الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الثالث: ألفاظ التضعيف عند الدارقطني في العلل
.
لا شك أنَّ النقاد المحدثين كان لهم ألفاظ يستعملونها في الإفصاح عن الضعف الموجود في الرواية، وأنهم كانوا يقصدون به معنىً ما، والجدير بالذكر أنَّ كل إمام كان له ما يخصه من الألفاظ إلا أنهم لا يختلفون في المقصود من مرتبة الضعف المشار إليها في اللفظ.
وقد أطلق الإمام الدارقطني بعض الألفاظ التي تدل على الضعف، نأخذ نماذج منها:
أولاً: لفظة: " ضعيف ".
استخدم الإمام الدارقطني هذه اللفظة في الحكم على بعض الأحاديث نذكر منها مثالاً:
المثال: قال البرقاني في العلل: " وسئل - الدارقطني - عن حديث مالك بن يخامر، عن معاذ رضي الله عنه، عن النَّبي صلى الله عليه وسلم:((مَا عَظُمَتْ نِعْمَةُ اللهِ عز وجل إِلا عَظُمَتْ مَؤُنَةُ النَّاسِ عَلَيْهِ فَمَنْ لَمْ يَحْتَمِلْ تِلْكَ الْمَؤُنَةَ فَقَدْ عَرَّضَ تِلْكَ النِّعْمَةَ لِلزَّوَالِ)) (1)
فقال - الدارقطني -: يرويه ثور بن يزيد واختلف عنه: فرواه محمد بن علاثة (2)، عن ثور بن يزيد، عن خالد بن معدان، عن مالك بن يخامر، عن معاذ. ورواه أحمد بن معدان العبدي، عن ثور، عن خالد، عن معاذ. لم يذكر فيه مالكا، وهو حديث ضعيف غير ثابت " (3).
قلتُ: والعلة المشار إليها في الحديث أنَّ محمد بن عبدالله بن علاثة أخطأ في إسناد الحديث فأدخل مالك بن يخامر بين خالد بن معدان، ومعاذ، وحجة الدارقطني هي مخالفة أحمد بن معدان العبدي له، فقد ساقه بدون ذكر مالك بن يخامر، فظهر الانقطاع الذي بين خالد بن معدان، ومعاذ بن جبل رضي الله عنه وبينهما مفاوز، وقول الدارقطني هنا ضعيف يعني أنَّ
(1) أخرجه البيهقي: في شعب الإيمان طبعة دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى سنة 1410 هـ، تحقيق محمد السعيد بسيوني زغلول، (ج6/ص118) برقم (7664).
(2)
هو محمد بن عبدالله بن علاثة العقيلي الجزري، أبو اليسير الحراني القاضي (ت: 168 هـ)، صدوق يخطئ، قال البخاري: فيه نظر، ووثقه ابن معين وغيره، وقال الدارقطني: متروك،
…
وقال ابن عدى: أرجو أنه لا بأس به، ميزان الاعتدال (ج3/ص 594).
(3)
أبو الحسن الدارقطني: العلل (ج6/ص50) سؤال رقم (969).
الحديث من جميع الوجوه ضعيف لا يثبت (1)، والله أعلم
ثانياً: لفظة: " وهذا إسناد غير ثابت ".
استخدم الدارقطني هذا اللفظ في الحكم على الحديث لما سئل عن حديث أبي كبشة الأنْمَاري، عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه، عن النَّبي صلى الله عليه وسلم: ((مَنْ كَذَبَ عَلَي مُتَعَمِّدَاً
…
)) (2)، فذكر الخلاف ثم ساق الحديث بإسناده فقال:
حدثنا علي بن مبشر، قال حدثنا إسحاق بن أحمد القاص، قال حدثنا يونس بن عطاء قال ثنا أبو معمر الأصغر، عن أبي معمر الأكبر، عن أبي بكر الصديق عن النَّبي صلى الله عليه وسلم. وهذا إسناد غير ثابت " (3).
والضعف المشار إليه أنَّ هذا المتن صحيح، ولكنه لم يثبت له إسناد صحيح من مسند أبي بكر الصديق رضى الله عنه، وفرق كبير بين لفظة "حديث ضعيف لا يثبت "، وبين لفظة " إسناد غير ثابت "؛ لأنَّ الأول يدل على ضعف السند والمتن، والثاني يخص الإسناد بعينه دون المتن، لثبوت المتن من أسانيد صحيحة متواترة عن على وأبي هريرة وغيرهما رضى الله عنهم، وقد أخرجه الستة في مصنفاتهم.
ثالثاً: لفظة: " وهذا إسناد مقلوب ".
مثاله: قال البرقاني في العلل: " وسئل - الدارقطني - عن حديث شقيق عن عبدالله رضي الله عنه، عن النَّبي صلى الله عليه وسلم:((الدُّنْيَا مَلْعُونَةٌ مَلْعُونٌ مَا فِيهَا إِلَاّ ذِكْرُ اللَّهِ وَمَا والَاهُ وَعَالِمٌ أَوْ مُتَعَلِّمٌ)) (4).
(1) أخرج الشاهد الطبراني في المعجم الأوسط، (ج5/ص228)، برقم (5162) من طريق عبدالله ابن زيد الحمصي قال: حدثنا الأوزاعي، عن عبدة بن أبي لبابة، عن ابن عمر به. بإسناد ضعيف.
(2)
أخرجه البزار: في مسنده (البحر الزَّخار)، (ج1/ص98)، برقم (67)، بسند ضعيف.
(3)
أبو الحسن الدارقطني: العلل (ج1/ص 246) سؤال رقم (44).
(4)
أخرجه الترمذي على الوجه الصحيح: في السنن، كتاب الزهد، باب ما جاء في هوان الدنيا على الله عز وجل، (ج4/ص 561)، برقم (2322)، وابن ماجه في السنن، كتاب الزهد، باب مثل الدنيا، (ج2/ص 1377)، برقم (4112)، كلاهما من طريق عبدالرحمن بن ثابت بن ثوبان قال: سمعت عطاء بن قرة قال: سمعت عبدالله بن ضمرة، قال: سمعت أبا هريرة به، قال الترمذي:" هذا حديث حسن غريب "، وهو حديث حسن.
فقال - الدارقطني -: يرويه عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان واختلف عنه: فرواه أبو المطرف مغيرة بن مطرف، عن ابن ثوبان، عن عبدة بن أبي لبابة، عن شقيق، عن عبدالله. وهذا إسناد مقلوب وإنَّما رواه ابن ثوبان، عن عطاء بن قرة، عن عبدالله بن ضمرة، عن أبي هريرة. وهو الصحيح " (1).
قلتُ: والعلة المشار إليها في الحديث أنَّ أبا المطرف مغيرة بن مطرف أخطأ فقلب إسناد الحديث عن عبدالرحمن بن ثوبان فجعله من مسند عبدالله بن مسعود بقوله: " عن عبدة بن أبي لبابة، عن شقيق، عن عبدالله "، والصحيح أنَّه من مسند أبي هريرة رضي الله عنه.
رابعاً: لفظة: " ليس بقوي ".
ومثاله قال البرقاني في العلل: " وسئل - الدارقطني - عن حديث نافع، عن ابن عمر عن عمر رضي الله عنه، عن النَّبي صلى الله عليه وسلم: ((فِي الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّينِ))، فساق الدارقطني الخلاف فيه ثم قال: " ورواه خالد بن أبي بكر بن عبيدالله بن عبدالله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنه
…
عن سالم، عن أبيه، عن عمر. وأغرب فيه بألفاظ لم يأت بها غيره، ذكر فيه المسح وقال فيه: على ظهر الْخُفِّ، وذكر في التوقيت ثلاثا للمسافر ويوما وليلة للمقيم، وخالد بن أبي بكر العمري (2) هذا ليس بقوي " (3).
(1) أبو الحسن الدارقطني: العلل (ج5/ص89) سؤال رقم (735).
(2)
هو خالد بن أبى بكر بن عبيدالله بن عبدالله بن عمر بن الخطاب القرشي المدني (ت: 162 هـ)، فيه لين، من الطبقة السابعة كبار أتباع التابعين، أخرج له الترمذي، قال البخارى: له مناكير، تقريب التهذيب (ج1/ص 255)، الذهبي: ميزان الاعتدال (ج1/ص 628).
(3)
أبو الحسن الدارقطني: العلل (ج2/ص22) سؤال رقم (92).
خامساً: لفظة: " مجهول ".
ومثاله: قال البرقاني في العلل: " وسئل - الدارقطني - عن حديث أبي أمامة الباهلي عن عمر رضي الله عنه أنَّ النَّبي صلى الله عليه وسلم قال: ((مَنْ لَبِسَ ثَوْباً، فَقَالَ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي كَسَانِي مَا أُوَارِي بِهِ عَوْرَتِي)) (1) الحديث.
فقال - الدارقطني -: حدث به ياسين الزيات، عن عبيدالله بن زحر، عن القاسم عن أبي أمامة، عن عمر وعبيدالله بن زحر، إنَّما يروي عن علي بن يزيد، عن القاسم ولم يذكره ياسين في الإسناد.
ورواه أبو السائب عن وكيع، عن مسعر، عن عبيدالله بن زحر ولم يتابع عليه، وغيره يرويه عن وكيع عن خلاد الصفار، عن عبيدالله بن زحر وهو الصواب.
وروى هذا الحديث أصبغ بن زيد عن أبي العلاء عن أبي أمامة، وأبو العلاء هذا مجهول وعبيدالله بن زحر ضعيف والحديث غير ثابت " (2).
سادساً: لفظة: " لا يصح أو لا يثبت ".
المثال الأول: قال البرقاني في العلل: " وسئل - الدارقطني - عن حديث حدَّثَ به محمد بن عبدالواحد، ثنا أبو بكر محمد بن السري التَّمار، ثنا عباس الدوري، ثنا أبو داود الحفري، عن سفيان الثوري، عن سلمة بن كهيل، عن مصعب بن سعد، عن سعد ابن أبي وقاص رضي الله عنه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:((مَنْ كَذَبَ عَلَي مُتَعمِّداً فَلْيَتَبَوأ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ)).
(1) أخرجه الترمذي على الوجه الضعيف: في السنن، كتاب الدعوات، بَاب فِي دُعَاءِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، (ج5/ص558)، برقم (3560)، وابن ماجه في السنن، كتاب اللباس، باب ما يقول الرجل إذا لبس ثوبا جديداً، (ج2/ص 1178)، برقم (3557)، كلاهما من طريق يزيد بن هارون قال: حدثنا أصبغ بن زيد، حدثنا أبو العلاء، عن أبي أمامة، بسند ضعيف معلول.
(2)
أبو الحسن الدارقطني: العلل (ج2/ص22) سؤال رقم (160).
فقال - الدارقطني -: هذا لا يصح عن مصعب بن سعد، ولا عن سلمة بن كهيل ولا عن الثوري، ولعل هذا الشيخ دخل عليه حديث في حديث " (1).
المثال الثاني: قال البرقاني في العلل: " وسئل - الدارقطني - عن حديث أبي سلمة، عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النَّبي صلى الله عليه وسلم:((إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ فَلْيُصَلِّ إِلَى مَسْجِدٍ أَوْ إِلَى شَجَرَةٍ أَوْ إِلَى بَعِيرٍ فِإِنْ لَمْ يَجِدْ فَلْيَخُطَّ خَطًّا ثُمَّ لَا يَضُرُّهُ مَا مَرَّ)) (2).
فقال - الدارقطني -: يرويه الأوزاعي واختلف عنه: فرواه رواد بن الجراح، عن الأوزاعي، عن أيوب بن موسى، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، وقيل عن رواد، عن الأوزاعي، عن الزهري، عن أيوب بن موسى ولا يصح عن الزهري، وقال بقية عن الأوزاعي، عن رجل من أهل المدينة، عن أبي هريرة موقوفا. والحديث لا يثبت " (3).
قلتُ: وكل هذه الألفاظ التي سبقت تدل على ضعف الحديث عند الدارقطني، ولا أدعي أنني قد أستوعبت جميع الألفاظ التي تدل على الضعف عند الدارقطني في كتابه العلل وإنَّما هي غالب الألفاظ التي استعملها في تضعيفه للأحاديث، والله أعلم.
(1) أبو الحسن الدارقطني: العلل (ج4/ص331) سؤال رقم (603).
(2)
أخرجه أبو داود على الوجه الضعيف: في السنن، كتاب الصلاة، باب الخط إذا لم يجد عصا (ج1/ص 240)، برقم (689)، وابن ماجه في السنن، كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها، بَاب ما يستر المصلي، (ج1/ص 303)، برقم (943)، كلاهما من طريق أبي عمرو بن محمد بن عمرو بن حريث، عن جده حريث بن سليم، عن أبي هريرة، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:((إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ فَلْيَجْعَلْ تِلْقَاءَ وَجْهِهِ شَيْئًا فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَلْيَنْصِبْ عَصًا فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَلْيَخُطَّ خَطًّا ثُمَّ لا يَضُرُّهُ مَا مَرَّ بَيْنَ يَدَيْهِ))، بإسنادٍ ضعيف لجهالة أبي عمرو بن محمد بن عمرو بن حريث وجده.
(3)
أبو الحسن الدارقطني: العلل (ج8/ص50) سؤال رقم (1410).