الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ملخص الخلاف في تعريف العلة في الاصطلاح:
القول الأول: أنَّ العلة عبارة عن أسباب خفية غامضة قادحة في صحة الحديث، سواء كانت في السند أو في المتن وليس منها ما يقدح في ظاهر الإسناد من جرح في الراوي أو انقطاع في السند أو غيره، وهو قول الحاكم أبي عبدالله النيسابوري وابن الصلاح، والحافظ العراقي ومن تبعهم من أهل المشرق.
القول الثاني: أنَّ العلة هي كل ما يقدح في الخبر سواء كان خفياً غامضاً أو ظاهراً كالانقطاع أو التدليس أو الجرح في الراوي أو ما شابه ذلك، وهو قول ابن حزم، وعبدالحق الإشبيلي، وأبي علي الغساني وابن العربي المالكي، وعامة المغاربة.
والمختار من تعريف العلة في الاصطلاح:
وهو القول الأول أي: أنها سبب خفي غامض يقدح في الحديث، وإن كان الظاهر السلامة منه، وهو يدل علي وهم الراوي في روايته، سواء كان الوهم يتعلق بالإسناد أو بالمتن، ويُعلم هذا السبب بجمع الطرق، كما قال ابن المديني:" الباب إذا لم تجمع طرقه لم يتبين خطؤه "(1).
العلاقة بين المدلول اللغوي والاصطلاحي:
تكون العلاقة بينهما على ثلاثة أوجه:
الوجه الأول: وتكون العلة فيه بلفظ " مُعَلٌّ " بمعنى الضعف أو المرض، ووجه مناسبته للمعنى الاصطلاحي أن العلة إذا طرأت على الحديث الذي ظاهره الصحة أعلته فصار ضعيفاً أو مريضاً.
(1) الخطيب البغدادي: أحمد بن علي بن ثابت، أبو بكر (ت: 463هـ)، الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع، طبعة مكتبة المعارف، الرياض، طبعة سنة 1403 هـ، تحقيق: الدكتور محمود الطحان، (ج 2/ص212).
الوجه الثاني: وتكون العلة فيه بلفظ " العَلَلُ " بزيادة لام، بمعنى التكرار ووجه مناسبته للمعنى الاصطلاحي أن العلة تنشأ من إعادة النظر في الحديث مرة بعد مرة ليتبين علته، على ما ذكره بعضهم من لفظة " بعد التفتيش ".
الوجه الثالث: وتكون العلة فيه بلفظ " عَلَّلهُ " بمعنى ألهاه وشغله بالشئ ووجه مناسبته للمعنى الاصطلاحي أن الحديث المعلل هو الحديث الذي عاقته العلة وشغلته فلم يعد صالحاً للعمل به.
تعريف معنى النقد لغة واصطلاحاً:
والنقد في اللغة أصله تمييز الدراهم وإخراج الزيف منها، ومنه تسمية النقود، قال صاحب لسان العرب: " النقْدُ خلافُ النَّسيئة والنقْدُ والتّنْقادُ تمييزُ الدراهِم وإِخراجُ الزَّيْفِ منها، وقد أَنشد سيبويه:
تَنْفِي يَداها الحَصَى في كلِّ هاجِرةٍ
…
نَفْيَ الدَّنانِيرِ تَنْقادُ الصَّيارِيفِ (1).
وقال الجوهري: " نَقَدْتُهُ الدراهمَ، ونَقَدْتُ له الدراهمَ، أي أعطيته، فانْتَقَدَها، أي قبضها. ونَقَدْتُ الدراهم وانْتَقَدْتُها، إذا أخرجتَ منها الزَيْفَ. والدرهم نَقْدٌ، أي وازِنٌ جيِّدٌ. وناقَدْتُ فلاناً، إذا ناقشته في الأمر "(2).وقال صاحب المحيط في اللغة: " النَّقْدُ: تَمْيِيزُ الدَّرَاهِم. وأخْذُها الانْتِقادُ "(3).
وقال صاحب تاج العروس: " النَّقْدُ: الجَيِّدُ الوازِنُ من الدَّراهِمِ. ودِرْهمٌ نَقْدٌ. ونُقُودٌ جِيادٌ من المجاز، النَّقْدُ: اخْتِلاسُ النَّظَرِ نَحْوَ الشيْءِ وقد نَقَدَ الرجُلُ الشيْءَ بنَظَرِه ينْقُده نَقْداً ونَقْد "(4).
(1) ابن منظور، لسان العرب (ج3/ص425).
(2)
الجوهري، الصَّحاح في اللغة (ج5/ص 126)، مادة نقد.
(3)
الصاحب بن عباد: إسماعيل بن عباد بن العباس، أبو القاسم الطالقاني (ت: 385 هـ)، المحيط في اللغة، طبعة دار عالم الكتب، بيروت، تحقيق محمد بن حسن آل ياسين، (مادة نقد).
(4)
الزَّبيدي: محمّد بن محمّد بن عبد الرزّاق الحسيني، أبو الفيض، الملقّب بمرتضى، الزَّبيدي (ت: 1205)، تاج العروس من جواهر القاموس، طبعة دار إحياء التراث العربي، بيروت (مادة نقد).
وقال ابن فارس: " (نقد) النون والقاف والدال أصلٌ صحيح يدلُّ على إبراز شيءٍ وبُروزه ومن الباب نَقْد الدِّرهم، وذلك أن يُكشَف عن حالِهِ في جَودته أو غير ذلك. ودرهمٌ نَقْدٌ: وازِنٌ جيّد، كأنَّه قد كُشِف عن حاله فعُلم "(1)، فالنقد كما تبين هو إخراج وتمييز الجيد من الرديء لغة، وهو موافق لمصطلح المحدثين: أي تمييز الحديث الصحيح من الضعيف، وتمييز الأخبار من وجهتين: الأولى من جهة رواته توثيقاً وتجريحاً، والثانية من جهة المروي وهو متن الحديث إقراراً بصلاحيته أو تعليله.
بيان مشروعية النقد والتعليل:
أخرج البخاري ومسلم عَنْ عَائِشَةَ رضى الله عنها: ((أَنَّ رَجُلاً اسْتَاذَنَ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَلَمَّا رَآهُ قَالَ بِئْسَ أَخُو الْعَشِيرَةِ وَبِئْسَ ابْنُ الْعَشِيرَةِ فَلَمَّا جَلَسَ تَطَلَّقَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي وَجْهِهِ وَانْبَسَطَ إِلَيْهِ فَلَمَّا انْطَلَقَ الرَّجُلُ قَالَتْ لَهُ عَائِشَةُ يَا رَسُولَ اللَّهِ حِينَ رَأَيْتَ الرَّجُلَ قُلْتَ لَهُ كَذَا وَكَذَا ثُمَّ تَطَلَّقْتَ فِي وَجْهِهِ وَانْبَسَطْتَ إِلَيْهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَا عَائِشَةُ مَتَى عَهِدْتِنِي فَحَّاشًا إِنَّ شَرَّ النَّاسِ عِنْدَ اللَّهِ مَنْزِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَنْ تَرَكَهُ النَّاسُ اتِّقَاءَ شَرِّهِ)) (2).
قال الخطيب البغدادي: " ففي قول النبي صلى الله عليه وسلم للرجل: ((بئس رجل العشيرة))، دليل على أن إخبار المخبر بما يكون في الرجل من العيب على ما يوجبه العلم والدين من النصيحة للسائل ليس بغيبة، إذ لو كان ذلك غيبة لما أطلقه النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما أراد عليه السلام بما ذكر فيه، والله
(1) ابن فارس: أحمد بن فارس، معجم مقاييس اللغة (ج5/ ص 375).
(2)
البخاري: محمد بن إسماعيل بن المغيرة الجعفي أبو عبد الله البخاري (ت: 256 هـ)، الجامع الصحيح (مع الفتح)، طبعة دار الحديث القاهرة 1424 هـ، كتاب الأدب، باب لم يكن النَّبي صلى الله عليه وسلم فاحشاً ولا متفحشاً (ج10/ ص511)، برقم (6032)، ومسلم: مسلم بن الحجاج بن مسلم القشيري أبو الحسين النيسابوري (261 هـ) صحيح مسلم (مع شرح النووي)، طبعة دار الحديث القاهرة، 1422 هـ، كتاب البر والصلة والآداب، باب مدارة من يتقى فحشه (ج8/ص 388)، برقم (2591).
أعلم، أن يبين للناس الحالة المذمومة منه وهي الفحش فيجتنبوها، لا أنه أراد الطعن عليه والثلب له، وكذلك أئمتنا في العلم بهذه الصناعة، إنمَّا أطلقوا الجرح فيمن ليس بعدل لئلا يتغطى أمره على من لا يخبره، فيظنّه من أهل العدالة فيحتج بخبره، والإخبار عن حقيقة الأمر إذا كان على الوجه الذي ذكرناه لا يكون غيبة " (1).
وأخرج الإمام مسلم في صحيحه: ((عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ أَنَّ أَبَا عَمْرِو بْنَ حَفْصٍ طَلَّقَهَا الْبَتَّةَ وَهُوَ غَائِبٌ فَأَرْسَلَ إِلَيْهَا وَكِيلُهُ بِشَعِيرٍ فَسَخِطَتْهُ فَقَالَ وَاللَّهِ مَا لَكِ عَلَيْنَا مِنْ شَيْءٍ فَجَاءَتْ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لَهُ فَقَالَ لَيْسَ لَكِ عَلَيْهِ نَفَقَةٌ فَأَمَرَهَا أَنْ تَعْتَدَّ فِي بَيْتِ أُمِّ شَرِيكٍ ثُمَّ قَالَ تِلْكِ امْرَأَةٌ يَغْشَاهَا أَصْحَابِي اعْتَدِّي عِنْدَ ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ فَإِنَّهُ رَجُلٌ أَعْمَى تَضَعِينَ ثِيَابَكِ فَإِذَا حَلَلْتِ فَآذِنِينِي قَالَتْ فَلَمَّا حَلَلْتُ ذَكَرْتُ لَهُ أَنَّ مُعَاوِيَةَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ وَأَبَا جَهْمٍ خَطَبَانِي فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَمَّا أَبُو جَهْمٍ فَلَا يَضَعُ عَصَاهُ عَنْ عَاتِقِهِ وَأَمَّا مُعَاوِيَةُ فَصُعْلُوكٌ لَا مَالَ لَهُ انْكِحِي أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ فَكَرِهْتُهُ ثُمَّ قَالَ انْكِحِي أُسَامَةَ فَنَكَحْتُهُ فَجَعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا وَاغْتَبَطْتُ)) (2).
وقال الخطيب البغدادي: " في هذا الخبر دلالة على أن إجازة الجرح للضعفاء من جهة النصيحة لتُجتنب الرواية عنهم، وليعدل عن الاحتجاج بأخبارهم، لأنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم لما ذكر في أبي جهم: أنه لا يضع عصاه عن عاتقه وأخبر عن معاوية أنَّه صعلوك لا مال له، عند مشورة استشير فيها، لا تتعدى المستشير كان ذكر العيوب الكامنة في بعض نقلة السنن التي يؤدي السكوت عن إظهارها عنهم وكشفها عليهم إلى تحريم الحلال وتحليل الحرام، وإلى الفساد في شريعة الإسلام، أولى بالجواز وأحق بالإظهار وأما الغيبة التي نهى الله تعالى عنها بقوله عز وجل:{وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا} (3)(3) وزجر رسول الله صلى الله عليه وسلم عنها بقوله:
(1) الخطيب البغدادي، الكفاية في علم الرواية، طبعة دار الكتب العلمية، بيروت (ص 39).
(2)
مسلم بن الحجاج النيسابوري، صحيح مسلم (مع شرح النووي)، كتاب الطلاق، باب المطلقة ثلاثاً لا نفقة لها، (ج5/ ص 351 - 352)، برقم (1480).
(3)
سورة الحجرات آية رقم (12).
((يَا مَعْشَرَ مَنْ آمَنَ بِلِسَانِهِ وَلَمْ يَدْخُلِ الإِيمَانُ قَلْبَهُ لَا تَغْتَابُوا الْمُسْلِمِينَ وَلَا تَتَّبِعُوا عَوْرَاتِهِمْ)) (1)، فهي ذكر الرجل عيوب أخيه يقصد بها الوضع منه والتنقيص له والإزراء به فيما لا يعود إلى حكم النصيحة، وإيجاب الديانة من التحذير عن ائتمان الخائن وقبول خبر الفاسق واستماع شهادة الكاذب " (2)
وقال الإمام مسلم في مقدمة الصحيح كلاماً غاية في الإتقان، وضَّح فيه مشروعية النقد عند علماء الحديث والأثر فقال:" وأشباه ما ذكرنا من كلام أهل العلم في متهمي رواة الحديث وإخْبارِهم عن معايبهم كثير يطول الكتاب بذكره على استقصائه وفيما ذكرنا كفاية لمن تفهم، وعقل مذهب القوم فيما قالوا من ذلك وبينوا وإنما ألزموا أنفسهم الكشف عن معايب رواة الحديث وناقلي الأخبار وأفتوا بذلك حين سئلوا لما فيه من عظيم الخطر إذ الأخبار في أمر الدين إنما تأتي بتحليل أو تحريم أو أمر أو نهي أو ترغيب أو ترهيب فإذا كان الراوي لها ليس بمعدن للصدق والأمانة ثم أقدم على الرواية عنه من قد عرفه ولم يبين ما فيه لغيره ممن جهل معرفته كان آثما بفعله ذلك غاشا لعوام المسلمين "(3).
وقال الحافظ ابن رجب الحنبلي: " وذكر ابن المبارك رجلاً فقال: " يكذبُ "، فقال له رجل: يا أبا عبدالرحمن " تغتاب! "، قال " اسكت "، إذا لم نبين كيف يعرف الحق من الباطل؟ "(4).
وقال أيضاً: " روي عن ابن عُليَّةَ أنَّه قال في الجرح إن هذا أمانة ليس بغيبة "، وروى أحمد بن مروان المالكي حدثنا عبدالله بن أحمد بن حنبل قال: جاء أبو تراب النخشبي إلي أبي فجعل أبي يقول: " فلان ضعيف وفلان ثقة "، فقال أبو تراب:" يا شيخ لا تغتب العلماء " قال: فالتفت
(1) أبو داود: سليمان بن الأشعث بن إسحاق بن بشير السجستاني، (ت: 275هـ)، السنن كتاب الأدب، باب الغيبة، طبعة دار الفكر، بيروت، تحقيق: محمد محي الدين عبدالحميد، (ج2/ص686)، برقم (4880).
(2)
الخطيب البغدادي، الكفاية في علم الرواية (ص 40).
(3)
مسلم بن الحجاج النيسابوري، مقدمة صحيح مسلم (بشرح النووي)(ج1/ ص132).
(4)
ابن رجب: عبدالرحمن بن أحمد بن عبدالرحمن البغدادي الدمشقي الحنبلي، زين الدين وابن رجب هو لقب جده (ت: 795 هـ)، شرح علل الترمذي، طبعة دار الكلمة للنشر، سنة 1418هـ، المنصورة، مصر (ص 87).