية التفرد في طبقة أتباع الأتباع أقل، وأما طبقة غيرهم فلا يكاد يُقبل تفرد أحد فيها عند النُّقاد المتقدمين.
والغريب قد يطلق عندهم على الصحيح، والحسن، والضعيف، والكذب الموضوع، فإنهم كانوا يطلقون الغريب على الأحاديث التي ليست لها أصل أو ليس لها إسناد، أو أنّه غلط، قال الخطيب البَغدَادِي في الكفاية:" عن الأعمش، عن إبراهيم قال: كانوا يكرهون غريب الكلام وغريب الحديث "(2)، وقال أيضاً:"قال أحمد بن حنبل: إذا سمعت أصحاب الحديث يقولون: هذا حديث غريب، أو فائدة فاعلم أنَّه خطأ، أو دخل حديث في حديث، أو خطأ من المحدث، أو حديث ليس له إسناد، وإن كان قد روى شعبة وسفيان، فإذا سمعتهم يقولون هذا لا شيء فاعلم أنَّه حديث صحيح "(3).
(1) ابن منظور: لسان العرب (ج3/ص331)، مادة (فرد).
(2)
الخطيب البغدادي: الكفاية في علم الرواية (ص 141).
(3)
الخطيب البغدادي: الكفاية في علم الرواية (ص 142).
وقال الإمام أبو داود: " والأحاديث التي وضعتها في كتاب السنن أكثرها مشاهير، وهي عند كل من كتب شيئاً من الحديث، إلا أن تمييزها لا يقدر عليه الناس، والفخر بها أنه مشاهير، فإنه لا يحتج بحديث غريب ولو كان من رواية مالك ويحيى بن سعيد والثقات من أئمة العلم "(1).
وكما أنَّهم كانوا يطلقون الغريب على الصحيح، كما فعل الإمام الترمذي في كتابه "السنن"، وهو مشهور عنه تقسيم الغريب إلى صحيح وحسن وضعيف، وقال الخليل بن عبدالله بن أحمد الخليلي:" حديث عمرو بن دينار في الرقية روى عنه أقرانه، والكبار من حديث أسماء بنت أبي بكر قالت: ((قُلْتُ يَا رسُول اللهِ إنَّ بَنِي جَعْفَرَ تُصِيبُهُم الْعَينُ فَاسْتَرْقِي لَهُم، فَقَالَ: نَعَم))، وهذا مما يتفرد به عمرو وهو صحيح غريب "(2).
وقال الحافظ العراقي في التقييد والإيضاح: " قوله وينقسم الغريب أيضاً من وجه آخر فمنه ما هو غريب متناً وإسناداً، ومنه ما هو غريب إسناداً لا متناً، ثم قال: ولا أرى هذا النوع ينعكس، فلا يوجد إذاً ما هو غريب متناً وليس غريباً إسناداً، إلا إذا اشتهر الحديث الفرد عمن تفرد به فرواه عنه عدد كثيرون، فإنَّهُ يصير غريبا مشهوراً، وغريباً متناً، وغير غريب إسناداً، لكن بالنظر إلى أحد طرفي الإسناد فإنَّ إسناده متصف بالغرابة في طرفه الأول متصف بالشهرة في طرفه الآخر كحديث:((إنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَاتِ)).
استبعد المصنف وجود حديث غريب متناً لا إسناداً إلا بالنسبة إلى طرفي الإسناد وأثبت أبو الفتح اليعمري هذا القسم مطلقاً من غير حمل له على ما ذكره المصنف فقال في شرح الترمذى: " الغريب على أقسام: غريب سنداً ومتناً، ومتناً لا سنداً، وسنداً لا متناً وغريب بعض السند فقط، وغريب بعض المتن فقط.
(1) سليمان بن الأشعث أبو داود: رسالة أبي داود إلى أهل مكة وغيرهم في وصف سننه، طبعة دار العربية، بيروت، تحقيق: محمد الصباغ، (ص29).
(2)
الخليل بن عبد الله بن أحمد الخليلي: الإرشاد في معرفة علماء الحديث (ج1/ص 329).